ما تزال عقلية الدولة التركية القومية الأحادية منذ عام ١٩٢٣ وحتى اليوم هي نفسها، وهي عقلية الإبادة والتصفية بحق المجتمعات والشعوب الأخرى ولم تختلف ذهنية وسلوك هذه الدولة الوظيفية ومقارباتها كثيراً من القضايا الداخلية والخارجية، رغم الاستدارات التكتيكية ومحاولة إعطاء الانطباعات المقبولة من قبل الحكومات التركية المتعاقبة وذلك نظراً لعدم امتلاك السلطات التركية القرار الوطني السيادي الحر مع وجودها في حلف الناتو ولأن ائتلاف القوى التي يتم عادة جلبه للحكم في تركيا يكون عبر مسارات محدودة الخيارات الاستراتيجية لصالح الهيمنة العالمية ومصالحها بشكل عام، رغم اختلاف التوجهات بين العلمانية والإسلامية ورغم محاولة أغلب السلطات التركية التي تصل للحكم في امتلاك مشروعها الخاص فيما يتعلق القومية الطورانية والعثمانية الجديدة والرغبة في أن تكون هي القوة الإقليمية الأقوى، كما هي سلطة أردوغان وبهجلي الحالية.
تصارع السلطة التركية الحالية أي سلطة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة التركية القومية بكل الوسائل للبقاء في الحكم والفوز في الانتخابات القادمة وذلك لأنها تخاف ما وراء سقوطها من حتمية محاكمتها على أفعالها وقراراتها التعسفية، ومن الصحيح القول أن نتائج انتخابات البلدية عام ٢٠١٩ وخسارة مرشحي تحالف أردوغان وبهجلي لبلديات أكبر المدن مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير أكدت أن السلطة الحالية لا يمكن أن تنجح في أية انتخابات قادمة.
إن كمية الحقد وخطاب الكراهية والبغض وكذلك الكذب والنفاق والازدواجية الذي يتشدق به ويمارسه أردوغان وحزبه في داخل تركيا وخارجها تجاه المختلفين والمعارضين لسياساته لا يقارن بتصريحات وتصرفات أي رئيس أو مسؤول في تركيا أو في العالم، ولعل من رصد سياسة السلطة التركية في العقد الأخير على الأقل سيلاحظ ذلك بشكل مؤكد.
تشكل القضية الكردية القضية المركزية للدولة التركية القومية ولكل السلطات التركية المتعاقبة ولفهم ذلك لابد أن ندرك أن القضية الكردية هي إحدى القضايا الدولية التي تم إيجادها وإبقائها في عهدة تركيا إقليمياً لزوم الهيمنة العالمية على المنطقة كبؤرة توتر وورقة ضغط وشرخ في جسد المنطقة، ولذلك المقاربات التركية لا تخرج عن الإطار العسكري والتعامل الأمني رغم محاولة الطرف الكردي ممثلاً بالقائد أوجلان وحرية حرية كردستان في طرح مبادرات للحل الديمقراطي ووقف إطلاق النار لأكثر من ٩ مرات منذ عام ١٩٩٣.
منذ عام ١٩٢٥ والدولة القومية التركية تمارس الإبادة الجماعية الفريدة والانصهار والذوبان بحق الشعب الكردي وكل ما يمت للكردياتية بصلة، بعد أن مارستها ضد الشعوب الأخرى ضمن الدولة القومية التركية المصطنعة مع الحرب العالمية الأولى. ومن الطبيعي أن يكون للشعب الكردي حالة رفض ومقاومة ضد هذه الممارسات الإجرامية التي تستهدف وجوده وهويته وحريته، فكانت السنوات من ١٩٢٥ وحتى ١٩٤٠ سنوات للمجازر التركية التي أرادت تصفية الوجود الكردي وبالمقابل كانت الانتفاضات والكفاح والنضال ورفض الشعب الكردي لممارسات الدولة التركية. علماً أن الكرد والترك عاشواً معاً لأكثر من ألف سنة تحت المظلة الإسلامية واتفقوا معاً على خوض حرب الاستقلال ١٩١٩-١٩٢١ وبناء دولة للشعبين الكردي والتركي لكن بعد تعاظم نفوذ وسيطرة الاتحاد والترقي والعلاقات التي نسجوها مع الهيمنة البريطانية تم التوجه السلطوي الدولتي نحو النمطية والأمة القومية التركية أي الدولة الوظيفية للهيمنة الخارجية و حينها تم سن دستور عنصري قوموي تركي وكذلك قوانين تمييز عنصري كقانون "إصلاحات الشرق" وغيره والبدء بمحاولة تصفية وجود الشعب الكردي وتتريكه.
ومنذ ١٩٧٣ وحتى اليوم وامتداداً لحالة الانتفاضات الكردية السابقة من أجل الحفاظ على الوجود وكسب الحرية، بدأ سياق ومسار مجتمعي ديمقراطي كردي مستقل بقيادة القائد عبد الله أوجلان ورفاقه تحول في عام ١٩٧٨ إلى حزب سياسي وحركة نضالية جماهيرية وكفاح مسلح منذ ١٩٨٤، عدا تلك السياقات المتواطئة والعملية التي تم زرعها في جسد الأمة الكردية لمنع وسد الطريق لأي تحركات شعبية حقيقية تطالب بالحقوق المشروعة للشعب الكردي.
من أراد دفن الكرد وهم أحياء كانت ومازالت في المقدمة الدولة التركية القومية وسلطاتها المتعاقبة والتي ينتهون بهذه الحسرة والهدف ويكرره أردوغان يومياً وكذلك السلطات القوموية في الدول الثلاثة الأخرى التي تم تقسيم الكرد وكردستان عليهم، إيران والعراق وسوريا، نظراً لطبيعة الدول القومية والنظم القوموية التي ترى وجودها في بناء أمة الدولة والتبعية للخارج و تصفية وجود المجتمعات والشعوب الأخرى الأصيلة والتقاليد الديمقراطية لا في التشارك والتعايش معهم في ظل نظام ديمقراطي يحافظ على التعدد والتنوع الموجود ويعطي للمجتمعات والشعوب حقوقها في إدارة نفسها وأرضها وثرواتها.
السلطة التركية التي تبلورت وتشكلت في تركيا عام ٢٠١٥ بعد هزيمة داعش في مدينة كوباني وهزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في حزيران من نفس العام، تمتلك أعلى مستويات الفاشية والاستبداد فهي حكومة حرب ولذلك كل ممارساتها ومقارباتها من القضايا الداخلية والخارجية وتدخلاتها كانت متوتراً وتبعث على القلق وزرع الفوضى ودعم أغلب حركات الإخوان وكذلك داعش والقاعدة حتى أصبحت تركيا منبع الإرهاب ومازال، وصولاً في تحقيق رغبتها لخلق ظروف وأجواء مناسبة للتمدد والتوسع ومشروعها العثمانية الجديدة وخطوتها الأولى الميثاق المليّ.
استخدام جيش الاحتلال التركي للأسلحة الكيماوية:
تمارس الدولة التركية في إبادتها الجماعية الفريدة والمستمرة على الأقل مئة سنة ضد الكرد كل أنواع الحروب العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية والاجتماعية والمائية وغيرها مع كل أنواع الأسلحة من المدافع والطائرات الحربية والأسلحة المحظورة والمحرمة دولياً، فهي لجأت وبقرار من أردوغان شخصياً وخلوصي أكار باستعمال الأسلحة الكيماوية وكذلك النووية التكتيكية، وفي غضون الثمانية الأشهر الأخيرة فقط استعمل الجيش التركي السلاح الكيماوي حوالي ٣٠٠٠ مرة ضد قوات الدفاع الشعبي الكريلا والمدنيين الكرد، ورغم ذلك أضطر جيش الاحتلال التركي إلى الانسحاب أمام ضربات قوات الكريلا في العديد من المواقع في منطقة زاب في مناطق الدفاع المشروع القريبة من الحدود العراقية التركية في إقليم كردستان العراق.
وعندما لم تحقق الدولة والسلطة التركية أهدافهم أمام مقاومة قوات الكريلا في احتلال إقليم كردستان العراق رغم كل التواطؤ الدولي والإقليمي وصمتهم على استعمال تركيا للأسلحة المحظورة علاوة على تواطؤ حزب الديمقراطي الكردستاني، فإنهم أرادوا احتلال مناطق جديدة في شمال وشرق سوريا وقاموا باستهداف البنية التحتية وعوامل الاستقرار ومع صمود وعدم هجرة شعوب شمال وشرق سوريا وكذلك عدم وجود الموافقة الدولية لم تحقق تركيا كذلك أهدافها في شمال سوريا رغم أنها مازالت تدعم خلايا داعش وتعول عليها ولقد جعلت مناطق احتلالها في شمال سوريا مناطق أمنة لقيادات داعش والقاعدة تحت اسم ما يسمى الجيش الوطني السوري.
اللقاء الثلاثي لوزراء الدفاع لـ (روسيا، تركيا، سوريا):
ومن معرفتنا بهدف السلطة التركية الأوحد في إبادة الكرد ومحاولتها الحثيثة في إشراك الأخرين معها في هذه الجرائم والممارسات القذرة يمكننا القراءة الصحيحة، وإذا أردنا فهم ظروف ودوافع اللقاءات المتعددة ومنها الأخيرة بين وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات بين تركيا وروسيا و النظام السوري، لابد من ذكر دوافع السلطة التركية:
1- فشل كل ممارسات أردوغان وسلطته وحروبه ضد مشروع الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية رغم احتلاله لبعض المناطق بتواطؤ دولي وإقليمي ووفق مسار الصفقات أستانا واستمرار التعاون بين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة داعش لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة من داعش.
2- صمود ودوام الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، المشروع الديمقراطي الوطني السوري حد كبير رغم كل حالات الحصار والصعوبات وبل بات يشكل نموذج للحل الديمقراطي وتسوية الأزمة السورية وفق إرادة ورغبة السوريين الوطنيين بما يحقق وحدة سوريا وسيادتها في نظام تعددي لامركزي ديمقراطي متين ومتكامل مع محيطه العربي.
3- قرب الانتخابات التركية وتشكيل اللاجئين السوريين ورقة ضغط بيد المعارضة التركية وعبء اقتصادي مع تدهور حالة الاقتصاد التركي وذلك بعد أن استفاد منهم السلطة في أخذ مليارات الدولارات من الأوربيين وكذلك بعد استخدامهم كمرتزقة وورقة ضغط حتى ضد الأوربيين وأدوات للتغيير الديموغرافي في مناطق احتلالها والأن يريد أردوغان التخلص المفيد منهم بأن يكونوا أداة في مناطق احتلال جديدة أو وفق ما يسميه المناطق الأمنة التي هي شرعنة للميثاق الملي وضم المناطق لتركيا.
4- محاولة تركيا الالتفاف على إرادة السوريين وثورتهم وأي حلول ديمقراطية وسياقات تحاور داخلية وطنية وكذلك لتحجيم دبلوماسية الإدارة الذاتية التي تتطور بشكل ملحوظ ومؤثر في الفترة الأخيرة.
5- حتى تحافظ تركيا على مسافة قريبة ومساحة مشتركة بينها وبين روسيا وتحصل منها على مكتسبات اقتصادية تحتاجها السلطة الحالية وكذلك لترسل رسائل إلى أمريكا والتحالف الدولي لمحاربة داعش. وهذا فإن مسار التطبيع أو الاستدارات التكتيكية المرحلية والأنية هي في جدول أعمال السلطة التركية ودعايتها الانتخابية مع التأكيد أنها استمرار للإبادة، عليه كان اللقاء الثلاثي لوزراء الدفاع بين روسيا وتركيا والنظام السوري بعد أكثر من عقد على التدخلات وكل التخريب والدمار والاحتلال التركي.
ولكن ماذا تريد روسيا من هذه اللقاءات ومسارات التطبيع التركية التي تركز عليها مع سوريا وغيرها:
1- تريد روسيا الحفاظ على مسافة قريبة بينها وبين تركيا وضمان حياديتها في الحرب الأوكرانية وعدم تنفذها للعقوبات الأوربية والغربية وخاصة بعد تحديد سقف البيع للنفط الروسي.
2- تريد روسيا الضغط وعبر هذه اللقاءات الثلاثية على التواجد الأمريكي في المنطقة وربما استخدام الساحة السورية وغيرها كورقة ورافعة من أجل الحرب الأوكرانية.
3- تريد روسيا الحفاظ على مكتسباتها في سوريا وضمان التحسن الاقتصادي النسبي ولو قليلا وخاصة بعد التدهور الاقتصادي والوضع المعيشي الذي لا يطاق في مناطق سيطرة روسيا والنظام وإيران.
4- تريد روسيا خلق توازن بين نفوذها والنفوذ الإيراني ضمن سوريا من باب إظهار المقدرة على إدخال لاعبين جدد والسماح لهم بأدوار تناسب وتوافق المصالح الروسية التي ربما لا تناسب إلى حد كبير إيران.
لكن لماذا يذهب النظام السوري إلى التطبيع مع المحتل التركي وإلى هذه المسارات المتواطئة في الوقت الحالي ألا يرى كل الإجراءات والممارسات التي تفعلها تركيا لتتريك ولضم مناطق احتلالها لتركيا كفرض اللغة التركية والمؤسسات والعملة التركية وتغيير التركيبة السكانية وتقوية نفوذ التركمان المحسوبين على أردوغان. لماذا لا تذهب حكومة دمشق إلى الحوارات مع السوريين والوطنيين والمدافعين عن سيادة سوريا ووحدتها، لماذا لا تذهب دمشق إلى الحوار مع الدول العربية المحورية وتفضل تركيا وروسيا وإيران، هل لأن حكومة دمشق لا تهمها سوى بقاء بشار الأسد في الحكم حتى على حساب وحدة سوريا وسيادتها وتكاملها مع محيطها العربي أو أن الحكومة السورية باتت ضعيفة لدرجة أنها غير قادرة على رفض الطلبات الروسية حتى لو كانت على حساب سيادتها وقرارها الوطني وسلامة أرضها وهل يمكن أن يثق النظام السوري بالسلطة التركية بعد كل هذا التدخل التركي ودعمها لكل الإرهابيين وإدخالهم إلى سوريا، إنها أسئلة تحتاج أجوبة من القيادة السياسية في دمشق.
من المنطق أن يسأل كل سوري عربي وكردي لوزير الدفاع السوري الذي حضر الاجتماع مع وزير الاحتلال التركي هل يثق ويستطيع إخراج المحتل التركي وتحقيق أمن سوريا بهذه اللقاءات والحوارات التي تخدم السلطة التركية فقط، ماذا عند دماء 30 عسكري سوري تم قتلهم بالمسيرات والمدافع التركية قبل أسابيع هل سوريا وروسيا أقوى من قبرص وأوروبا وحلف الناتو ومازالت تركيا تحتل القسم الشمالي من قبرص. بالطبع هناك غموض وشكوك كثيرة وأي تواطؤ مع المحتل التركي سيكون له تداعيات سلبية على سوريا وشعبها وسترجع الأزمة إلى المربع الأول ومزيد من التصعيد والنتيجة في هذه اللقاءات هي تثبيت أقدام المحتل التركي وإعطاء شرعية لاحتلاله في شمال سوريا، لكن هل ينجحون وينجح مسار أستانا الخادم لإيران وتركيا في تشكيل سوريا الجديدة وفق أولوياتهم دون أولوية الشعب السوري ومصالحه، وهل يرضي الشعب السوري وبكل مكوناته بهذه الصفقات والمسارات التي تريد أخذ القرارات المصيرية بدل الشعب السوري ومكوناته الأساسية، وحتى اتفاقية أضنة التي يحاول الروس والأتراك النفاذ من تحت عباءتها واسمها هي غير قانونية وهي ليست اتفاقية بل مذكرة تفاهم لم يوافق عليها الشعب والبرلمان السوري ولم تسجل في الأمم المتحدة وتعبر عن تجاوز للسيادة السورية وتخلي عن لواء اسكندرونة كما تم التخلي عن الجولان من قبل نفس النظام والبعث الحاكم، وهي استهداف للشعب الكردي والعربي واشتراك مع تركيا في حربها وإبادتها للشعب الكردي وسماح لها في تجاوز حرمة وسيادة الشعب السوري والتدخل في الشأن السوري.
نستطيع القول أنه في الوقت الذي كان اللقاء الثلاثي قائماً كانت المدفعية التركية والمسيرات والطائرات التركية تقصف الأراضي السورية وتتجاوز سيادتها، فهل يقبل أي عسكري لديه كرامة ووطنية وشرف عسكري في أن يكون أداة استخباراتية وسياسية بيد أخريين، أليس من الأجدى لو ذهب هذا الوزير العسكري إلى معسكر لتدريب قواته أو إلى أحد الجبهات ليتفقد قواته المرابطة ضد المرتزقة والمحتل التركي أليس من الأجدى لو ذهب هذا العسكري إلى محاولة فك الحصار عن الشهباء وأحياء الشيخ مقصود والأشرفية الذي تفرضه الفرقة الرابعة التي من المفروض أنها تابعة لوزارته. والأغرب أن هذا الوزير ومن ورائه حكومة دمشق إلى التآمر مع تركيا على السوريين الشرفاء الأحرار من العرب والكرد الذين يقاومون الاحتلال التركي ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية.
مجزرة باريس الثانية:
ولو حاولنا قراءة ما حصل في باريس ومجزرة باريس الثانية سنلاحظ بسهولة أنها تأتي في سياق الممارسات التركية التي تهدف لتصفية كل القيادات الكردية المؤثرة وخاصة من المرأة الكردية التي لعبت دوراً ريادياً في دحر داعش وبناء نظام ديمقراطي حر وأخوة كريمة وحرة بين الشعبين العربي والكردي في منظومة الإدارة الذاتية، ولكن اختيار باريس لها معنى ومغذى و منها سد الطريق أمام تطور العلاقات الكردية الفرنسية وإضعاف الجانب الفرنسي المؤيد لحقوق الشعب الكردي والمعارض لسياسات أردوغان وتركيا، وكذلك محاولة تعطيل المؤسسات الكردية في أوروبا وسد الطريق أمام تنظيم الجاليات الكردية لنفسها وتشكيلها لوبيات قوية مؤثرة في الرأي العام الأوربي والعالمي.
إن قتل الشهيدة أفين عضوة المجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني وهي الهدف الرئيسي من قبل إحدى أدوات الاستخبارات التركية، يبين بوضوح عقلية وإرهاب الدولة التركية وقد أشار إليه وزير داخلية النظام التركي صويلو بعد استشهاد الشهيدة أفين غويي (امينة كارا)، والفنان مير برور (محمد شيرين آيدن)، وعبد الرحمن كزل، بقوله إن أردوغان لم يعد ينهي الإرهابيين فقط في تركيا بل إنه يفعل ذلك في كل العالم، مع العلم أن صويلو وأردوغان وبخجلي لا يختلفون بممارساتهم وذهنيتهم عن داعش وخلفائها وقياديها بشيء.
تمثل مجزرة باريس الثانية رسالة من قبل السلطات التركية بأنها قادر على ممارسات جرائمها وتصفياتها في كل البلدان وأن الاستخبارات التركية قادرة على تنفيذ ذلك رغم كل منظومات الأمن الأوربية وهنا يقع على عاتق فرنسا والأوربيين تبيان حقيقة هذه الجريمة الشنيعة وقيام المسار القانوني بعمله وكشف ومحاسبة المسؤولين وليس تعطيله من قبل بعض الأطراف المحسوبين على تركيا ضمن دول الاتحاد الأوربي وفرنسا.
ومن الصحيح القول إن المجزرة هي دعم ورسالة تركيا لداعش بأن الأجهزة التركية ومنها الاستخبارات التركية تنتقم لمن حارب داعش ولن تنسى حليفتها وشريكتها داعش، ولو عبر استخدام أدوات يمينية أوربية فاشية ولكن المؤكد أن الاستخبارات التركية وراء الموضوع وبقرار أردوغان وهاكان فيدان. كما أن عدم تبيان حقيقة مجزرة باريس 1 لعام 2013 حتى الأن يكشف مع الأسف الدور الفرنسي والأوربي السلبي أمام انتهاكات تركيا والذي من الواجب تغييره وبالتالي عدم التشارك مع تركيا وأردوغان في جرائمه وإبادته بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة والعالم، بل يجب كشف الحقيقة ومحاكمة السلطات التركية التي تكرر وفي كل دقيقة وساعة ويوم عدائها واستعدادها لقتل الكرد في أي مكان حول العالم فقط لأنه كردي حر ويطالب بحقوقه كشعب مثل بقية شعوب العالم.
وهكذا نجد أن لدولة الاحتلال التركية وسلطتها الفاشية هدف رئيسي هي إبادة الكرد فمن زاب إلى باريس وموسكو الهدف واحد و هو تصفية المقاومة الكردية العربية المشتركة ضد الاحتلال التركي واحتلال شمالي شرق سوريا وإقليم كردستان العراق كخطوة أولى ولأجل ذلك و كذلك لمنع أي بناء أو تطوير للتحالفات العربية والكردية وتشكيل سوريا الديمقراطية والعراق الاتحادي الحر فإن السلطة التركية تسعى بكل جهدها للبقاء في الحكم عبر تقوية جبهتها الداخلية وتسويق حروبها الداخلية والخارجية ضد الكرد والعرب أنها إنجازات تاريخية، ولأجل ذلك فهي تناور وتخادع وتضلل وتحاول أن تكون مع الجميع قدر الإمكان ولو بالصور واللقاءات والمصافحات وتحاول على اشارك الجميع في حربها ضد الكرد، وأمام هذه الدولة والسلطة الفاشية وممارستها وحروبها العبثية ورغبتها في أن تكون القوة الإقليمية المهيمنة تبقى لمجتمعات وشعوب ودول المنطقة كلمتهم الرافضة للعثمانية الجديدة وحقهم في استعمال كافة السبل و الأدوات و تظل للتحالفات المجتمعية الديمقراطية والمواقف المشتركة بين كافة شعوب ودول المنطقة وحول العالم أهيمتها وفعاليتها في تنفيذ القرارات والبرامج الرادعة للاحتلال التركي و الرافضة للتغير الديموغرافي وإيقاف المحتل عن حده وإخراجه مع مرتزقته من كافة المناطق المحتلة من باكور كردستان في جنوب شرق تركيا وشمال وشرق سوريا وإقليم كردستان العراق وليبيا والصومال وإنهاء نفوذه وتواجدهم الخفي والناعم والصلب في غالبية الدول العربية والمنطقة ووفي أوربا وحول العالم ولعل مجزرة باريس هي تعبير واضح عن السلوك الإرهابي للدولة التركية وسلطاتها الفاشية والتي علينا جميعا تجنبه وعزله وتجريده والضغط عليه وليس التشارك واللقاء معه وعمل أليات مساعدة لجرائمه وهنا علينا جميعاً كشعوب ودول التعاون والتكاتف لمحاسب تركيا وسلطتها ومحاكمتهم والعمل لتحقيق التحول الديمقراطي وبناء الديمقراطية في تركيا لتكون بلد ديمقراطي عبر حل القضية الكردية وإرساء الاستقرار الاستراتيجي الاجتماعي وعندها لن تقوم تركيا بكل هذه التدخلات والاحتلالات وتهديداتها للأمن والاستقرار في المنطقة وحول العالم.