وفي حوار مع صحيفة روناهي، أكد بأن الحملة ستساهم بشكل كبير في إرساء عُرا الصداقة والتعايش بين شعوب المنطقة.
ويعمل المثقفون المصريون على تمتين العلاقات الكردية المصرية، ومن خلالها العلاقات الكردية العربية، بالقيام بحملات للتعريف بالقضية الكردية، وفكر الأمة الديمقراطية، كي يتم شرحها أمام الرأي العام للاعتراف بها كقضية مشروعة من الواجب حلها بطرق سلمية، والحملة الأخيرة للإفراج عن القائد عبد الله أوجلان تصب في خدمة الشعبين الكردي والعربي بشكلٍ خاص وشعوب الشرق الأوسط بشكل عام.
وجاء في نص الحوار:
ـ بماذا تلخصون “فلسفة الأمة الديمقراطية” التي هي نتاج فكر القائد عبد الله أوجلان؟
على مدى سنوات طويلة كتبتُ كثيراً عن القضية الكردية التي اعتبرها معضلة مهمة في منطقة الشرق الأوسط مُنذ عقود طويلة ولا بد من حلها، وبخاصةً مع تعرض الكرد في تركيا لعمليات قمع وإقصاء وحشية، حاولوا مواجهتها عبر حركات نضالية عديدة أبرزها قيام حزب العمال الكردستاني الذى أسسه قائده التاريخي “عبد الله أوجلان” خلال السبعينيات من القرن الماضي، وذلك في جنوب شرق تركيا، بهدف حل القضية الكردية وحصول الكرد على حقوقهم كاملة.
فقامت تركيا بتدمير آلاف القرى الكردية، ولاحقت القائد عبد الله أوجلان نفسه في كل مكان لمدة عشرين عاماً، وفي عام 1998 كاد الجيش التركي أن يجتاح سوريا، بسبب وجوده هناك، ولكن القائد أوجلان غادر دمشق متنقلاً بين عدة دول، حتى نجحت المخابرات التركية وبمساهمة ومؤامرة دوليّة اختطافه من مطار نيروبي في 15 شباط 1999، بمساعدة المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، ومُنذ ذلك الوقت يقبع أوجلان في سجن إيمرالي التركي في ظروف سيئة للغاية، بعد أن حُكم عليه بالإعدام وخفّف الحكم إلى السجن المؤبد تحت ضغوط أوروبية.
وقُلتُ في كتاباتي أن المتتبع لمسيرة عبد الله أوجلان قبل وخلال سجنه الطويل يكتشف أنه أمام مفكر وفيلسوف، وليس مجرد قائد لحزب، وحزب العمال الكردستاني تحوّل إلى حركة تحرر وطني وليس حركة انفصالية. وقد سبق أن أعلن عبد الله أوجلان عامي “1993و1995” وقف لإطلاق النار من جانب واحد، لكن الحكومة التركية كانت ترفض ذلك، وفي كانون الأول 1998 أعلن اتخاذه النهج السلمي سبيلاً للنضال بدلاً من الكفاح المسلح، لكن الدولة التركية استمرت في عمليات قمع الكرد بوحشية كبيرة، واختارت القمع والإبادة بدل الوصول إلى حل سلمي للمسألة الكردية.
ولدي قناعة أن القائد عبد الله أوجلان الآن يقدم نموذجاً شبيهاً للمناضل الإفريقي الكبير “نيلسون مانديلا”، الذي اعتُقل بعد عام واحد من توليه رئاسة الجناح العسكري للمجلس الإفريقي القومي، الذي قاد النضال الشعبي ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وبقي 27 عاماً في السجن مدافعاً عن حقوق شعبه، قبل أن يتم الإفراج عنه بسبب الضغوط الدولية المكثفة ليصبح أول رئيس أسود للبلاد.
ـ ما الهدف من “إطلاق حملة حرية القائد عبد الله أوجلان” التي أطلقتموها مؤخراً؟
حان الوقت وبعد مرور نحو 22 عاماً على سجن المفكر عبد الله أوجلان لتنظيم حملة دولية مكثفة انطلاقاً من العاصمة المصرية القاهرة للإفراج عنه، لا تقتصر المشاركة فيها على الكرد الموجودين في أماكن مختلفة فقط، ولكن تضم كل المؤمنين بقيم الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني في مختلف دول العالم، وخاصةً من المثقفين والرموز الأدبية والفنيّة والاجتماعيّة والرياضيّة والتيارات السياسيّة، ومنظمات المجتمع المدني على المستويين المحلي والدولي، وتكون لها لجنة تنسيقية معلنة، وخطة تصاعدية للعمل من أجل مواجهة إجرام النظام التركي، باستخدام كل السبل المتاحة، وحشد الرأي العام العالمي لإجبار نظام أردوغان القمعي على الإفراج عن الفيلسوف عبد الله أوجلان، وفضح كل ممارسات هذا النظام الإجرامية ضد الكرد وغيرهم، وفرض عقوبات دوليّة عليه حتى يتراجع عن حماقاته.
ـ ما مدى تفاعل المجتمع المصري والعربي مع الحملة؟
الحقيقة أن رد فعل المثقفين المصريين والعرب ومن مختلف فئات الشعب كان أكثر من رائع، فقد تلقيت اتصالات كثيرة بعد نشر مقالي في صحيفة الأهرام الذي اقترحت فيه فكرة هذه الحملة، واجتمعت مع بعض المثقفين المصريين المتحمسين للفكرة، وبعد مشاورات مع العديد من رموز المجتمع المصري والعربي اتفقنا على إطلاق “المبادرة العربية لحرية المفكر عبد الله أوجلان” لتكون أول مبادرة شعبية على المستوى العربي. تسعى للضغط من أجل الإفراج عن المفكر عبد الله أوجلان، وانتهاز الفرصة لتعريف الرأي العام العربي بمواقفه وبتفاصيل القضية الكردية أيضاً، التي ربما لم تلقَ الاهتمام الكافي في وسائل الإعلام العربية من قبل، أو كانت تنشر عبر ما تبثه وكالات الأنباء العالمية بما قد تتضمنه من صورة مشوهة عن الكرد ونضالهم من أجل تقرير المصير وقضيتهم العادلة.
وقد انضم للمبادرة عدد كبير من المثقفين من مصر ومعظم الدول العربية، تمهيداً للإعلان رسمياً عنها منتصف الشهر المقبل في ذكرى اعتقال القائد عبد الله أوجلان، وذلك خلال احتفال رسمي بها، كما بدأنا في عدد من الأنشطة كان أولها بيان موجه للمجتمع الدولي للتوقيع عليه بعنوان “حرية أوجلان هي ضمانة لأخوّة الشعوب والسلام في المنطقة”.
كما ذكرنا خلال البيان “نحن الموقّعون أدناه، مثقفون وشخصيات حقوقية وكتّاب وسياسيون ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء ووطنيون من جميع شعوب المنطقة، من عرب وكرد وأرمن وسريان وآشور وغيرهم من الشعوب، نؤكد أن حرية الفيلسوف عبد الله أوجلان أمر حيوي وحتمي وهام لنا وللمنطقة.
كما أوضحنا أن شعوب المنطقة تعارض السياسة التوسعيّة والعدوانيّة والاحتلاليّة للدولة التركية، وأن حرية القائد عبد الله أوجلان هي ضمانة للسلام والاستقرار والحل في تركيا وكردستان والشرق الأوسط، لذلك فإن الحملة الدولية التي تم إطلاقها لحرية أوجلان مهمة للغاية، ونطالب دعم المدافعين عن حقوق الإنسان والمنادين بالقانون والديمقراطيين، وجميع الوطنيين الذين يدافعون عن التعايش الديمقراطي وأخوّة الشعوب في منطقتنا، وخاصةً المؤسسات الدوليّة، من أجل حرية أوجلان.
ـ ما رأيكم بفكر القائد عبد الله أوجلان من حيث تأثيره في العلاقات بين الشعوب بالأخص بين الشعبين الكردي والعربي؟
نشرت في صحيفة الأهرام أن القائد عبد الله أوجلان قدم حلاً سلمياً لواحدة من أهم المعضلات التي تواجه الشرق الأوسط، لكن النظام التركي الذي أدمن جرائم التطهير العرقي لا يرغب في السلام، ولا يهمه سوى استمرار سطوته ومغامراته التوسعيّة وعلاقاته المشبوهة مع مرتزقة داعش والإخوان، حتى لو كان الثمن بحوراً من الدم.
فقد ناقش المفكر عبد الله أوجلان كثير من القضايا المهمة في سلسلة مجلدات حملت عنوان “مانيفستو الحضارة الديمقراطية”، وشهدت مسيرته الفكرية تطوراً كبيراً من الإيمان بالكفاح المسلح سبيلاً وحيداً لإقامة دولة كردية مستقلة، إلى العمل من أجل الحل الديمقراطي السلمي، وقدم خارطة طريق توضح تفاصيل هذا الحل، وهو الأمر الذى رد عليه النظام التركي باستمرار حرب الإبادة ضد الكرد، وفى رؤية القائد عبد الله أوجلان المتكاملة للتحوّل إلى الأمة الديمقراطية، يوضح أن الاعتراف بحق التحول إلى الأمة الديمقراطية كان الحل الأنجح والقابل للتطبيق، دون الحاجة إلى دولة قومية كردية، بل ودون الحاجة لتحويل الدولة القومية الحاكمة إلى أشكال من الطراز الفيدرالي، وبناءً على ذلك فخارطة الطريق التي قدمها على خلفية الحوار مع الدولة التركية، كانت تعبّر عن مبادئ الحل والسلام المأمولين، لكن جهاز الدعاية والتحريض في الدولة التركية والمتأثرة جداً بتقاليد التطهير العرقي، عاجزة عن البت في قرار السلم والحل الديمقراطي، فرغم محاولات وقف إطلاق النار التي أعلنها حزب العمال الكردستاني مرات عديدة من طرف واحد، إلا أنه لم يلقَ الجواب اللازم، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، فإما أنه سيتم ولوج السلام والحل الديمقراطي المستدام والمُشرّف، والذي يتفق فيه الطرفان على ثوابته ومبادئه الأساسية، وهو سلام تاريخي ونمط حل سياسي ديمقراطي سيكون مثالاً تقتدي به شعوب المنطقة والإنسانيّة قاطبة، أو سنعود إلى حرب جديدة حاسمة.
ـ ما دور المثقف العربي في شرح القضية الكردية للرأي العام العربي، وما تقييمكم لهذا الدور؟
من المؤسف القول بأن القضية الكردية لم تصل بشكلٍ صحيح إلى معظم قطاعات الرأي العام العربي حتى الآن، والأسباب متعددة، منها عدم الاهتمام الكافي من وسائل الإعلام العربية بالقضية الكردية، والاعتماد في تغطيتها الإخبارية للشأن التركي على ما تبثه وكالات الأنباء الغربية التي تقدم الأحداث من وجهة نظرها، وفي معظم الأحيان تقدم معلومات مشوهة أو تستخدم مصطلحات مضللة، مثل وصف النضال الكردي بالإرهاب، أو التركيز على أن الأحزاب الكردية حركات انفصالية تقسم الدول العربية، وغيرها من أساليب التشويه. لذلك؛ فإن المثقف العربي يقع على عاتقه دور كبير في إيضاح حقيقة القضية الكردية للرأي العام، وخاصةً أن هناك عدو مشترك الآن للعرب والكرد يتمثل في فاشية نظام أردوغان التركي، الذي يعمل على نشر الإرهاب والفوضى في الدول العربية من خلال المجموعات التكفيرية والمسلحة التي تعمل لحسابه وتحت سيطرته.
وهذا الدور يتطلب أيضاً تعاون كبير بين المثقفين العرب والكرد، والقيام بأنشطة مشتركة وإحياء للحوار العربي الكردي، بما يؤدى إلى تحقيق المصالح المشتركة للطرفين.
ـ في نهاية حديثكم؛ هل هناك إضافات أخرى؟
أتمنى أن تتمكن المبادرة العربية لحرية المفكر عبد الله أوجلان من تحقيق أهدافها، وأن تكون بداية قوية لتعزيز التعاون العربي الكردي، خاصةً أن هناك تاريخ طويل مشترك بين الطرفين، ورموز تاريخية كبيرة تجمعهما، مثل القائد الإسلامي الكبير صلاح الدين الأيوبي، علاوة على وجود عائلات عربية كثيرة من أصول كردية، إلى جانب أن الأوضاع الجيواستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط الآن تتطلب بذل المزيد من الجهد من أجل تعاون عربي كردي كبير في مجالات مختلفة، وأنا شخصياً أعتقد أن القضية الكردية تمثل جزء من الأمن القومي العربي، ولن يتحقق هذا الأمن إلا بالمعالجة السلمية لهذه القضية والتعاون الوثيق بين العرب والكرد، ليس في مواجهة الفاشية التركية فقط، بل من أجل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وتحقيق التنمية المستدامة لشعوب المنطقة كلها.