قال دكتور أكرم حسام نائب رئيس مركز رع للدراسات إن أكثر دول الجوار تضررا من الوضع الرهن في أفغانستان ثلاث دول وهي بالتحديد "روسيا الصين وإيران"، وأنها ربما تكون هي الدول المقصودة من عملية إحداث الفوضى في أفغانستان الآن.
وأكد حسام في مقابلة مع وكالة فرات أنه ورغم ذلك فإن دول كدول الخليج على سبيل المثال ليست بعيدة عن التطورات الأمنية الحاصلة في أفغانستان، كذلك دول الإقليم بما يؤثر المشهد على أمن المنطقة الإقليمي.
وأضاف أن أفغانستان قد تعود مرة أخرى كمغناطيس أو بوصلة لجذب العناصر المتطرفة، لافتًا إلى أن أوروبا ستكون أكثر تأثرًا من انفجار الوضع الأفغاني عن الولايات المتحدة التي لا يستبعد أنها رتبت لحالة التخبط الحالية في أفغانستان.
كما حلل في المقابلة كافة التداعيات على الساحة الإقليمية والدولية في ظل صعود طالبان إلى المشهد الأفغاني وتصدرها المشهد بهذه السرة فإلى نص الحوار..
** لا تزال تداعيات الوضع الأفغاني مستمرة بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان واستغلال حركة طالبات الوضع للصعود والسيطرة على المشهد مع تخوف دولي وإقليمي من تبعات ذلك.. إلى أين تذهب البوصلة في أفغانستان في ظل ذلك الوضع الراهن؟
الموقف في افغانستان حتى الآن لا يزال غير واضح، الغموض هو سيد الموقف، طالبان تحاول البدء في عملية حوار سياسي، لكن حتى الآن لم تنطلق هذه العملية بشكل رسمي.
هناك حديث عن عملية انتقال أو تجهيز لعملية انتقال للسلطة لكنها غير واضحة المعالم حتى الآن. الوضع الميداني لا يزال طبعا متحرك في ظل وجود بعض الجماعات مثل أحمد شاه مسعود الذي أعلن عن استعداده لقتال طالبان في بعض المناطق، كذلك لا يزال الموقف الغامض من بعض القبائل وأمراء الحرب المعروفين طبعا في أفغانستان حتى الآن موقفهم من صعود طالبان لا يزال حذر وهم يترقبون الخطوات القادمة من طالبان إزاء عملية اشراكهم في العملية القادمة في أفغانستان.
أيضًا من الناحية اللوجستية، هناك مشاكل كبيرة في عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من أفغانستان في ظل رفض بعض الدول لاستقبال مزيد من الرعايا مثل قطر بسبب وصولها للطاقة الاستيعابية القصوى، علاوة على يعني الحاجة إلى جهد كبير لنقل هذا الكم الضخم من الأعداد التي ترغب في مغادرة أفغانستان خلال هذه الفترة، مع عامل وقت لا يسمح بنقل كل هذه الأعداد في ظل رفض الجانب الأمريكي تمديد المهلة الممنوحة لنقل الرعايا فيما بعد ٣١ أغسطس أو تأجيل سحب القوات الامريكية لما بعد ٣١ أغسطس الجاري.
** ما تقييمك لما دار في اجتماع قادة مجموعة السبع الافتراضي وهل برأيك أقر الغرب تسليم أفغانستان لطالبان؟
واضح من قراءة المشهد في ضوء اجتماع مجموعة السبع الافتراضي بخصوص أفغانستان أنه كان هناك طلب أوروبي وبالتحديد من الولايات المتحدة الأمريكية بأن تؤجل من عملية سحب القوات أو الموعد النهائي لسحب قواتها من ٣١ أغسطس إلى وقت آخر بحيث يكون هناك وقت كافي لإجلاء كافة الرعايا الأجانب من أفغانستان، لكن الجانب الأمريكي أصر على أن يتم الانسحاب في الموعد المحدد له وعدم تأجيل هذه المدة، وعدم الاستجابة بالطبع للضغوط الأوروبية. وهذا يعقّد من المشهد الحالي الخاص بعملية إجلاء الرعايا الأجانب والأفغان الراغبين في المغادرة بالتأكيد؛ لكنه أيضًا يكشف بصورة أو بأخرى عن وجود شرخ أو هوة بين الموقف الأمريكي والأوروبي المتعلق بالوضع القادم في أفغانستان.
وأعتقد أن الاعتراف الدولي بالحكومة القادمة في أفغانستان أو التي ستشكلها طالبان سيشكل محور خلاف أوروبي أمريكي خلال الفترة القادمة، الأمريكان قد يتجهون وفقًا لتفاهمات سابقة تم إقرارها في الدوحة للاعتراف بالحكومة التي ستؤسسها طالبان، بناءً على اتفاق الدوحة وما تم بالطبع ترتيبه من تفاهمات معظمها غير مكشوف حتى الآن، بينما الجانب الأوروبي لا يزال يترقب الموقف وينتظر من طالبان أن تقدم ضمانات كثيرة على المستوى السياسي تتعلق بإشراك كافة القوى السياسية، وعلى المستوى الإنساني والمستوى الخاص بحقوق الإنسان واحترام حقوق المرأة وغيرها من القضايا الخلافية، كذلك التعامل مع بعض الجماعات المتشددة الموجودة في أفغانستان وعلى رأسها تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات.
كل هذه العوامل قد تؤخر من الاعتراف الأوروبي بشرعية طالبان بينما الجانب الأمريكي قد يكون له وجهة نظر أخرى وهذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة.
**بايدن يتحدث عن ضرورة إجلاء كامل لقواته في أقصى وقت بعد حديثه عن بحث مسألة بقاء قوات وإن كانت بسيطة بعد الموعد المحدد لمواجهة الوضع الطارئ الذي تشهده أفغانستان ما الذي تغير؟
الموقف الأمريكي واضح طبعًا؛ ما تم تسريبه من أن جزء من القوات الأمريكية قد تبقى في أفغانستان لبعض الوقت، هي مجرد تسريبات لم يتم تأكيدها بينما حسم بايدن الأمر بشكل قاطع عندما تحدث عن أن القوات الأمريكية ستنسحب في ٣١ أغسطس ولا مجال لتمديد هذه الفترة إلى وقت لاحق.
الأمريكان اتخذوا قرار بالخروج الكامل من أفغانستان وترك الأمور تتفاعل على المستوى الداخلي، وهذا أعتقد أنه واقع ضمن الاستراتيجية الأمريكية للخروج من أفغانستان وهو خروج وإن بدى للعالم أنه غير منظم ومهرول دون تخطيط، لكنه في تقييمي وتقديري هو مقصود. فقد قُصد أن يتم إظهاره بهذا الشكل العبثي وهذا الشكل الذي يبدو للعالم على أنه فوضى لإلقاء المسؤولية على دول أخرى لتحمل تبعات ما هو قادم في أفغانستان وأهمها روسيا والصين وإيران ودول أخرى، وإثارة الرعب مرة أخر بالنسبة لصورة طالبان والوضع في أفغانستان لدى دول العالم المختلفة وذلك من أجل الترتيبات التي تخطط لها الولايات المتحدة في التعامل مع الوضع الأفغاني على المستوى الأمني والعسكري وربما على المستوى الإنساني أيضًا.
** رغم الظهور الإعلامي لقادة طالبان وحديثهم عن الحقوق والحريات إلا أن الأمم المتحدة عبر مجلس حقوق الانسان أكدت أن طالبان نفذت عمليات إعدام وانتهاكات كبرى لحقوق المدنيين وسط مخاوف من عودة طالبان لانتهاج سياستها السابقة قبل عشرين عاما فكيف يمكن مواجهة ذلك؟
لا أعتقد أن هناك تغيرات كثيرة ستحدث فيما يتعلق بالبعد الأيدولوجي والفكري لحركة طالبان صحيح أن النسخة الجديدة التي يروج لها الآن في وسائل الإعلام العالمية والأمريكية والأوربية بالتحديد، أعتقد أن هذا الحديث إلى حد ما يفتقد إلى الدقة والموضوعية الكاملة، لأن طالبان في تقديري الشخصي على المستوى الفكري لم تتغير كثيرا فيما يتعلق بالمعتقدات والافكار التي تأسس عليها فكرها فيما يتعلق بتأسيس إمارة إسلامية ورؤيتها لقضايا الحقوق والحريات والمرأة غيرها من هذه القضايا، كذلك قضية نظم الحكم تأسيس نظام حكم على النهج الإسلامي كما يدعون.
كل هذه القضايا أعتقد أنها لن تحظى تغيير كبير فيما يتعلق بالأفكار العامة أو الرؤية الاستراتيجية أو الخطوط العريضة، ما قد يطرأ من تغيرات قد يكون فقط على المستوى التكتيكي المتعلق بكيفية تنفيذ هذه الأهداف وهذه الرؤية الاستراتيجية.
طالبان استوعبت لا شك طبعا دروس كثيرة خلال العشرين سنة الماضية تتعلق بأهم فكرة تم استيعابها، وهي فكرة ضرورة عدم تحدي المجتمع الدولي بشكل كامل وضرورة الانسجام بصورة أو بأخرى مع بعض الطلبات بينما سيكون ذلك في تقديري هو تكتيك مرحلي ستستخدمه طالبان في المرحلة الأولى المطلوبة لتأسيس الدولة بينما لن يختلف جوهر الأداء على المستوى الفكري التنظيمي كثيرا عن التجربة التي شاهدناها في المرحلة من ١٩٩٦ إلى ٢٠٠١.
إذا هو اختلاف فقط في التكتيكات وليس على المستوى الاستراتيجي المتعلق بالعقائد والأفكار وكذلك الرؤى العامة لكيفية تخطيط السياسة العامة للدولة الأفغانية خلال المرحلة القادمة، وكذلك على مستوى العلاقات الخارجية للدولة الأفغانية أو الحكومة الأفغانية التي ستظهر للعالم خلال الأيام القليلة القادمة.
** يبقى الحديث عن تأثير الوضع الأفغاني على دول الجوار الأفغاني أولا، ودول الشرق الأوسط تاليا هو الشاغل الأبرز في المسألة.. كيف ستتعامل الدول في ذلك السياق وما تقديرك للمسألة؟
لا شك أن صعود طالبان أثار مخاوف إقليمية كبيرة. هناك تهديدات حقيقية، لا مجاملة في ذلك للأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم.
صعود طالبان مثّل دفعة معنوية كبيرة للكثير من الحركات التي تدّعي أنها تحمل لواء الجهاد الإسلامي (طبعا ضد ما يسمونه العدو البعيد والعدو القريب) هذه الدفعة المعنوية التي منحها صعود طالبان لجماعات مثل القاعدة وداعش لا شك أن هذا هو مصدر الخوف والقلق الكبير الذي تخشاه الدوائر الأمنية والسياسية في معظم بلدان الشرق الأوسط ومنها بلدان المنطقة العربية.
هناك شواهد كثيرة طبعًا على ما دفعه أو ما أدى إليه صعود طالبان. شاهدنا على سبيل المثال انتعاش لدور حركة أحرار الشام في الشمال السوري وما ترتب عليه من قيام روسيا بتكثيف هجماتها بشكل ربما يكون غير مسبوق على مواقع الحركة، كذلك شاهدنا انتعاش أو إعادة ظهور لأول مرة منذ فترة طويلة لحركة أنصار الشريعة في ليبيا، التي كانت قد اختفت منذ فترة، حديث من أكثر من جماعة إرهابية في إفريقيا عن أن الفترة القادمة ستكون فترة تطور وفترة حركة وحراك كبير لهذه الجماعات استلهاما أو توقعا بأن طالبان يعني قد تتحالف مرة أخرى مع تنظيم القاعدة، ومعروف أن تنظيم القاعدة له فروع وتنظيمات كثيرة في بلدان عديدة في الشرق الاوسط وفي أفريقيا وحتى في آسيا الوسطى.
وفي حال استقام هذا السيناريو لا أعتقد أن الوضع بالفعل سيكون سيء على المستوى الأمني.
أكثر دول الجوار تضررا من الوضع الرهن في أفغانستان ثلاث دول بالتحديد "روسيا الصين وإيران"، هذه الدول الثلاث هي طبعا الدول الواقعة على الحدود المباشرة لأفغانستان وربما تكون هي الدول المقصودة من عملية إحداث الفوضى في أفغانستان، لكن دول كدول الخليج على سبيل المثال ليست بعيدة عن التطورات الأمنية الحاصلة في أفغانستان لأن أفغانستان ستعود مرة أخرى كمغناطيس أو بوصلة لجذب العناصر المتطرفة مرة أخرى سنشهد حركة خروج أو حركة سفر أو انتقال للعناصر المتطرفة من بعض الدول إلى أفغانستان، وقد نشهد حركة أيضا معاكسة بصورة أو بأخرى سنشهد تفريغ من بعض المناطق التي تشهد الآن سخونة معينة بسبب وجود بعض العناصر المتطرفة، شاهدنا خروج بعض القوات أو العناصر الأفغانية التي كانت موجودة في سوريا خلال الأيام الماضية وذهابها إلى افغانستان انتظارا لصعود طالبان وربما تحالف قد ينشأ في الفترة القادمة مع حركة أو مع تنظيم القاعدة وبالتالي الأمن الإقليمي لا شك أنه مهدد بصورة كبيرة جراء توقع انتعاش النشاط الجهادي مرة أخرى في المنطقة.
**ربما نخص بالحديث وكما ذكرت سوريا التي شهدت انسحاب العناصر الأفغانية المقاتلة فيها تحت سيادة إيران للعودة إلى أفغانستان ما دلالة ذلك وإلى أي درجة قد يؤثر على الوضع السوري..؟
لا شك أن الوضع السوري مرتبط بصورة أو بأخرى بما يحدث في أفغانستان. وأفغانستان ليست بعيدة عن سوريا. هناك أكثر من عامل ارتباط بين الأزمتين أو بين الملفين؛ الارتباط الأول متعلق بوجود بعض العناصر الأفغانية التي انضمت كمليشيات تعمل حاليًا تحت النفوذ الإيراني في سوريا.
هذه العناصر الجهادية هناك تقارير قد تكون مؤكدة، وقد تكون غير مؤكدة تحدثت عن عن خروج هذه العناصر من سوريا باتجاه أفغانستان مرة أخرى.
أيضا الملف السوري هناك توقعات بأن عملية الانسحاب الأمريكي، التي تمت في أفغانستان، قد يكون لها تأثير على النظرة الأمريكية للوجود العسكري الأمريكي في سوريا وفي العراق وربما في الخليج. بدأت بعض الدول تنظر بجدية فيما يحدث الآن في أفغانستان، والخشية من أن يقود هذا المشهد إلى انسحابات قادمة للوجود العسكري الأمريكي من بعض المناطق وعلى رأسها سوريا انسجاما مع رؤية استراتيجية أمريكية جديدة قد تقتضي أن يتم إعادة نشر القوات الأمريكية في مناطق أخرى من العالم والاستعانة بوكلاء آخرين لتنفيذ المصالح الأمريكية، وبالتالي قد يكون الوجود الأمريكي في سوريا مرجح أن يشهد خلال الفترة القادمة، وذلك على المدى المتوسط ليس على المدى القريب، نوع من التغيير خصوصًا مع اتجاه الأوضاع في سوريا إلى شكل ما من أشكال الاستقرار بعد التفاهمات الأخيرة بين روسيا وأمريكا في ١٦ يونيو الماضي وما تبعها من تحركات كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي وآخرها التحركات الأردنية لطرح مبادرة للحل الشامل في سوريا بتنسيق أمريكي اسرائيلي وبدعم من روسيا هدفها طبعا الحديث عن موضوعات الإعمار مرة أخرى وإعادة سوريا للجامعة العربية وكذلك البحث عن كيفية خفض التصعيد أو انهاء الوجود العسكري أو الوجود المسلح لبعض المجموعات المسلحة الموجودة في الجنوب السوري وقد تمتد هذه التفاعلات إلى مناطق أخرى وأهمها مناطق الشمال السوري خاصة إدلب والصراع الحالي الذي تدعمه تركيا مع بعض الفصائل المسلحة الإرهابية في الشمال السوري ضد الحكومة السورية.
** أردوغان أيضًا ومع عودة حديثه عن المطار وتأمينه يتحدث عن استعداد بأن يلتقي قادة طالبان بل ويتحدث عن مساعدات لمواجهة وباء كورونا فما الذي يرمي إليه أردوغان من هذا؟ أيضًا لا يمكن أن نغفل علاقة قطر بطالبان ووساطتها بين الولايات المتحدة والحركة التي كان أول مكتب تمثيل لها بقطر.. برأيك ما الدور الذي قد تلعبه قطر في هذا السياق الآن.. أو أن تركيا -حليفتها- هي التي ستقوم بالدور عنها، ما يعني التقاء الأطراف الثلاث بشكل أو آخر..؟
تركيا تراهن على إمكانية أن يكون لها دور في الملف الأفغاني وطرحت بالفعل امكانية أن تلعب دور في تأمين المطار (مطار كابول)، لكن ردود الفعل التي قدمت من أفغانستان خصوصًا من حركة طالبان، والتي اعلنت رفضها لأي دور تركي وأي تواجد لعسكريين أتراك في أفغانستان يعني مثّل صدمة كبيرة للأتراك الذين ظنوا أن الأتراك سيرحب بهم في أفغانستان استنادا إلى عوامل ربما تاريخية من وجهة نظر الجانب التركي واستنادا إلى أن القوات التركية لم تشارك فيها أعمال قتالية ضد الأفغان لكنها كانت فقط تقدم خدمات الدعم والدعم اللوجستي والفني وغيرها، لكن يبدو أن طالبان حازمة في مسألة الوجود العسكري الأمريكي وتدرك تماما أن تركيا تلعب دور وظيفي مهم لصالح الناتو ولصالح أمريكا، بمعنى أن القبول الافغاني أو القبول الطالباني بوجود تركي يعني أن أمريكا لا تزال موجودة على الأراضي الافغانية وبالتالي قوبل اقتراحها بالرفض، ولا شك أن هذا مثّل طبعًا كما قلت صدمة كبيرة لصانع القرار التركي، لكن تركيا لديها قنوات اعتقد كثيرة للدخول إلى المعترك الأفغاني أهمها طبعا القناة القطرية فهناك تعاون معروف بين قطر وتركيا وهناك تحالف شبه استراتيجي بين الدولتين.
قطر لها علاقات جيدة مع قادة حركة طالبان وأعضاء المكتب السياسي بالكامل عاشوا في الدوحة أكثر من ثلاث سنوات خصوصًا الزعيم المرشح الآن لحركة طالبان وهو الملا بريدار وهو كان طبعا مسؤول المكتب السياسي في للحركة في الدوحة وهو من الشخصيات التي تربطه بالقيادات في قطر علاقات طيبة.
قد تكون قطر مدخل مهم لإعادة تموضع السياسة التركية في أفغانستان وستساعد بالفعل في تقديم الجانب التركي بصورة أكثر إيجابية للطرف الأفغاني، وقد يكون هذا هو محور أو أحد محاور الحركة التي قد تعتمد عليها تركيا خلال الفترة القادمة.
** شاهدنا في تسعينيات القرن الماضي انضمام عدد كبير من الشباب العرب وغيرهم إلى طالبان تحت مسمى المجاهدين العرب، هل يمكن أن تكون هناك عودة مشابهة.. وأن تعود طالبان تستقطب الشباب كما جرى في الماضي؟ أيضا هناك مخاوف كبيرة من عودة الإرهاب إلى أفغانستان ومن ثم انتقاله إلى دول المنطقة للتأثير فيها سلبا ما تعقيبك في ذلك؟
أعتقد أن ظاهرة المجاهدين العرب، ارتبطت بسياقات تاريخية معينة، لم يكن وقتها فكرة الحركات الجهادية الاسلامية قد تبلورت أو قد ظهرت للسطح فكرة الموجودين الأفغان في السبعينات وفي الثمانينات كانت هي بداية تأسيس هذه الجماعات. الآن لدينا خريطة معقدة جدًا من هذه الجماعات منها ما يتبع تنظيم القاعدة، ومنها ما يتبع تنظيم داعش ومنها ما يتبع تنظيمات أخرى تحاول أن تجد لها مساحة بين هذين التنظيمين الكبيرين، لكنهم في الأخير يجتمعوا تحت راية واحدة وهي راية الجهاد كما يسمونه.
الآن لا أعتقد أن الفترة القادمة ستشهد عودة المجاهدين أو فكرة المجاهدين العرب التي روجت لها دوائر الاستخبارات الأمريكية وساعدت فيها بعض الدول العربية للأسف، لكن ما سنشهده فعلا هو مسألة كما قلت في البداية مسألة عودة النشاط الجهادي مرة أخرى، إعادة الزخم للنشاط الجهادي مرة أخرى، وربما انتقال للعناصر الجهادية التي تفرق بها السبل خلال العقدين الماضيين في سوريا والعراق وفي أفريقيا وربما في مناطق الجنوب الإفريقي وفي آسيا. الآن قد تجد لها بالفعل ملاذ آمن في أفغانستان في حال نجح تنظيم طالبان في إقامة دولة إسلامية بالفعل، لكن في تقديري الشخصي أن ذهاب هذه العناصر مرة أخرى إلى افغانستان لن يكون مصدر قوة للدولة الأفغانية، لكنه سيكون نقطة ضعف لأن هذه العناصر المتطرفة والمتشددة أعتقد أنها ستدخل في صدام مسلح مع حركة طالبان لأن طالبان هم أبناء البلد الأفغاني وهم أصحاب المصلحة الأساسيين وفي الأخير يعني رغم كل الفكر الذي قد يبدو متطرف أو متشدد إلى حد ما لكنهم في الأخير سيضطرون إلى إحداث نوع من التوافقات على المستوى الوطني حتى يتمكنوا من إدارة الدولة الـفغانية بكامل تعقيداتها تشابكاتها الإثنية والدينية والعرقية وغيرها، لكن القادمون من الخارج لهم أجندة واحدة سيعملون على تنفيذها وهي أجندة طبعا تحمل أفكار متطرفة قد يكون بعضها أو ربما يكون معظمها غير قابل للتطبيق العملي في الوقت الراهن في ظل ما شهده العالم من تطور كبير على مستوى بناء الدولة وسياسات الحكم وغيرها من هذه العوامل.
** الولايات المتحدة أيضًا حتى اللحظة منقسمة داخليا حول الموقف من عملية الانسحاب من أفغانستان وحتى هناك طلبات تدعو إلى إقصاء بايدن عن منصبه برأيك إلى أين يصل الأمر في هذا السياق؟ وهل يؤدي الحراك الواسع ذلك ببايدن إلى تغيير موقفه في أفغانستان؟
لا اعتقد أن هناك انقسام داخلي في الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مسألة الانسحاب لأن موضوع الانسحاب الامريكي من أفغانستان تولته أكثر من إدارة أمريكية، لكنها لم تستطع أن تنفذه سواء من الإدارة الديموقراطية أو الجمهورية.
قرار باين بالانسحاب هو استكمال لاستراتيجية أمريكية رسمت حتى منذ عهد أوباما، وحاول من خلف أوباما، ترامب وغيره في أن يجد لها حل، لكن الظروف والسياقات الدولية والإقليمية في حينه لم تكن تسمح.
الآن بايدن اتخذ القرار فقط لكن هذه السياسة وضعتها المؤسسات الأمريكية، وضعتها وكالة الاستخبارات، ووضعها البنتاجون بالتشاور مع مراكز الدراسات ومراكز صنع القرار داخل الإدارة الأمريكية وبالتالي هي محل إجماع وما نشهده الآن من بعض الأصوات التي تبدو مختلفة ربما تتحدث فيها أصوات مستقلة لا تعبر بصورة أو بأخرى عن رؤية المؤسسات أو عن موقف المؤسسات الأمريكية الرسمية الفاعلة في عملية صنع القرار.
قد نجد أصوات على المستوى الإعلامي، بعض الخبراء، وحتى على مستوى العسكريين أو المدنيين لكنها في الأخير تبدو ضئيلة أو ضعيفة جدا مقارنة بالإجماع أو حالة شبه الإجماع الأمريكي على ضرورة أو أهمية قرار الانسحاب من أفغانستان الآن وإبعاد القوات الأمريكية عن هذا المستنقع الذي يعني كلف الأمريكان أكثر من تريليون دولار علاوة على ضحايا كثيرين من الجنود الأمريكان وأموال كثيرة صُرفت وتضحيات كبيرة ينظر إليها الامريكيون الآن بحسرة. شاهدنا بعض الصحف الأمريكية المهمة تنشر على غلاف صفحاتها صور لبعض الجنود الأمريكيين الأمريكان، الذين سقطوا في أفغانستان وتتحدث عن أن هؤلاء ذهبت أرواحهم سدى أو هباء بمعنى أننا دخلنا حرب عبثية ولم نجن منها أي شيء.
** ماذا أيضًا عن الموقف الأوروبي وما يمكن لأوروبا أن تؤديه في هذا السياق خاصة أن لأوروبا أيضا مخاوفها المحددة من أفغانستان، خاصة ما يتعلق بالنازحين وتخوفها من فتح الباب للاجئين من جديد؟
الأوروبيون الآن هم أكثر الدول اهتماما بما سيجري في أفغانستان خلال الفترة القادمة، لأن أوروبا قريبة من الناحية الجغرافية من أفغانستان ودائما ما تتأثر بالصراعات في منطقة الشرق الأوسط كما شهدنا في الصراع السوري وفي الصراعات الموجودة في شمال أفريقيا والتي نتج عنها حركة نزوح وهجرة شرعية وغير شرعية إلى أوروبا، لا تزال تشكل مشكلة وتحدي أمني وسياسي كبير للدول الأوروبية المختلفة.
الآن هناك حديث عن ضرورة تنسيق الجهود فيما يتعلق باحتمالات استقبال اللاجئين من أفغانستان خلال الفترة القادمة. تركيا تتحدث صراحة عن أنها مستعدة لاستقبال بعض الأعداد من اللاجئين وهذا في تقديري سيكون إعادة انتاج لمسألة يعني التسويق او اللعب على ورقة اللاجئين من أجل ابتزاز تركي آخر لأوروبا في هذه المسألة كما حدث مع اللاجئين السوريين الذين استخدمتهم تركيا كورقة ضغط في الحصول على بعض الأموال وبعض الدعم من لسياستها من جانب الدول الأوروبية.
أوروبا معنية بشكل كبير بما سيحدث في أفغانستان ولها مصالح استراتيجية مهمة في منطقة آسيا ومع الصين وحتى مع روسيا وبالتالي فإن أمنها يعني مهدد بشكل مباشر على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تبعد جغرافيًا آلاف الأميال عن هذه المنطقة الملتهبة، وكذلك فإن المصالح الأمريكية قد تكون محمية بصورة أو بأخرى سواء من خلال ضمانات تم الحصول عليها بشكل سري مع حركة طالبان أو من خلال الوجود العسكري الأمريكي في بعض دول آسيا الوسطى بينما أوروبا أو المصالح الأوروبية قد تعاني في حال انفجر الوضع في أفغانستان ووصل الأمر إلى مسألة الحرب الأهلية أو الفوضى أو ما إلى غير ذلك من هذه السيناريوهات.
قال دكتور أكرم حسام نائب رئيس مركز رع للدراسات إن أكثر دول الجوار تضررا من الوضع الرهن في أفغانستان ثلاث دول وهي بالتحديد "روسيا الصين وإيران"، وأنها ربما تكون هي الدول المقصودة من عملية إحداث الفوضى في أفغانستان الآن.
وأكد حسام في مقابلة مع وكالة فرات أنه ورغم ذلك فإن دول كدول الخليج على سبيل المثال ليست بعيدة عن التطورات الأمنية الحاصلة في أفغانستان، كذلك دول الإقليم بما يؤثر المشهد على أمن المنطقة الإقليمي.
وأضاف أن أفغانستان قد تعود مرة أخرى كمغناطيس أو بوصلة لجذب العناصر المتطرفة، لافتًا إلى أن أوروبا ستكون أكثر تأثرًا من انفجار الوضع الأفغاني عن الولايات المتحدة التي لا يستبعد أنها رتبت لحالة التخبط الحالية في أفغانستان.
كما حلل في المقابلة كافة التداعيات على الساحة الإقليمية والدولية في ظل صعود طالبان إلى المشهد الأفغاني وتصدرها المشهد بهذه السرة فإلى نص الحوار..
** لا تزال تداعيات الوضع الأفغاني مستمرة بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من أفغانستان واستغلال حركة طالبات الوضع للصعود والسيطرة على المشهد مع تخوف دولي وإقليمي من تبعات ذلك.. إلى أين تذهب البوصلة في أفغانستان في ظل ذلك الوضع الراهن؟
الموقف في افغانستان حتى الآن لا يزال غير واضح، الغموض هو سيد الموقف، طالبان تحاول البدء في عملية حوار سياسي، لكن حتى الآن لم تنطلق هذه العملية بشكل رسمي.
هناك حديث عن عملية انتقال أو تجهيز لعملية انتقال للسلطة لكنها غير واضحة المعالم حتى الآن. الوضع الميداني لا يزال طبعا متحرك في ظل وجود بعض الجماعات مثل أحمد شاه مسعود الذي أعلن عن استعداده لقتال طالبان في بعض المناطق، كذلك لا يزال الموقف الغامض من بعض القبائل وأمراء الحرب المعروفين طبعا في أفغانستان حتى الآن موقفهم من صعود طالبان لا يزال حذر وهم يترقبون الخطوات القادمة من طالبان إزاء عملية اشراكهم في العملية القادمة في أفغانستان.
أيضًا من الناحية اللوجستية، هناك مشاكل كبيرة في عمليات إجلاء الرعايا الأجانب من أفغانستان في ظل رفض بعض الدول لاستقبال مزيد من الرعايا مثل قطر بسبب وصولها للطاقة الاستيعابية القصوى، علاوة على يعني الحاجة إلى جهد كبير لنقل هذا الكم الضخم من الأعداد التي ترغب في مغادرة أفغانستان خلال هذه الفترة، مع عامل وقت لا يسمح بنقل كل هذه الأعداد في ظل رفض الجانب الأمريكي تمديد المهلة الممنوحة لنقل الرعايا فيما بعد ٣١ أغسطس أو تأجيل سحب القوات الامريكية لما بعد ٣١ أغسطس الجاري.
** ما تقييمك لما دار في اجتماع قادة مجموعة السبع الافتراضي وهل برأيك أقر الغرب تسليم أفغانستان لطالبان؟
واضح من قراءة المشهد في ضوء اجتماع مجموعة السبع الافتراضي بخصوص أفغانستان أنه كان هناك طلب أوروبي وبالتحديد من الولايات المتحدة الأمريكية بأن تؤجل من عملية سحب القوات أو الموعد النهائي لسحب قواتها من ٣١ أغسطس إلى وقت آخر بحيث يكون هناك وقت كافي لإجلاء كافة الرعايا الأجانب من أفغانستان، لكن الجانب الأمريكي أصر على أن يتم الانسحاب في الموعد المحدد له وعدم تأجيل هذه المدة، وعدم الاستجابة بالطبع للضغوط الأوروبية. وهذا يعقّد من المشهد الحالي الخاص بعملية إجلاء الرعايا الأجانب والأفغان الراغبين في المغادرة بالتأكيد؛ لكنه أيضًا يكشف بصورة أو بأخرى عن وجود شرخ أو هوة بين الموقف الأمريكي والأوروبي المتعلق بالوضع القادم في أفغانستان.
وأعتقد أن الاعتراف الدولي بالحكومة القادمة في أفغانستان أو التي ستشكلها طالبان سيشكل محور خلاف أوروبي أمريكي خلال الفترة القادمة، الأمريكان قد يتجهون وفقًا لتفاهمات سابقة تم إقرارها في الدوحة للاعتراف بالحكومة التي ستؤسسها طالبان، بناءً على اتفاق الدوحة وما تم بالطبع ترتيبه من تفاهمات معظمها غير مكشوف حتى الآن، بينما الجانب الأوروبي لا يزال يترقب الموقف وينتظر من طالبان أن تقدم ضمانات كثيرة على المستوى السياسي تتعلق بإشراك كافة القوى السياسية، وعلى المستوى الإنساني والمستوى الخاص بحقوق الإنسان واحترام حقوق المرأة وغيرها من القضايا الخلافية، كذلك التعامل مع بعض الجماعات المتشددة الموجودة في أفغانستان وعلى رأسها تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات.
كل هذه العوامل قد تؤخر من الاعتراف الأوروبي بشرعية طالبان بينما الجانب الأمريكي قد يكون له وجهة نظر أخرى وهذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة.
**بايدن يتحدث عن ضرورة إجلاء كامل لقواته في أقصى وقت بعد حديثه عن بحث مسألة بقاء قوات وإن كانت بسيطة بعد الموعد المحدد لمواجهة الوضع الطارئ الذي تشهده أفغانستان ما الذي تغير؟
الموقف الأمريكي واضح طبعًا؛ ما تم تسريبه من أن جزء من القوات الأمريكية قد تبقى في أفغانستان لبعض الوقت، هي مجرد تسريبات لم يتم تأكيدها بينما حسم بايدن الأمر بشكل قاطع عندما تحدث عن أن القوات الأمريكية ستنسحب في ٣١ أغسطس ولا مجال لتمديد هذه الفترة إلى وقت لاحق.
الأمريكان اتخذوا قرار بالخروج الكامل من أفغانستان وترك الأمور تتفاعل على المستوى الداخلي، وهذا أعتقد أنه واقع ضمن الاستراتيجية الأمريكية للخروج من أفغانستان وهو خروج وإن بدى للعالم أنه غير منظم ومهرول دون تخطيط، لكنه في تقييمي وتقديري هو مقصود. فقد قُصد أن يتم إظهاره بهذا الشكل العبثي وهذا الشكل الذي يبدو للعالم على أنه فوضى لإلقاء المسؤولية على دول أخرى لتحمل تبعات ما هو قادم في أفغانستان وأهمها روسيا والصين وإيران ودول أخرى، وإثارة الرعب مرة أخر بالنسبة لصورة طالبان والوضع في أفغانستان لدى دول العالم المختلفة وذلك من أجل الترتيبات التي تخطط لها الولايات المتحدة في التعامل مع الوضع الأفغاني على المستوى الأمني والعسكري وربما على المستوى الإنساني أيضًا.
** رغم الظهور الإعلامي لقادة طالبان وحديثهم عن الحقوق والحريات إلا أن الأمم المتحدة عبر مجلس حقوق الانسان أكدت أن طالبان نفذت عمليات إعدام وانتهاكات كبرى لحقوق المدنيين وسط مخاوف من عودة طالبان لانتهاج سياستها السابقة قبل عشرين عاما فكيف يمكن مواجهة ذلك؟
لا أعتقد أن هناك تغيرات كثيرة ستحدث فيما يتعلق بالبعد الأيدولوجي والفكري لحركة طالبان صحيح أن النسخة الجديدة التي يروج لها الآن في وسائل الإعلام العالمية والأمريكية والأوربية بالتحديد، أعتقد أن هذا الحديث إلى حد ما يفتقد إلى الدقة والموضوعية الكاملة، لأن طالبان في تقديري الشخصي على المستوى الفكري لم تتغير كثيرا فيما يتعلق بالمعتقدات والافكار التي تأسس عليها فكرها فيما يتعلق بتأسيس إمارة إسلامية ورؤيتها لقضايا الحقوق والحريات والمرأة غيرها من هذه القضايا، كذلك قضية نظم الحكم تأسيس نظام حكم على النهج الإسلامي كما يدعون.
كل هذه القضايا أعتقد أنها لن تحظى تغيير كبير فيما يتعلق بالأفكار العامة أو الرؤية الاستراتيجية أو الخطوط العريضة، ما قد يطرأ من تغيرات قد يكون فقط على المستوى التكتيكي المتعلق بكيفية تنفيذ هذه الأهداف وهذه الرؤية الاستراتيجية.
طالبان استوعبت لا شك طبعا دروس كثيرة خلال العشرين سنة الماضية تتعلق بأهم فكرة تم استيعابها، وهي فكرة ضرورة عدم تحدي المجتمع الدولي بشكل كامل وضرورة الانسجام بصورة أو بأخرى مع بعض الطلبات بينما سيكون ذلك في تقديري هو تكتيك مرحلي ستستخدمه طالبان في المرحلة الأولى المطلوبة لتأسيس الدولة بينما لن يختلف جوهر الأداء على المستوى الفكري التنظيمي كثيرا عن التجربة التي شاهدناها في المرحلة من ١٩٩٦ إلى ٢٠٠١.
إذا هو اختلاف فقط في التكتيكات وليس على المستوى الاستراتيجي المتعلق بالعقائد والأفكار وكذلك الرؤى العامة لكيفية تخطيط السياسة العامة للدولة الأفغانية خلال المرحلة القادمة، وكذلك على مستوى العلاقات الخارجية للدولة الأفغانية أو الحكومة الأفغانية التي ستظهر للعالم خلال الأيام القليلة القادمة.
** يبقى الحديث عن تأثير الوضع الأفغاني على دول الجوار الأفغاني أولا، ودول الشرق الأوسط تاليا هو الشاغل الأبرز في المسألة.. كيف ستتعامل الدول في ذلك السياق وما تقديرك للمسألة؟
لا شك أن صعود طالبان أثار مخاوف إقليمية كبيرة. هناك تهديدات حقيقية، لا مجاملة في ذلك للأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم.
صعود طالبان مثّل دفعة معنوية كبيرة للكثير من الحركات التي تدّعي أنها تحمل لواء الجهاد الإسلامي (طبعا ضد ما يسمونه العدو البعيد والعدو القريب) هذه الدفعة المعنوية التي منحها صعود طالبان لجماعات مثل القاعدة وداعش لا شك أن هذا هو مصدر الخوف والقلق الكبير الذي تخشاه الدوائر الأمنية والسياسية في معظم بلدان الشرق الأوسط ومنها بلدان المنطقة العربية.
هناك شواهد كثيرة طبعًا على ما دفعه أو ما أدى إليه صعود طالبان. شاهدنا على سبيل المثال انتعاش لدور حركة أحرار الشام في الشمال السوري وما ترتب عليه من قيام روسيا بتكثيف هجماتها بشكل ربما يكون غير مسبوق على مواقع الحركة، كذلك شاهدنا انتعاش أو إعادة ظهور لأول مرة منذ فترة طويلة لحركة أنصار الشريعة في ليبيا، التي كانت قد اختفت منذ فترة، حديث من أكثر من جماعة إرهابية في إفريقيا عن أن الفترة القادمة ستكون فترة تطور وفترة حركة وحراك كبير لهذه الجماعات استلهاما أو توقعا بأن طالبان يعني قد تتحالف مرة أخرى مع تنظيم القاعدة، ومعروف أن تنظيم القاعدة له فروع وتنظيمات كثيرة في بلدان عديدة في الشرق الاوسط وفي أفريقيا وحتى في آسيا الوسطى.
وفي حال استقام هذا السيناريو لا أعتقد أن الوضع بالفعل سيكون سيء على المستوى الأمني.
أكثر دول الجوار تضررا من الوضع الرهن في أفغانستان ثلاث دول بالتحديد "روسيا الصين وإيران"، هذه الدول الثلاث هي طبعا الدول الواقعة على الحدود المباشرة لأفغانستان وربما تكون هي الدول المقصودة من عملية إحداث الفوضى في أفغانستان، لكن دول كدول الخليج على سبيل المثال ليست بعيدة عن التطورات الأمنية الحاصلة في أفغانستان لأن أفغانستان ستعود مرة أخرى كمغناطيس أو بوصلة لجذب العناصر المتطرفة مرة أخرى سنشهد حركة خروج أو حركة سفر أو انتقال للعناصر المتطرفة من بعض الدول إلى أفغانستان، وقد نشهد حركة أيضا معاكسة بصورة أو بأخرى سنشهد تفريغ من بعض المناطق التي تشهد الآن سخونة معينة بسبب وجود بعض العناصر المتطرفة، شاهدنا خروج بعض القوات أو العناصر الأفغانية التي كانت موجودة في سوريا خلال الأيام الماضية وذهابها إلى افغانستان انتظارا لصعود طالبان وربما تحالف قد ينشأ في الفترة القادمة مع حركة أو مع تنظيم القاعدة وبالتالي الأمن الإقليمي لا شك أنه مهدد بصورة كبيرة جراء توقع انتعاش النشاط الجهادي مرة أخرى في المنطقة.
**ربما نخص بالحديث وكما ذكرت سوريا التي شهدت انسحاب العناصر الأفغانية المقاتلة فيها تحت سيادة إيران للعودة إلى أفغانستان ما دلالة ذلك وإلى أي درجة قد يؤثر على الوضع السوري..؟
لا شك أن الوضع السوري مرتبط بصورة أو بأخرى بما يحدث في أفغانستان. وأفغانستان ليست بعيدة عن سوريا. هناك أكثر من عامل ارتباط بين الأزمتين أو بين الملفين؛ الارتباط الأول متعلق بوجود بعض العناصر الأفغانية التي انضمت كمليشيات تعمل حاليًا تحت النفوذ الإيراني في سوريا.
هذه العناصر الجهادية هناك تقارير قد تكون مؤكدة، وقد تكون غير مؤكدة تحدثت عن عن خروج هذه العناصر من سوريا باتجاه أفغانستان مرة أخرى.
أيضا الملف السوري هناك توقعات بأن عملية الانسحاب الأمريكي، التي تمت في أفغانستان، قد يكون لها تأثير على النظرة الأمريكية للوجود العسكري الأمريكي في سوريا وفي العراق وربما في الخليج. بدأت بعض الدول تنظر بجدية فيما يحدث الآن في أفغانستان، والخشية من أن يقود هذا المشهد إلى انسحابات قادمة للوجود العسكري الأمريكي من بعض المناطق وعلى رأسها سوريا انسجاما مع رؤية استراتيجية أمريكية جديدة قد تقتضي أن يتم إعادة نشر القوات الأمريكية في مناطق أخرى من العالم والاستعانة بوكلاء آخرين لتنفيذ المصالح الأمريكية، وبالتالي قد يكون الوجود الأمريكي في سوريا مرجح أن يشهد خلال الفترة القادمة، وذلك على المدى المتوسط ليس على المدى القريب، نوع من التغيير خصوصًا مع اتجاه الأوضاع في سوريا إلى شكل ما من أشكال الاستقرار بعد التفاهمات الأخيرة بين روسيا وأمريكا في ١٦ يونيو الماضي وما تبعها من تحركات كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي وآخرها التحركات الأردنية لطرح مبادرة للحل الشامل في سوريا بتنسيق أمريكي اسرائيلي وبدعم من روسيا هدفها طبعا الحديث عن موضوعات الإعمار مرة أخرى وإعادة سوريا للجامعة العربية وكذلك البحث عن كيفية خفض التصعيد أو انهاء الوجود العسكري أو الوجود المسلح لبعض المجموعات المسلحة الموجودة في الجنوب السوري وقد تمتد هذه التفاعلات إلى مناطق أخرى وأهمها مناطق الشمال السوري خاصة إدلب والصراع الحالي الذي تدعمه تركيا مع بعض الفصائل المسلحة الإرهابية في الشمال السوري ضد الحكومة السورية.
** أردوغان أيضًا ومع عودة حديثه عن المطار وتأمينه يتحدث عن استعداد بأن يلتقي قادة طالبان بل ويتحدث عن مساعدات لمواجهة وباء كورونا فما الذي يرمي إليه أردوغان من هذا؟ أيضًا لا يمكن أن نغفل علاقة قطر بطالبان ووساطتها بين الولايات المتحدة والحركة التي كان أول مكتب تمثيل لها بقطر.. برأيك ما الدور الذي قد تلعبه قطر في هذا السياق الآن.. أو أن تركيا -حليفتها- هي التي ستقوم بالدور عنها، ما يعني التقاء الأطراف الثلاث بشكل أو آخر..؟
تركيا تراهن على إمكانية أن يكون لها دور في الملف الأفغاني وطرحت بالفعل امكانية أن تلعب دور في تأمين المطار (مطار كابول)، لكن ردود الفعل التي قدمت من أفغانستان خصوصًا من حركة طالبان، والتي اعلنت رفضها لأي دور تركي وأي تواجد لعسكريين أتراك في أفغانستان يعني مثّل صدمة كبيرة للأتراك الذين ظنوا أن الأتراك سيرحب بهم في أفغانستان استنادا إلى عوامل ربما تاريخية من وجهة نظر الجانب التركي واستنادا إلى أن القوات التركية لم تشارك فيها أعمال قتالية ضد الأفغان لكنها كانت فقط تقدم خدمات الدعم والدعم اللوجستي والفني وغيرها، لكن يبدو أن طالبان حازمة في مسألة الوجود العسكري الأمريكي وتدرك تماما أن تركيا تلعب دور وظيفي مهم لصالح الناتو ولصالح أمريكا، بمعنى أن القبول الافغاني أو القبول الطالباني بوجود تركي يعني أن أمريكا لا تزال موجودة على الأراضي الافغانية وبالتالي قوبل اقتراحها بالرفض، ولا شك أن هذا مثّل طبعًا كما قلت صدمة كبيرة لصانع القرار التركي، لكن تركيا لديها قنوات اعتقد كثيرة للدخول إلى المعترك الأفغاني أهمها طبعا القناة القطرية فهناك تعاون معروف بين قطر وتركيا وهناك تحالف شبه استراتيجي بين الدولتين.
قطر لها علاقات جيدة مع قادة حركة طالبان وأعضاء المكتب السياسي بالكامل عاشوا في الدوحة أكثر من ثلاث سنوات خصوصًا الزعيم المرشح الآن لحركة طالبان وهو الملا بريدار وهو كان طبعا مسؤول المكتب السياسي في للحركة في الدوحة وهو من الشخصيات التي تربطه بالقيادات في قطر علاقات طيبة.
قد تكون قطر مدخل مهم لإعادة تموضع السياسة التركية في أفغانستان وستساعد بالفعل في تقديم الجانب التركي بصورة أكثر إيجابية للطرف الأفغاني، وقد يكون هذا هو محور أو أحد محاور الحركة التي قد تعتمد عليها تركيا خلال الفترة القادمة.
** شاهدنا في تسعينيات القرن الماضي انضمام عدد كبير من الشباب العرب وغيرهم إلى طالبان تحت مسمى المجاهدين العرب، هل يمكن أن تكون هناك عودة مشابهة.. وأن تعود طالبان تستقطب الشباب كما جرى في الماضي؟ أيضا هناك مخاوف كبيرة من عودة الإرهاب إلى أفغانستان ومن ثم انتقاله إلى دول المنطقة للتأثير فيها سلبا ما تعقيبك في ذلك؟
أعتقد أن ظاهرة المجاهدين العرب، ارتبطت بسياقات تاريخية معينة، لم يكن وقتها فكرة الحركات الجهادية الاسلامية قد تبلورت أو قد ظهرت للسطح فكرة الموجودين الأفغان في السبعينات وفي الثمانينات كانت هي بداية تأسيس هذه الجماعات. الآن لدينا خريطة معقدة جدًا من هذه الجماعات منها ما يتبع تنظيم القاعدة، ومنها ما يتبع تنظيم داعش ومنها ما يتبع تنظيمات أخرى تحاول أن تجد لها مساحة بين هذين التنظيمين الكبيرين، لكنهم في الأخير يجتمعوا تحت راية واحدة وهي راية الجهاد كما يسمونه.
الآن لا أعتقد أن الفترة القادمة ستشهد عودة المجاهدين أو فكرة المجاهدين العرب التي روجت لها دوائر الاستخبارات الأمريكية وساعدت فيها بعض الدول العربية للأسف، لكن ما سنشهده فعلا هو مسألة كما قلت في البداية مسألة عودة النشاط الجهادي مرة أخرى، إعادة الزخم للنشاط الجهادي مرة أخرى، وربما انتقال للعناصر الجهادية التي تفرق بها السبل خلال العقدين الماضيين في سوريا والعراق وفي أفريقيا وربما في مناطق الجنوب الإفريقي وفي آسيا. الآن قد تجد لها بالفعل ملاذ آمن في أفغانستان في حال نجح تنظيم طالبان في إقامة دولة إسلامية بالفعل، لكن في تقديري الشخصي أن ذهاب هذه العناصر مرة أخرى إلى افغانستان لن يكون مصدر قوة للدولة الأفغانية، لكنه سيكون نقطة ضعف لأن هذه العناصر المتطرفة والمتشددة أعتقد أنها ستدخل في صدام مسلح مع حركة طالبان لأن طالبان هم أبناء البلد الأفغاني وهم أصحاب المصلحة الأساسيين وفي الأخير يعني رغم كل الفكر الذي قد يبدو متطرف أو متشدد إلى حد ما لكنهم في الأخير سيضطرون إلى إحداث نوع من التوافقات على المستوى الوطني حتى يتمكنوا من إدارة الدولة الـفغانية بكامل تعقيداتها تشابكاتها الإثنية والدينية والعرقية وغيرها، لكن القادمون من الخارج لهم أجندة واحدة سيعملون على تنفيذها وهي أجندة طبعا تحمل أفكار متطرفة قد يكون بعضها أو ربما يكون معظمها غير قابل للتطبيق العملي في الوقت الراهن في ظل ما شهده العالم من تطور كبير على مستوى بناء الدولة وسياسات الحكم وغيرها من هذه العوامل.
** الولايات المتحدة أيضًا حتى اللحظة منقسمة داخليا حول الموقف من عملية الانسحاب من أفغانستان وحتى هناك طلبات تدعو إلى إقصاء بايدن عن منصبه برأيك إلى أين يصل الأمر في هذا السياق؟ وهل يؤدي الحراك الواسع ذلك ببايدن إلى تغيير موقفه في أفغانستان؟
لا اعتقد أن هناك انقسام داخلي في الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص مسألة الانسحاب لأن موضوع الانسحاب الامريكي من أفغانستان تولته أكثر من إدارة أمريكية، لكنها لم تستطع أن تنفذه سواء من الإدارة الديموقراطية أو الجمهورية.
قرار باين بالانسحاب هو استكمال لاستراتيجية أمريكية رسمت حتى منذ عهد أوباما، وحاول من خلف أوباما، ترامب وغيره في أن يجد لها حل، لكن الظروف والسياقات الدولية والإقليمية في حينه لم تكن تسمح.
الآن بايدن اتخذ القرار فقط لكن هذه السياسة وضعتها المؤسسات الأمريكية، وضعتها وكالة الاستخبارات، ووضعها البنتاجون بالتشاور مع مراكز الدراسات ومراكز صنع القرار داخل الإدارة الأمريكية وبالتالي هي محل إجماع وما نشهده الآن من بعض الأصوات التي تبدو مختلفة ربما تتحدث فيها أصوات مستقلة لا تعبر بصورة أو بأخرى عن رؤية المؤسسات أو عن موقف المؤسسات الأمريكية الرسمية الفاعلة في عملية صنع القرار.
قد نجد أصوات على المستوى الإعلامي، بعض الخبراء، وحتى على مستوى العسكريين أو المدنيين لكنها في الأخير تبدو ضئيلة أو ضعيفة جدا مقارنة بالإجماع أو حالة شبه الإجماع الأمريكي على ضرورة أو أهمية قرار الانسحاب من أفغانستان الآن وإبعاد القوات الأمريكية عن هذا المستنقع الذي يعني كلف الأمريكان أكثر من تريليون دولار علاوة على ضحايا كثيرين من الجنود الأمريكان وأموال كثيرة صُرفت وتضحيات كبيرة ينظر إليها الامريكيون الآن بحسرة. شاهدنا بعض الصحف الأمريكية المهمة تنشر على غلاف صفحاتها صور لبعض الجنود الأمريكيين الأمريكان، الذين سقطوا في أفغانستان وتتحدث عن أن هؤلاء ذهبت أرواحهم سدى أو هباء بمعنى أننا دخلنا حرب عبثية ولم نجن منها أي شيء.
** ماذا أيضًا عن الموقف الأوروبي وما يمكن لأوروبا أن تؤديه في هذا السياق خاصة أن لأوروبا أيضا مخاوفها المحددة من أفغانستان، خاصة ما يتعلق بالنازحين وتخوفها من فتح الباب للاجئين من جديد؟
الأوروبيون الآن هم أكثر الدول اهتماما بما سيجري في أفغانستان خلال الفترة القادمة، لأن أوروبا قريبة من الناحية الجغرافية من أفغانستان ودائما ما تتأثر بالصراعات في منطقة الشرق الأوسط كما شهدنا في الصراع السوري وفي الصراعات الموجودة في شمال أفريقيا والتي نتج عنها حركة نزوح وهجرة شرعية وغير شرعية إلى أوروبا، لا تزال تشكل مشكلة وتحدي أمني وسياسي كبير للدول الأوروبية المختلفة.
الآن هناك حديث عن ضرورة تنسيق الجهود فيما يتعلق باحتمالات استقبال اللاجئين من أفغانستان خلال الفترة القادمة. تركيا تتحدث صراحة عن أنها مستعدة لاستقبال بعض الأعداد من اللاجئين وهذا في تقديري سيكون إعادة انتاج لمسألة يعني التسويق او اللعب على ورقة اللاجئين من أجل ابتزاز تركي آخر لأوروبا في هذه المسألة كما حدث مع اللاجئين السوريين الذين استخدمتهم تركيا كورقة ضغط في الحصول على بعض الأموال وبعض الدعم من لسياستها من جانب الدول الأوروبية.
أوروبا معنية بشكل كبير بما سيحدث في أفغانستان ولها مصالح استراتيجية مهمة في منطقة آسيا ومع الصين وحتى مع روسيا وبالتالي فإن أمنها يعني مهدد بشكل مباشر على عكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تبعد جغرافيًا آلاف الأميال عن هذه المنطقة الملتهبة، وكذلك فإن المصالح الأمريكية قد تكون محمية بصورة أو بأخرى سواء من خلال ضمانات تم الحصول عليها بشكل سري مع حركة طالبان أو من خلال الوجود العسكري الأمريكي في بعض دول آسيا الوسطى بينما أوروبا أو المصالح الأوروبية قد تعاني في حال انفجر الوضع في أفغانستان ووصل الأمر إلى مسألة الحرب الأهلية أو الفوضى أو ما إلى غير ذلك من هذه السيناريوهات.