في ظل تفاقم الأزمات في المنطقة ودولها وحالة الانسداد في أفق الحل، كيف يمكننا حل القضايا الوطنية العالقة في المنطقة في ظل مشاريع الهيمنة الخارجية والإقليمية وتدخلاتهم السلبية في شؤون المنطقة ومحاولتهم لتبلور مشهد إقليمي لصالح أجندتهم في ظل ظروف وتداعيات فصول الحرب العالمية الثالثة الجارية على المنطقة والعالم؟
هل نبحث عن الحلول في البنى والذهنيات والسلوكيات الدولتية و الرأسمالية وأدواتهم القمعية والأحادية أم أن المكان الصحيح هو المجتمع الإنساني وتفعيل أنسجته الديمقراطية وحالة العيش المشترك وأخوة الشعوب وحرية المرأة واحترام البيئة والطبيعة؟
ماهي ماهية وكينونة الحل الديمقراطي وظاهرة بناء المجتمع لذاته كمجتمع وطني ديمقراطيّ و الذي يمكنه أن يكون البديل للهيمنات المختلفة ومشاريعهم السلطوية-الدولتية وتدخلاتهم والذي يستطيع أن يحقق مصالح المجتمعات والشعوب والدول في المنطقة، وكيف يمكننا أن نحقق ونحافظ على التكامل الثقافي للمنطقة وشعوبها ووحدتها الكلية الديمقراطية ومواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية الكبيرة الظاهرة ؟
كيف يمكن تحقيق سيادة الإدارة الذاتية وسيادة الدولة القومية تحت نفس السقف السياسي الواحد كمراحل للحل الديمقراطي؟
يمكننا القول إن الحلّ الديمقراطيّ يعبر عن البحث عن توعية وتنوير وتنظيم و دمقرطة المجتمع والعمل لأجل إزالة العراقيل أمام المجتمع وإرادته الحرة خارج اطار الدولة القومية ووفق مساحة كافية من الحرية والديمقراطية وبريادة المرأة الحرة والشباب الواعي والمنظم أصحاب التغيير والبناء الديمقراطي الحقيقيين. وكما أن الحل الديمقراطي يقيّم الدولة القومية و راعيتها وخالقتها الرأسمالية العالمية الاحتكارية المهيمنة على أنهما مصدر الأزمات و القضايا الاجتماعية المستفحلة والمتصاعدة، وليستا حل لهم بل هما اللتين تسدان الطريق أمام الحلول الديمقراطية المجتمعية وتعملان على نشر الفوضى والضعف والتوتر لإيصال المنطقة وشعوبها إلى الحالة المناسبة لفرض أي مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية عليهم.
إن الجانب الأكثر زيفاً ونفاقاً في نظام الهيمنة العالمي الرأسمالي والإقليمي وامتداداتهم المضللة من المقاربات القوموية و الإسلاموية و الجنسوية والوضعية هو ربط حل القضايا الوطنية والاجتماعية بالدولة القومية وتقديس ذلك وكأنه ليس هناك من طريق أو حل أخر. ذلك أنّ البحث وعقد الحل وبنائه على الاداة الوظيفية (الدولة القومية) التي تشكل مصدر القضايا ومنع الحلول الديمقراطية بالتحديد، يؤدي الى استفحال وتعاظم القضايا والأزمات، والى تفشي الفوضى والإرهاب واستمرار الحروب وفتح البنى المجتمعية أمام الاستغلال والقمع والهيمنة كما هو واقع المنطقة وخاصة دول الشرق الأوسط ومعاناة المجتمعات والشعوب فيها في مئة السنة الأخيرة على أقل تقدير.
إن كينونة الرأسمالية الاحتكارية وتفاعلاتها ومقاربتها هي أكثر اطوار نظام المدنية أو الحضارة المركزية تأزماً وتوتراً واستغلالاً وهيمنةً. والدولة القومية التي تدخل سياق و جدول الاعمال والحكم في هذا الطور المتأزم كأحد أدواتها الوظيفية، إنما تفيد و تعبر :
1- عن أكثر اشكال ترتيب وتنظيم العنف الممنهج و المفرط على مدى تاريخ المجتمعات والأمم وحالات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي واستعمال الأسلحة المحرمة كما هي استعمال الأسلحة الكيميائية من قبل الدولة القومية التركية ضد الشعب الكردي وحركة حريته في زاب وأفاشين ومتينا في باشور( إقليم كردستان العراق) وفي روج آفا ( شمالي سوريا) وفي باكور (جنوب شرق تركيا) علاوة على ممارساتها الفاشية منذ بداية القرن العشرين ضد الكرد وشعوب المنطقة ودولها، إنما دليل واضح على نموذج الدولة القومية وتركيزها العنفي المفرط وتجنبها الحلول الديمقراطية.
2- عن أسر و تطويق المجتمع بكامليته عبر السلطة_الدولتية وأجهزتها وأدواتها القمعية وتضييق ساحة الحرية والعمل والتنظيم والتعبير والسياسية المجتمعية الديمقراطية والتوجه نحو الفاشية وأسر المجتمع وأخذه رهينة.
3- عن أداة توحيد وتجانس ونمطية المجتمع والبيئة قسرياً وبالإكراه والعنف، بعدما عرّضتهما الرأسمالية الى الانحلال والتقوض وتعظيم الأنانية من خلال المفاهيم الليبرالية و الربح الأعظم والصناعوية أي الصناعة التي تهدف للربح دون أدنى احترام للطبيعة والبيئة والإنسان والمجتمع.
4- عن مقدار كبير وفاحش من العنف والسلطوية الموجهة، وهو يتأتى من رغبة وهدف النظام الرأسمالي الى الربح الاعظم والمراكمة المتواصلة والنهب الممنهج. حيث يستحيل تفعيل قوانين التكديس الرأسمالي وسيادة فلسفتها أو ما يسمى الاقتصاد السياسي أو تأمين ديمومة الصناعوية واستمرار نهب المجتمعات والشعوب، في حال غياب تنظيم قمعي عنفي أداتي من قبيل نمط الدولة القومية مسلط على المجتمع الإنساني والبيئة.
انّ نموذج الحل الديمقراطي والدبلوماسية الديمقراطية أو المقاربة المجتمعية بشكل عام ليس مجرد توجهه سياسي أو خيار حل فقط. بل أنه سياق و اسلوب الحل الرئيسيّ والممكن والأكثر فعالية وتحقيقاً للأمن والاستقرار والسلام الحقيقي مستنداً على حق الدفاع الذاتي والسياسية الديمقراطية للمجتمعات والشعوب وكافة الخصوصيات الدينية والقومية والمذهبية كضمان وصيانة للسلام الحقيقي. وإذا كانت الحركات المجتمعية و التشاركية والتحررية الوطنية أو القوى المدنية والديمقراطية وقوى التغير والحل بشكل عام تريد النجاح وحل القضايا العالقة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والثقافية، فعليها بعدم البحث عن الحل خارج نطاق الديمقراطية والتحول الديمقراطي. بينما كافة الميول الديكتاتورية والسلوكيات الأحادية، بيمينها ويسارها و ليبرالييها و مركزها وأطرافها، لن تقوم الا بترسيخ العقم وسد أفق الحل وسيطرة الثورة المضادة للحق والعدل والحرية، وبجعل الرأسمالية أكثر نهباً وافتراضية(رقمية) مسلطة أكثر وذات سيطرة ونهب وهيمنة أعمق وأشمل.
ومن المهم الإشارة إلى أن نموذج الحل الديمقراطي هو ليس بدولة قومية موحّدة في هيئة حكم ذاتي أو فيدرالية أو كونفدرالية. أي أنّ حالة الحكم الذاتي و الحالة الفيدرالية أو الكونفدرالية للدولة القومية ليست بحل ديمقراطيّ. بل أنها حلول مرتكزة الى اشكال مختلفة من الدولة، ولن تذهب في دورها أبعد من زيادة وطأة القضايا مرة أخرى.
قد يؤدي تحويل الدولة القومية المركزية الشديدة الى أشكال فيدرالية أو كونفدرالية الى تطويع القضايا ومرونتها وجلب حلول نسبية ومؤقتة لها وفق منطق النظام الرأسمالي و الدولتية القومية. ولكنه لا يمكن أن يؤدي الى حلول جذرية وراسخة ونهائية. يمكن اختبار الاشكال الفيدرالية والكونفدرالية كأدوات حل فيما بين قوى الحل الديمقراطي المجتمعي وقوى الدولتية القومية. لكنّ عقد الأمل الكلي والنهائي على الحلول الجذرية تأسيساً على استخدام تلك الادوات لا يعني سوى خداع الذات والتضليل مرة أخرى وخدمة أجندات الهيمنة العالمية.
وكما هو معلوم فإن شكل الدولة، الذي تم تسميتها بالدولة التحررية الوطنية أو القومية أو بدولة الاشتراكية أو الشيوعية أو بالدولة الإسلامية أو المسيحية او اليهودية أو العرقية الواحدة كما هي دول المنطقة، هو مجرد دولة قومية مموّهة بالقناع اليساريّ أو اليميني أو الديني أو العرق الواحد. حيث ظهر واضحاً أنها انظمة أكثر ديكتاتورية وانفتاحاً على الفاشية وممارسة على الإبادات الجماعية والتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي كما هي تركيا وإيران وإسرائيل وأغلب دول المنطقة مقاربة وسلوكاً من الأزمات و القضايا.
من الأهمية أيضاً التبيان بأنّ نموذج الحل الديمقراطي ليس منفصل كلياً عن الدولة القومية، و بمقدور الديمقراطية والدولة القومية ان تلعبا دورهما كسيادتين تحت نفس السقف السياسيّ كسيادة الإدارة الذاتية وسياسة الدولة القومية تحت سقف سياسي واسع ومتفق عليه بين الجانبين، و يمكن أن يرسم الدستور الديمقراطيّ الحدود الفاصلة بين مساحتي نفوذهما وإدارتهما وتشاركهما، ويمكن في سوريا وتركيا وإيران وحتى العراق العمل لتنفيذ ذلك كطريق سليم وحل ديمقراطي لحل القضية الكردية ومختلف القضايا الوطنية ضمن الحدود المفروضة و القائمة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
إن الاتحاد الأوروبي وبعض الدول حول العالم خطى بعض الخطوات في هذا المنحى الذي تطرقنا إليه، إلا انّ الجانب السائد و الطاغي هنا هو سيطرة الدولة القومية وذهنيتها ومقاربتها. لكنّ الميل السائد في عموم العالم يتجه نحو تجاوز الدولة القومية ذات البنية المادية والمعنوية الأحادية المصطنعة والدنو من التشارك والعيش المشترك وقبول الأخر المختلف سياسياً وقومياً ودينياً. حيث يستند أهمّ تحول سياسي في العالم الى تخطي الدولة القومية نظرياً وعملياً سياسياً واقتصادياً وأمنياً وثقافياً حتى من قبل نظام الهيمنة العالمي الرأسمالي نفسه لأن الدول القومية باتت تشكل حتى عائق أمام النظم الاقتصادية العالمية وأدواتها وحركاتها الجديدة العابرة للدول القومية وحتى تستمر لابد من فرض تغيرات عليها تناسب الأوضاع الحالية الاقتصادية والسياسية والأمنية.
وعليه، فبقدر ما يصير الحلّ الديمقراطيّ نفسه نظامياً ذاتياً للمجتمع ومساحته الحرة للعمل والنشاط والتعبير والتنظيم، فسيساهم بالمثل في انجاز التحول السياسيّ والاقتصادي الديمقراطي. كما أنّ تحوّل الدولة القومية في الاتجاه الإيجابيّ والمسار الصحيح متعلق عن كثب بتحقيق الدمقرطة، و ببناء الإدارات الذاتية وقبولها وانشاء الأمة الديمقراطية كأفضل سبل الحل الديمقراطي، وبإرساء الديمقراطية المحلية وثقافة الديمقراطية المجتمعية والتشارك والعيش المشترك وأخوة الشعوب وبالسياسية الديمقراطية في المجالات المجتمعية قاطبة عوضاً عن الاصطناعات القوموية المزيفة والسلطوية و ثقافة الإلغاء والنمطية والأحادية والقوموية الفاشية والمعادلة الصفرية لكل ما هو مختلف سياسياً أو قومياً أو دينياً او مذهبياً.
وفي المقاربة من أهم قضايا المنطقة ومنها القضية الكردية يمكننا القول أن منظومة المجتمع الكردستانيKCK أو الإدارة الذاتية الديمقراطية للشعب الكردي بشكل عام مع الشعوب المتشاركة معه في أي جزء من أجزاء كردستان المقسمة بين الدول الأربعة، تشكل التعبير الملموس والعيني للحل الديمقراطي والدبلوماسية الديمقراطية المجتمعية والحل السياسي في سياق حل القضية الكردية. فهي مختلفة عن المقاربات التقليدية القوموية الأحادية، ولا ترى الحلّ في اقتطاع حصته أو جزء من الدولة. ولا تنساق وراء بناء دولة للكرد حتى ولو بمعناها الذاتي. وكيفما أنها لا تتطلع الى بناء حكم ذاتي أو دولة فيدرالية أو كونفدرالية، فهي أيضاً لا يعتبرها حلا خاصاً بها. أما مطلبها الأوليّ والرئيسي من الدول القومية الحاكمة الأربعة تركيا وسوريا وإيران وتركيا، فهي اعترافهم بحق الكرد في إدارة وحماية أنفسهم بأنفسهم وبإرادتهم الحرة، وعدم زرعهم العراقيل على درب تحولهم الى مجتمع وطني ديمقراطيّ. فاذا كانت الدول المعنية ملتزمة بالمبدأ الديمقراطيّ فعلاً، لا قولاً؛ فحتى لو لم تدعم المجتمع الديمقراطيّ، فعليها ألا تعيقه أو تفرض عليه الحظر والمنع أو تحاول خلق بدائل خلبية وهمية من بعض المتواطئين والعملاء معهم والقول أنهم الوطنيين والممثلين الحقيقيين والباقي ليس بوطنيين كلعبة استخباراتية فاشلة من الدول القومية الأربعة لحجب الشمس بالغربال.
لا تقوم الدول القومية أو الحكومات السلطوية عادة بتطوير الحلّ الديمقراطيّ. ولكن القوى المجتمعية والديمقراطية والمدنية وبريادة المرأة الحرة والشباب الواعي والمنظم هي الراغبة و المسؤولة عن الحلّ وتطويره. حيث تبحث عن الوفاق مع الدول أو الحكومات على مسار التوافق و الدستور الديمقراطيّ. أي أنّ تشارك و تشاطر الادارة والتوجيه والبناء والعمل بين القوى المجتمعية الديمقراطية وقوى الدولة أو الحكومة المعنية، يمكن تحديده بالتوافق و بالدساتير الديمقراطية والقوانين وبالتجسيد العيني الضامن لذلك. وكما أنّ المطالبة بالحكم المطلق للدولة أو بالسيادة المطلقة للديمقراطية ليس أمراً واقعياً ومنطقياً، فانه مخالف لروح الحل وطبيعته الديمقراطية أيضاً.
يدلّ الحلّ الديمقراطيّ في جوهره وأصله على كينونة الأمة الديمقراطية وعلى ظاهرة بناء المجتمع لذاته كمجتمع وطني ديمقراطيّ. أي أنه لا يعني التحول الى أمة أو الخروج منها على يد الدولة. بل يعني استفادة المجتمع بذات نفسه من حقه في بناء نفسه كأمة ديمقراطية وبجوانبها المتعددة. وهنا يتعين مراجعة إعادة صياغة و تعريف الأمة، فليس هناك تعريف واحد ونستطيع ذكر بعضها كتسميات الأمة السياسية والأمة الثقافية والأمة القانونية وغيرهم حسب العامل الرئيسي الموحد لها، و كما أن المجتمع الذي يوحده الدين، يسمى ملّة، والأمة هي مجموع الملل تحت مظلة الدين الذي يوحدها.
لكن الأمة الديمقراطية، فهي تعني المجتمع الحر والديمقراطي المشترك والتشاركي، الذي يكونه الأفراد الاحرار والمجموعات والاتحادات الحرة بإرادتهم الذاتية ووعيهم وبذهنيتهم المشتركة. والرابط و القوة الموحدة في الأمة الديمقراطية هي الذهنية التشاركية و الإرادة الحرة لأفراد ومجموعات واتحادات المجتمع، الذين قرّروا العيش و الانتماء لنفس الأمة. بينما المفهوم الذي يربط بين الأمة وبين الاشتراك في اللغة والثقافة والسوق والتاريخ، يعرف أمة الدولة التي لا يمكن تعميمها وطرحها كمفهوم وحيد ومطلق ومقدس وإلهي للأمة. و من العبرة الإشارة إلى أن مفهوم الأمة الذي طرحه اليساريون تحت اسم الاشتراكية والشيوعية أيام السوفيت هو مفهوم مضادّ للأمة الديمقراطية والتعريف الذي كان بشأن روسيا الاتحادية، كان من أحد أهم اسباب انهيار الاتحاد السوفييتيّ وكما أن تعرف أمة الدولة القسرية في دول المنطقة القومية والتي ترتكز لقومية وحدة أو ديانة وحدة أو مذهب واحد أو وجهة نظر وحدة هي من الأسباب الرئيسية لواقع الأزمة والقضايا وحالة الحروب و الإبادات الجماعية و التبعية في دول المنطقة وتدهورها الاقتصادي رغم كل الإمكانيات.
اذا لم يتمّ تجاوز تعريف الأمة هذا، الذي جعلته حداثة النظام العالمي الرأسمالية حكما مطلقاً وطريقاً وحيداً ومقدساً حتى في أذهان الكثير من النخب السياسية والثقافية والاجتماعية، فانّ حلّ القضايا الوطنية سيستمرّ في المعاناة وحالة التأزم المسدودة بكل معنى الكلمة. وكون القضايا الوطنية لا تزال مستمرة حتى الان وبكل وطأتها منذ أكثر من ثلاثة قرون، هو على علاقة وثيقة بهذا التعريف الناقص والمطلق والشاذ على مسار الحياة الطبيعية التعددية والمتنوعة.
إن النمط الحالي والموجود من ما يسمى "المجتمعات الوطنية" و القسرية، التي قدر لها الخضوع لحدود الدولة القومية الصارمة والمصطنعة، والتي تغلغلت السلطة حتى أدق خلاياها وتفاصيلها؛ أصبحت قريبة من البلاهة وتشكيل قطيع بشري وحشد من العبيد العصريين بسبب قصفها بالأيديولوجيات القوموية و الدينوية و الجنسوية والوضعية. أي انّ موديل الدولة القومية بالنسبة الى المجتمعات هو زريبة أو أسطبل و مصيدة أو شبكة قمع واستغلال بكل معنى الكلمة. في حين أنّ مصطلح الأمة الديمقراطية شيء مختلف و يقلب هذا التعريف رأسا على عقب. فتعريف الأمة الديمقراطية غير المرسومة بحدود سياسية قاطعة، وغير المنحصرة بمنظور واحد فقط للّغة أو الثقافة أو الدين أو التاريخ؛ يعبر عن شراكة الحياة وتدفق روح الحياة الحرة فيها و تنوعها الغني والحياة التي يسودها التكاتف والتعاون والتشارك والتكامل بين المواطنين والمجموعات والاتحادات على خلفية التعددية والحرية والمساواة والتنمية ومواجهة التحديات معاً. ويصعب أو من شبه المستحيل تحقيق المجتمع الديمقراطيّ وحل القضايا الوطنية ومنها السياسية والاقتصادية والأمنية إلا من خلال هكذا نموذج للأمة. في حين انّ مجتمع الدولة القومية منغلق على الديمقراطية بحكم طبيعته الوظيفية الأداتية. حيث لا تعبر الدولة القومية عن أي واقع أو ثقافة في منطقتنا أو في أي مكان في العالم. وهي تعني انكار كل ما هو محليّ وإقليمي وعالمي واغتصاب لكل قيم الإنسانية وحالة تسلط و نهب ممنهجة. ذلك انّ الفرد و مواطنة المجتمع النمطي المتجانس دليل على موت الانسان وزوال الحياة بألوانها المتعددة. ومقابل ذلك، فالأمة الديمقراطية تستطيع من اعادة بناء وتشكيل كل القيم والمناطق والذاتيات الحقيقية المجتمعية، وتؤمن للواقع الاجتماعي فرصة التنظيم والحياة الحرة و التعبير عن نفسه وحل قضاياه.
وهكذا فمسار الحلول الديمقراطية يمر عبر المجتمع وتحقيق التحول الوطني الديمقراطي والتحول لأمة ديمقراطية وتأمين مساحة الحرية والتعبير والنشاط اللازم لبناء وعي وتنوير حقيقي ونهضة شاملة بأهمية حل الأزمات و القضايا العالقة ومنها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية وذلك عبر طريقين :
1- التوافق على دساتير ديمقراطية إذا أمكن مع الدول القومية والعيش تحت سقف سياسي واحد وبتشاركية حقة وليس استسلام أحد لأخر أو التخلي عن حق المجتمعات والشعوب في حماية وإدارة أنفسهم ومناطقهم ومواردهم.
2- وفي حال رفض الدول القومية يكون عبر العمل الأحادي الجانب من قبل القوى المجتمعية الديمقراطية لفرض وحفاظ سيادة المجتمع الديمقراطي ومؤسساته معتمداً على حق الدفاع الذاتي وممارسة السياسة الديمقراطية بريادة الشباب و المرأة الحرة صاحبة الرغبة الحقيقة في الديمقراطية والدور الأساسي في الاقتصاد المجتمعي.
أما البحث خارج المجتمع والسياق الديمقراطي والانتظار من الدولة القومية أو الرأسمالية أو العمل وفق منطقها وأهدافها وأمتها ومقاربتها فقط ، فلن يفيد سوى بتجذير الأزمات و تفاقم القضايا والعقم وانسداد أفق الحل والتخبط والدوران في نفس الحلقة من التبعية و استمرار مشاريع التقسيم و النهب والهيمنة الخارجية والإقليمية والدخول في تشكيل كتل و أحلاف جديدة دولتية لن تكون لصالح الشعوب والمجتمعات في المنطقة وحول العالم في ظل محاولات تبلور المشهد في الإقليم والعالم مع فصول الحرب العالمية الثالثة الجارية وهنا يظهر أهمية الحلول الديمقراطية بين مجتمعات وشعوب ودول المنطقة أنفسهم وأهمية أخوة و تحالف الشعوب وعلاقاتها الاستراتيجية كما هو الشعبين العربي والكردي وغيرهم من شعوب المنطقة الأصلية في الشرق الأوسط لمواجهة التحديات والاحتلالات المختلفة كما هي العثمانية الجديدة.