قال الباحث في الشؤون الإقليمية أحمد حسني وديع إن تركيا لعبت خلال السنوات العشر الأخيرة دورا سلبيا يهدد الأمن القومي العربي والإقليمي، لافتا إلى أن تركيا الأردوغانية وفي إطار سعيها لإعادة إحياء حلم الخلافة المزعوم تدخلت في شؤون دول المنطقة للداخلية.
وأوضح، في حوار خاص مع وكالة فرات ANF، أن تغير اللهجة التركية تجاه الدول العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص يشير إلى تغير في استراتيجية تحركاتها في المنطقة، بالتأكيد لن تتخلى عن مصالحها ولن تتنازل عما تريده من مكاسب، لكن ربما تعيد النظر في الطريق الذي تسلكه لتحقيق تلك المكاسب.
وإلى نص الحوار:
■ بعد عشر السنوات الأخيرة وأحداث المنطقة كان لتركيا دور إقليمي في المنطقة والدول العربية، كيف تقيمون هذا الدور؟
كان الدور التركي سلبيًا جدًا ويهدد الأمن القومي للمنطقة العربية بشكل عام ولكل دول عربية من الدول التي حاولت تركيا التدخل في شؤونها بشكل خاص.
هذا الدور كانت تحكمه عدة محددات، من أهمها الآتي:
* رغبة تركيا الأردوغانية في إعادة إحياء حلم الخلافة بدعم وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في بلدان المنطقة خاصة البلدان التى شهدت ما عرف بالربيع العربي.
* سعي تركيا للتوسع في العلاقات الاقتصادية لدعم اقتصادها بما يسمح لها بالمنافسة في محيطها الأوروبي والشرق أوسطي، في مسلك جعلها تتواجد في كثير من البلدان بعلاقات اقتصادية كبيرة، لك أن تتخيل أن حجم التبادل التجاري بينها وبين الجزائر في 2019 فاق حجم التبادل التجاري بين الجزائر وفرنسا، وهو ما مثل أحد أسباب الصراع بين أنقرة وباريس فيما بعد.
* الصراع التقليدي بينها وبين القوى الكبيرة في المنطقة على زعامة الشرق الأوسط.
هذا الدور حقق مكاسب لتركيا لكنه سبب لها خسائر كثيرة، من مكاسبها أنها وضعت قدمها في دول عربية مهمة مثل سوريا وليبيا، وما حققته من أعمال نهب لثروات البلدين.
وأهم خسائرها أن هذا الدول فرض عليها حالة من العزلة داخل محيطها في منطقة الشرق الأوسط حيث توسعت مساحات العداء بينها وبين الدول القيادية في المنطقة.
■ ما أسباب التغير في الفترة الأخيرة في الخطاب الرسمي التركي تجاه الدول العربية وخصوصاً مصر، وكيف ترون الرد العربي وخاصة المصري مقابل ذلك؟
تغير اللهجة التركية تجاه الدول العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص يشير إلى تغير في استراتيجية تحركاتها في المنطقة، بالتأكيد لن تتخلى عن مصالحها ولن تتنازل عما تريده من مكاسب، لكن ربما تعيد النظر في الطريق الذي تسلكه لتحقيق تلك المكاسب.
كما تغيرت بعض المعطيات على الساحة الدولية ولعل أهمها وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الحكم وهو أكد كثيرا على موقف مغاير لموقف سلفه ترامب من تركيا، وبالتالي ستزيد العزلة التى وضعت أنقرة فيها نفسها لذا عليها تغيير خططها.
الرد العربي يبدو متحفظا بعد الشئ والرد المصري متحفظ أكثر الجميع في انتظار ما ستقدمه تركيا من تنازلات لإزالة بعض آثار جرائمها في المنطقة.
■ ما أهم الملفات التي تريد تركيا الدفع بها مع الدول العربية والإتفاق عليها، وبالمقابل ما هي القضايا التي تهم الدول العربية من أجل التقدم فيه مع تركيا في ظل اللقاءات المستمرة حالياً؟
لا أظن أن الدول العربية خاصة الخليجية أو الواقعة في شمال أفريقيا لديها أزمة كبيرة في تحسين العلاقات مع تركيا وفي الغالب لن تطلب منها الكثير مقابل إعادة تحسين العلاقات.
وبالتالي تتبقى مصر وملف العلاقات بين مصر وتركيا به كثير من القضايا العالقة التى تحتاج إلى تفاهمات كثيرة إذا اتفق الطرفان على عودة التقارب من حيث المبدأ، أول ملف وهذا الذي تنتظر مصر التحرك التركي فيه، يتعلق بدعم أنقرة لجماعة الإخوان ورجالها وهل ستتخلى عنهم أم لا؟، والأمر لا يبدو سهلا لتركيا فمصر تريد تخلي كامل عن الإخوان وهذا صعب على أردوغان وفق الحسابات الانتخابية فذلك يخسره قاعدة ليست بقليلة من أنصاره.
الملف الأهم من وجهة نظر تركيا هو غاز شرق المتوسط والاتفاق على ترسيم الحدود البحرية أو قبول مصر بالاتفاقية التركية الليبية التى وقعها أردوغان والسراج.
بقية الملفات لا أظن أنه يمكن الخلاف عليها كثيرا.
■ هل تستطيع تركيا إقامة علاقات متميزة بشكل متقدم مع كل دول عربية على حدة، أم أن ملفات الأمن القومي العربي ومتطلباته والمصالح المشتركة بين الدول العربية المحورية، تفترض تنسيق المواقف العربية أمام الرغبة التركية في تغير علاقاته السابقة مع العالم العربي؟
الحقيقة الدول العربية لا يشغلها كثيرا فكرة الأمن القومي العربي، لكل منها أمنه الخاص، الخليج يرى أمنه في صد التوسع الإيراني، ومصر لديها دوائر أمن قومي أخرى.
لكن مسألة عودة العلاقات ستبقى مرهونة بتخلي أردوغان عن أحلامه الإمبراطورية.
■ في ظل قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة، وتداعياتها على تركيا، والمتغيرات الإقليمية الجديدة، هل يمكننا أن نعتبر ما تقوله السلطة التركية بخصوص علاقاتها مع الدول العربية، في إطار إعادة تموضعها، وتحسين علاقاتها، هي لتخفيف الضغوط الدولية عليها بسبب سلوكلها وممارساتها الأحادية و لتجميع أوراق جديدة بيديها، وتقديم نفسها كقوة إقليمية يجب الإعتماد عليها من قبل الإدارة الأمريكية؟
بالتأكيد قدوم بايدن إلى الحكم وضع أنقرة في موقف صعب، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية لديها.
■ كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقات المصرية_التركية على المدى القريب والمتوسط، وهل حصول تقدم فيه سينعكس على التواجد التركي في ليبيا وسوريا والعراق وإمكانية خروج تركيا من هذه المناطق؟
على المدى القريب لن يزيد الأمر عن مجرد تفاهمات هنا وتفاهمات هناك حول بعض الملفات منها الليبي والسوري والعراقي، لكن الحديث عن تواجد أنقرة في هذه الدول وهل سيتأثر أم لا، أمر سابق لأوانه، حتى الآن لم يتضح لنا إذا تخلى أردوغان عن أحلامه الإمبراطورية فبماذا يريد التعويض؟، عند العثور على إجابة لهذا السؤال سيتضح الأمر.