تركيا تحرج حكومة العراق حول إنهاء وجودها العسكري.. وسياسيون: احتلال بامتياز

وسط الهجوم الكبير الذي تتعرض له الحكومة العراقية بعد مذكرة التفاهم الأمني والعسكري مع تركيا، جرى تداول ورقة على أنها نص الاتفاقية وأنها تتضمن انسحاب القوات التركية من العراق.

يتضح أن تداول هذه الورقة على اعتبار أنها مذكرة التفاهم الموقعة بين وزير الدفاع التركي يشار كولر ونظيره العراقي ثابت العباسي قبل أيام كان الهدف منها تقليل حدة الانتقادات تجاه حكومة محمد شياع السوداني بعد تضمنها نصاً أنه بموجبها تنسحب القوات التركية المنتشرة في الأراضي العراقية، إلا أن الضربة جاءت من أنقرة التي نفت على الفور صحة هذه النسخة المتداولة للاتفاقية.

ويأتي هذا النفي التركي في وقت تسود كذلك حالة من الغليان تجاه حكومة بغداد امتد إلى حكومة البارزانيين في جنوب كردستان، نتيجة ما وصفه كثيرون بتواطؤ الحكومتين مع الاحتلال التركي في العمليات التي يقوم بها في دهوك وغيرها من مناطق، والتي أدت إلى إزهاق أرواح الأبرياء وتهجير وتشريد الكثيرين فضلًا عن تدمير البنى التحتية.

ويجمع سياسيون عراقيون على أن العراق بات أمام احتلال من نوع آخر، وقد حملوا الحكومات العراقية المتعاقبة مسؤولية عدم اتخاذ مواقف واضحة والدفع بأوراق سياسية لإنهاء الوجود العسكري التركي بالأراضي العراقية، بل وأكدوا أن أنقرة تتواجد بجيش نظامي بطريقة متبجحة لدرجة أنها لن تنسحب حتى لو طلبت بغداد منها ذلك.

استعادة الإمبراطورية العثمانية

لا يتوفر وصف.

يقول المحلل السياسي العراقي محمد علي الحكيم، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 بالطبع كانت مواقفها خجولة بامتياز تجاه الحكومات التركية بتوغلها بآليات عسكرية، وكأنها احتلالاً من نوع آخر وقصفها المكوكي المستمر على القرى والأرياف العراقية في ظل سكوت رهيب ومواقف خجولة من قبل الحكومات العراقية، على نحو أثار حفيظة الجماهير.

وأضاف الحكيم أن تركيا تسعى بالطبع إلى إعادة إمبراطوريتها العثمانية عبر بوابة العراق، مشدداً على أنه كان ينبغي على الحكومة العراقية أن يكون لها ولو موقف بسيط في ظل أن بغداد تمتلك كثيراً من أوراق المناورة أبرزها أن هناك تبادلاً تجارياً يتجاوز 19 مليار دولار لها مع أنقرة، لذلك ينبغي على الحكومات العراقية أن تناور بهذه الورقة، "إذا لم تستح تركيا بانسحابها ووقف التوغل والقصف المستمر".

ويواصل المحلل السياسي العراقي حديثه عن الأوراق التي تملكها الحكومة العراقية، فيقول إن الورقة الثانية التي يمتلكها العراق هي رفع دعوى في مجلس الأمن الدولي، وإذا الأخير لم يحرك ساكنًا ولم يتخذ موقفاً تجاه أنقرة يمكن للجانب العراقي التوجه إلى محكمة لاهاي، كما أن هناك ورقة أخرى تتمثل في وقف تدفق النفط عبر معبر جيهان التركي.

ويرى الحكيم أن أغلب هذه الأوراق يمكنها أن تغير المعادلات السياسية وأطماع تركيا لتحقيق مضاربها وأهدافها في العراق، لكنه يرى كذلك أنه مع الأسف الحكومات العراقية في ظل حجم اللامبالاة التي تمضي بها أصبح كأن حجم المخاطر من قبل دول الجوار لا يعنيها بشيء، معتبراً أنه لذلك فالعراق أصبح ساحة خصبة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية في ظل هذا الوضع الحساس الراهن الذي تعيشه منطقة الشرق الأوسط، والتوغل التركي يأتي في هذا الإطار، مؤكداً أنه مرفوض جملة وتفصيلاً.

وتشير تقارير متداولة إلى أن تركيا لديها نحو 80 قاعدة موزعة داخل الأراضي العراقية تتوزع بين معسكرات كبيرة وصغيرة، كما أن هناك آلاف الجنود الأتراك على امتداد نحو 200 كلم حدودية بين البلدين، كما أن لدى أنقرة قاعدة كبيرة عبارة عن مطار في منطقة بامرني وهي ثاني أكبر القواعد العسكرية التركية بعد قاعدة بعشيقة شرق مدينة الموصل.

احتلال بامتياز

لا يتوفر وصف.

يقول الإعلامي والكاتب العراقي علي هاشم شندي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن تركيا دائماً ما تخل بالتزاماتها مع العراق وفي أكثر من مرة وخاصة ما يتعلق بانسحاب قواتها، خاصة أن مذكرات التفاهم بين البلدين بها نصوص غير واضحة وغير دقيقة وتقبل التأويل.

وقال شندي إنه للأسف صدرت أحاديث كثيرة وخاصة من دوائر صنع القرار التركي أن مذكرات التفاهم تتعلق بالجوانب العسكرية والأمنية ومكافحة الإرهاب، وهذه المذكرات لا تتضمن أي نص يتعلق بإنهاء الوجود التركي من الأراضي العراقية وأن ما يتردد بهذا الصدد غير صحيح على الإطلاق، معرباً عن استغرابه أن يتم توقيع اتفاق أو مذكرة للتعاون لا تتضمن تأكيداً على الانسحاب التركي من الأراضي العراقية.

وقال الإعلامي والكاتب العراقي إنه للأسف هناك كذلك مصادر من وزارة الدفاع التركية أكدت أن نص مذكرة التفاهم المتداول في وسائل الإعلام غير حقيقي ويختلف عن النص الموقع عليه من قبل وزيري دفاع البلدين، معتبراً أنه للأسف تركيا تريد تنسيقاً أمنياً وتعاوناً عسكرياً مع بغداد في إطار مقاسات خاصة لها، تتيح لها احتلال جزء من الأراضي العراقية.

وقال شندي إن تركيا غير معنية بتوفير غطاء لتواجدها في شمال العراق، الذي اعتبره التحدي الأكبر للحكومة المركزية العراقية وكذلك لحكومة إقليم كردستان، مشيراً إلى أنه إذا تحدثنا عن التواجد الإيراني فإنه لا يوجد جيش منظم وإنما توجد طهران بوسائل أخرى، لكن الجانب التركي وجوده مختلف فهي قوات محتلة بامتياز ولا تلتزم بأي اتفاق أو مبادرة للانسحاب، وإذا طلبت بغداد من أنقرة سحب قواتها فإن الأخيرة لن تلبي، ولهذا فالتواجد التركي يختلف عن التواجد الإيراني والأمريكي.

ولم يكتف البيان التركي الصادر عن دائرة الاتصال الرئاسية التركية بنفي انسحاب قوات أنقرة من الأراضي العراقية فقط، بل زاد الطين بلة حين أشار إلى أنه بموجب مذكرة التفاهم سينشئ البلدان مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد ومركز تدريب وتعاون مشترك في بعشيقة، مشددة على أنها ستواصل "بعزم وإصرار مكافحة الإرهاب داخل البلاد وخارجها".

ومكافحة الإرهاب هي "الشماعة" التي تلقي عليها تركيا دوافعها لأعمالها الاحتلالية سواء في شمال العراق أو شمال سوريا وخاصة ضد أبناء الشعب الكردي، كما أن اتهامات الإرهاب تحولت إلى أداة قاسية يبد نظام أردوغان لمطاردة الكرد الذين يريدون العيش والتمتع بالحقوق مثل غيرهم من مواطني الدولة التركية.