باحث فلسطيني: تركيا تدخلت في ليبيا للحفاظ على مصالحها وتقربها من مصر هدفه تحقيق مكانة لها في الإقليم

قال محمد المصري، الباحث في الشأن التركي، إن تدخلات تركيا في ليبيا كان بالأساس للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية، وإن تركيا تسعى إلى التقارب مع مصر بعد أن وعت أنه لا مكانة لها في الإقليم حال استمر عدائها مع مصر.

قال محمد المصري، الباحث في الشأن التركي، إن تدخلات تركيا في ليبيا كان بالأساس للحفاظ على مصالحها الاقتصادية السياسية، وإن تركيا تسعى إلى التقارب مع مصر بعد أن وعت أنه لا مكانة لها في الإقليم حال استمر عدائها مع مصر.

وأوضح الباحث الفلسطيني، الذي نال مؤخرا درجة الماجستير عن رسالة حول الدور التري في ليبيا، أن "تركيا تعلم جيدا بأن مصر تحجم دورها في الإقليم وتمثل خطرا على مشروعها في المنطقة، لهذا أعتقد أن تركيا حاولت مؤخرا بأن تتقارب مع النظام المصري الحالي في تصريحات بعض المسؤولين الأتراك بمد يدهم للتصالح مع مصر، لأنها تعلم بأنه لا مكانة لها في الإقليم حال استمر عدائها مع مصر".

وأضاف الباحث الفلسطيني، في مقابلة مع وكالة فرات للأنباء ANF، "أعتقد أن المباحثات لم يتبعها شيء وذلك بسبب أن مصر لديها مبادئ سامية وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وعدم السماح لأي دولة بأن تلعب في مصير الشعوب العربية، وهذا يتنافى مع سياسة تركيا تجاه لدول العربية".

وفيما يلي نص الحوار: 

- بداية نلتم مؤخرا درجة الماجستير عن رسالة حول الدور التركي تجاه ليبيا، ما أهم ما تناولته في الرسالة؟

- طبعا الرسالة كانت بعنوان "التدخل التركي في ليبيا وأثره على الأزمة الليبية 2014-220"، هدفت هذه الدراسة إلى تناول موضوع التدخل التركي في ليبيا وإلى توضيح تأثير التدخل على الأزمة الليبية ومستقبلها في الفترة الزمنية ما بين عامي 2014-2020م، لذلك جاءت الدراسة في أربعة فصول، تناول الفصل الأول هيكلية الدارسة أو الإطار العام للدراسة، في حين تناول الفصل الثاني طبيعة الأزمة الليبية وموقف تركيا منها، بينما سلط الفصل الثالث الضوء على التدخل التركي في ليبيا وذلك من خلال دراسة المحددات الداخلية والخارجية للتدخل التركي، وطبيعة التدخل التركي في ليبيا، وأخيراً الفصل الرابع فقد تناول آثار التدخل التركي وانعكاساته على الأزمة الليبية داخلياً وخارجياً.

وقد أجابت الدراسة على عدد من الأسئلة، من بينها: ما طبيعة الأزمة الليبية وما موقف تركيا منها؟، كيف تم اتخاذ قرار التدخل التركي وما هي محددات التدخل التركي وطبيعته؟، ما المواقف الدولية والإقليمية من التدخل التركي وما مدى تأثيرها على الدور التركي في ليبيا، ما تداعيات التدخل التركي في ليبيا الداخلية والخارجية وما مستقبل الأزمة الليبية في ظل التدخل التركي في ليبيا؟

** في ضوء الوضع الراهن على الساحة الليبية الآن.. كيف تقيم الموقف التركي تجاهها.. وخصوصا في ظل ما يجري الآن في طرابلس؟

-دعيني نتفق من البداية أن الموقف التركي من الأزمة الليبية أو الملف الليبي منذ بداية الثورة الليبية 17شباط 2011م، كان مبني على حفاظها على مصالحها التجارية والاقتصادية في ليبيا وليس كما تدعي تركيا في دعمها للتحول الديمقراطي ووقوفها مع شعوب دول الربيع العربي، وخصوصًا ملف البناء وذلك لأنها كان لها نصيب الأسد من العقود المبرمة مع نظام القذافي والشركات الأجنبية.

وبعد ذلك تطور موقفها من الأزمة الليبية حينما رأت أنقرة في حكومة الوفاق الحليف السياسي والأيديولوجي والاقتصادي والذي يحقق لها طموحاتها الاقتصادية في ملف الطاقة وإعادة إعمار ما خلفته الثورة الليبية والحرب الأهلية الليبية.

أيضا حاولت تركيا من خلال تدخلها المتعدد أشكاله في ليبيا، أن تضع نفسها لاعبًا رئيسيا في مسقبل ليبيا لاعتبارات متعددة منها الاقتصادية والأيديولوجية، وباعتقادي أنها نجحت في أن تكون فاعلًا مؤثرًا في الملف الليبي وذلك لأنها استغلت حاجة المعسكر الغربي المتمثل بحكومة طرابلس بعدما ضاق عليها الخناق في مواجهة قوات حفتر.

وبعدما أيقنت تركيا بأن دعمها العسكري والمفرط لقوات طرابلس ضد قوات المشير حفتر لا يحقق أهدافها وطموحاتها وأنه لا يمكن حسم الصراع عسكريا وخصوصا بعد ردود العفل الدولية والعربية واهمها الموقف المصري والروسي، حين صرح الرئيس المصري بأن محور سرت والجفرة خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وفي حين تجاوزه يستوجب على مصر الرد دفاعا عن أمنها القومي، بالإضافة إلى الدور الروسي الفاعل في المشهد الليبي والذي لعب دورا في وقف التقدم لقوات حكومة طرابلس تجاه المدن الشرقية الليبية.

أعتقد بأن هذه المعطيات قد لعبت دورا في جعل تركيا تراجع حساباتها وهذا ما لمسناه في الفترة الماضية وخصوصا في أغسطس الماضي حينما دعت تركيا عقيلة صالح وهو الحليف الوفي لخليفة حفتر وعبدالله اللافي عضو المجلس الرئاسي  لمقابلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هذا التغير الملحوظ في السياسية التركية بتصوري أن تركيا قد تنتهج أسلوبا جديدا في التعامل مع الأزمة الليبة بحيث يتسنى لها التقرب من كافة الاطراف الليبية بهدف التوصل لحل للأزمة الليبية لتكتسب ما تحاول الوصول إليه وتحقيق أهدافها وخصوصا الاقتصادية والمتمثلة في الاستحواذ على قطاع البناء وإعادة الإعمار وقطاع الطاقة ومحاولة العمل بتطبيق الاتفاقية البحرية الخاصة بترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا لما يعود عليها من أرباح كبيرة نظرا لغنى هذه المنطقة البحرية بمصادر الطاقة حسب الاكتشافات الأخيرة في البحر المتوسط.

 ** هل ستخرج تركيا من ليبيا في ظل كل ما يحصل خاصة وأنها بات لها تواجد عسكري ممثلة في القاعدة المعلن عنها في طرابلس؟

- باعتقادي لن تخرج تركيا من المشهد الليبي وذلك لاعتبارات عديدة ، واهمها الاقتصادية، فتركيا تعاني من مشكلات اقتصادية وأزمات في الاقتصاد في الفترة الماضية، فمنذ بداية تدخلها في ليبيا تطمح بأن تستحوذ شركاتها التركية على ملف إعادة الإعمار الليبي والطاقة والتنقيب... إلخ، فليس من السهل على تركيا التخلي عن تواجدها في ليبيا، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى وهي تتعلق بالايديولوجية، فأردوغان يعتبر نفسه خليفة للمسلمين ويطمح حزبه في إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، ونظرا لموقع ليبيا الجيواستراتيجي والتي من الممكن أن تكون مدخلًا للقارة الأفريقية والتي يطمح أردوغان في التمدد فيها وهذا ما يفسر دعمه للجماعات المسلحة في الدول الأفريقية.

** كيف تنظر أيضا لعلاقة تركيا بالاقليم بشكل عام ربما الأمر تغير بعد أحداث ما اصطلح عليه بالربيع العربي.. لكن ماذا بعد؟ تركيا اكتسبت عداءات واضحة بداية من مصر وغيرها من الدول التي سعت للتدخل في شؤونها..

-حزب العدالة والتنمية التركي ذو التوجه الإسلامي المحافظ برئاسة أردوغان يطمح إلى أن تكون تركيا قائدة العالم الإسلامي وهذا ما يفسر لنا دعمه للأنظمة الإسلامية والجماعات الإسلامية في الدول العربية والاسلامية، وعدائه للدول العربية التي أسقط المشروع الإسلامي الإخواني، وخصوصا مصر ومحاولة تركيا تدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول،

فمصر تعتبر دولة محورية وأهم الدول الفاعلة في الشرق الأوسط، حيث انتهجت تركيا سياسة العداء والتحريض والتراشق الإعلامي للنظام المصري الجديد برئاسة "عبد الفتاح السيسي" .

باعتقادي أن الايديولوجية تطغى في السياسة الخارجية التركية تجاه الدول العربية والإقليم. وهذا سبب خسارة لتركيا في علاقاتها مع الإقليم خصوصا بعد فشل وسقوط أنظمة الإسلام السياسي في دول الربيع العربي.

** أيضا كيف تقرأ الحالة فيما يتعلق بمصر وتركيا.. تابعنا جميعا جولتين من المباحثات الاستكشافية بين البلدين لكن لم يتبعهما شيء واضح لاحقا؟

-تركيا تعلم جيدا أن مصر تحجم دورها في الإقليم وتمثل خطرًا على مشروعها في المنطقة، لهذا أعتقد أن تركيا حاولت مؤخرا أن تتقارب مع النظام المصري الحالي في تصريحات بعض المسؤولين الأتراك بمد يدهم للتصالح مع مصر، لأنها تعلم أن لا مكانة لها في الإقليم في حال استمر عدائها مع مصر.

أعتقد ان المباحثات لم يتبعها شي وذلك بسبب أن مصر لديها مبادئ سامية وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وعدم السماح لأي دولة بأن تلعب في مصير الشعوب العربية، وهذا يتنافى مع سياسة تركيا تجاه لدول العربية.

** مؤخرا سعت تركيا لإعادة العلاقات الخليجية لسابق عهدها لما قبل ٢٠١٤، على وجه الخصوص الإمارات والسعودية كيف تقرأ هذا الملمح.. وخاصة أن البعض يرى بعده الاقتصادي بالنسبة لتركيا أكثر من غيرها؟

- من المعلوم أن التقارب التركي الخليجي كان من اغهم أسبابه البعد الاقتصادي.

تركيا تعاني من مشكلات اقتصادية كما ذكرت لك من قبل، والدول الخليجية وخصوصا السعودية تعتبر أحد أهم شركاء تركيا التجاريين، وتنظر تركيا بجدية إلى السوق السعودية، ولعل ما يؤكد أن البعد الاقتصادي هو الأهم في هذا التقارب، كان أول القرارات التي صدرت من ولي العهد محمد بن سلمان هو رفع الحظر عن استيراد المنتجات التركية، تلاها بعد ذلك زيادة في حجم الصادارت التركية للسعودية.

** فلسطين تبقى قضية العرب المحورية وتركيا استطاعت لوقت طويل استغلال القضية لصالح أهدافها.. كيف تقرأ التعامل التركي مع القضية الفلسطينية الآن؟

- السياسة التركية تجاه القضية الفلسطينية في تناقض تام. نجد أردوغان في الإعلام يدافع عن الشعب الفلسطيني ويدين جرائم الاحتلال الاسرائيلي، وبيكي القدس في مؤتمرات التعاون الإسلامي. ومع ذلك إلا أننا نجد أن أول من اعترف بالكيان الإسرائيلي هي تركيا، ولقد قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إسرائيل عندما كان يشغل منصب رئيس الوزاء عبر دعوة من ارئيل شارون ووضع أكاليل الزهور على مقابر جنود الاحتلال المقتولين في الحروب مع الدول العربية وأيضا زار قبر مؤسس الدولة الصهيونية تيودور هيرتزل، أيضا يعتبر أول رئيس قام بالتطبيع والاعتراف بالقدس عاصمة الاحتلال الاسرائيلي، حين وافق على وضع اسم الاتفاقية الموقعة بين تركيا وإسرائيل اتفاقية (أنقرة -القدس) اتفاق لتصدير الغاز الطبيعي من اسرائيل الى تركيا، و هذا يعتبر موافقة مبدئية بأن القدس هي عاصمة الاحتلال.

هذه التناقضات لا يمكن تفسيرها إلا أن سياسة اردوغان هي سياسة استغلال لتحقيق مصالح حزبه.