أحمد شيخو: التجريد والحرب على القائد أوجلان والشعب الكردي

في مقال له، تحدث الكاتب والباحث السياسي أحمد شيخو عن التجريد والحرب التي تنتهجها الحكومة التركية الفاشية على القائد عبد الله أوجلان وعلى الشعب الكردي بهدف القضاء عليهما.

تقوم الدولة القومية التركية وبحدودها الحالية، كأحد أهم أدوات الهيمنة العالمية الرأسمالية الاحتكارية في المنطقة منذ 1925 وحتى اليوم بممارسة إبادة جماعية فريدة بحق الشعب الكردي للقضاء عليه وتصفيته وإنهاء وقتل كل ما يمت للكردياتية بصلة، بعد أن قام بذلك وطبقتها على الشعوب الأخرى قبلاً في الأناضول ومزوبوتاميا. وهنا من المهم الإشارة إلى الذهنية والعقلية الدولتية القومية الفاشية والسلوكيات والإجراءات الأحادية مضافةً لها المقاربات السلطوية-الدولتية تجاه المجتمعات والشعوب والتكوينات المجتمعية، هذه الذهنيات والسلوكيات التي تم إيجادها واصطناعها وتطبيقها في الشرق الأوسط والمنطقة بعيداً عن ثقافة وقيم المنطقة ومقدساتها التي تحترم وتصون التنوع والتعدد الاثني والديني والمذهبي فيها.  

يمكننا القول بشكل عام إن هذه المنظومة المتواطئة لخدمة نظام الهيمنة العالمية ومصالحها في الهيمنة والنهب والتي تشكلت تحت تأثير الأفكار الاستشراقية الأوربية أو الهيمنة الفكرية للمدنية الأوربية والوضعية المادية لها، دون البعد الاجتماعي والروحي للإنسان والمجتمع والحياة، إن سياق الإبادة الجماعية الفريدة من الذهنيات والسلوكيات المرافقة والمتجسدة في أشكال وهيئة حكومات ودول وتيارات وأحزاب قومية فاشية وعلمانوية وإسلاموية سياسية وليبرالية انتهازية وذكورية  مقيتة، هي الأرضية المحلية والأساس الحاضن والمسبب الرئيسي  والمبرر لحالة الإبادة الجماعية الفريدة المطبقة بحق الشعب الكردي وشعوب المنطقة وكذلك لوضع الضياع والفوضى والتقسيم وانتشار الأزمات و تعدد القضايا الوطنية المعلقة والتبعية للخارج دون وجود الألوية لصالح مجتمعات وشعوب المنطقة.

كأحد أقدم شعوب المنطقة وأحد أهمهم وأكثرهم صدارة في مشهد الأزمة الحالية في المنطقة ووجود احتمالية كبيرة في أن يكون له الدور الكبير في تبلور معادلات إقليمية جديدة في المنطقة وربما على مستوى العالم، كفاعل مؤثر وقوي هو الشعب الكردي وسياقه المجتمعي بذهنيته وعقليته الديمقراطية وسلوكه وإرادته الحرة، وذلك لعدة أسباب منها:

1- الإرادة الكردية الصلبة و الحرة والديمقراطية والتي صمدت أمام عدد كبير من المؤامرات و الاستهدافات الإقليمية والدولية لوجوده الراسخ في الأصالة والقدم وكيانيته المجتمعية وثقافته الغنية وطبيعة موطنه والجغرافية التي تحتضنه، وهذا ما خلق لديه نفسية وشخصية حرة و صبورة وعنيدة بالإضافة إلى ثقافته الديمقراطية المجتمعية والتي لم تعرف التشكل وفق الماهية والكيانية والعقلية السلطوية-الدولتية، بل تطور كخط طبيعي للحياة المستقرة الحرة المجتمعية ووفق قيم التعاون والتشارك والأخوة والتكامل وليس ضمن أجهزة الدولة والتشكيلات السلطوية وأنفاقها المظلمة و التي تركز وتبني في الإنسان العقلية الإنكارية والسلوك الاستعلائي  والعداء تجاه الأخرين المخالفين أو تجاه عامة الناس والمجتمع.

2- المجتمع المنظم والديمقراطي والمشروع الديمقراطي الوطني الذي يحمله الغالبية من ابناء وبنات الشعب الكردي والذي أوجده وبناه القائد والمفكر عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني ومنظومة المجتمع الكردستاني، كأهم وأكبر قوة كردية، وبل تجاوزت البعد القومي والوطني الكردي إلى الشرق أوسطي والإنساني في أجزاء كردستان الأربعة في تركيا وإيران والعراق وسوريا وخارجها وفي كل أماكن تواجد الكرد والشعوب المظلومة حول العالم كمنبع ومصدر وسياق للديمقراطية والتحول الديمقراطي في دول المنطقة والعالم.

3- انفتاح الشعب الكردي وبمشروعهم (الأمة الديمقراطية نظرياً والإدارة الذاتية جسداً والكونفدرالية الديمقراطية تكاملاً) ودبلوماسيتهم الديمقراطية المجتمعية على التفاهم والعمل مع الشعوب المتشاركة والمجاورة معهم، وكذلك التفاعل و الانفتاح على الحكومات والدول القومية للحوار و النقاش والمصالح المشتركة المتبادلة وإقامة العلاقات والتحالفات التكتيكية و الاستراتيجية وبالتالي التوافق و إيجاد الحلول للقضايا الوطنية العالقة وتقوية الجبهة الداخلية للمنطقة أمام التحديات المختلفة من السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والصحية وغيرها.

4-   نموذج المرأة الحرة والرئاسة والعمل المشترك بين المرأة والرجل في كافة مجالات الحياة، وهنا تجاوز الشعب الكردي أغلب شعوب المنطقة والعالم وذلك بتقديمه نموذج المرأة الحرة صاحبة ورائدة الفكر والإرادة والممارسة الحرة للمرأة والتي تعبر بها عن دورها وريادتها لقطاعات الحياة المختلفة كالاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها. ومن الصحيح القول أن هذا النموذج للمرأة الحرة يعبر عن أرقى اشكال التحرر والحرية المجتمعية على مستوى المنطقة والعالم. وما حققته المرأة الكردية الحرة هي إنجاز وفخر لكل النساء والمجتمعات وسياقات الحرية والديمقراطية عبر التاريخ وإلى اليوم وعلى مستوى المنطقة والعالم. وكل ذلك بفضل الذهنية والمقاربة والسلوك وقوة إرادة المرأة وتنظيمها و التي أوجدها القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني كأهم منجز لهم وللثورة الكردستانية و للحياة الحرة والديمقراطية.

وللأسباب السالفة وغيرها وخاصة في غضون الخمسين السنة الأخيرة على الأقل، يتعرض الشعب الكردي لهجمات واستهدافات كثيرة تستهدف وجوده وكيانتيه المجتمعية وفاعليته وظهوره الديمقراطي على مستوى كردستان والشرق الأوسط كفاعل قوي، ويمكن أن نلخص هذه الاستهدافات في مسارين أو سياقين إن صح التعبير والجمع والاختزال وهما:

1- التجريد والعزلة: يظهر هذا السلوك المتبع بشكل واضح في حالة مقاربة أعداء الكرد من قضية القائد والمفكر عبدالله أوجلان، مع أن هذا الاسلوب والسياق العدائي كان موجوداً دائماً في تعامل النظام العالمي وأدواتهم المحلية والإقليمية مع الشعب الكردي وقضيته وقادته، فالانتفاضات والثورات الكردية التي طالبت بالحقوق الكردية ضمن الدولة العثمانية وثم ضمن الدولة القومية التركية الحديثة من 1925 وحتى 1940 تعرضت لنفس الممارسات والإجراءات الظالمة من العزلة والتجريد ثم قتل القادة وتصفية الانتفاضات والثورات الكردية، وتهجير السكان وتتريكهم. وفي السنوات الأخيرة زادت المقاربة العدائية بشكل كبير، فلقد تم فرض عزلة وحالة تجريد شديدة غير مقبولة وغير قانونية وغير أخلاقية على القائد أوجلان المعتقل منذ 24 عاماً، وتجاوز ذلك إلى كل السياسيين والنشطاء الكرد المسجونين ظلماً في السجون التركية وسجون الدول القومية الأخرى التي ضم أجزاء كردستان لهم. فالسجناء والمعتقلين الكرد يعانون معاناة شديدة داخل السجون، والكثيرين الذين أمضوا مدة سجنهم المؤبد لأكثر من 30 سنة سجن لا تسمح دولة الاحتلال التركية لهم بالخروج إلا إلى القبر ولا تسمح بمعالجة المرض منهم أو إخراجهم كما هي حالة كلتان كشناق وغيرها الكثيرين.  وإصدار ثلاثمائة وخمسون حقوقيّاً من عشرين دولة في العالم ، قبل يومين في بروكسل بيان حول وضع القائد والعزلة المفروضة عليه و طلبهم إلى وزارة العدل التركية ،للقاء القائد عبدالله أوجلان، مطالبين الدولة التركية الفاشية بالالتزام بقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوربية  وغيرها من المطالبات الدولية الحقوقية وحملات التضامن من الشخصيات الحقوقية والمنظمات الدولية والقوى المجتمعية والسياسية حول العالم إنما هي تعبير عن تجاوز تركيا لحقوق السجناء وعدم التزامها بأي قانون محلي أو دولي وهو تعبير عن الحضور والزخم للقائد أوجلان بأفكاره وفلسفته في الفكر والعمل الإنساني والمجتمعي وسياقات الأمل و مسارات الحلول الديمقراطية لقضايا المنطقة والعالم كمنظومة للديمقراطية والحرية لكل المجتمعات والشعوب حول العالم.

ومن المفيد الإشارة إلى أن العزلة والتجريد ليست سياسية تركية فقط بل أنها سياسية واستراتيجية من قبل نظام الهيمنة العالمية طبقت ومازالت بحق الشعب الكردي، فلو تعرض أي شعب لما تعرض ويتعرض له الشعب الكردي حول العالم، لكانت القيامة قائمة ولشهدنا كل المؤسسات الدولية والأممية العولمية والمنظمات الدولية الحقوقية والمحاكم الدولية تتدخل وتسلط الضوء وتقوم بمهامها وإبداء الرأي العلمي والعملي حول ما يتعرض له الكرد ووضع خطط وبرامج لمعالجة ذلك، لكن في الحالة الكردية لا نشاهد التفاعل المطلوب بل أن جهود الشعب الكردي واصدقائه الأحرار، يتم منعه ووضع العراقيل أمامه ووضع عزلة وتجريد على نضال الكرد وتعاون وعمل أصدقائهم الأحرار لأجل تبيان حقيقة ما يتعرض له الكرد، فرغم كل المطالبات مازال المحكمة الأوربية وكذلك منظمة مناهضة العنف( (CPT تتجاهل وضع القائد أوجلان وحالة العزلة والتجريد المفروضة عليه وحق الأمل الذي تحاول السلطات التركية منعه عنه، وفي الوقت نفسه يتجاهل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية كل المعلومات والطلبات والمناشدات في أن تقوم بمهامها وبإرسال لجان الكشف والتفتيش والرصد إلى المناطق التي يستعمل فيها  الجيش التركي الأسلحة المحظورة كالكيميائية والنووية التكتيكية والفوسفورية وأسلحة التي يدخل الكلور فيها كمادة محظورة.

2- حرب الإبادة الجماعية الفريدة: تقوم تركيا وتحت مبررات وحجج كاذبة ومخادعة ومضللة تحت اسم الإرهاب والأمن القومي التركي والمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة والتقسيم والانفصال، بممارسة إرهاب الدولة بحق الشعب الكردي في تركيا وخارجها والقيام بالتطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، كما فعلتها وتفعلها في مناطق باكور كردستان (جنوب شرق تركيا) وروج آفا (شمالي سوريا) وباشور (إقليم كردستان العراق-شمالي العراق). ولقد تجاوزت الدولة التركية الشعب الكردي إلى استهداف الشعب العربي والشعوب الأخرى ومتجاوزة كل الاتفاقات الدولية والقوانين الدولية وأصبحت ترتكب جرائم ضد الإنسانية والبيئة من قتل المدنيين وقطع الأشجار وتجريف الأراضي، واستعمال كل أنواع الأسلحة المحرمة والمحظورة دولياً كالأسلحة الكيميائية والنووية التكتيكية والفوسفورية وغيرها التي تستخدمها ضد مقاتلي الكريلا والمدنيين الكرد والعرب وشعوب المنطقة.

ومن يمتلكه الرغبة أو يريد معرفة مبدأ و مقياس المقاربة والتعامل التركي أو الدولي العالمي أو تفاعل دول المنطقة وتياراتها وقواها وحقيقة تعاملهم ورؤيتهم للقضية الكردية والشعب الكردي وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة ونضاله الديمقراطي والحر ومشروع الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية الذي يحمله و يناضل لتحقيقه، عليه النظر والتمعن وفهم المقاربة التركية و الدولية ومقاربة كافة القوى لقضية القائد والمفكر عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني، فهم مكمن الحل والعقد والربط وهم الأساسيون والمخاطبون والممثلون الفعليين والحقيقيين للشعب الكردي وإرادته الحرة إضافة إلى الأحزاب السياسية الرسمية الكردية في الدول الأربعة والذين يتبنون خط السياسة الديمقراطية والدفاع الذاتي أي الخط الثالث للقائد والمفكر أوجلان. وعليه من يريد المعرفة أو يفكر أو يريد التفاعل مع القضية الكردية واقامة العلاقات والتحالفات التكتيكية أو الاستراتيجية مع الشعب الكردي عليه أن يدرك ويعرف مقياس ومعيار القرب والبعد من الكرد وقضيتهم سلباً أو إيجاباً بالتفاعل مع جوهر القضية ونقطة البداية والحل فيها من حرية القائد أوجلان وإخراج حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب. لكون حرية القائد وإخراج الحزب من قائمة الإرهاب مطلبين للشعب الكردي بغالبيته ولأصدقائه ولمن يريد حل القضية الكردية أو تحقيق الاستقرار الاستراتيجي الداخلي في المنطقة ودولها، وهما أهم سببين لفتح الطريق وتمهيده للحل الديمقراطي والسلمي والسياسي لقضية الشعب الكردي وبالتالي تحقيق الاستقرار والسلام والأمن والتنمية في المنطقة بكاملها وبدون ذلك لن تنجح أي مسعى للمقاربة من الكرد.

أما من يحاول القفز فوق هذه الحقيقية ويحاول فصل الشعب الكردي عن قيادته الاستراتيجية وروحه الحرة وتنظيمه المجتمعي ووحدته المجتمعية الديمقراطية المتكونة بين أجزاء كردستان الأربعة، وخطه الديمقراطي كسياق وطني وإنساني لكل المجتمعات والشعوب أي عن القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني وثم التحكم به كجسد وجثة مقطوعة الرأس و وأفراد متناثرين بدون روح وتوظيف ذلك لمآربه وأجنداته ومصالحه وسياسته، بعيداً عن حرية وديمقراطية الشعب الكردي وحقوقه المشروعة في  إدارة وحماية مناطقه وثرواته وذاته، فهو لا يريد الخير للكرد ولشعوب المنطقة واستقرارها و لا ينظر للشعب الكردي سوى أداة وورقة ضغط وبؤرة توتر جاهزة للتوتر والاشتعال تحت الطلب. وكذلك من يحاول تصدير وإخراج بعض المتواطئين والخونة من الكرد إلى المشهد السياسي والادعاء بأنهم الممثلين الوحيدين والشرعيين للشعب الكردي، فهو ليس إلا بتواطؤ ومشاركة في حرب الإبادة الجماعية الفريدة المطبقة ضد الشعب الكردي، كما يفعله البعض من دول العالم والمنطقة وبعض التيارات والقوى السياسية قصيرة النظر والأفق والتي تريد التوافق مع تركيا والمحافظة على مصالحها وعلاقاتها معها على حساب الشعب الكردي وقضيته العادلة والسكوت على الإبادة الجماعية الفريدة التي تمارسها تركيا بحق الكرد. في حين أن السياق  والخط الديمقراطي الكردي الحر بقيادة القائد أوجلان أخرج الكرد من كونهم أدوات وأوراق ضغط إلى مكانتهم وكينونتهم الفاعلة والمؤثرة كشعب منظم وذات وعي ديمقراطي متقدم لذاته و للحقيقة وقادر على التأثير والعطاء بالتشارك والتعاون مع الشعوب والمجتمعات الأخرى والعمل لترسيخ الأخوة والتفاهم والاحترام وحل القضايا العالقة ديمقراطيا وسليماً ضمن الشعوب والدول الموجودة، ولذلك تعرض ويتعرض القائد أوجلان لكل هذا التجريد والعزلة والسجن لأكثر من 23 سنة بعد مؤامرة دولية لايزال فصولها مستمرة على الشعب الكردي وشعوب المنطقة في شخص القائد والمفكر أوجلان وكل السجناء السياسيين.

بعد كل هذه الحروب و سياسات العزل والتجريد المطبقة منذ مئة سنة على الكرد وشعوب المنطقة، ليس أمام تركيا سوى التوافق و القبول بالحل الديمقراطي السياسي والسلمي للقضية الكردية للخروج من أزماتها وكينونتها الوظيفية وماهيتها الأداتية وضعفها أمام النظام العالمي، فلقد جربت كل أنواع الحروب والإبادات والعزلة والتجريد على الشعب الكردي وقادتهم ولم يبقى سلاح وحتى المحظور واستعملته ولم يبقى أحد وإلا ساعد تركيا أو صمت على حربها وتجريدها للكرد وقادتهم، وبالتالي ليس امامها بعد الآن سوى طريق الحل، وإلا وفي حال الإصرار على الحرب فأمامها احتمالية كبيرة وواردة في أن تصبح تركيا كعراق الثانية أو سوريا أو ليبيا أو يمن الثانية فهذه ليست ببعيدة مع الاستمرار في حرب الإبادة والتجريد ومحاولة تصفية الكرد و احتلال أرضهم وإلحاقهم بالأمة التركية ضمن الميثاق الملي الذي تسعى الدولة والسلطة التركية لتنفيذها وثم تطبيق مشروع العثمانية الجديدة على كامل المنطقة ومحيط تركيا. وبات من الواضح أن أي قوى سياسية لا تستطيع الصعود في تركيا وأخذ تركيا إلى مكانة معتبرة ولائقة دون التوافق والتشارك مع الكرد والقبول بحقوقهم في حماية وإدارة مناطقهم ضمن الدولة الموجودة والمفروضة، ولقد كانت انتخابات البلديات وفقدان أردوغان وحزبه لإسطنبول وأنقرة وأزمير درس لمين يريد أن يعرف قوة الوجود وإرادة الناخب الكردي والديمقراطي في تغير إي معادلة داخل تركيا وخارجها.

وأما القوى العالمية وأقطاب الهيمنة العالمية فليس هناك مجال لتحقيق نجاح كامل وبلورة مشهد إقليمي جديد يحقق مصالحها، إلا بالتوافق والتحالف والشراكة الحقيقة والصحيحة مع الشعب الكردي، كفاعل مؤثر في المعادلة الإقليمية كما هي دول وشعوب المنطقة وبل أكثر منهم.  ونقصد هنا بالشراكة والتحالف والتوافق الصحيح والحقيقي هو المقاربة التي تتفهم مخاوف الشعب الكردي المشروعة وتحترم مقاييس ومعاير ومبادئ الشعب الكردي الأساسية وحساسيته العالية والمطلقة في حرية القائد اوجلان وإخراج حزب العمال الكردستاني من قوائم الإرهاب التي وضعت فيها زوراً ونفاقاً وتماشياً مع الرغبة التركية والتوظيف الدولي لتقسيم ولمعاناة الشعب الكردي في السيطرة عبره على تركيا والمنطقة ولمنع ظهور اي سياق ديمقراطي كردي خارج عما رسموه للشعب الكردي وأدواتهم المتواطئة والعملية. وأما في حال الاستمرار والمشاركة مع تركيا في جرائمها ودعمها أو الصمت على تجاوزاتها لكل القوانين والمواثيق الإنسانية والحقوقية واستعمالها الاسلحة المحظورة كما هو الآن، فلن يتحقق الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة وسيستمر حالة الفوضى والقلق والحروب في حال الاصرار على العقلية الإنكارية الدولتية لحقوق ومصالح وقيم شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب الكردي في كونهم أكثر الشعوب التي تعرضت ويتعرض للظلم والطغيان والإبادة من قبل تركيا ورعاتها الدوليين واصدقائه وعملائها الإقليميين والمحليين. والواضح أنه هناك لمحاولة لبدء مراجعة للمقاربة الدولية للشعب الكردي ودوره في المنطقة والمعادلات الإقليمية الجديدة بعد الدور الكبير الذي لعبه في هزيمة داعش، لكن ليس هناك مؤشرات على تغير السياسية العالمية للنظام العالمي الرأسمالي تجاه الشعب الكردي من الناحية الاستراتيجية والتي تظهر من المقاربة السلبية و المكررة من حرية القائد عبدالله أوجلان وإخراج حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب، علماً أن شعوب المنطقة والعالم بات الكثير منهم يدرك الحقيقة الكردية وحقيقة المنطقة والظلم والإبادة والحرب والعزلة والتجريد الذي يتعرض له الشعب الكردي والقائد أوجلان.