تباينت مواقف الدول العربية في تعاطيها مع الأحداث على الأراضي السورية، على الصعيدين المحلي والإقليمي، ففي العلن رحّب الجميع بالثورة السورية، وحثوا على قيام دولة موحدة تحت حكم ديموقراطي، إلا أنَّ الكواليس عكست مشهداً متناقضاً حيث عكفت أغلب الدول على دراسة تداعيات ما جرى على الأمن القومي لكل دولة، خاصًة وأنَّ الكثير منها لديها مشاكل واضطرابات على الصعيد الاقتصادي ناجمة عن تداعيات جائحة الكورونا والتوترات الجيوسياسية، فيما انتقدت الإمارات على لسان مستشار الأمن القومي ما يجري على الأراضي السورية واصفاً إياه بعودة التطرف والإرهاب، وذلك في أعقاب تواصل محمد بن زايد الرئيس الإماراتي مع بشار الأسد قبل سقوطه بساعات في محاولة منه لدعمه.
كما اختلفت المواقف الرسمية عن المواقف الإعلامية، حيث جاءت أغلب البيانات الرسمية مقتضبة وتحمل لغة دبلوماسية، فيما هاجمت العديد من المنصات الإعلامية في بعض الدول العربية ما حدث في سوريا واصفين الثورة بأنَّها بداية لتقسيم سوريا إلى دويلات، وانتقدوا تعامل الفصائل المسلحة مع الجيش النظامي مؤكدين أنَّه جيش الدولة ويجب الحفاظ عليه، في محاولة منهم لخلق حالة من الهلع إزاء ما يحدث في دمشق، ما استدعى النشطاء والمحللين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إبراز مواقفهم المتناقضة تجاه مختلف الأحداث بما يتوافق مع أجنداتهم.
وعلى الرغم من عدم حيادية بعض وسائل الإعلام العربي، إلى أنَّ تقارير حكومية رصدت مخاوف من اندلاع اشتباكات بين الفصائل المسلحة في سوريا حال بدء العملية السياسية حيث سيسعى كل فصيل إلى تعظيم مكاسبه السياسية والاقتصادية ولو على حساب فصيل آخرـ فضلا عن ظهور نبرات التخوين والإقصاء، وهو ما قد يتسبب في نشوب حرب طويلة تؤثر على الاستقرار وتخلق حالة من التوتر في الإقليم.
الجامعة العربية
أكد الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية في اتصال لوكالة فرات للأنباء ANF أنّ "هناك محاولات احتواء للتداعيات الناجمة عن الثورة السورية، حيث عقدت لجنة الاتصال الوزارية التابعة لجامعة الدول العربية اجتماعاتها في مدينة العقبة الأردنية لبحث الموقف، ودعا البيان الختامي إلى ضرورة تكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية مشدداً على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية تتمثل فيها كل القوى تحت رعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية" وشدد البيان الختامي على أهمية مكافحة الإرهاب والتطرف، بما يمنع عودة ظهور الجماعات الإرهابية، وبحيث لا تشكل الأراضي السورية تهديداً لأي دولة أو مأوى للإرهابيين، إضافة إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي السورية وتحديداً جبل الشيخ والمنطقة العازلة احتراماً للاتفاقيات والقوانين الدولية.
ريبة من الموقف التركي
حسن بديع المحلل السياسي المصري قال في اتصال لوكالة فرات للأنباء ANF إنّ "بعض القوى العربية لم تخف قلقها حيال التدخل التركي على الأراضي السورية، وخاصةً في تلك الفترة التي تمثل مرحلة مهمة من مستقبل بلد جديد لا أحد يعلم كيف ستكون مكوناته وإدارته في ظل تدخل حكومة تركيا بعمليات عسكرية مسلحة بدعوى التصدي للإرهابيين، وهنا تتعارض مصالح أغلب الدول العربية مع المصلحة التركية باستثناء قطر، حيث تدعم تركيا جبهة الإسلاميين ومنهم قائد هيئة تحرير الشام، ما يثير مخاوف بشأن عودة المكون الإسلامي السني، خاصة وأنَّ حزب العدالة والتنمية التركي مصنف على أنَّه حزب تابع لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي هناك حالة من الريبة لدى الدول العربية التي سبق وأن حاربت هذا التنظيم فيما بعد 2011 وأسقطت حكمه في مصر".
إنّ المواقف العربية مهمة لمصير سوريا وخاصة بسبب التحديات الموجودة والتدخلات الإقليمية في سوريا، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي إنشاء جسراً جوياً إلى دمشق لمدها بالغذاء والدواء، فضلاً عن المساعدات الأخرى، فيما يتوقع أن تبادر الدول العربية في مثل هذا الأمر رغم علم الجميع بالأوضاع المتردية التي يعيشها السوريون نتيجة ارتفاع التضخم واختفاء أغلب السلع، وهو يستدعي من الدول العربية التدخل ومساعدة الأشقاء وتخفيف معاناتهم على كل الأصعدة.
قلق الاستحقاقات الدستورية
لم يكن بيان لجنة اتصال الجامعة العربية وافٍ وكاشف وإنَّما بياناً عاماً لم يتضمن ما دار في الكواليس، خاصة وأنَّ الاجتماع ضمَّ وزير الخارجية التركي وممثلي الاتحاد الأوروبي وممثل البيت الأبيض، فهل كان الاجتماع للرد على المخاوف والشكوك التي تساور بعض الأنظمة العربية حيال الأوضاع في المنطقة، أم أنَّ المجتمعون اتفقوا على شيء ما، ويبدو أنَّ المجتمعون اتفقوا على ضرورة ضمان عدم عودة تنظيمي داعش والقاعدة للأراضي السورية، إلى جانب التشديد على إجراء الاستحقاقات الدستورية تحت إشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية وهو ما يبرز مخاوف الدول العربية من إمكانية تدخل أنقرة في تلك الاستحقاقات بغرض تحويل النتائج بما يصب في تحقيق مصالحها.