وعقد المؤتمر الوطني الكردستاني مؤتمراً عبر تقنية الفيديو شارك فيه ممثّلون عن أحزاب سياسية، مثقّفين، ممثّلين عن منظّمات مدنيّة وشخصيات سياسية مستقلّة من أجزاء كردستان الأربعة، حيث وجّه مراد قريلان رسالة عبر الفيديو إلى المشاركين في المؤتمر جاء فيها:
"تحيّة طيّبة لإدارة المؤتمر الوطني الكردستاني والشكر لهم على منحنا الفرصة للمشاركة في هذه الجلسة، كما أوجّه تحيّة لجميع أعضاء المؤتمر والمشاركين فيه واتمنّى لهم جميعاً التوفيق والنجاح في عملهم السياسي.
الرفاق الأعزّاء
نشهد اليوم حرباً عالمية ثالثة تدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط، لكن بأساليب جديدة، والهدف هو إعادة رسم خريطة المنطقة. كما تلاحظون، فإنّ القوى المحتلّة لجغرافيا كردستان تحاول جاهدة ألّا يكون للشعب الكردي أيّ تواجد في الخريطة الجديدة. فاتّفاقية لوزان ستنتهي في العام 2023، والدولة التركيّة تكرّر تصريحاتها حول وجود ’إهانة لتركيا في لوزان’، وهذا ما ذكره أردوغان مرّات عدّة. والأن، الدولة التركيّة تثير قضيّة الحدود السياسية وفق ’الميثاق المللي’ وهذا ما تستند عليه استراتيجيّات تركيا الحالية، والتي تهدف للهيمنة على المنطقة الممتدّة من عفرين حتّى سيدكان وخاكورك وإلحاقها بأراضي دولتها. وهذا ما يشكّل خطراً كبيراً على الوجود الكردي إذا لم نتمكّن من قراءة المشهد بشكل صحيح ونعدّ العدّة لمواجهة هذه المخطّطات. لذا نحن نعتبر أن عقد هذا المؤتمر هو خطوة صحيحة وهامّة للغاية للوصول إلى الأهداف المرجوّة منه.
الدولة التركيّة تشنّ هجوماً واسع النطاق على منطقة بهدينان، وهذا الهجوم لا يمكن أن يتمّ دون موافقة، بل دعم دولي، لأنّه دون موافقة الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لا يمكن للطيران الحربيّ التركي أن يحلّق في أجواء جنوب كردستان. وهنا يجدر بنا أن نذكّر بصمت حكومة إقليم كردستان حيال هذا الهجوم، وموقفها غير واضح أبداً. فالصمت حيال العدوان التركي يمنحه الشرعيّة، وبالتالي نعتبر أنّ الصمت هو دعم للاحتلال الذي يغزو أراضي إقليم كردستان مستخدماً المدافع والدبّابات، ومؤكّد أنّ هدف الدولة التركيّة ليس التواجد في أراضي الإقليم لفترة مؤقّتة، بل تواجد دائم. وعلى الصعيد الإعلامي، خطاب الدولة التركيّة هو التذرّع بمحاربة طرف ما دون غيره، وقيادات الإقليم تؤكّد هذا الخطاب من خلال تصريحات صادرة عنها بأنّ تركيا ’قادمة لأجل محاربة حزب العمّال الكردستاني وليس لأجل محاربة الكرد’ وقيادات الإقليم باتت تصدّق هذا الخطاب.
دعونا ننظر بنظرة واقعيّة. لقدّ مرّ على تواجد الأتراك في المنطقة 950 عاماً، هم الآن في منطقة الأناضول. منذ ذلك الحين، قدّمت الدولة التركيّة مراراً وتكراراً وعوداً للشعب الكردي ولأمراء الشعب الكردي، لكنها لم تفي بأيّ وعد من تلك الوعود. وحينما كانت تندلع ثورات أو انتفاضات كرديّة ضدّ الدولة إبّان الفترة العثمانية وخلال تأسيس الجمهوريّة، كانت الدولة تستميل بعضاً من الكرد لجانبها لتحارب بهم تلك الثورات، وبعد القضاء عليها، كانت الدولة تتخلّص ممّن تحالفوا معها من الكرد. والتاريخ زاخر بعشرات الأمثلة. عندما كنّا صغاراً، كان شيوخ قريتنا يقولون لنا: ’حتّى لو كانت الدولة التركيّة حماراً، لا يجب علينا ركوبه’. فهذه الدولة، حتّى لو أظهرت نفسها بمظهر جيّد، لكنّها سرعان ما تعود لإظهار وجهها الحقيقي. ومن الخطأ أن نصدّق ما يقوله المسؤولون الأتراك. ربّما قيادات حكومة إقليم كردستان الموقّرة تثق بأصدقائها ثقة كبيرة، مثل الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتحاد الأوروبي، لكن بالنسبة لنا هذا الأمر يحمل في طيّاته بعض الأخطاء في التقدير.
لاحظوا بأنّ تركيا احتلّت في العام 1974 جزيرة قبرص، وعلى الرغم من معارضة أمريكا والدول الأوروبيّة لهذا الاحتلال، لكنّ تركيا لا تزال تحتلّ جزءاً من الجزيرة. لقد فرضت أمريكا عقوبات على تركيا بسبب احتلالها لقبرص، وظلّت العقوبات لفترة ما، ومن ثمّ أزالتها ووثّقت علاقاتها معها. المغزى من هذا القول هو أنّ تركيا تنفّذ مخطّطاتها الاستراتيجيّة ولا تصغي السمع لأحد. والدول آنفة الذكر تهتمّ يمصالحها أوّلاً وأخيراً، وستدعم تركيا في حربها على الكرد، وستكتفي بالتنديد والاستنكار، اللذين لن تلتفت لهما تركيا التي ترى في المكتسبات التي حصل عليها الكرد بنضالهم خطراً كبيراً على مستقبلها. لذا علينا أن نتحرّك وفقاً لهذه المعطيات ونؤمن بأنّ وحدتنا هي مصدر قوّتنا في مواجهة مخطّطات تركيا.
الآن عندما نقول بأنّ الدولة التركيّة تعادي الشعب الكردي برمّته، ليس فقط حزب العمّال الكردستاني، فإنّ أخوتنا يقولون بأنّ الحزب يدلي بهذه التصريحات لأجل أن ننضمّ جميعاً إلى حربه ضدّ تركيا، لذا يتجاهلون ما نقوله ولا يصغون إلينا بل يصغون إلى تركيا على الرغم من عشرات المرّات التي خدعتهم فيها. على المرء أن يدرك الحقائق كما هي، إذاً فما هي الأمور التي تفكّر فيها الدولة التركيّة؟ ما هو خطّها الإيديولوجي؟ وما هي استراتيجيّتها؟ علينا جميعاً تقييم هذه النقاط والردّ على هذه الأسئلة بتفكير عميق، حينها سنجد بأنّ مخطّطات تركيا تشكّل الخطر الأكبر على الشعب الكردي.
رفاقي الأعزاء، أعضاء المؤتمر الوطني الكوردستاني (KNK)، نحن نقدّر جهودكم المباركة في سبيل تحقيق الوحدة الوطنيّة الكردستانيّة. ونحن على ثقة بأنّكم ستحقّقون النجاح، لكنّنا نطالبكم أيضاً بتوضيح الحقائق للجميع. كي نفهم ما يحدث الآن، علينا مراجعة التاريخ وقراءته بتعمّق. الخطوات التي خطوتموها في سبيل وحدة الصفّ الكردستاني هي خطوات مباركة وجبّارة، وأنا متأكّد بأنّ السيّد مسعود بارزاني سينظر إليها بعين الاعتبار، وإذا ما توسّعت جهودكم أكثر، سيدرك بأنّ المخاطر على الشعب الكردي كبيرة جدّاً.
كما أنّني على ثقة كبيرة بأنّ الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني YNK والإدارة المشتركة للمكتب السياسي في الحرب وأيضاً قيادة حركة كوران سيكونون قادرين على تعزيز جهودكم في سبيل وحدة الصفّ الكردستاني. وهذا الأمر ينطبق على كافّة القوى السياسيّة في إقليم جنوب كردستان. ونحن في حزب العمّال الكردستاني، مستعدّون للعمل في هذا الإطار وسننفّذ ما علينا القيام به على أكمل وجه.
الرفاق الأعزّاء
بحسب الرسائل التي وجّهتموها لنا، ترغبون منّا بتسليط الضوء على حالة الحرب الدائرة الآن، لذا سأذكر لكم نبذة عنها.
هذه الهجمات التي يشنّها جيش الاحتلال التركي ليست كتلك العمليّات العسكريّة التي كان يقوم بها سابقاً في مناطقنا. لقد أعدّ العدّة اللازمة لحرب مفتوحة وطويلة الأمد. استقدم جنوداً بأعداد كبيرة، من بينهم مرتزقة سوريّون، ويستخدم أكثر التقنيّات العسكريّة تطوّراً ولديه أحدث المعدّات العسكريّة. فمنذ ليلة 23 نيسان الماضي، لم يتوقّف القصف من الجوّ والبر، وكأنّه يشنّ حرباً على دولة كبيرة. تاريخ بدء الهجوم يلفت الأنظار، إذ أنّ المجازر التي ارتكبها بحقّ الشعب الأرمني بدأت بتاريخ 24 نيسان، وكأنّ المحتلّ التركي يريد القول ’ما فعلناه بحقّ الأرمن، سنفعله بكم أنتم الكرد’. مثل هذه الأمور لها أهمّية كبيرة بالنسبة للدولة التركيّة. هذا الأمر بمثابة رسالة لنا، علينا أن نعمّق التفكير بها. من جانبنا، نحاول أن نتحرّك في مواجهة هذه العمليّة بقوّة منظّمة ملؤها الإرادة الصلبة وتعتمد على التخطيط العقلاني وبخبرة اكتسبناها على مرّ تاريخنا النضالي. وعلى هذا الأساس، يخوض مقاتلونا حرباً شرسة ضدّ جيش الاحتلال التركي وتمكّنوا على مرّ 20 يوماً من إفشال جميع محاولات العدو في تحقيق التقدّم على الأرض. والحرب مستمرّة على نطاق واسع.
لقد خاض مقاتلو ومقاتلات الكريلا أشرس المعارك ضدّ جيش الاحتلال التركي في مناطق متينا، زاب وآفاشين. يواجهون القصف الجوّي والبريّ بالمدافع والصواريخ، يقاتلون جنود العدو وجهاً لوجه، وانتصروا عليهم في جولات عدّة وأجبروهم على الانسحاب مرّات ومرّات. حتّى وصل الأمر بجيش الاحتلال إلى أن يستخدم الاسلحة الكيماويّة المحرّمة دولياً وقصف بها نقاط وأنفاق الكريلا، وبقيادة رفيق دربنا الشهيد سرحد غرافي، استشهد 7 من مقاتلينا بقصف الكيماوي بعد أن سطّروا ملحمة تاريخيّة في المقاومة. هذه هي مقاومة أبطال الكريلا، الذين لو تمّ تقديم دعم أكبر لهم، فإنّهم سيحاربون بإرادة أكثر صلابة وسيتمكّنون من الانتصار على الجيش التركي.
أقولها لكم رفاقي الأعزّاء، نحن كشعب يعيش على أرضه التاريخيّة، إن أردنا أن نحافظ على أرضنا وأن ننال استقلالنا، علينا أن نمتلك إرادة موحّدة في مواجهة المحتلّ التركي. يجب علينا الحفاظ على مكتسباتنا التي حصلنا عليها بتاريخ طويل من النضال والكفاح. لذا فإنّنا نعتبر وحدة الصفّ الكردستان هي قضيّة محوريّة علينا العمل عليها. هذه هي رؤيتنا وهي قضيّة الوجود من عدمه بالنسبة لشعبنا الكردي.
مرّة أخرى نبارك لكم جهودكم في سبيل بناء استراتيجيّة مشتركة هامّة للغاية، ونتمنّى لكم جميعاً التوفيق والنجاح.. لكم منّا أطيب التحيّات وشكراً لكم جميعاً".