أجريت انتخابات مبكرة في العراق منذ ما يقرب من 10 أشهر، ولكن بسبب الخلافات العشائرية والسياسية والسلطوية والقضائية، لم يتم اتخاذ أي خطوات جديدة حتى الآن لتشكيل حكومة في العراق، ففي السابق، كان في العراق هناك صراع بين ثلاث مكونات فقط، الكرد والعرب والسنة، ولكن رغم كل هذه النزاعات تم الاتفاق وتشكيل الحكومة، لكن الوضع هذه المرة يختلف عما كان عليه قبل مخاض ولادة العراق، لأنها هذه المرة هنالك غليان في البيت الشيعي وأصبحت مشكلة بلا حل في الميدان السياسي العراقي.
وبسبب الأوضاع الراهنة، تم تعطيل مجلس النواب، وفقدت الحكومة التنفيذية استئنافها وسلطتها الإدارية، وانقسم الشيعة في العراق إلى قسمين، أحدهما تابع لايران والقسم الآخر للصدر وأنصاره الذين يسيطرون على أكثر من نصف محافظة بغداد، وبنفس الطريقة يحاول أنصار الإطار التنسيقي أيضاً السيطرة على النصف الآخر المتبقي تحت مسمى حماية المؤسسات والهيئات الرسمية للحكومة.
وبحسب المراقبين، فإن هدف الصدر هو إنشاء مرجعية دينية جديدة للشيعة في العراق، وهو يريد كف يد النفوذ الديني لمدينة قم (مدينة إيرانية تُعرف باسم المركز الديني للشيعة الحاكمين في إيران)، وجعل نفسه المرجعية الجديدة للشيعة في العراق.
وفي خضم هذه التوترات السياسية، يشاهد ويراقب الكرد، رغم الخلافات بين الحزبين الحاكمين المتبوأين للرتب ومقاليد السلطة، الأوضاع في بغداد ويرصدونها ليعرفوا إلى أين تتجه الأحداث وكيف يمكنهم ممارسة حقوقهم وامتيازاتهم، والسنة أيضاً يواكبون الوضع بنفس الطريقة، فهم يراقبون الوضع فقط.
وتحدث المراقب السياسي الكركوكي، بيشنك شيخ برهان، الضالع في الوضع السياسي في العراق، إلى وكالة أنباء الفرات-ANF وأجب عن بعض الأسئلة الأخرى، وعن سيناريوهات وانعكاسات التوتر في البيت الشيعي، والتهديدات على مستقبل العملية السياسية في العراق، ودور الكرد في هذا الوضع الحساس والخطير في العراق، ووحدة الكرد من أجل كسب حقوق الشعب الكردي.
"مشروع الصدر غير مقبول من قِبل الأطراف"
ذكر شيخ برهان في بداية حديثه أن الوضع السياسي في العراق يتجه نحو نفق مظلم، وقال: "الآن جاء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الساحة بمشروع لن يقبله أحد من الأطرف، لأنه يريد من جميع الأطراف السياسية في العراق بالخروج من المسرح السياسي للعراق وأن يحكم هو فقط بنفسه، وهذه مهمة صعبة للغاية ، لأن لكل طرف قوات مسلحة خاصة به ومدعوم من دول المنطقة."
"المرجعية الدينية تشكل عائق أمام الحرب الأهلية في العراق"
ولفت شيخ برهان في دوام حديثه الانتباه إلى السيناريوهات المحتملة أمام العملية السياسية في العراق، وأوضح قائلاً: "حاليا هناك عدة سيناريوهات أمام العراق، أولها سيناريو نزاع مسلح بسبب أطراف الصراع السياسي الذين ليس لديهم قوات مسلحة، لكن احتمال نشوب نزاع مسلح ضعيف، لأن المرجعية الشيعية في العراق تقف عائقاً أمام الحرب الأهلية. أما السيناريو الثاني هو حل البرلمان عبر التصويت الجماعي للبرلمانيين، لأنه بحسب القانون فقط يحق لمجلس النواب حل نفسه، ثم تشكيل حكومة تنفيذية، ومن المتوقع إجراء الانتخابات النيابية في الشهر 11 من العام 2023. "
'احتمالية انقلاب عسكري يجعل من العراق ثلاث فيدراليات'
وأشار المراقب السياسي شيخ برهان في جزء آخر من تقييماته إلى أنه إذا لم يقدم التوافق حلاً للوضع المتأزم الذي وصل إليه الوضع السياسي في العراق ، فقد يحدث انقلاب عسكري في العراق وبهذا الشكل ينهار؛ وأضاف قائلاً "هناك احتمال بحدوث انقلاب عسكري في العراق يؤدي الى تقسيم العراق الى ثلاث مناطق فيدرالية، فهناك إقليم كردستان وإذا حدث انقلاب عسكري في العراق فإن إقليمي السنة والشيعة سيتشكلان أيضاً."
مشروع الصدر يشكل خطراً على الأقليات
وأشار شيخ برهان إلى مشروع الصدر في إقامة نظام حكم فردي وتدمير الإجماع بين مكونات العراق، وقال: "إذا تم تنفيذ مشروع الصدر في دول متقدمة وديمقراطية، فسيكون ذلك جيداً للغاية، لكن في بلد متعدد الأمم والمعتقدات والطوائف مثل العراق، فمشروع الصدر يشكل خطراً كبيراً على الأقليات، إضافة إلى ذلك، فإن مشروع الصدر يشكل تهديدا لإقليم كردستان وحقوق الشعب الكردي في العراق، لأنه ينتهك الحقوق الدستورية والقانونية لإقليم كردستان ".
"تغيير الدستور يشكل تهديداً على حقوق الكرد"
وتحدث بيشنك شيخ برهان الكركوكي عن مخاطر مطالبة الصدر بتعديل الدستور، وأضاف "الصدر يريد تغيير الدستور، لكن مع تغيير الدستور يصبح الأمر خطيراً، لأنه في حال تغيير الدستور ماذا سيحدث لمادة مثل المادة 140؟، لسوء الحظ، طرف من السلطة الكردية الحاكمة المتمثلة بحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK)، الذي لا أعرف بالضبط كيف انخرط في مشروع الصدر، فالصدر نفسه غير مستعد للجلوس معه، وليس من الواضح أي طرف يدعمه الصدر ويريد أن يجعل نفسه المرجعية العليا في العراق."
"سيكون السبب في الاستقرار السياسي والاقتصادي"
وحول دور الأطراف الكردية في الأوضاع الراهنة في العراق، قال شيخ برهان: " يجب على الكرد أن يكونوا محايدين في هذا الصراع الدائر في البيت الشيعي، وإذا سنحت الفرصة لهم، فيجب عليهم أن يحاولوا جلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات للوصل إلى حل توافقي، لأن أي حرب تحصل في العراق ستؤدي بالنتيجة إلى عدم استقرار سياسي واقتصادي يدفع ثمنها المواطنون الأبرياء ويعانون من ويلاتها، يجب على الأطراف الكردية أن تذهب للمحادثات السياسية في بغداد بحزمة واحدة وبالإجماع، لكن للأسف لا يرون ذلك الآن، فكل طرف كردي يجتمع مع طرف سياسي عراقي من أجل مصالحه الخاصة."
"عواقب دعم طرف شيعي ضد آخر ستكون وخيمة"
كما لفت شيخ برهان الانتباه إلى دور الكرد في الأوضاع الحالية في العراق الراهن، وقال: "بحسب كل المراقبين، كان ينبغي على الكرد أن ينضموا إلى اجتماعات بغداد بشكل موحد وبحزمة واحدة وأن تكون لهم شروطهم الخاصة، ونتيجةً للوضع الحالي المستشري في بيت الشيعي، حصل السنة على حقهم في رئاسة البرلمان، والآن هم بحاجة إلى استغلال هذه الفرصة للحصول على حقهم، فإذا انحاز الكرد إلى جانب في الحرب الشيعية-الشيعية، فإن العواقب ستكون وخيمة ووبالاً على الكرد ".
من الضروري أن يكون الكرد متحدين
واختتم المراقب السياسي بيشنك شيخ برهان المنحدر من مدينة كركوك، حديثه بهذه الرسالة التي بعث بها للطرف الكردي، وقال "رسالتي لقادة ومسؤولي السلطة الكردية هي ألا يجروا الكرد هذه المرة أيضاً نحو نفق مظلم، وعلى الأحزاب الكردية أن تتنازل عن بعض مصالحها من أجل وحدة البيت الكردي وإجراء مفاوضات والاتفاقيات حتى يتمكنوا من الذهاب بحزمة واحدة إلى بغداد، وأن حقوق الكرد ليست مرتبطة كلياً ببغداد، كما أن عدم توحد الكرد في بغداد يضر بالشعب الكردي، وإذا لم يذهبوا إلى بغداد بحزمة واحدة، فإن السلطة السياسية في إقليم كردستان ستواجه أزمة أكبر وأعمق من الأزمة الحالية، عندها سيكون هناك تهديد على مكانة إقليم كردستان."