عفرين ومهجروها .. ما بين زيارة الجولاني للمدينة وحسابات الاحتلال التركي

يوم يمضي خلف الآخر وسلطة دمشق تعزز حكمها، فيما لا تزال قضية المهجرين من عفرين غائبة عن أجندتها إلا بشكليات محدودة.

تأتي قضية مهجري عفرين كواحدة من أبرز الجرائم ضد الإنسانية في عصرنا الحالي، فلم يقتصر الأمر على جريمة التهجير، وتغيير الهوية الديمغرافية لعفرين والتلاعب بتركيبتها، بل كانت مليشيات الاحتلال التركي تلاحق أبناء هذه المدينة بالقصف والتصفيات والقتل القائم على الهوية.

وبينما يبحث أبناء عفرين ومهجروها عن أمل العودة واستعادة حقوقهم المسلوبة، اتجهت الأنظار قبل أيام إلى أبومحمد الجولاني رئيس سلطة دمشق والذي زار مدينتهم، وقيل إنه استمع لشكاوى أهالي المدينة، وهنا أثيرت التساؤلات حول وضع العفرينيين (الداخل والخارج) على أجندته، وما إذا كانت زيارته هذه ستحمل جديداً أم أن الأمر خاضع لحسابات الجولاني مع الاحتلال التركي.

مشكلة المهجرين.. ما الجديد؟

لم يبد محمد جمعة ألا ممثل الإدارة الذاتية في جنوب كردستان تفاؤلاً بشأن وضع مهجري عفرين، حتى بعد زيارة الجولاني إلى المدينة؛ إذ قال إنها لن تضيف أي حل لمشكلة المهجرين، وما شهدناه يثبت ذلك فما تزال الانتهاكات متواصلة، ولا يزال دفع الأتاوات على مواطنين مستمر و بشكل أسوء.

ويضيف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن كل ما هنالك أن تلك الجماعات المسلحة قامت بتبديل لباسها من الفصائل إلى هيئة تحرير الشام، أما المضمون فهو هو ولم يتغير، منوهاً إلى إن ما أراده الجولاني من هذه الزيارة بعث عدة رسائل أولها إنشاء حاضنة شعبية لنفسه ضمن المكونات وخاصة الكرد.

لا يتوفر وصف.

ويلفت محمد جمعة ألا إلى نقطة آخرى وهي أن الإسلام السياسي والإسلام المسلح بات فكرة هشة، تحتاج الى أن تلقح نفسها بحواضن أخرى؛ فالجولاني يدرك أن جميع الكرد متعاطفون مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو يريد أن يقطع هذه الصلة، من خلال تسويق نفسه داخل عفرين وإطلاق وعود فضفاضة وعمومية لم يستفد منها المهجرون.

ويقول ممثل الإدارة الذاتية في جنوب كردستان، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء، إنه إلى الحين لا يزال الشعب العفريني يخاف الرجوع إلى موطنه، وهو لا يزال ينتظر الضمانات الدولية القادرة على وقف هذه الانتهاكات بحقه.

وكانت السيدة إلهام أحمد الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية رحبت بزيارة الجولاني إلى عفرين، لكنها أكدت أن تحقيق السلام لن يكون ممكناً دون التزام مختلف الأطراف بالحل السياسي، وضمان عودة المهجرين إلى منازلهم واحترام سيادة القانون وضمان حقوق الإنسان وصونها، وذكرت بمعاناة مهجري عفرين وسري كانيه، حيث ذاق هؤلاء معاناة مضاعفة وعاشوا العنف والخوف، داعية إلى تبجيل مطلب إعادتهم بعيداً عن أي حسابات سياسية وعسكرية.

وكان الجولاني وعد بعد سيطرته على حكم دمشق بالنظر في وضع عفرين ومهجريها، مؤكداً أنه سيسعى لإعادة المهجرين إلى مناطقهم، هذا في الوقت الذي تعرض فيه مهجري عفرين في مناطق مثل الشهباء إلى الهجرة مرة أخرى تحت ضغط القصف والانتهاكات من قبل المليشيات الموالية للاحتلال التركي.

فخ ومسرحية؟

لا يتوفر وصف.

بدوره، يقول الكاتب الصحفي إدريس حنان، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن زيارة الجولاني إلى عفرين جاءت عقب "مسرحية ما يسمى دخول الأمن العام إلى عفرين"، وتحت غطاء الإيحاء أننا أمام نظام جديد، ويجب أن تخضع تحت سيطرته كل المناطق، ومن هنا أتوا إلى المدينة التي شهدت جرائم ليس لها مثيل في أي منطقة أخرى بسوريا.

وأضاف أنهم دخلوا المدينة وأقاموا استعراضاً استمر لساعات، ما أعطى بعض الأمل للشباب القابع تحت نير الاحتلال التركي، إلا أنه في نفس الليلة تبين أن زيارة الجولاني كانت للقاء مخاتير المجالس، المعينين من قبل الاحتلال التركي، مشدداً على أنه أراد أن يظهر بمظهر المخلص بالنسبة للعفرينيين، لكنه ما كان يقوم بتلك الخطوة إلا بإذن الاستخبارات التركية.

ونوه إدريس حنان إلى ألاعيب الاحتلال التركي في صناعة شرعية زائفة للجولاني، بالتعاون مع الفصائل التي اختارته رئيساً انتقالياً، والذي أصبح الرئيس فقط دون اقتران ذلك بكلمة الانتقالي، معتبراً أن زيارته لعفرين تأتي في هذا الإطار؛ أي محاولات خلق الشرعية الزائفة له.

وشدد على أن محاولات خلق تلك الشرعية هي "فخ يريد به الاحتلال التركي ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد" أهمها إيجاد المبررات ليقولوا إن على قوات سوريا الديمقراطية أن تسلم سلاحها مثل باقي الفصائل – رغم أن ذلك لم يحدث – وبالتالي إيجاد فخ للقضاء على "قسد" والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إن استطاعوا، مشيراً كذلك إلى أن تلك الشرعية تريد أنقرة الاستفادة منها مستقبلاً في توقيع أي عقود أو اتفاقات تجارية مع الجولاني مثلما فعلت في ليبيا من قبل.

وفي ختام تصريحاته، يؤكد الكاتب الصحفي إدريس حنان أنه إذا لم تكن هناك نوايا صادقة تجاه شمال وشرق سوريا، ونوايا صادقة لإقامة حوار وطني يفضي إلى دستور جديد يشمل كل المكونات السورية، فعملياً لن يكون هناك جديداً، وكل ما هنالك أن النظام باق ولكن تغير فقط شكله، وتمت شرعنة لشخصيات على حساب شخصيات أخرى، والسير في فلك نفس السياسات السابقة.

وفي 18 مارس/آذار 2018 أعلن الاحتلال التركي السيطرة على عفرين ذات الغالبية الكردية والواقعة شمال غربي حلب، بعد عملية عسكرية أدت إلى تهجير أعداد كبيرة للغاية من هؤلاء بالقوة، وممارسة أعمال القتل والإبادة بحق الباقين، فضل عن نهب خيرات هذه المدينة، كل هذا بالتعاون مع المليشيات والمرتزقة.