روح المقاومة التي خلقها ميراث بيريتان

الحقيقة التي علمت أن المرأة تفرض وجودها وتخلق حقيقتها بكفاحها، و أن المرأة التي تتحرر بصراعها وكفاحها، تتلقى حباً واحتراماً اكبر.

البحثُ كانَ يتمُّ في تُرابٍ ما، واليد الباحِثة كانت لخليل داغ الذي أوصانا أساساً وأوصى يدي التي تُدوِّنُ الآن؛ أن تكتب مقاتلي هذه الجبال. كان يلمسُ المرأة التي في حضن التراب. لامسَ إشاراتها، وما أبعد عنها التراب حتى التقى بوجهها الذي خلقَ حُبَّ السفوح. التقى بالوجهِ ذاك المُتبرعِم من جديد مع جذور الأشجار في حضن التراب. هل كان الأمرُ محضَ صدفة، أم كان طِلَّسْمَاً ما يذّكر خليلَ الجبال بحقيقة دروبه في الجبال؟ لا أعلم. ولكن ما أعلمه يقيناً أنّها كانت لحظةً صمتت فيها الأكوان. هذا الوجه كان لتلك المرأة، كلنازَ الحرب، التي جعلتنا نهوى السفوح التي أخجلت عشرات المستسلمين والخونة المتقدِّمين المحتلين، كانت بيريتان؛ التي علّمت أعضاءَ البشمركة الذين سلّوا أسلحتهم لمقاتلة الـ كريلا، علّمتهم حقيقة المقاومة.

حافةُ جرف، آخرُ نقطة للشرف بامتنانٍ؛ لكِ يا من علمتينا عملية حماية الكرامة حين تسلقتي القمة آنَ قيام موجة اللا كرامة بامتنانٍ؛ لكِ يا من علمتينا قولَ: "حاربي يا وردتي، حاربي بشدة، فنحن موجودون بحربنا الآن." بامتنانٍ؛ لكِ يا  من علمتينا أن المرأة بحربها تُوجد، وبحربها تخلق حقيقَتها، أن المرأة التي تتحرّر بحربها ونضالها تُعشَقُ أكثر. بامتنانٍ؛ لكِ يا من علمتينا أن المرأة التي تحارب لأجل أفكارها ليس لها أن تخاف، تنفيه إلى أنأى جزيرة فيها. ذا دعاءُ كلّ مقاتلي الـ كريلا الآن، كلُّ من يقاوم المعتدين بجرأة اكتسبوها من بيريتان. بامتنانٍ لبيريتان، كلناز كاراتاش باسمها الآخر، قائدة "وحدات المرأة الحرأة – ستار" تبدأ هذه الكتابة. بِتَرِكَتها، الآن يُقام ميدان حرب في حضن هذي الجبال، إحدى أجمل الجِنان. حفتانين التي نفخت الروح في ألوان الطبيعة السبع. إثرَ خطاها، تخطو حفتانين الآن على الأعداء.

بدأت حملة احتلال حفتانين في الثالث والعشرين من آغسطس عام ألفين وتسعة عشر؛ وفي السادس عشر من حزيران عامنا الحالي عام ألفين وعشرين، وفي ليلةٍ من الوقت، باتت حفتانين ميدانَ حربٍ. من كلّ تلة ارتفعت صيحاتُ "هنا حفتانين". الزغاريدُ أوَّهت كلَّ تلٍ، ومحاربي كلناز، ربطوا حُمرَ الأوشحة إلى جباههم، جدّلوا أجملَ الضفائر، استلوا سيوفَ أفئدتهم، نظروا لآخر مرة لفوهات سبطاناتهم، لمسوا الترابَ مُحكمينَ قبضاتهم، لمسوا الأشجار وأحكموا أرواحَهم. "مستعدون لمجابهة ذكورَ الجيش التركي، المتسخين، ذوي القلوب الصَّدئة، الملعونونَ من آلهاتنا" قالها محاربو الكريلا، بروح المحاربين قالوها. خابَ مئات المحتلين والخونة من الكرد، الوجه اللامنسي لقبح الخيانة، خابوا في حرب ١٩٩٢-١٩٩٣ حين جعلوا بيريتان تتسلق القمة وتعشق الجرف، عادوا بُخفّي حنينٍ من سفوح خاكورك؛ خابَ أيضاً الوجه العاهر للخيانة، خونة ٢٠٢٠ ورجعوا خالي الوفاض من كل تلّة ذهبوا إليها في حفتانين متقدمين جيش الاحتلال الذي يغدو مثيراً للشفقة أكثر وأكثر. ففي كل تلة ذهبوا إليها، تحت كلّ شجرة مروا بها، في كل منطقة حاولوا المرور بها، قابلوا محاربي بيريتان وصحابتها. في خانتور قابلوا رستم جودي؛ جسدٌ شاب وروحُ قرنٍ من المقاومة. وقابلوا السائرين إثرَ رستمَ تباعاً.

روح بيريتان لم تبقَ عالقةً في سفوح وجروف خاركورك، بل فاحت إلى الأماكن كلها، وإلى الأوقات كلها. ترياقاً وإكسيراً للمحاربين، كانت روحها؛ في كل الأماكن إذن. في منطقة شَش دارا (الأشجار الستة) سطَّرت المحاربات ملاحم تحت كل شجرة؛ المحاربات المخلّصات لصرخاتِ مئات النساء الصامتات، ولِصرخاتٍ جلبتها أحضان الجرف من عمقٍ في ذاكرته ربما. واحدة تلو الأخرى، كل محاربة مخلّصة صرخت هُتافها وعهدت مرةً أخرى للحرية واحتضنتها. في أقصى المقدمة زَلَال (زُلال)، الأولى السَّمراء، أكثرهنّ جرأة نوجان (الروح الجديدة)، أكثرهنّ برأة آمَارا (الأزلية)، الأشجع زَريان (الحسناء)، الأجملُ آرارات كَجبل آرارات، المحارِبة أكثر من غيرها بيريفان (وارِدة النبع)، أقلهنّ عهدةً بالخوف دوغا (الطبيعة)، الأكثر حِدَّةً ودقةً ووضوحاً، وارشين (الأرض العَشِيبة)، الحالفتين للحرية والمتعلقتين بها أكثر زينب وأفين (زينب من زنوبيا وهو الحياة وأفين هو الحب) الأكثر ملائكية ڤيان (الإرادة)، الأكثر نشاطاً وقياماً بالعمليات مزگين (البشارة) وغيرهن، وأيَّما غيرهن ...

طُوبى لروح بيريتان؛ بموتها المشرّف خلقت الحرية لمحاربي الحرية، وأمست روحاً، فكراً، حقيقةً، كبُرت وأُحيت من جديد وجديد مع قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان، ووجدت من جديد في حرب حفتانين، في قلب الكون؛ لتخفق نيابةً عنه. بامتنان...