في مقال له نشرته صحيفة الأهرام، دعا الكاتب المصري فتحي محمود إلى ضرورة البدء في حوار عربي كردي في ظل ما تعيشه المنطقة من متغيرات وأزمات تعصف به.
وقال الكاتب المصري الذي صدر له مؤخراً كتاب العلاقات العربية الكردية عن مؤسسة الأهرام وطُرح مؤخراً في معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي افتتح أعماله في ٣٠ حزيران، إن الكرد يشكلون ظاهرة فريدة من نوعها في الواقع والتاريخ العربي والإسلامي، لافتاً إلى أنهم من أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط، ارتباطاً بالإقليم الذى يعيشون على أرضه التي تتركز في غرب آسيا شمال بلاد الرافدين وجنوب شرق الأناضول بمحاذاة جبال زاغروس، وتعرف باسم كردستان.
وأشار إلى أن الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى نجح في تقسيم هذه المنطقة إلى أربع دول مختلفة، لتشكل اليوم أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال سوريا وجنوب شرق تركيا.
وأكد محمود أن الإسلام نجح عندما بسط سيطرته على تلك المنطقة بالكامل لقرون طويلة في استيعاب الكرد، لأنه لم يفرق بين قومية وأخرى وإنما تعامل مع الجميع على قدم المساواة، وبرز الكرد في التاريخ الإسلامي علماء وفقهاء وقواداً وجنوداً، ونجحوا في توحيد مصر والشام وبلاد الكرد (كردستان)، وقيام الدولة الأيوبية التي أسسها القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي، وتصدت للصليبيين في مصر والشام، وتمكنت من الانتصار عليهم في معارك عظيمة في حطين والمنصورة، وصولا إلى تحرير القدس.
وقال إنه و"على مدى سنوات طويلة بعد ذلك هاجر كثير من العائلات الكردية إلى مصر وعاشت واندمجت بها، وأصبحت جزءاً أصيلاً من الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية والدينية لمصر، ومنها عائلات قارئ القرآن الشهير الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأمير الشعراء أحمد شوقي والشيخ محمد عبده رائد التجديد بالأزهر وقاسم أمين محرر المرأة والكاتب عباس محمود العقاد والفنانة سعاد حسنى وشقيقتها المطربة نجاة، وفنانون آخرون، مثل محمود المليجي وأحمد مظهر وعائلات شهيرة مثل وانلي والتيمورية وظاظا وبدرخان.
وساهم في هذا الارتباط دعم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لحقوق الكرد، وقراره بفتح إذاعة كردية في القاهرة لاستنهاض وتوعية الجماهير الكردية عام 1957، وعلاقة الكرد القوية بالأزهر الشريف ـ منذ الدور الذى لعبه صلاح الدين الأيوبي في إنقاذ الأزهر من الفكر الشيعي وكان للكرد رواق خاص يدرسون فيه الفقه الإسلامي على المذهب الشافعي، تخرج فيه آلاف العلماء من الكرد الموجودين في العراق، تركيا، سوريا، إيران، وروسيا".
وشدد محمود على أنه وفى ظل المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط الآن، وتصارع عديد من القوى الإقليمية، لفرض مشروعاتها للهيمنة على المنطقة، يصبح الحوار العربي- الكردي وصولا إلى تنسيق المواقف والتعاون الكامل في إطار المصالح العليا للجانبين، أمرا حتميا، خاصة أن القضية الكردية بشكل عام تتداخل مع الأمن القومي العربي.
وأضاف "وعندما نتحدث هنا عن حوار عربي- كردى فنحن لا نقصد الحوارات التي تقتصر على دولة معينة فقط، مثل الحوار العربي- الكردي سوريا أو عراقيا، بل نتعدى ذلك إلى مفهوم أشمل للحوار العربي- الكردي بشكل عام، ونتعامل مع مفهوم الكرد كقومية وأمة وحالة عامة بعيدا عن أي خلافات داخلية بين التيارات والحركات الكردية، أي أننا نتبنى مفهوم الحوار بين الشعبين أو الأمتين الكردية والعربية ومجتمعاتها المدنية ونخبها الثقافية، سواء بالنسبة للبلدان الأربعة الأساسية التي تقتسم الكرد وكردستان أو فى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وكل مكان يوجد فيه الكرد والعرب".
وأوضح أن الحوار الذى يجب أن تشارك فيه النخبة السياسية والثقافية من الجانبين يُشكّل بداية مهمة لإزالة أى لبس موجود وتصحيح المفاهيم لدى الرأي العام حول كل الموضوعات المرتبطة بهذه القضية، لافتا إلى أن من بين المقترحات المهمة في هذا المجال إنشاء معهد عربي كردى، وأنه مشروع مهم للغاية يستهدف تنشيط حركة التواصل والنشر والترجمة والاطلاع على آداب وفنون وثقافات كل طرف بما لدى الطرف الآخر، بالإضافة إلى التحدّيات والمخاوف التي تواجه الهوّية المشتركة للعرب والكرد والهوّية الخاصة لكل منهما على انفراد.
وأشار إلى أنه يمكن أن يكون لجامعة الدول العربية دور أساسي في تأسيس هذا المعهد من خلال منظماتها المتخصصة، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) بالتعاون مع الاتحادات المهنية العربية المعنية، مثل اتحاد الكتاب والجامعات العربية ومؤسسات المجتمع المدني العربية والكردية.
ولفت إلى أن هناك مقترحات أخرى عديدة في هذا السياق تضمنها كتابه (العلاقات العربية الكردية) الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر.