فورين بوليسي: تركيا متعطشة للحرب مع قبرص.. وتنتظر رد حاسم من أوروبا

"لم يبدو أردوغان من قبل ضعيف جدا في الداخل مثل هذا الوقت.. ولا عدواني مع جيرانه في البحر المتوسط كما هو الأن"، هكذا لخصت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا حذرت فيه من خطوة التصعيد التركي في شرق المتوسط.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أنه عندما أعلن بيرات البيرق، وزير المالية التركي وصهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 12 آيار/ مايو أن بلاده سترسل قريبًا سفينة حفر لاستغلال موارد الغاز الطبيعي في منطقة تعتبر على نطاق واسع ملكًا لقبرص، كان يميل إلى تصوير الحادث باعتباره مجرد انفجار غير ضار آخر في النزاعات الإقليمية التي استمرت عقودًا في شرق البحر المتوسط. وكان تأجيج التوترات بشكل دوري مع اليونان وقبرص دائمًا جزءًا من استراتيجية السياسة الخارجية التركية.

خطورة التصعيد التركي مع قبرص هذه المرة

و"لكن هذه المرة أخطر بكثير، لأن هناك دلائل على أن تركيا قد تكون مستعدة لتصعيد مواجهتها بما يتجاوز مجرد الكلام. جاء إعلان البيرق قبل يوم واحد من عقد تركيا مناورات ذئب البحر 2019، وهي أكبر مناورات بحرية سنوية في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. وفي 15 آيار مايو، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عزم أنقرة على شراء النظام الصاروخي S-400 من روسيا. وطوال هذه الفترة، تنتهك الطائرات التركية المجال الجوي اليوناني بشكل شبه يومي".

إس 400 والأزمة مع الناتو وواشنطن

كان شراء S-400 مصدر توتر من تلقاء نفسه. حيث تعتقد الولايات المتحدة وحلف الناتو أن النظام الصاروخي الروسي، بمجرد توصيله بشبكة الرادار التركية، سيمنح الأنظمة الروسية الوصول إلى بيانات الناتو الحساسة - مما قد يسهل، على سبيل المثال، على موسكو الكشف عن اسرار الطائرات من طراز F-35 الذي كانت تركيا تتطلع إليه شراءه من الولايات المتحدة، بينما تدعي تركيا أن هذه المخاوف مبالغ فيها، لكن هذا لم يمنع واشنطن من تهديد أنقرة بالانسحاب من برنامج F-35 وعقوبات إضافية.

اعادة الانتخابات جاءت بنتيجة عكسية

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أن كل هذا، يمكن اعتباره ببساطة جزءًا من العلاقة الإشكالية عمومًا بين تركيا والغرب في أعقاب أحداث احتجاجات منتزه غيزي أو ميدان تقسيم وتصاعد الحرب في سوريا، عندما بدأ أردوغان في تدعيم سلطته في الداخل قبل حوالي ست سنوات. لكن الانتخابات المحلية الأخيرة في إسطنبول - والتي خسر فيها أردوغان المدينة التي يعتبرها مقرًا لسلطته - قد أخافت بوضوح الرجل القوي الذي كان لا يتزعزع، مما تسبب في تجاوزه وإجباره على إعادة الانتخابات. يث يبدو أن هذا سوف يأتي بنتائج عكسية، حيث تسحب أحزاب المعارضة مرشحيها وتلقي دعمهم خلف حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، الذي كان الفائز في الجولة الأولى.

إعلان الحرب لتشتيت الأنظار عن أزمته الداخلية

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن هذه التوترات تأتي وسط تراجع الاقتصاد، كما ينعكس في سعر الليرة التركية، والتذمر من أردوغان داخل حزبه. اولاستقبال الفاتر للرئيس التركي عندما زار شمال قبرص المتحالفة مع تركيا العام الماضي، معتبرة أن هذه تطورات لم يكن أردوغان من الواضح أنه مستعد لها. ولفتت إلى أنه رغم أنه قد يستفيد الأتراك في نهاية المطاف من الضعف المفاجئ لرئيسهم المستبد. ولكن يشير التاريخ واتجاهات السياسة الدولية إلى أن القادة الذين يفقدون قبضتهم على السلطة لديهم حوافز لتنظيم استعراض للقوة وتوحيد قاعدتهم خلف تهديد أجنبي وشيك، معتبرة أنه لدى أردوغان كل الأسباب لإثارة العداوات مع اليونان - خصم تركيا التقليدي وحليف قبرص - لتشتيت انتباهه عن مشاكله في الداخل.

الرد الحاسم من الاتحاد الأوروبي

ودعا الكاتب الصحفي اليوناني يانيس بابولياس بمجلة فورين بوليسي، بعنوان "تركيا جائعة للحرب مع قبرص"، إلى وجود رد أوروبي قوي وحاسم يثبت ان لليونان وقبرص حلفاء، بقوله: "لا يعني أي من هذا أن الاتحاد الأوروبي قد تعامل دائمًا مع تركيا وأردوغان كما كان يمكن أن يكون، أو أن اليونان وقبرص وإسرائيل لم يتخذوا قراراتهم الخاصة التي أثارت التوتر في المنطقة. لكن هذه الحجج ليست ذات صلة بالوضع الحالي. فخارطة الطريق التي يتبعها أردوغان هي من صنعه، وكذلك بذور متاعبه. وفي الرد على استفزازاته، يتعين على أوروبا الآن أن تتبع نهجا متوازنا ولكنه حازم، لا يترك مجالا للشك في أن قبرص واليونان لديهما حلفاء. وهذا سيفعل الكثير لثني التصعيد أكثر من أي محاولة لاسترضاء أردوغان المضطرب بتنازلات".

ولفت الكاتب إلى أن هناك مخاطر جيوسياسية أوسع لأوروبا، في حالة حدوث تصعيد، بما في ذلك أي نوع من الصراع العسكري، كما إن تبدد حلفاء قبرص واليونان سوف يبطل الخيارات التي اتخذها العضوان في الاتحاد الأوروبي لتعزيز علاقاتهما مع الغرب وخلق مزيد من الشكوك حول فعالية دور الناتو.

وتابع المقال: "من الصعب تحديد حدود المواجهة الحالية. فالظروف الحالية تجعل هناك مزيج خطير من التهديدات والسيناريوهات. فلقد ابتعد أردوغان بثبات بتركيا عن المؤسسات الغربية التي تنتمي إليها (الناتو) وتلك التي كان يطمح إليها في السابق في أن تكون بلاده جزءًا منها (الاتحاد الأوروبي) وبات أقرب من روسيا وهو يحاول تصوير نفسه كزعيم إقليمي في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، قبرص واليونان عضوان في وضع جيد للاتحاد الأوروبي. في الواقع، لقد اقتربت اليونان من الولايات المتحدة وحلف الناتو مما كانت عليه في أي وقت خلال العقود الأربعة الماضية. عزز رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس علاقات أقوى مع كل من إسرائيل ومصر، شركاء قبرص في مشاريع الغاز الطبيعي".