أحداث عام 2011 في سوريا، فرضت على الكرد خيار البحث عن الحل بأنفسهم، ليلجؤوا الى نهج "الخط الثالث" ويطلقوا ثورة 19 تموز ـ روج آفا ـ عام 2012.
مرت ثورة روج آفا في بدايتها بمراحل صعبة وقاسية، حيث جابهت قوات النظام واخرجته من مناطق روج آفا، كما تعرضت لهجمات مرتزقة جبهة النصرة التي اتت عبر الحدود التركية عام 2013، بغية احتلال سري كانيه. إلا ان مقاومة ابناء روج آفا حالت دون نجاح ذلك.
وتلتها مرحلة أصعب، ألا وهي التصدي لهجمات تنظيم داعش الإرهابي، حيث شن المرتزقة هجوماً عنيفا وواسع النطاق على روج آفاي كردستان واستهدفوا احتلال مدينة كوباني. إلا انه كان لمقاتلي وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة رأي آخر، فكانت المقاومة التاريخية التي دحرت اسطورة ما يسمى داعش. لتتالى انكسارات التنظيم الإرهابي على يد قواتنا وصولاً الى عام 2019، حيث تم القضاء على ما يسمى "عاصمة الخلافة" وتم دحر التنظيم الإرهابي على يد قوات سوريا الديمقراطية.
أكد عضو حزب الاتحاد الديمقراطي والكاتب مصطفى عبدو لوكالة فرات للأنباء، ان الهدف من الثورة هو الوصول الى مجتمع حر يلبي متطلبات كافة المكونات التي امتزجت دمائها طيلة العشر السنوات الماضية من عمر الثورة، وتابع: "استطاعت الشعوب تجاوز العوائق التي تضعها الانظمة وتغلبت على كل محاولات خلق الفتنة والتفرقة. الثورة خلقت جيلاً ذو إرادة يستطيع تخطي كل التناقضات وقادر على ايجاد الحلول. كما انها كشفت الستار عمن يتلاعب بالمجتمع. فقدم نموذجاً للمقاومة والتضحية. جيل من زمن آخر يؤمن بأن السياسة عمل لخدمة الناس. ويطمح لسوريا ديمقراطية. ويؤمن بالعيش المشترك"
تعزيز العيش المشترك في ظل نظام ديمقراطي
وتابع مصطفى حديثه قائلاً: "نبذت الادارة الذاتية الفرقة واعتمدت على ارادة الشعوب المتعايشة. أوصلت هذه المكونات الى قناعة الى ان يمكن للشعوب السورية وضع الخلافات جانباً والعيش معاً في ظل نظام ديمقراطي"
وعن مراحل تأسيس الادارات خلال ثورة روج آفا اكمل مصطفى: "بعد انطلاقها، تشكلت المؤسسات المدنية في مدن وبلدات شمال وشرق سوريا. تلاها في أواخر 2013، كتابة العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية، ليتم في كانون الثاني 2014 الاعلان عن تأسيس الادارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة ثم في كوباني وعفرين. وصولا الى عام 2018 حيث تم الاعلان عن تشكيل الادارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا"
الانتصارات السياسية العسكرية والإدارية التي حققتها ثورة 19 تموز
وتابع مصطفى حديثه بالقول "لجأت الإدارة الذاتية الى حل المشاكل الداخلية من خلال الكومينات وهيئة الاعيان ومحاكم الشعب تحقيقاً للعدالة والديمقراطية والاستمرار، ودبلوماسياً فتحت الإدارة الذاتية الطريق امام الانفتاح على العالم للبدء بتأسيس علاقات وتفاهمات مع دول في العالم وكانت البداية من فرنسا حيث استقبل الرئيس الفرنسي ممثلي الإدارة الذاتية باللباس الفلكلوري الكردي واللباس العسكري لوحدات حماية المرأة في قصر الإليزيه. وتلاها افتتاح ممثليات للإدارة الذاتية الديمقراطية في بعض الدول الأوربية. ورغم المطالبات العديدة للاعتراف بالإدارة الذاتية الديمقراطية، لكن يبدو أن بعض الأطراف التي معترضة على وجود الإدارة الذاتية بحجة أنها تهدف إلى الانفصال وأنها نتيجة إملاءات خارجية تخدم مصالحها. هذه الأطراف هي نفسها التي اعترفت بما تسمى بـ (المعارضة السورية) ومنحت لها مقعداً في الأمم المتحدة والجامعة العربية، وجعلتها الجهة المخاطبة دولياً في كل ما يتعلق بسوريا. بينما تغض هذه الأطراف النظر عن الإدارة الذاتية التي لا تقف إلى جانب النظام ولا تخضع للإملاءات الخارجية، واستطاعت التصدي للإرهاب الذي يهدد العالم كله وكسر شوكته .وليس هذا فحسب فعند فتح المعابر الحدودية مع دول الجوار، دعت هذه الأطراف إلى إغلاق جميع المعابر مع مناطق الإدارة.
نموذج الإدارة الذاتية الحل الأمثل لحل الازمة السورية
وأشار مصطفى في حديثه قائلاً "هناك ضغوطات من قبل الأنظمة التي لا تستسيغ نظام الإدارة الذاتية نظام الإدارة الذاتية خوفاً من تمدد هذا المشروع الديمقراطي الذي سيؤثر عاجلاً ام اجلاً على شعوبها والامر الاخر هو موضوع مقاتلي داعش المحتجزين لدى الإدارة الذاتية الذين يجب محاكمتهم في محاكمات دولية، فأغلب تلك الدول لا ترغب في التعامل مع الإدارة بذريعة أنه لم يتم الاعتراف بها، وتريد التعامل إما مع النظام المعترف به أو من خلال تركيا أو من خلال العراق، أما إذا كان هناك اعتراف فسيكون هناك تواصل مباشر لحل هذه المشكلة، فالإدارة هي التي حاربتهم وأسرتهم وقدمت الآلاف من الشهداء ، وهي المعنية في تقرير مصير هؤلاء المحتجزين .
لذلك نموذج الإدارة الذاتية هو الحل الأمثل للمعضلة (المقتلة) السورية وهو المشروع الوحيد اذا امكننا الوضع لبناء سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية ، ومن خلال هذا المشروع تمكنت الشعوب السورية من حماية مناطقها وادارتها في ظروف صعبة واستثنائية ، لتبقى مناطق الإدارة الذاتية من اكثر مناطق سوريا امناً واستقراراً ، والدليل على ذلك هو لجوء مئات الالاف من سكان المناطق الأخرى من سوريا الى مناطق الإدارة الذاتية طلباً للأمن والاستقرار وحيث كل مكون يمارس حياته بحرية وديمقراطية ويتعلم بلغته ويحظى بجميع حقوقه وتتشارك جميع المكونات في إدارة المنطقة.
ثورة روج افا ثورة المرأة الحرة
وأضاف "يمكن ان نطلق على ثورة 19 تموز ثورة المرأة، لان المرأة في روج افا وخلال هذا الثورة لعبت دوراً فعالاً لم تسبقها النسوة في أي مكان في العالم سواء من ناحية نضالها اومن الناحية التنظيمية، الاجتماعية ، السياسية ـ والإدارية ، والتعليمية ، والإعلامية ، والثقافية ، وحتى العسكرية وخطت المرأة في روج افا خطوات كبيرة لتحقيق حريتها
وبدأت المرأة وتحت مظلة الإدارة الذاتية بافتتاح مراكز خاصة بالمرأة لتدريبها وتوعيتها، ومراكز ومؤسسات مدنية لحل المشاكل الاجتماعية، ومراكز خاصة بالأطفال ، ومراكز لمناهضة العنف ضد المرأة، ونظمت نفسها من الناحية العسكرية بعد تأسيس وحدات حماية المرأة التي لها دور بارز في دحر مرتزقة داعش كما انها حققت نسبة .40 % من التمثيل في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية، وطبقت نظام الرئاسة المشتركة في جميع مؤسسات الإدارة الذاتية.
وكما انها تلعب دوراً بارزاً في تقريب وجهات نظر المرأة السورية من خلال الاندماج مع مختلف شرائح الشعب السوري و عندما نتحدث عن ثورة 19 تموز لا بد أن نذكر آلاف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل أن يعيش مكونات الشعب السوري بحرية وديمقراطية، وكل المكتسبات التي تحققت هي نتاج دماء الشهداء، و بمناسبة الحديث عن ثورة 19 تموز ننحني إجلالاً وإكراماً لأرواح الشهداء الطاهرة.
وفي ختام حديثه قال عضو حزب الاتحاد الديمقراطي والكاتب الكردي مصطفى عبدو "لا يخفى على احد ان التهديدات التركية المستمرة على مناطقنا ازدادت مع اقتراب ذكرى ثورة 19 تموز وهذا أمر طبيعي لأنظمة تسعى جاهدة لكسر إرادة الشعوب ،ممارسات النظام التركي أوصلته إلى مرحلة الإفلاس داخلياً وخارجياً، ويوماً بعد يوم تتعاظم مشاكل النظام التركي نتيجة تدخله في شؤون دول الجوار والعالم ، والتنظيمات الإرهابية والمعارضة السورية التي كانت تعول عليها تركيا فشلت فشلاً ذريعاً في تلبية طموحاته كما فشلت الإيديولوجيات الدينية ونجحت ثورة حرية الشعوب ، والمعارضة الداخلية التركية قويت شوكتها نتيجة السياسات الخاطئة التي يتبعها النظام التركي , والأهم من ذلك كله هو أن النظام التركي بات يدرك جيداً أن ثورة 19 تموز باتت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافها وخشية النظام التركي من ثورة تموز جديدة قد تطيح به وبأركان دولته لكن هذه المرة من الداخل التركي المشحون جميعها أسباب قد تدفع بتركيا إلى تنفيذ تهديداتها ضد مناطق في شمال سوريا.