تعاني موسكو من صعوبة في الأوضاع الاقتصادية نتيجة فرض عقوبات دولية من قِبل البيت البيض وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وسط إصرار من قِبل الرئيس بوتين على مواصلة الحرب في أوكرانيا طالما لم تخضع كييف للشروط الروسية تزامناً مع فتح جبهة جديدة في الشمال السوري إثر استيلاء فصائل مسلحة على مدن وقرى كاملة ونجاحها في أسر جنود تابعين للجيش السوري، ما استدعى التدخل الروسي بشن غارات جوية تستهدف تلك الفصائل حفاظاً على حليفها بشار الأسد إلى جانب حماية قواعدها العسكرية على الأراضي السورية التي باتت مهددة بسبب التحركات الأخيرة لتلك الفصائل.
القدرات العسكرية
تعد روسيا إحدى القوى العسكرية الرئيسية في العالم، وتتمتع بقدرات عسكرية هائلة ومتطورة ظهرت في عدة صراعات دولية، وفقاً لتصريح رامي القليوبي الأستاذ بكلية الاستشراق بموسكو في اتصال لوكالة فرات للأنباء « ANF »، مؤكداً أن «الجيش الروسي يضم القوات البرية والبحرية والجوية فضلاً عن أسلحة متقدمة مثل الدبابات، الطائرات الحربية، الغواصات النووية، والصواريخ الباليستية، كما تمتلك روسيا أيضاً تقنيات حديثة مثل الطائرات بدون طيار والتجهيزات الإلكترونية المتطورة التي تسهم في تحقيق التفوق العسكري».
وتعتمد روسيا على التكتيكات الهجومية باستخدام القوات البرية والدبابات لتحقيق تقدم سريع في المناطق المستهدفة، كما تستخدم القوات الجوية لتنفيذ غارات جوية، فضلاً عن الحرب الهجينة التي تشمل مزيجاً من العمليات العسكرية التقليدية والهجمات السيبرانية والحرب النفسية، بما يساعدها على تحقيق أهدافها دون الاعتماد على المعارك التقليدية الطويلة فقط، وتحرص دائماً على تقديم الدعم للعناصر التي تساندها من خلال تزويدها بالأسلحة والذخائر والتجهيزات العسكرية.
حرب الشمال السوري
وفقاً للدكتور تيمور دويدار المحلل السياسي، في اتصال لوكالة فرات للأنباء « ANF »، «تدخلت موسكو في الشمال السوري، لدعم بشار الأسد في صراعه ضد الفصائل المسلحة، ولعبت القدرات العسكرية الروسية دوراً حاسماً في تحقيق التقدم العسكري على الأرض من خلال تنفيذ غارات جوية مكثفة باستخدام طائراتها الحربية لاستهداف مواقع تلك الجماعات وتدمير البنية التحتية العسكرية، والتعاون مع الحلفاء الإقليميين مثل إيران وحزب الله لتنسيق العمليات العسكرية وتحقيق التقدم على الأرض، تزامناً مع تقديم الدعم البري من خلال مستشارين عسكريين وقوات خاصة قامت بتدريب وتجهيز قوات النظام السوري».
أظهرت روسيا قدراتها العسكرية في الحرب الأوكرانية، مما ساعدها على تحقيق أهدافها الاستراتيجية، باستخدام التكتيكات الهجومية والحرب الهجينة والغارات الجوية المكثفة، وتمكنت روسيا من تحقيق تقدم كبير في المناطق المستهدفة، إلا أن الحرب في الشمال السوري كشفت عن تحديات مستقبلية تواجهها روسيا نتيجة الحرب على أكثر من جبهة إلى جانب العقوبات الاقتصادية والتوترات الدولية المتزايدة التي قد تنعكس على الداخل الروسي وتؤدي إلى اضطرابات سياسية.
كيفية مواجهة التحديات على الجبهتين
تواجه روسيا تحديات كبيرة في إدارة الصراع مع أوكرانيا ودعم الأسد في سوريا، ولكن، هناك عدة عوامل قد تسهم في قدرتها على التعامل مع هذه الأزمات المتعددة، من بينها القوة العسكرية حيث تمتلك روسيا جيشاً قوياً ومتنوعاً يمكنه العمل على جبهات متعددة، ويضم القوات البرية والجوية والبحرية، وكذلك التقنيات المتقدمة مثل الطائرات دون طيار، ودائماً ما تعمل موسكو على تعزيز التحالف مع إيران والصين، بما يوفر لها الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري أيضاً على الجبهة السورية، فضلاً عن الإدارة الدبلوماسية لتجنب المواجهات المباشرة مع القوى الكبرى، والتفاوض على حلول سياسية للصراعات، كما حدث مع تركيا حينما اصطدمت مصالح الدولتين على الأراضي السورية، وإلى جانب ما سبق تحاول روسيا الحفاظ على اقتصادها من خلال استخدام احتياطاتها النفطية والنقدية وتطوير علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأخر الفاعلة، ضمن خطط الحفاظ على الموارد الاقتصادية وتنميتها لتفادي تداعيات العقوبات الغربية عبر خلق ممرات تجارية آمنة للنفط بعيداً عن المسارات الدولية التي يمكن إخضاعها لتلك العقوبات، الأمر الذي قد يُمكّن الدولة من استمرارها في الحرب على أكثر من جبهة والحفاظ على اقتصادها من الانهيار رغم تعقد النزاع وإمكانية استمراره لفترة طويلة في الجبهتين.