في تطور متسارع للأحداث أصاب المراقبين بحالة من الصدمة والذهول، استسلم الجيش السوري كتيبة تلو أخرى معلناً انسحابه أمام توغل عناصر جبهة تحرير الشام، لينتهي الأمر بدخول عناصر الجبهة للعاصمة السورية وإعلان فرار بشار الأسد إلى خارج البلاد فيما تؤكد مصادر غربية أنه وُضع رهن حماية القوات الروسية في إحدى قواعدها العسكرية.
الأوضاع الميدانية
وفقاً لبيان صادر عن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مظلوم عبدي، استفاد تنظيم داعش من الهجمات في البادية السورية ويحاول احتلال مناطق جديدة بعد انسحاب قوات الجيش السوري، مؤكداً وجود تهديد حقيقي لمقاطعة منبج من قِبل تركيا، وأعرب عن أمله في حل المشاكل العالقة مع أنقرة من خلال الحوار السياسي، كما أعلن إجلاء عدد كبير من الأهالي في تل رفعت والشهباء، إلى جانب وجود أعداد كبيرة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية ويبدون مقاومة بطولية، وأشار إلى أن القوات تباشر مهام حماية مناطق غرب الفرات المهددة من قبل مرتزقة داعش، كاشفاً أن الحل السياسي ضرورة لاستقرار الأوضاع بشرط تمثيل الشعب السوري الحقيقي خاصة وأن مؤامرات استبعاده السابقة أفشلت كل المسارات السياسية مشدداً على ضرورة تطبيق القرار 2254.
وقال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، في تغريدة على صفحته بمنصة «X»: «نشهد لحظات تاريخية مع سقوط النظام الاستبدادي في دمشق، وهذا التغيير يمثل فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة قائمة على أسس الديمقراطية والعدالة»، وأضاف أن التغيير المنتظر يجب أن يضمن حقوق جميع السوريين دون استثناء، مؤكداً على أهمية تحقيق السلام والعدالة لجميع مكونات الشعب السوري.
وأًصدرت الرئيسة المشتركة للجنة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا إلهام أحمد بياناً عبر حسابها فيما يخص سقوط حكومة بشار الأسد جاء فيه: «نعلن اليوم أن الاستبداد انتهى، حيث إننا سنترك الماضي خلفنا ونبدأ صفحة جديدة على أمل توحيد الجهود من أجل مستقبل ديمقراطي وعادل للشعب السوري، ولنوقف صوت الرصاص ولنجعل الحوار أساساً للسلام والبناء».
التداعيات الداخلية
يمثل الوضع الأمني ما بعد سقوط الأسد أحد أهم التحديات التي تواجه حكومة تسيير الأعمال إلى جانب هيئة تحرير الشام المسؤولة حالياً عن العمليات العسكرية والأمنية، وخاصة بعد تحرك عناصر داعش للسيطرة على بعض المناطق، الأمر الذي يؤشر إلى إمكانية تصاعد الأوضاع وحدوث اشتباكات مسلحة بين مختلف الفصائل -بينها من يسعى إلى السيطرة على الحكم- فضلاً عن عدم السيطرة على الحدود السورية الإسرائيلية حيث لجات الأخيرة إلى دخول المنطقة العازلة لمنع أي تهديد لحدودها، وحال شروع أي فصيل مسلح في تنفيذ أي عملية عسكرية على تلك الحدود قد تشن إسرائيل حرباً على سوريا بدعوى حماية الحدود.
انتشار الفوضى الأمنية بمختلف أنحاء البلاد، وتعقد العملية السياسية، من بين التداعيات المحتملة خلال المرحلة المقبلة، نظراً لوجود قوميات وطوائف مختلفة في سوريا قد تتعارض رؤاها حول العملية السياسية، حتى لو تمت تحت إشراف من الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، وقد يجري ذلك تزامناً مع بدء مرحلة جديدة من التدخلات الخارجية الساعية إلى توجيه العملية السياسية لحماية مصالح دول بعينها ومن أبرز الدول المرشحة للعب هذا الدور، تركيا التي بدأت التحرك على الأرض قبل تحرك هيئة تحرير الشام ميدانياً، ما يؤكد أن أنقرة كانت على علم بتلك التحركات ودائماً ما تردد مزاعم بشأن ضرورة حماية حدودها وبالتالي قد تدخل تركياً عسكرياً على الأرض سواء من خلال دعم هيئة تحرير الشام أو احتلال المزيد من المناطق السورية ضمن خطط الإبادة التي تمارسها بحق الشعب الكردي.
التداعيات الإقليمية
يجسد سقوط الأسد في سوريا حدثاً استثنائياً في منطقة ملتهبة بالتوترات، وبداية تداعيات تتسع لتشمل الكثير من مناطق الشرق الأوسط وخاصة الدول العربية التي تعاني من حالة عدم استقرار ناجمة عن الأوضاع الاقتصادية المتردية نتيجة التوترات الجيوسياسية في المنطقة بدءاً بحرب غزة ومروراً بالسودان وما يحدث في اليمن وليبيا، ما سيخلق مزيداً من حالة عدم الاستقرار في المنطقة تتجسد مظاهرها في احتمالية عودة العمليات الإرهابية إلى المنطقة بعد انتصار جبهة تحرير الشام في سوريا وهو ما جدد رغبة الجماعات الإرهابية في العودة إلى صدارة المشهد سواء من خلال العمل المسلح أو بخلق فوضى عبر تنفيذ عمليات إرهابية قد تطول العديد من الدول فضلاً عن تحول العراق وباكستان وأفغانستان إلى مراكز قوى لاحتضان الجماعات الإرهابية، بما يؤثر على الأوضاع الإقليمية وقد تمتد تداعياته إلى تهديد أمن الممرات الملاحية والتأثير على التجارة الدولية.
ووفقاً لرامي عبدالرحمن مدير المركز السوري لحوق الإنسان في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، «يمثل سقوط الأسد تحولاً جذرياً في موازين القوى الإقليمية حيث كان بشار هو الرئة الإيرانية في المنطقة وعينها ويدها التي تمكنها من لعب أدوار متعددة على أكثر من صعيد وبالتالي يمثل سقوطه صدمة كبيرة لإيران ومحور المقاومة، قد تغير المعادلات في المنطقة خاصة وأن سوريا كانت إحدى أبرز محطات الإمداد بالسلاح لمحور المقاومة»، فيما أكد محمود جابر الباحث في الشأن السوري والإيراني في اتصال لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «بشار كان يمثل أحد أهم الأذرع الإيرانية التي تمكنها من دعم المقاومة لكن طهران لن تدع العملية السياسية في سوريا دون تدخل وتحقيق مصالحها على غرار ما جرى في العراق لأن هذا يعد من ضمن مهام أمنها القومي».
ولطالما جاهدت الدول الخليجية والعربية لمواجهة الإرهاب والجماعات الإسلامية المتطرفة إبان ثورات الربيع العربي، ونجحت تلك من إقصاء كل الجماعات المتطرفة عن الساحة السياسية وتمت محاكمة قياداتها في بعض الدول على أعمال العنف، وبالتالي فإن عودة تصدر الجماعات الإسلامية للمشهد الدولي من خلال ما يجري في سوريا يمثل مصدر قلق للعديد من الأنظمة في المنطقة في ظل الأوضاع المتصاعدة على الصعيديين المحلي والإقليمي.