د. إيمان عبد العظيم: أوجلان قتل الخوف عند المرأة رغم العزلة المفروضة عليه

قالت إيمان عبدالعظيم، مدرسة العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن القائد عبدالله أوجلان، الذي يواجه العزلة في سجنه بإمرالي طيلة السنوات الماضية استطاع أن يؤرخ لمرحلة نسوية جديدة قتل فيها الخوف عند المرأة.

أكثر من مئة طلب تقدم سنويا من قبل أسرة القائد عبدالله أوجلان وكذلك محاميه من أجل كسر العزلة المفروضة عليه من النظام التركي في سجن جزيرة إمرالي حيث عزلته الجبرية التي رغم امتداد سنواتها إلا أن أسرته ومحاميه لم يكلوا من المطالبة بالحصول على حقوقه والتي أدناها كسر العزلة التي يعيشها منذ تنفيذ المؤامرة الدولية ضده واعتقاله في تسعينيات القرن الماضي.

ورغم حالة العزلة المشددة المفروضة على القائد أوجلان إلا أنه استطاع من سجنه أن يواصل تأريخه للفكر ولحياة الكرد المعاصرين المؤمنين بفكره وخاصة المرأة التي قدم لها وعنها تنظيراً شكل فارقاً نراه ونلمسه بشدة لدى المرأة الكردية التي قدمت مؤخرا ألواناً من الثقة والحضور فريدة.

حول فكر أوجلان وعزلته ورؤيته للمرأة وفكره حولها التقت وكالة فرات للأنباء د. إيمان عبدالعظيم مدرس العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والتي أكدت على عمق الرؤية الأوجلانية التي أبهرتها فيها رؤيته وتعامله مع المرأة حتى أنه "قتل الخوف فيها" وفق لرؤيتها.

وأكدت عبدالعظيم أن أفكار أوجلان عن المرأة تمثل بذاتها مشروعا فكريا قائما بذاته يعبر عن لمحة غاية في الأهمية للتنظير السياسي خاصة في سباقات النسوية.

وقالت عبدالعظيم:  يعبر الفكر عن الرؤى والتصورات المجردة حول الوجود. ويمكن دراسته من خلال عدة مستويات منها مستوى القضايا. ومن ثم يكون المفكر أو الفكرة وحدات تحليل، وانطلاقا من أداة تحليل المضمون، يتأثر فكر المفكر بثلاث مجموعات من العوامل وهي؛ النشأة والخبرات الشخصية والمشكلات التى واجهت عصره، فضلا عن السياق الحضاري العام للمفكر.
 ومن هذا المنطلق، فإن واحدة من أهم أفكار ورؤى المفكر الكردي عبدالله أوجلان والذي يعد أحد أهم المفكرين الكرد. تتمثل في أفكاره عن المرأة فهي بذاته تعد مشروعاً فكرياً خالصاً، ويلاحظ أن هذه الفكرة لم تأت صدفة، بل نشأت فى ظل ظروف بيئية وظروف معينة ولدت هذه الفكرة. ومن ثم،  فقبل التطرق لأفكاره، يجب النظر للعوامل المؤثرة فى أفكاره والتى أفرزت تساؤلاته وأفكاره".

النشأة والخبرات الشخصية وأثرها على فكر  أوجلان

وتلفت إلى أنه كان للجانب الثقافي والمعرفي، فضلاً عن الخبرات السياسية التى مر بها القائد عبدالله أوجلان أثر على ما تكون لديه من تراكم للخبرات. وتضيف "أوجلان «آپو» الذي لابد أن نعرج على حياته من البدايات مفكر كردي معروف، وهو مؤسس وأول قائد لحزب العمال الكردستاني عام 1978. ولد في قريه عمرلي مركز خلفتي في شانلي أورفة ودرس في مدرسة أناضولو تابو وقاداستورو الثانوية ما بين فترتي 1968_1966. وبدأ العمل في مصلحة المساحة الموجودة في ديار بكر (آمد) منذ عام 1969. ثم انتقل من الوظيفة التي في ديار بكر وذهب إلى إسطنبول وتولى إدارة مصلحة بكر كوي، وقد التحق بكليه الحقوق في جامعة اسطنبول عام 1971. وفي نفس العام قام أوجلان بالتحويل  إلى كلية العلوم السياسية جامعة أنقرة. ومن هنا بدأ في النشاطات السياسية كعضو شعبه جمعيه ثوار الثقافة الشرقية في إسطنبول1970، وتقيد بكلية العلوم السياسيه جامعه أنقرة   1971.

وقد اهتم في نفس العام أيضاً بمنظمة جمعية الحقوق التركية الموجودة في رسوم ماهر جايان. وفي أبريل 1972 قُبض عليه عندما كان يوزع منشورات مجموعه الفجر وظل معتقلاً في سجن مامك عسكري سبعة أيام".

وتلفت إلى أنه وفي سنة 1975 أسس جمعية التعلم الديمقراطي العالي في أنقرة مع صديقه الذي كان طالباً لمجموعه ما. انتقلت الجمعية المؤسسة في أنقرة إلى جنوب شرق الأناضول خلال فترة قصيرة وتواجدت نشاطات نشر الدعوة بين الشباب الموجودين في المنطقة، مايلفت إلى أن تلك المرحلة من الشباب غير العادية كانت تنبيء عن شاب غير عادي سيغير كثير من ملامح المعادلة في جغرافيته".

السياق الحضاري العام لأوجلان

وتذهب عبدالعظيم إلى أن القائد أوجلان في مسارات السياق الحضاري مر بعدة مراحل فى التفكير تمثلت في التالي:
أولا: مرحلة الفكر الوطني الثوري، التى بدأت ملامحها بالتحويل من دراسة الحقوق إلى العلوم السياسية.
 المرحلة الثانية: وكانت مرحلة الفكر اليساري التى ظهرت ملامحها فى عام 1978 حينما أسس حزب العمال الكردستاني. وهو حزب يسعى لشكل من الاستقلال عن السلطة وبناء مجتمع ديمقراطي متحرر.

أما المنطلقات الفكرية لعبدالله أوجلان، فتذهب إلى أنه كان  لانتماء آپو إلى السياق الحضاري الوطني الثوري والاشتراكي أثره فى إيمانه بعدد من المنطلقات منها:
• ربط درجة حرية المجتمع بدرجة حرية المرأة في ذاك المجتمع بشكل عام كما ذكر ماركس.
• عدم نجاح أى عمل ثوري لا تشارك فيه المرأة كما ذكر لينين .  
• تأثر بأنجلز في تحليله  للمراحل التي مرت بها المرأة تاريخيا.
• العشوائية هي الناحية الملفتة في الحركة النسائية العالمية.
• إن مجرد تحديد يوم واحد من 365 يوم من العام للمرأة هو دليل على الاستخفاف بها.
• يجب فرض الوطنية وعشق الحرية على من نحبهم.

المرأة في فكر عبدالله أوجلان

وتشير إيمان عبد العظيم إلى أهمية دور المرأة في فكر أوجلان، لافته إلى أنه "تم تأليف العشرات من الكتب بقلم المفكر عبد الله أوجلان، ومنها كتاب المرأة والعائلة، ضمن هذا الكتاب لخص أوجلان المبادئ الأساسية لبناء عائلة تسودها الحياة الندية بين الرجل والمرأة قائمة على أساس المساواة والحرية دون التبعية والدونية".  

وأضافت: وتركزت أهم النقاط التي ذكرها عبد الله أوجلان في كتاب المرأة والعائلة على ما يلي:
إن التحول الثوري يبدأ من العائلة كأول خطوة في سبيل التحرر الوطني والاجتماعي، أي العائلة الجديدة في مواجهة العائلة القديمة. إن لم نتجرأ على طرح العلاقات الحرة الحقيقية التي تعبر عن العائلة الحرة المكونة من المرأة الحرة والرجل الحر، عندها تبقى القيم والمقاييس الإقطاعية هي الحاكمة. واستكمل حديثه قائلا:" لنصب كل جهودنا على خلق الإنسان الحر في الوطن الحر. وإذا كان خروجكم نتيجة تخليكم عن العائلة أو تخلي العائلة عنكم فليس لهذا الخروج أية قيمة ثورية. لقد توقفت على القيم الإنسانية، وانطلقت من موقف تفضيل حرية الإنسان على كل شيء آخر". واستطرد فى ذات المسألة قائلا:" يجب ألا يقف الإنسان على قدميه بفضل الجبال بل يجب عليه الاعتماد على عقله وقلبه أساساً للوقوف. ما دامت العبودية منتشرة بهذا الشكل فنحن بحاجة إلى ثورة على الصعيد الأخلاقي".

وتابعت: ربط عبدالله أوجلان استقلال الكرد فى العالم بحرية المرأة، حيث ذكر قائلا: "لنبدأ بتطبيق الحل التحرري لقضية المرأة على ذاتنا ثم نعممه على المجتمع. سنحارب بوعي العالم العظيم الذي نعمل لتأسيسه، الثورة الكردستانية ستتطور اعتماداً على السلطة المشتركة للمرأة والرجل. الحزب يسعى إلى علاقة الحرية، الذين يعيشون دنيا التملك والامتلاك سواء أكانوا عبيداً أم متحكمين لا يستطيعون فتح الطريق أمام المواقف الخلاقة نحو تحرر المرأة سواء بالفكر أو بالموقف الحر".

وتعقيبا على ماسبق تقدم إيمان عبدالعظيم عدة ملاحظات في السياق تتمثل في أنه يظل هناك بعض النقاط في فكر عبدالله أوجلان بشأن المرأة فى حاجة للوقوف عندها، كالتالى: "ذكر أوجلان أن البقاء تحت نير الاستعمار مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية تأنيث المرأة وبدون شك؛ فإن التهديد الشرس الموجه إلى شعبنا والاستعمار الذي لا يعترف بحدود لممارسته. نحن قمنا بتحليل عميق وجذري للاستعمار الوحشي المطبق علينا والذي يندر مثيله في العالم أجمع وجدنا أنه نابع من (موضوع المرأة) لأن مرحلة دخولنا تحت نير الاستعمار مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية تأنيث المرأة أي جعلها “زوجة، أمه” ترضى بعبوديتها، وكما نلاحظ فإن مسألة خنوع المرأة منتشرة وبشكل مكثف بين المجتمع، لاحظنا بأنه مثلما هناك رضا من جانب المرأة بسيطرة وسطوة الرجل على كافة مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والاخلاقية؛ فإن الاستعمار أيضاً قام بالسيطرة على كل ذلك.

وتابعت: يلاحظ فى هذا الصدد قيامه بتفسير أسباب التباين بين ميزة الاستقلالية التنظيمية للنساء فى ظل النظام الأمومي، وبين تشرذمهن التدريجي وفقدهن للاستقلال تحت قيادة النخب المنتجة أوروبيا والنظام السياسي المنحاز للذكور حتى فى ظل بنية السلطة الذكورية، فإن من فى السلطة من النساء لا يخدمن مصالح النساء. واستكمل حديثه أن المجتمع الرأسمالي استخدم المرأة كوسيلة للدعاية والتحريض فقط.  وبالفعل النظام الرأسمالي جعل من المرأة سلعة وتعرضت المرأة إلى ظاهرة التسليع فى ظل هذا النظام . ولكن أيضا هناك بعض الاختلافات مع فكر أوجلان فكلما تحقق تطور على صعيد تحرر المرأة كلما عمت المساواة على المستوى العالمي.  اتفق معه أن مزيد من الحرية للمرأة شيء جيد ولكن يتمثل الهدف النهائي في سعي المرأة إلى الحرية فى الحرية نفسها على المستوي العالمى وليس المساواة . فالمرأة لا تسعي للمساواة بل تسعي للحرية والعدالة فقط".

وأردفت: بقاء الاستعمار لا يرتبط بقضية تأنيث المرأة بقدر ما يرتبط بتذكيرها . وهنا تتجلى الإشكالية في أنه ربط فكرة جعل المرأة زوجة وأم بمسألة الخنوع، ورغم أن المرأة لن تستطع أن تكون زوجة وأم إلا إذا كانت حرة بالفعل . ولكن ما هي الحرية المقصودة هنا ؟ الحرية هنا تتجذر فى أمرين ؛ يتمثل الأول في شعور المرأة وإحساسها بالحرية ولا ترتبط بالضرورة بفعل. ويتمثل الثاني في وجود رجل حر ومسئول ، حيث تتعرض المرأة للقهر والخضوع إذا ما وقعت تحت وطأة استعمار ذكر لا يحمل مسئولية الرجل الحق.

وأشارت إلى أنه في حديثه عن العوامل التى أدت إلى التغيير الاجتماعي، يصف أوجلان التخلف والتراجع بعد الانتقال إلى المجتمع الآبويaي بعد أن كان  المجتمع الأمومي ( نسبة إلى الأم ) وهو الاكثر تقدما وقوة بحكم أن المرأة هي الأقوى لدى الجنس البشري في مرحلة البدايات، نظراً لما تتمتع به المرأة من نشاط إنتاجي من جميع النواحي. نستطيع القول بأن المرأة هي المهيمنة في مرحلة عدم تطور مواهب الرجل. ولكنه استكمل حديثه انه  فيما بعد استطاع الرجل أن يفرض سيطرته على المرأة وجعل من نفسه إلهاً مقدساً في السماء ورب الأسرة والعائلة ولم يمكن المساس به. أما المرأة الضائعة أصبحت سبباً في زيادة سيطرة وهيمنة الرجل عليها وعلى المجتمع بأسره. ضاعت المرأة سواء في القصور أو في الحظائر ولم تكن حرة أبداً بل أصبحت مصدر ملذات وسعادة للرجل حتى وهي ملكة أو أميرة أو سلطانة، وهنا تطورت لديها أسلوب حبك ونسج المؤامرات والدسائس في سبيل تحقيق السلطة لأولادها الذكور. المرأة المختبئة منذ مئات السنين أصبحت مكشوفة وتُستخدم بشكل فاضح في المجتمع الغربي. في عالم اليوم ظهر على الساحة قطاع خاص وكبير بالمرأة فقط، فالمرأة التي كانت متاعاً كالمال والملك أصبحت وسيلة للإعلانات مثل نباتات الزينة وليس لديها إرادة ذاتية ولا هي صاحبة كلمة في قضايا المجتمع ولا حتى لها تأثير في عائلتها. الوضع الحالي للعائلة هو في صالح الرجل، لهذا ليس من المتوقع أن يقوم بقطع الغصن الذي يجلس عليه أبدا.

ولفتت إلى أنه ورغم تأكيد أوجلان الشديد والمتكرر أن الملامح الآبوية اخترقت بعمق أساسيات النظم الأمومية، وأن التغيرات الجذرية التى زعزت النظام الأمومي بقوة جاءت مع الوجود العلماني الغربي والتشريعات الاستعمارية ووجود مجموعة من النخبة المتعلمة وذات الاتصال الأخلاقي مع الغرب. ولكنه يواصل تأكيده على ضرورة أن تقف المرأة في وجه الهجوم الأيديولوجي للرجل. وعلى المرأة التسلح بأيديولوجية تحررية تتجاوز نطاق الحركات النسوية بمرجعيتها الغربية.

وأكدت في نهاية حديثها على أنه "ينبغي التأكيد على أن أفكار عبدالله أوجلان قد تكون أحد العوامل المساعدة في دراسة قضايا النوع الاجتماعي"، ولكنها تذهب في الوقت نفسه إلى أنها تفقد جدواها أمام النص الديني في إطار عملية نقد التراث ولا تكفي وحدها كأداة تنموية لتحسين وضع المرأة بشكل عام والكردية بشكل خاص.