الكاتب والباحث السياسي أحمد شيخو: الخط الثالث.. خيار الشعوب الحرة  

إن مقترح الخط الثالث للقائد والمفكر أوجلان يتميز ويختلف عن أي مقاربات سلطوية-دولتية مضللة أو أية إملاءات خارجية وحالات تقسيم جديدة للتناحر والقتال تحت أسماء وحدود اصطناعية لم تكن موجودة من قبل.

يتخبط النظام الدولي أو الدولتي الإقليمي والعالمي المهيمن وبقواه المركزية وأدواته الإقليمية وتوابعه المحلية في مستنقع أزماته وحروبه وتداعياتها، نتيجة التحديات المختلفة الظاهرة بقوة للاستقرار والأمن والسلام في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية وغيرها وخاصة في مجال أزمة الطاقة والأمن الغذائي العالمي وانتشار الإرهاب في العالم ما بعد أوكرانيا وما بعد جائحة كورونا أو كوفيد-19.

يحاول النظام الموجود الاستمرار في صدارة المشهد وقمته،  بإعادة هيكلة العلاقات والمعادلات الدولية والإقليمية وفق المعطيات والظروف والمستجدات الجديدة، ولاشك في أن المجتمعات والشعوب وكافة التكوينات المجتمعية وخاصة في الشرق الأوسط  تعاني أكثر من غيرها من التداعيات والنتائج  السلبية التي تظهر وذلك بسبب حالة الفوضى والتوتر والقلق والحرب الموجودة مع  تخبط السلطات الحاكمة وغياب الرؤية والبرامج والتوجه الصحيح و القادر على تجاوز الأزمة وبناء الحل، بسبب الذهنية والعقلية الدولتية-السلطوية وممارساتها، علاوة على الأيدولوجيات الدوغمائية والقوالب الفكرية والإجرائية والنظر من نافذة وحدة فقط للمنطقة وقضاياها كما هو حال حصان جر العربات أو السباق الذي لا يرى سوى اتجاه واحد محدد له بعد أن يتم وضع الغمامات له.

مع أن الإنسان و المجتمعات الحرة والبيئة  والمرأة ، فقدت الكثير من تواجدها وحضورها الطبيعي وحركة حريتها الكونية الوجودية ودورها المبدع والرائد والديمقراطي المجتمعي في الحياة مع ظهور نظام الدولة (كشبكة نهب وعنف وأيدولوجية وإدارة) وترويض الجانب الفكري والروحي والذهني للإنسان واستغلاله، إلا أن المنطقة تواجد و ترافق فيها علاقة جدلية وتنافسية واستعمارية استغلالية كثيفة بين المجتمع والدولة  وبتسمياتها المختلفة من دول المدن والإمبراطوريات والسلالات والممالك والسلطنات والإمارات وغيرها، ومع الوصول لقرن الثاني والثالث عشر الميلادي، أصبحت شعوب الشرق الأوسط وكأنها مجبورة على الخضوع القسري من النواحي السياسية والثقافية والفلسفية والأمنية لهياكل وأجهزة سلطوية و دولتية وخاصة مع إنزياح مركز الهيمنة العالمية من الشرق الأوسط إلى الأوربة الغربية بسبب الفشل وعدم القدرة على إنجاز التحول الديمقراطي في المنطقة وفي صيغها الحاكمة والسائدة وتجديد الأبعاد الروحية والفلسفية والثقافية لمنظومة الحياة ولمقدساتها السائدة في المنطقة حينها والتي لو تحقق التجديد والتطوير ودمقرطة الإسلام فيها مع العصر العباسي، لكان مسار التاريخ والمنطقة مختلفاً وبعيداً عن الخضوع  والتشدد العنيف وقبول الاستعباد والاستعمار الخارجي  والداخلي الذي تعرضت له  مجتمعاتنا وشعوبنا حتى اليوم.

والآن مع التضخم السلطوي والدولتي السياسي والفكري والاقتصادي الموجود و المهزوم والفاشل أمام التحديات والمسبب لأزمة المنطقة وتعميق قضاياها، مازال البعض من قوى المنطقة ونخبها الفكرية والسياسية يرى من نافذته الواحدة الأحادية برنامجاً وسلوكاً لا يريد تطويره  وتجديده و يقيم الأمور كما يريده وليس كما هي ويقدم الحلول بنظرة قاصرة وعقلية فاشية ويصر على التبعية والاعتماد على الغير البعيد ثقافة ومكاناً دون الاستناد لمكونات وشعوب المنطقة ومصالحهم التي يجب أن تكون الأساس في أية خطوات ومقاربات معقولة وموفقة.

يسود المنطقة ومنذ قرنين فراغ كبير مع سواد مطبق وظلام شبه كامل وتبعية مطلقة لغير حقيقة المنطقة وأهلها وثقافتهم التكاملية وقيمهم الأخلاقية والمجتمعية وهذا الوضع يعكسه عدة أمور منها:

1- العرق المختار والأفضل المنتقاة متجسدة في نموذج وعقلية الدولة القومية والتيارات القومية الفاشية التي حاولت وتحاول اصطناع وخلق الأمة الدولتية المتجانسة والنمطية بفرض اللون الواحد على كل الألوان الجميلة الأخرى  الموجودة في الحياة عبر ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي  الثقافي بحق التعدد والتنوع الإثني والديني والمذهبي الموجود كأهم تكوينات مجتمعية في المنطقة عبر مختلف العصور منذ أن عاش 72 لغة وعرق في تشارك مع بعضهم في بابل.

2- ما تم تسميته بحركات التحرر الوطني وهي بعيدة كل البعد عن الوطنية والحرية، فبمجرد وصولها للحكم كانوا الأداة الاستبدادية لقوى الاستعمار ليحصلوا على الشرعية وأكلت هذه الحركات أبنائها المشاركين في مسيرة  النضال والتحرر. كما هي حرب الاستقلال في تركيا والثورة الإيرانية و كذلك الثورات في الدول العربية وغيرهم الكثير ، حيث أن هذه الثورات قامت بالقضاء على أبناء وأصحاب الثورة والاستقلال الحقيقيين وقواها التي قاومت وتحملت عبئ النضال والثورة وبذلك خانت عهودها وأهدافها بالانتصار للحق والعدالة والحرية والديمقرايطة للمجتمع وبذلك اصبحت الثورة المضادة أي السلطوية-الدولتية هي السائدة.

3- التيارات اليسارية والشيوعية  الكلاسيكية وحتى الليبرالية الأنانية والذين أدعوا وتشدقوا بأنهم لأجل الشعوب الفقيرة والمظلومة والمهمشة والتي تفتقد للحرية، ولكن معظمها كانت أداوت مرحلية لأجل الخداع والتضليل وخدمة السلطات القمعية وهي مشكلة في الغالب كنتائج وتحت تأثير الفكر الاستشراقي أو الهيمنة الفكرية الأوربية الغربية وإن قالوا غير ذلك، ولعل رصد سلوك بعض هذه التيارات والأحزاب وضعفها وبؤسها وارتزاقها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، تبين أنها بعيدة عن الاستقلالية في الإرادة والفكر ووكذلك عن التعبير الحقيقي عن مجتمعات وشعوب المنطقة ومصالحهم وأمالهم وبل أن أغلبها أصبحت ملبوسة بأقدام السلطات والدولة القومية والإسلاموية الفاشية في حالة مخالفة لجوهرها الذي تم و يتم التشدق بها.

4- الجماعات والتيارات الإسلاموية السنية والشيعية التي تم تشكيلها كثنائيات متحاربة مع التوجهات اليسارية والشيوعية الكلاسيكية لتكون جهود مجتمعات وشعوب المنطقة متناثرة  وفي حالة تناحر وصراع  بيني من أجل السلطة والنفوذ وجنس الملائكة ووجود الله والسفسطة اللامتناهية وليس لخدمة الناس وتنظيمهم وتوعيتهم وفق القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية وزيادة وعي الحقيقة في المجتمع والتحول الديمقراطي في الدول المفروضة وبناء المستقبل المشرق والحياة المرفهة.

5- الذكورية التي أفسدت جمال ونقاء الحياة الحرة المشتركة بين المرأة والرجل والتي  أبعدت المرأة عن دورها الطبيعي في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية، وجعلتها فقط إناء للمتعة ووسيلة لإنجاب الأطفال وأداة للدعاية والإعلان و مفعول وشيء لممارسة السلطة عليها لمن لا سلطة ولا كرامة له أمام الدول القومية وأجهزتها القمعية الاستبدادية وفي أحسن الأحوال جعلوها في غير حقيقتها مسترجلة  أو بحالة مزهرية ولها حضور شكلي فقط  دون التعبير عن جنسها ومعاناتها وتمثيلها حقيقة المرأة وأهمية دورها في المجتمع وفي كافة مجالات الحياة. وقد رأينا قبل أيام مثال لهذه الذكورية السلطوية الإسلاموية  في مقتل جينا مهسا أميني على يد سلطات ولاية الفقيه-الشيعة القومية وقبلها في قتل الأم تايبت في محافظة شرناخ عام 2016 وقتل الأم حورية في عفرين عام 2019على يد دولة الاحتلال التركية وسلطة أردوغان وحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية التركية ومرتزقتهم وقبل أشهر قتل القائدة جيان عفرين في روج أفا(شمالي سوريا) والتي كانت صاحبة الدور الكبير في هزيمة داعش والذكورية السلطوية الإسلاموية المتجسدة فيها وفي راعية داعش الدولة التركية وسلطة أردوغان وبهجلي.

6- المركزية الشديدة والحدود الصارمة واللغة الواحدة والاحتكارية لوسائل القوة والدفاع، والتي تعبر عن حالة فرض غريبة عن ثقافة المنطقة وحالة التعدد والتنوع الغني فيها وحرمان المجتمع من حقه في حماية ذاته، مما خلق حالة حرب مستمرة للحكومات المركزية لأجل فرض الاستسلام واخضاع الأطراف والأمم والأديان واللغات غير الدولتية القومية بالقوة والإكراه لسياسات المركز ولصالحها وليس احترام واستوعاب الأطراف والأخر المختلف عرقياً ودينياً وفق القيم الديمقراطية والمجتمعية الحرة والانتماء الطوعي للبلد والاستفادة من كافة طاقات ابناء البلد في بنائه وازدهاره.

ومن السبعينات وخاصة في العقد الأخير في الشرق الأوسط، أرادت الشعوب والمجتمعات أن تقول كلمتها وتؤكد حضورها وحيويتها وهي تبحث طرق ووسائل ومسارات التخلص من السواد المفروض عليها ومن  الأزمات وحالة الحروب والتهميش والإقصاء لمعظم الشعوب والمجتمعات وحل القضايا العالقة الناتجة عن التدخلات في شؤونه وفرض التقسيمات ونماذج الحكم الفوقية الاحادية العميلة عليه. ولكن الثورة المضادة كانت بالمرصاد وكحال أغلب ثورات العالم وبدعم كبير من القوى السلطوية-الدولتية لقوى الثورة المضادة حتى تفرغ هذه التحركات والانتفاضات الجماهيرية من محتواها وتبعدها عن أهدافها الحقيقة والنبيلة في الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة وبالتالي تقزيمها والنهش فيها كما حصل مع أغلب الثورات في الدول العربية سواء الربيع العربي أو الثورات التي كانت ضد الاحتلال العثماني والاحتلال البريطاني والفرنسي وغيرهم. حتى أصبح البعض يصف تحركات ومطالب مجتمعات وشعوب المنطقة الأساسية في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم وكأنه كان لخدمة أعداء حقيقيين أومفترضين أوجدتهم القوى السلظوية والدولتية المحلية والإقليمية والعالمية لضمان وجودهم واستمرارهم في الحكم والنهب واستعباد شعوب المنطقة، وهذه حيلة أخرى لفرض الاستسلام وإضعاف الإرادة المجتمعية والشعبية التي لم تقبل يوماً ولن تقبل بالخضوع الكامل لنظام الدولة وأجهزتها وسلطاتها الدولتية، وهنا يقولون لقد أخطأ من قام برفض الاستبداد وطلب الحق والحرية وليس أمامه إلا الرجوع إلى الاستبداد أو أنكم عملاء وخونة، وكأنه ليس للإنسان والمجتمعات والشعوب الحرة من خيارات أخرى تجسد إرادتها وتنظيمها ووعيها الحر ومستقبلها المأمول.

ومع الثورة المضادة والهجمات الكثيرة على شعوب ومجتمعات المنطقة وحالات الحرب المستمرة  وعدم الوصل للحلول ولبر الأمان وعدم إفسال المجال لتبلور أي مشاريع وطنية ديمقراطية وحرة بشكل ظاهر ومؤثر وشامل، علاوة على حالات التهجير والفرار من الموت ووضع الأزمة الصعبة إلى الموت بشكل أخر في البحار والمحيطات أو العيش كلاجئ ومكسور وعالة ومنقوص الكرامة في بلاد الجوار والغربة، التي كانت تسهيلاتها  وفتح الطريق إليها والتمهيد لها من أحد الجوانب المشغولة عليها لإفشال أي تطور وتغيير حقيقي وديمقراطي من قبل أنظمة الأزمة المحلية والهيمنة العالمية الرأسمالية الاحتكارية التي تبحث عن الموظف الخادم العبد والأجير منخفض السعر لسوق العمل وإنجاز الإنتاج وطلب الرضى من السيد والمدير.

تصر القوى السلطوية-الدولتية والبعض من التيارات السياسية وبكافة توجهاتهم اليمينة واليسارية والنخب السياسية والفكرية الذين يدورون في فلكهم على أنه ليس أمام مجتمعات و شعوب المنطقة  إلا الخضوع وقبول الاستعباد الذي يتم تطويره وترقيته من قبل الرأسمالية العالمية مرة أخرى على أنه الحل المنتظر والوحيد بعد محاولات إفشال وإفراغ التحركات الشعبية ومنع السياقات الديمقراطية وقيام الثورات المضادة وسيادتها في بعض الأماكن و التي تجدد بدورها الدماء للدولة  كأجهزة وإدارة سلطوية و كمفهوم ومقاربة وسلوك وقوى سلطة جديدة وتمد في عمرها.

 وهنا نستطيع أن نشير إلى أن المجتمعات والشعوب وكافة التكوينات المجتمعية يمكنها أن لا تختار ما تعرضه قوى السلطة والدولة سواء الدول القومية في المنطقة أو الدول المركزية في نظام الهيمنة العالمية وهي تستطيع أن تذهب لخيارات أخرى مثل خيار الخط الثالث. 

إن مقترح الخط الثالث للقائد والمفكر أوجلان يتميز ويختلف عن أي مقاربات سلطوية-دولتية مضللة أوأية إملاءات خارجية وحالات تقسيم جديدة للتناحر والقتال تحت أسماء وحدود اصطناعية لم تكن موجودة من قبل. ولكن  الخط الثالث بين من وما، وما هو الأول والثاني،  وما هو الثالث  وما أوجه الاختلاف بينهم ؟

 وهنا يمكن القول أنه في الشرق الاوسط يوجد في الوقت الحالي خطين أو مسارين بشكل عام هما:

1- خط ومقاربة الدولة القومية التي تصر على السابق و الموجود مع كل أزماته و ترفض أي تغير في بنيتها وسلوكها و ذهنيتها وترى أن أي تغيير أو تعديل في منهجها أو سلوكها أوعقليتها ستكون النهاية لها، فبذلك هي منغلقة أمام أي تشارك أو تطوير أو تحديث أو القيام بأي عمل أو نشاط أو إجراء لتحقيق التحول الديمقراطي فيها، وبذلك ترفض الحلول السياسية والديمقراطية والدستورية وتتمسك بمنطق الأزمة وعقلية الحرب وترى الأخرين كلهم أعداء لها عليهم إما الاستسلام أو الموت ولا تقبل بأي مشاركة أو تشارك، كما هي حال أغلبية الأنظمة القومية والإسلاموية في المنطقة كتركيا وسوريا وإيران وغيرهم الكثير من دول المنطقة والعالم.

2- خط نظام الهيمنة العالمية الرأسمالية الاحتكارية والتي ترى الضرورة  الملحة في عمل جديد واستحداث بعض التغيرات في بنية الدول القومية الموجودة لتحقيق استمرارية نظام الهيمنة عبرها والحصول على موارد المنطقة وطاقتها عبر النظم الاقتصادية التي تتطلب بعض التعديلات في النظم الاقتصادية القومية الموجودة في المنطقة. وهنا أيضاً لا يوجد حلول سياسية وديمقراطية للقضايا العالقة وإنما إعادة تموضع وإعادة هيكلة للعلاقات والمعادلات حتى تكون الظروف والأجواء مناسبة وملائمة لاحتكارها ودوام هيمنتها و لعدم ظهور أي سياق ذاتي  مجتمعي ديمقراطي وطني حر في المنطقة وبين شعوبها ومجتمعاتها.

ومن المهم الإشارة إن الخطين أو المسارين لهم تناقضات اقتصادية وسياسية في حين يتفقون في البعد والخلفية الأيدولوجية والفكرية وفي استهدافهم للقوى المجتمعية الديمقراطية وفي آليات العمل والاحتكار والرغبة في الابتعاد عن الحلول الديمقراطية والسياسية السلمية، وعليه من الصحيح القول أن المسارين والخطين هو واحد في المضمون والجوهر والهدف البعيد وإن اختلف بعض الأمور الشكلية والثانوية وعليه يبقى البديل لهما هو الخط الثالث و المسار المجتمع.

بين هذا وذلك أي الأول والثاني، يقومون بفرض الاختيار القسري والسلوك الإجباري والذي بمحصلته ونتائجه وطرقه بعيد عن الحقائق المجتمعية والسبل الصحيحة والسليمة والديمقراطية لحل القضايا العالقة والتخلص من الأزمات. مع العلم هناك الخط  الثالث والاختيار الأفضل والأحسن مع استعمال قوة العقل والسياسة والثقافة وكافة القوى المجتمعية الذاتية الدفاعية والتنظيمية والاقتصادية والسياسية وليست المجتمعات والشعوب مجبورة للإخضاع والاستعباد وقبول القمع والاستبداد مرة ثانية، أو الذهاب إلى مشاريع تقسيمية جديدة تناحرية خادمة للهيمنة العالمية، بل أن أمامها  الحياة الديمقراطية والفضاء المجتمعي والعيش المشترك وخاصة بعد تضحياتها وتذوقها طعم الحرية والكرامة في سنوات نضالها وليست فقط الدوران في الحلقة المفرغة وإعادة إنتاج الاستبداد العميل أو القبول بالهيمنة الخارجية ومشاريعها التقسيمية.

وهنا من المفيد القول أن الشعوب عاشت ملايين السنين متداخلة ومتشاركة في الحياة والجغرافية طوال التاريخ رغم بعض الإشكاليات من السلطات الدولتية أحياناً لكن الاحترام والاعتراف المتبادل ومراعاة حساسيات ومخاوف البعض كانت دائماً موجودة ومصانة ومرصودة واستناداً لذلك، نستطيع القول أنه لا يوجد كرد بدون ترك ولا ترك بدون كرد، إذا انتهى الكرد في ميزوبوتاميا حينها لن يوجد شيء اسمه ترك في الأناضول، و بالمثل فإنه لا يوجد كرد من دون العرب ولا عرب من دون الكرد ، إذا انتهى الكرد في شمال وشرق العرب كما في شمال سوريا وشمال العراق وجنوب شرق تركيا أو تم احتلال أرضهم وإبادتهم فلن يوجد شيء اسمه العرب في سوريا والعراق ولبنان ومعظم البلدان العربية والتاريخ شاهد على ذلك لمن يراوده الشكوك وكذلك الأمر بالنسبة للشعوب الأخرى في المنطقة.

وما نقصده بالخط الثالث هو أن يكون التوجه الأساسي للمجتمعات والشعوب ومشاركة كافة الأطياف والتكوينات مع بعضها هي الأساس وليس الاعتماد والتوجه لمفهوم السلطة و للدولة وأجهزتها وذهنيتها ومقارباتها والقومية الدولتية الواحدة المتجانسة بالقهر والقتل، والخط الثالث هو الحل الديمقراطي المجتمعي السياسي والسلمي والدستوري للقضايا العالقة عبر السياسية الديمقراطية وحق الدفاع الذاتي للمجتمعات والشعوب في إطار التغيير القانوني والحقوقي ضمن الدول الموجودة إن أمكن وذلك عبر تحقيق التحول الديمقراطي وبناء الديمقراطية كنظام للحياة والإدارة وبذلك إحداث تغيرات جوهرية وبنيوية في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والثقافي لتمهيد الأرضية والبدء الحقيقي لحل القضايا والتخلص من كافة الأزمات. وبناء ذهنية ديمقراطية تشاركية تقبل وتصون وتحافظ على التنوع والتعدد الموجود في المنطقة وتحترم إرادة كافة المجتمعات والشعوب والتكوينات المجتمعية في أن تحمي وتدير مناطقها وثرواتها بمشاركة وريادة المرأة الحرة والشباب الواعي والمنظم في إطار تكاملي ووحدة ديمقراطية لشعوب المنطقة كالكونفدرالية الديمقراطية لاتحاد الشعوب والأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط أو أية صيغ تشاركية وتوافقية بين شعوب المنطقة. ولعل أحد النماذج على فعالية وصحة ونتائج الخط الثالث يمكن ملاحظته في المشروع الوطني الديمقراطي في سوريا وهو مشروع منظومة الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية، التي تعكس توجه وحل وخيار للاستقرار والأمن والسلام بشكل مختلف عن التوجهات السلطوية_الدولتية والذي استطاع وبإمكانيات متواضعة ورغم الظروف الصعبة والقاسية وحالة حصار والتواطؤ الإقليمي والدولي عليها ولكن بعقليتها الجديدة المجتمعية وبالذهنية التشاركية الديمقراطية و بسياق الأخوة بين الشعوب وبريادة للمرأة الحرة في أن تقضي على أكثر التنظيمات إرهاباً وتهديداً على شعوب ودول المنطقة والعالم  وتحرر ملايين العرب والكرد وباقي المكونات من براثن إرهاب داعش وتؤسس لسياق ونواة ديمقراطية في كل المنطقة وتؤسس لحياة مستقرة ديمقراطية ومؤسسات اقتصادية وتعليمية وأمنية وثقافية ونسائية ودبلوماسية وصحية وحل القضايا العالقة وغيرها متجاوزة زمنها ومحيطها والكثير من دول العالم، في الوقت الذي لم يستطيع الكثير من الدول المنطقة والعالم من مواجهة داعش وحل القضايا العالقة عندها وذلك لأن الخط الثالث هو خط الديمقراطية المجتمعية والمرأة الحرة والاستقرار والأمن الدائم وأخوة الشعوب والدفاع والأمن الذاتي والاقتصاد الذاتي المجتمعي وهوخط تشارك المجتمعات والشعوب اي الخط الوطني الديمقراطي المجتمعي. وعليه نستطيع القول أن المجتمعات والشعوب في الشرق الأوسط وكل أماكن النزاع الساخنة في الحرب العالمية الثالثة، ليس أمامها فقط الرضوخ و قبول التبعية و الاستعباد الخارجي أو الداخلي، بل أنها بإمكانهم العمل والكفاح والتأسيس لبناء حياة ديمقراطية وحرة تتحقق فيها الاستقرار والأمن والسلام عبر الخط الثالث والسياق الديمقراطي المجتمعي معتمدة على القوى الذاتية لمجتمعات وشعوب المنطقة ومنفتحة على أي تواصل وعلاقات وتوافقات وتفاهمات سيادية وندية تضمن و تحفظ للمجتمعات والشعوب حريتها وكرامتها وإدراتها الذاتية وأية مساعدة إنسانية تخدم المصالح الحقيقية للمجتمعات والشعوب وليس مصالح بعض الناس أو الفئات أو السلطات الدولتية.