الشعوب الإيرانية مصممة على عدم الخضوع للحداثة الرأسمالية

إذا طبقت إيران إيديولوجية الحداثة الديمقراطية في القضايا الاجتماعية بشكل كافٍ، تستطيع فتح الطريق أمام نتائج مهمة للحل، على الرغم من كافة الجهود المركزية المتسلطة، تمتلك إيران في جوهرها حقيقة فيدرالية.

لا يمكن تقييم ثقافة الشرق الأوسط بالعلم والأيديولوجية السلبية للحداثة الأوروبية، عندما أدُّعى أنه تم تقييمه من خلال هذا الشيء، حينها تنتج عنه الاستشراق، ما طرحه هذا النموذج في المائتي عام الماضية لا يتطابق لا مع الواقع التاريخي ولامع الواقع اليومي لمجتمع الشرق الأوسط، بكلمة واحدة، الفرق بينهما مثل جبل، إن فهم حقيقة المقاربات التقليدية تحت تأثير الاستشراق (خاصة الموجات الإسلامية وجميع أنواع المقاربات الثقافية) بعيد كل البعد عن الحقيقة وهو مجرد أدب جاف.

إن شكل الحداثة الرأسمالية أثبت وجوده بنموذجها، فهو لا يتناسب لا مع التاريخ ولا مع الوضع الحالي، يفسر الاختلاف الكبير الذي نشأ عن الصراع الحالي والتنوع من خلال القتال العنيف الذي هو أكثر من وحشي، لا الطبيعة العميقة ولا التخلف الثقافي مسؤول عن ذلك، تتعلق المشكلة بأسلوب تطبيق الحداثة الرأسمالية وأسلوب هذه الحداثة، هناك محاولة لتقسيم ثقافة عمرها آلاف السنين (الثقافة المادية والمعنوية) وإدخال وكلائها (التصنيع ورأسمالية الدولة القومية) فيها، هذا هو السبب الحقيقي للوحشية التي حدثت وستحدث، بالطبع ما حدث، لا يختلف عن الوحشية والإبادة الجماعية في الماضي القريب

مهما وقفنا على فرض الدولة القومية، الأمر الذي أدى إلى تقسيم ثقافة الشرق الأوسط مثل السكين، لأن الصدمات الشديدة بدأت بهذا السكين، إذا لمسنا أية مأساة فالنتيجة لم تتغير، من داخل الهند إلى سيبيريا، ومن الصحراء المغربية إلى صحارى شبه الجزيرة العربية، تلقت كل ثقافة أصلية أو بدوية نصيبها من ضربات هذا السكين، لا يزال الجرح ينزف، حرب الهندوس والمسلمين التي تحدث كل يوم في الهند، وكشمير ، ومنطقة الأيغور، والحرب الأفغانية الباكستانية، والحرب الشيشانية والآخرين في روسيا، والحرب الإسرائيلية الفلسطينية، والحرب في لبنان وفي دول عربية عدة، والحرب بين الكرد والأتراك، والعرب والفرس، والحرب المذهبية في إيران، والحرب العرقية في البلقان، وتصفية الأرمن والرومان والسريان في الأناضول، أليست كل هذه الحروب والمآسي نتيجة هيمنة الرأسمالية...؟

المشاكل في بلاد فارس وداخل المجتمع الإيراني

إذا كانت تدخلات الأمم المتحدة (UN)، وهي اتحاد الدول القومية، لا يمكن أن تحقق نتائج، إذا لم تستطيع منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي اتحاد الدول القومية الإسلامية، أن تكون فعالة ومؤثرة، إذا كانت الجولات الدبلوماسية اللا محدودة للدول القومية لا تفيد في شيء سوى ابداء الاستياء، فالسبب، مرتبط بتنظيم وعقلية الدولة القومية، هذه الحقيقة الزائفة، التي هي أكثر صرامة بألف مرة من التشدد الديني في العصور الأولى والمتوسطة، لا ينبغي أن نتفاجأ إذا ظهرت دائماً أمامنا في شكل فاشية وفي كل مكان بأفعالها، لطالما تم بناء الدولة القومية عن طريق الحرب، لا توجد دولة قومية واحدة لم تتشكل بالحرب، والأسوأ من ذلك، هل هناك دولة قومية لم تحارب المجتمع داخلها، ومع الدول القومية الأخرى في الخارج؟

تعود المشاكل في المجتمع القومي لإيران أو بلاد فارس إلى جهود الحداثة الرأسمالية خلال المائتي عام الماضية والحضارات التاريخية.

المجتمع الإيراني يحتوي على العديد من الهويات العرقية والدينية وهو غني بالثقافات، ترحب بجميع الهويات الدينية والوطنية في الشرق الأوسط، ويلاقي صعوبات للحفاظ على هذه الهويات المتعددة معاً من خلال الهيمنة الأيديولوجية للعرق أو الدين، إنه يدير قومية عرقية ودينية قوية للغاية، من ناحية أخرى، على الرغم من أنها تطبق الحداثة الرأسمالية، فإنها تلجأ أيضاً إلى الدعاية المناهضة للحداثة عندما تحتاج إليها لقد أصبح سيد دمج التطورات الديمقراطية والثورية في ثقافة الحضارة التقليدية، ينفذ نظاماً مستبداً ببراعة، إنها واحدة من أكثر الدول التي تشهد أزمات ومليئة بالتوترات في الشرق الأوسط، حتى لو خففت مواردها النفطية جزئياً التوترات، فإن وجود الدولة القومية لإيران يساعد على التوسع، إن الخلاف مع هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي فعال للغاية هنا.

في أساسها هي إيران فيدرالية

إذا طبقت إيران إيديولوجية الحداثة الديمقراطية في القضايا الاجتماعية بشكل كافٍ، تستطيع فنح الطريق أمام نتائج مهمة ‏للحل، على الرغم من كافة الجهود المركزية المتسلطة، تمتلك إيران في جوهرها حقيقة فيدرالية، عندما تلتقي عناصر الحضارة الديمقراطية بالعناصر الفيدرالية (الآذريون، الكرد، العرب، البلوش، التركمان)، فإن مشروع الاتحاد الديمقراطي الإيراني يمكن أن يصبح ذا مغزى ويسهل أن يصبح مركزاً، كما تلعب التقاليد المجتمعية وحركة تحرير المرأة دوراً مهماً في سياق هذا المشروع، إن مستقبل إيران المشرق ودورها التاريخي في الشرق الأوسط  يتحقق من خلال تكامل عناصر الحداثة الديمقراطية (المجتمع الديمقراطي والاقتصاد والبيئة) وبفضل هذه الخطوة، إن إمكانات المجتمع الوطني الإيراني كافية لهذا، وواقع الأمة الديمقراطية في إيران يملي ذلك أيضاً.

إما ستتغير إيران من الأساس أو...

لا يوجد في إيران الطقوس العرقية الفارسية فقط، هناك العديد من الطقوس العرقية في نفس المنطقة الجغرافية، طورت الانقسامات الاجتماعية خصائص عرقية ودينية معاً، لا يمكننا تعريف إيران كمجتمع وسلطة أعلى، فقط من خلال الصفات الدينية والعرقية الموجودة فيها والتي لها أهمية كبرى، سيتمكن المرء من تعلم المزيد منه إذا أدرك أنه شكل مستقل من الصفات الدينية والعرقية مجتمعة في جسد واحد، على الرغم من تقدُّم كلا الجانبين من وقت لآخر، لا يرى المرء انقساماً جذرياً للغاية بينهما عبر التاريخ، على سبيل المثال، لم يصبحوا مجتمع قوم كلاسيكي مثل العرب، ولم يصبحوا مجتمع ديني مثل اليهود، بطريقة عفوية، كما لو كان من الضروري جعلها نموذجاً ثالثاً، لعب وجود عدد كبير من الأعراق والمعتقدات الدينية دوراً مهماً في هذا، ورحبت بتأثير المائتي عام الأخيرة من الحداثة الرأسمالية على أساس هذه الحقيقة،  ليس لديها تجربة دولة قومية كما هو الحال في الدول الأوروبية، كما أنها لم تطبقها كدولة قومية كما هو الحال في الدول العربية، لقد حافظت على معالمها التاريخية، مقارنة بكلا النموذجين، لم تتخلى عن نموذجها قط، شاه إيران لم يستطع الوقوف على قدميه وهذه هي الحقيقة،  لكنها لا تستطيع الاستمرار في الوجود بهذه الطريقة ضد الحداثة الرأسمالية والرأسمالية العالمية، إما أن يكون لها تحول جذري (هذا صعب للغاية على الدولة والسلطات، إذا أرادت أن تصبح دولة قومية ليبرالية، فإن هذا سيؤدي إلى انهيارها)، أو سيتم تقسيمها وستجعل من الطبقة الدنيا وكيلاً لها على أساس القيم الديمقراطية المدنية للطقوس الإسلامية وقيم الحداثة الديمقراطية اليومية، في التحرر من فوضى الشرق الأوسط، ستصبح واحدة من القوى البناءة الأولى للحداثة الديمقراطية وتحتل مكانها في التاريخ بطريقة تليق بماضيها.

لقد انهار النظام السياسي الوطني في أفغانستان وباكستان بشكل خطير بالفعل، ربما تسببت حروب الدولة القومية في القرن الماضي في كارثة أعظم من القنبلة الذرية لهذه الشعوب والثقافات.

يواجه الأشخاص المذكورين مؤامرات ودمار ومجازر سوداوية لم يسبق لهم رؤيتها في تاريخهم، قد تواجه إيران كارثة نووية في أي وقت، تتعارض ثقافة إيران مع الحداثة الرأسمالية منذ البداية، وفي مقدمتها ثقافة الدولة القومية تحارب كل الحداثة الرأسمالية، وتقاوم ضد كل العناصر المفروضة عليهم، تُفرض الشيعية كظاهرة إقليمية وتاريخية أكثر، وقد فهم بالفعل من قبل شعوب إيران أنها قومية، تم خلقها من قبل الحداثة الرأسمالية، وبهذا القناع، يتم شلّ الثورة الإسلامية الإيرانية، لذا فهم يقفون في وجهها، لا تختلف الأحداث التي تجري في أفغانستان وباكستان عنها، على الرغم من ألاعيب حزب الله والقاعدة وطالبان، لا يمكن التستر على الحقيقة.

لا ينبغي أن ينسى المرء أن هذه التنظيمات الثلاث المقنعة، وهي حزب الله والقاعدة وطالبان، قد تم إنشاؤها من قبل الدول القومية المُستَعبَدة ويتم استخدامها الآن كأدوات ابتزاز ضد أسيادهم المهيمنين كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لتتمكن هذه الدول القومية المستعبدة من الحصول على حصة أكبر، بعبارة أخرى، لقد بنوا أدوات القتل والابتزاز والمؤامرات هذه معاً لتأديب بعضهم البعض واستخدامها ضد بعضهم البعض لزيادة حصتهم، ربما لم يتم اكتشاف مثل هذه الأدوات البدائية لألعاب المؤامرة في التاريخ، قتلوا الشعوب وثقافاتهم باستخدام أدوات ألعاب الألغاز هذه مثل العصا والأوراق، من الواضح أنها بهذه الأدوات لم تعد جزءًا من النظام في الشرق الأوسط، ولا الدول القومية التي هي شركاء لها، فهي تتعدل وتفلح.

قد يُبنى الشرق الأوسط في المستقبل من خلال إيران

خاصةً إيران، فهي تستخدم طقوس الدولة القديمة جدًا، على أساس أنها تصدق وتستطيع فعل ذلك من خلال الحداثة الرأسمالية، فهي في الواقع تعطي مثل هذه الصورة وتنتظر أن يقبلها النظام، ربما يكون استخدام التاريخ بهذه الطريقة هو الشكل الأكثر وضوحاً للفشل، لا يمكن تفسير الجمع بين الحداثة والطقوس التاريخية والحداثة إلا من خلال "عادات العجم"، لهذه الأسباب، فإن المستقبل القريب للشرق الأوسط سينمو ويتشكل في إيران، في الواقع، إيران في قلب نقاشات الحداثة، بغض النظر عن مدى معارضة القومية الشيعية لها، سيستمر النقاش الأيديولوجي والسياسي حول الحداثة في النمو والاستمرار، يعرف شعب إيران الحداثة الرأسمالية أكثر من الشعوب الأخرى ويبدو أنه مصمم على عدم الانصياع لها، مهما كانت القومية الشيعية الحالية معادية لإسرائيل وأمريكا والغرب، فإن الشعب الإيراني سيبحث على المدى الطويل عن الحداثة التي تناسبه، ولن تتمكن من إيقاف بحثهم، حتى لو اتفقت مع الولايات المتحدة وإسرائيل فلن تتمكن من إخفاء هذا الموقف المقنّع.

البحث عن الحقيقة قوي في الثقافة الإيرانية

البحث عن الحقيقة قوي في الثقافة الإيرانية، بالإضافة إلى ذلك، هناك طقوس الحياة الجماعية في إيران قديمة قدم التاريخ، لذلك، في المستقبل القريب لإيران، سنشهد حرباً حقيقية للحداثة، في الواقع، كانت الثورة الإسلامية عام 1979 حرباً للحداثة، لكن التمرد خرج عن مساره، على شعب إيران أن يتعلم الدروس من هذه الثورة والأزمنة التاريخية، وفي المستقبل القريب لجميع شعوب الشرق الأوسط، من خلال حروب الحداثة، سيكونون قادرين على تمهيد الطريق لعصر جديد، والقيام بأحداث جديرة بتاريخهم، جديرة بتاريخ الشرق الأوسط، لذلك فإن النقاشات حول الحداثة الديمقراطية وتجاربها العملية مهمة جداً وتوجيهية.

يمكن أن تنقسم إيران في كل لحظة، فالدولة القومية تشبه القنبلة الذرية الموضوعة تحتها، القومية الشيعية تجعل الدولة القومية أكثر عنفاً باستمرار، ورغم كل طموحاتها بالحداثة، فإن هذا لن يوقف انقسام إيران وتقسيمها، بل على العكس، سيعجلها، إن نظرية الأمة الديمقراطية أشبه بدواء، خاصة بالنسبة لإيران، يجب استخدامه يومياً، إن ثقافة إيران وشعبها يقاومون الحداثة الرأسمالية، وفقط بعقلية الأمة الديمقراطية يمكنهم الوصول إلى عالم الحرية والمساواة والديمقراطية الذي يتوقون إليه، بنظرية الأمة الديمقراطية، يمكن لإيران أن تنهي القتل ومؤامرات الدولة القومية التي تقاتل بعضها البعض وتتوصل إلى سلام مشرف.

في يومنا هذا، تحدث إحدى أكبر الكوارث في استقرار الدولة القومية على الحدود الأفغانية الباكستانية، بالإضافة إلى ذلك، فإن مشكلة كشمير هي نتيجة الدولة القومية، مشاكل باكستان والهند وباكستان وبنغلادش سببها نفس العقلية القومية وما زالت تحدث، إن حلول وسلام الدولة القومية، بحسب طبيعتها، تفتح الطريق أمام الحرب وعدم الحل، هذه الأمثلة الملموسة تشرح هذه الحقيقة بشكلٍ كافٍ، في أفغانستان، أرادوا تطبيق نماذج اشتراكية جمهورية وملكية وبنيوية للدولة القومية، ونتيجة لذلك، هناك مجتمع أفغاني منقسم ولا يمكن أن يستمر في خضم العنف الأعمى الذي ليس له مبادئ، بصرف النظر عن مفهوم ونظرية الأمة الديمقراطية، لا توجد عقلية وإرادة لإعادة تنظيم هذه المجموعات وقيادتها إلى الحرية والحياة الديمقراطية، لا يمكن حل المشكلات الاجتماعية بشكل بناء حتى يتم فصلها فكرياً، عقلية الأمة الديمقراطية من آسيا الوسطى إلى الهند هي أفضل إطار للوحدة بين الشعوب والثقافات المختلفة تماماً، ظل الشعب والثقافات في هذه الأماكن تحت سقف سياسية مشتركة مثل الكونفدراليات والإمبراطوريات عبر التاريخ، حتى لو لم تكن مثالية، فقد تمكنوا من حماية وجودهم واستقلالهم بهذه الطريقة، سواء كانت القومية علمانية أو دينية، فطالما استمرت عقلية الدولة القومية، سيكون المجتمع أكثر انقساماً وسيقاتل ضد بعضه البعض، يزعمون أنهم شديدو التعلق بالإسلام ويقدمونه كإيديولوجية إرهابية، مما يجعل هذه الطقوس سلبية للغاية، الاتحادات الديمقراطية الوطنية يجب أن تنفذ محلياً وبانسجام معها في الشرق الأوسط كما في إيران، إن الدولة القومية مثل باكستان تتفكك بالفعل، والبديل الأكثر إلحاحاً هو مشروع اتحاد وطني ديمقراطي في الشرق الأوسط.

ـ ـ ـ من تقييمات القائد عبد الله أوجلان ـ ـ ـ