في إطار شراكة بين أنقرة وبغداد توصف بالتواطؤ والخيانة أخذت طريقها الرسمي باتفاق تفاهم وتعاون أبرم مؤخراً، يواصل الاحتلال التركي مجازره بحق الأبرياء من الشعب الكردي في جنوب كردستان (شمال العراق) مستخدماً في ذلك الطائرات الحربية والطائرات المسيرة، أي أن الحكومة العراقية المركزية أتاحت بكل وضوح وأريحية مجالها الجوي أمام الاحتلال التركي لينفذ ضرباته بسهولة داخل الأراضي العراقية، والتي كان أحدثها قبل أيام قصف سيارة تقل عاملين في مجال الصحافة.
أمر البارزانيين مفروغ منه فتواطؤهم مع الاحتلال التركي معروف وتاريخي، لكن التساؤلات عديدة وعلامات الاستنكار كثيرة تحوم حول موقف حكومة محمد شياع السوداني، ما إذا كان الأمر يتعلق بضغوط النظام التركي عبر ورقة المياه أو بأوراق اقتصادية أخرى، لكن مراقبين وسياسيين يؤكدون أنه أياً كان المبرر فإن هذا لا يعفي بغداد من أنها شريكة للأتراك في هذه الإبادة التي ترتكب بحق الشعب الكردي.
بين البارزانيين وحكومة بغداد
يقول الكاتب الصحفي المصري وليد الرمالي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن سماح العراق بهذه الضربات وفتحه المجال الجوي أمر يعبر عن ضعف القرار العراقي، فضلاً عن أن أنقرة تعتمد على اتفاقية قديمة كانت مدتها عاماً واحداً تتيح لها عمليات في العمق العراقي بنحو 5 كيلومترات، لكن النظام الذي أبرم هذه الاتفاقية قد سقط عام 2003 وذهب أدراج الرياح.
وأضاف الرمالي أن الحكومة التركية تضغط على العراق وتساومه بملف المياه وللأسف خضع لتلك الضغوط، داعياً في هذا السياق إلى ضرورة الاعتراف كذلك بأن من يديرون إقليم كردستان العراق وتحديداً العائلة البارزانية هم الآخرون شركاء في جرائم الاحتلال التركي وتعاونوا مع أنقرة من أجل بقائهم على مقاعدهم في السلطة والحفاظ على المزايا التي يحصلون عليها، لافتاً إلى أنه من المعروف أن أسرة البارزاني تعاونت بشدة مع تركيا ووقفت إلى جانبها في مواجهة حزب العمل الكردستاني الذي يدافع عن حق الشعب الكردي في الحفاظ على حقوقه الفطرية وهويته في مواجهة الدولة التركية الظالمة المستبدة والاستعمارية.
وقال الرمالي إن الوضع في العراق حالياً يقول إننا أمام شبه احتلال تركي بتعاون مع عائلة البارزاني ومن خلال عض الطرف من قبل حكومة محمد شياع السوداني، لدرجة أن زوجة الرئيس العراقي (كردي) السيدة شاناز إبراهيم أحمد انتقدت التوغل التركي في شمال البلاد واعتبرته شبه احتلال.
وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يشدد الرمالي على أن موقف الحكومة العراقية جعلها شريكة بشكل أو بآخر في الجرائم التي يقوم بها الاحتلال التركي، نتيجة خوفها من أنقرة، قائلاً إن العراق قوي لكن للأسف لديه الكثير من اللصوص والفاسدين المفسدين الذين لا يهمهم إلا تعظيم منافعهم، وكذلك فإن الصراعات الطائفية والحزبية على أشدها ولا أحد ينظر إلى مصلحة العراق ولا يهمه الحفاظ على سيادته.
ومكافحة الإرهاب هي "الشماعة" التي تلقي عليها تركيا دوافعها لأعمالها الاحتلالية سواء في شمال العراق أو شمال سوريا وخاصة ضد أبناء الشعب الكردي، كما أن اتهامات الإرهاب تحولت إلى أداة قاسية يبد نظام أردوغان لمطاردة الكرد الذين يريدون العيش والتمتع بالحقوق مثل غيرهم من مواطني الدولة التركية.
انتهاكات صادمة
وأبرمت الحكومة العراقية والتركية مؤخراً مذكرة تفاهم أمنية بين البلدين، لم يكشف عن تفاصيلها بشكل كامل، لكن عقب الإعلان عنها جرى تداول ورقة يقال إنها بنودها وشملت بنداً يتعلق بأن أنقرة ستسحب قواتها من الأراضي العراقية، إلا أن مركز الشائعات التابع لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية نفت بشكل قاطع هذه الورقة المتداولة، وأكدت أن قواتها مستمرة، بل وتحدثت عن أوجه تعاون عسكري وأمني يجري الإعداد لها.
يقول السياسي الكردي العراقي الدكتور حكيم عبد الكريم، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن مسألة انتهاك القوات التركية سواء برية أو جوية أو الطائرات الحربية أو المسيرة تأتي تعبيراً عن التفاهمات التي تدور في الخفاء بين حكومة بغداد وتركيا، مشدداً على أن هذه الممارسات التي يقوم بها الاحتلال التركي تشكل انتهاكاً صادماً للسيادة العراقية بما في ذلك إقليم كردستان، سواء من ناحية القانون الدولي أو من ناحية القانون العراقي الداخلي، على نحو يضع حكومتي بغداد وأربيل أمام مسؤولية أخلاقية.
وأبدى عبد الكريم اندهاشه من حالة التعتيم الإعلامي العراقية غير المسبوقة على تلك الجرائم التي يقوم بها الاحتلال التركي، قائلاً إننا أمام حالة تعتيم تام وسكوت بشأن الأخبار التي تخص الانتهاكات التركية، في الوقت الذي نشاهد فيه وسائل الإعلام التركية وكأنها تتفاخر بأخبار القتل الذي تقوم به أنقرة، معتبراً أننا في ضوء ذلك أمام علاقة مشبوهة بين الحكومة العراقية ونظيرتها التركية.
وقال السياسي الكردي العراقي إن الاتفاقية التي أبرمت بين البلدين كانت بشروط تركيا وهي التي تملي شروطها على العراق، وبالتالي نحن لسنا أمام دولة عراقية بقدر ما نحن أمام حكومة هشة ضعيفة، مشيراً إلى أن هذه الإشكالية ليست قاصرة على بغداد فقط بل كذلك في إقليم كردستان، ومن ثم فإن هناك خلل فيما يتعلق بإدارة الدولة.
ويؤكد عبد الكريم أن حكومة بغداد شريكة في جرائم الاحتلال التركي، فإذا نظرنا إلى المعارك التي تدور نجد قوات حرس الحدود العراقية تسهل عمليات المرور والعبور للقوات التركية وتعبد الطرق وكذلك تقدم الكثير من التجهيزات اللوجيستية، وبالتالي فنحن الآن أمام تواطؤ من حكومة بغداد وحكومة البارزانيين بدليل أن العمليات التركية لا تدور في المناطق الحدودية وإنما تمتد إلى عمق يتراوح بين 30 إلى 40 كلم.
وتشير تقارير متداولة إلى أن تركيا لديها نحو 80 قاعدة موزعة داخل الأراضي العراقية تتوزع بين معسكرات كبيرة وصغيرة، كما أن هناك آلاف الجنود الأتراك على امتداد نحو 200 كلم حدودية بين البلدين، كما أن لدى أنقرة قاعدة كبيرة عبارة عن مطار في منطقة بامرني وهي ثاني أكبر القواعد العسكرية التركية بعد قاعدة بعشيقة شرق مدينة الموصل.