فرص إقرار هدنة إسرائيلية في لبنان

تستمر الحرب الإسرائيلية على لبنان تزامناً مع جهود دولية مكثفة لفرض هدنة مؤقتة ووقف إطلاق النار، في مقابل رفض قاطع من قِبل نتنياهو وإصراره على مواصلة القتال حتى تحقيق أهداف تل أبيب، وسط نداءات دولية بضرورة التوصل إلى اتفاق وفرض حالة من الاستقرارفي المنطقة.

أكدت القناة 12 العبرية أن الجيش الإسرائيلي تقدم بمجموعة من الشروط إلى الحكومة يمكن بموجبها التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في لبنان، بما يفضي إلى فرض واقع أمني جديد، ومن بين تلك الشروط وجود قوات دولية على الحدود السورية تحول دون وصول الدعم الإيراني العسكري إلى حزب الله، فضلاً عن منح تل أبيب القدرة على شن حملات من آن لآخر تستهدف ما وصفتها بأعدائها حال تأكدها من تحركات تستهدف أراضيها.

فشل الوساطة

يأتي هذا في الوقت الذي فشلت فيه كل محاولات الوساطة لإنهاء الحرب ومن بينها مقترح للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فضلاً عن فشل مستشاري الرئيس الأمريكي جون بايدن في التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل للموافقة على هدنة تقتضي تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي يتضمن عدة بنود من بينها الوقف الفوري للقتال، واحترام الخط الأزرق، ونشر الجيش اللبناني وقوة حفظ السلام (اليونيفيل) في مناطق الجنوب، على أن تتزامن تلك الخطوات مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية بما فيها مزارع شبعا، ونزع سلاح حزب الله وإجراء انتخابات رئاسية في لبنان.

ومثلت المقاربة التي تبناها مستشارا الرئيس الأمريكي خطوة على طرق وقف الحربـ إلا أنها لم تنل رضا الحكومة الإسرائيلية العازمة على استمرار القتال في الأراضي اللبنانية لحين تحقيق ما وصفتها بأهداف استراتيجية عاجلة لتحقيق أمن إسرائيل وشل القدرة القتالية لحزب الله.

الانتخابات الأمريكية ومستقبل الحرب 

الدكتور خالد سعيد الباحث في الشأن الإسرائيلي، قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه وفقاً للمعطيات الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة، يربط رئيس الوزراء الإسرائيلي بين الانتخابات الأمريكية والحرب على غزة ولبنان، وسط توقعات بتأثير نتائج الانتخابات على حالة الأمن في الشرق الأوسط، متوقعاً استمرار الحرب حتى تحقيق إسرائيل أهدافها بالقضاء على حماس وحزب الله وترحيل فلسطيني الضفة الغربية إلى الأردن لتحقيق ما سبق، وأن صرح به المرشح الجمهوري دونالد ترامب حينما شدد على أن مساحة إسرائيل صغيرة، معلناً تأييدها لتوسيع رقعتها الجغرافية على حساب المقاومة في غزة وأيضاً في الضفة الغربية.

فيما أكد محمد سعيد الرز المحلل السياسي اللبناني، أن الإدارة الأمريكية الجديدة لديها خطة لفرض السلام في منطقة الشرق الأوسط، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأمريكية، لأن البيت الأبيض يتبع استراتيجيات متفق عليها من قِبل مجلس الأمن القومي والبنتاغون، وتعتمد الخطة على جهود مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة التي توازن ما بين المصالح الإسرائيلية والأمريكية واضعة في اعتبارها ما تواجهها منطقة الشرق الأوسط من تحديات فضلاً عن الصراع الأمريكي الروسي الذي يلقي بتبعاته على الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط، نظراً لوجود علاقة قوية بين موسكو وطهران التي تمثل الدعم الأول والرئيس لحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان فضلاً عن ميليشياتها في العراق واليمن، إلا أن خطة البيت الأبيض قد لا تحظى بقبول نتنياهو وحينها ستترك الأمور لسيناريوهات غير محسوبة العواقب على الصعيدين السياسي والعسكري.

التحركات الإيرانية وتأثيراتها على فرص فرض الهدنة

منذ اندلاع طوفان الأقصى قبل نحو عام لم تكن طهران وسيطاً في أية مفاوضات بين تل أبيب وحماس، وفيما جسدت داعماً قوياً لحركة حماس بالسلاح والتدخل المباشر في الحرب، وربما كان اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس بمثابة الصدمة التي منحت طهران فرصة للاصطفاف خلف الجناح العسكري لحركة حماس، وحينها دخلت في مفاوضات مع الإدارة الأمريكية حول سبل الرد على عملية اغتيال هنية في إيران، ونجحت في حصد مكاسب على الصعيدين السياسي والمعلوماتي مقابل عدم الرد، وما لبثت أن تحركت باستهداف تل أبيب بالمسيرات والصواريخ عقب اغتيال حسن نصرالله، لتتسع رقعة الحرب وتشمل طهران رغم عدم استمرار الاشتباكات بين الجانبين إلا أن الأخيرة أصبحت طرفاً مباشراً في الحرب، الأمر الذي يعوق فرص فرض الهدنة طالما لم تكن إيران طرفاً فيها، وما يدلل على ذلك هو فشل الوساطات القطرية والمصرية وحتى الأمريكية في فرض هدنة ولو مؤقتة، وسط ترجيحات باستمرار الدعم الإيراني القوي على الصعيد العسكري والاستخباراتي لحركة حماس وهو ما ظهر في تطور قدرات حزب الله الذي استطاعت قواته استهداف منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بطائرة مسيّرة. 

الداخل الإسرائيلي وتداعياته على صناعة القرار بشأن إنهاء الحرب

يشهد الداخل الإسرائيلي حالة من الغضب تتجلى مظاهرها في احتجاجات عنيفة من آن لآخر ضد حكومة نتنياهو ومطالبات بعقد اتفاق لإطلاق سراح الرهائن وهو ما يواجه بعنف من قِبل الحكومة فضلاً عن تجاهل حالة الغضب الداخلية والإصرار على استمرار الحرب، تزامناً مع استبعاد وزير الدفاع غالانت، وهو ما وصفه محللون بأنه محاولة من قِبل نتنياهو للمضي قدماً في تلك الحرب حتى لا يخضع للمساءلة القانونية عما جرى في 7 تشرين الأول 2023، إلا أنهم أكدوا أن نتنياهو لن يستطيع مواصلة الحرب إلى أمد بعيد خاصة بعد تردي الأوضاع الاقتصادية في الداخل الإسرائيلي وظهور دعوات كبيرة تحرض المواطنين على هجرة إسرائيل، فضلاً عن حالة الانقسام الداخلي على الصعيد الشعبي والحكومي، الأمر الذي قد يجبر نتنياهو على الخضوع لتوقيع اتفاق مع حماس وحزب الله لكن بشروط إسرائيلية قد تتحقق حال حسم الانتخابات الأمريكية أو دون شروط رضوخاً لضغوط البيت الأبيض الذي يستهدف استعادة الأمن والاستقرار في الشرق الوسط بفرض وساطات جديدة وقوية في مناطق النزاع الراهنة.