تاريخ العنف يبدأ من سومر

لا تزال المرأة في القرن الحادي والعشرين والذي سمي بقرن المرأة تتعرض لمختلف أنواع العنف. عدا النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والاعتداء خلال فترات الحروب، فإن أشكال أخرى من العنف اللفظي والنفسي بالإضافة إلى سيطرة الهيمنة الذكورية تزداد بشكل خطير ومخيف.

 لا تزال المرأة في القرن الحادي والعشرين والذي سمي بقرن المرأة تتعرض لمختلف أنواع العنف. عدا النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب والاعتداء خلال فترات الحروب، فإن أشكال أخرى من العنف اللفظي والنفسي بالإضافة إلى سيطرة الهيمنة الذكورية تزداد بشكل خطير ومخيف.

تتعرض المرأة في وقتنا الراهن لمختلف أنواع العنف وتفرض عليها مفاهيم كاذبة ومخادعة عن الحرية بما ينسجم ويتناغم مع ذهنية الحداثة الرأسمالية وبالتالي تحويل المرأة إلى أداة لإبعادها عن حقيقتها. وفي مجابهة هذه الممارسات المستمرة منذ الأزل تخوض المرأة نضالاً مستمراً. في هذا الملف سنبحث في أسباب ظاهرة العنف ضد المرأة وأمثلة عن العنف ضد المرأة في التاريخ.

يمتد تاريخ الإنسانية إلى أكثر من 15 الف عام. ويقسم هذا التاريخ إلى مرحلتين منفصلتين ومتباعدتين مقسمتين إلى النظام المشاعي الأمومي  والبطرياركي الأبوي. إحداهما طبيعية والأخرى هو إنحراف عن المسيرة التاريخية الطبيعية مليئة بالقتل والاغتصاب والعنف والدمار. والعنف كظاهرة مورس أول مرة ضد المرأة وتغيرت أساليبه على مدى 5 آلاف عام متخذة أشكالاً عديدة.

وبحسب العلوم الإنسانية فإن العائلة تشكلت منذ بداية نشوء المجتمعات بناءً على قيم المرأة. أي إن العائلة لم تنشأ بقيادة الرجل الصياد والمقاتل، بل نشأت حول المرأة (التي تنجب الأولاد وترعاهم. في تلك المرحلة كان لكل ظاهرة طبيعية آلهة أنثى تمثلها).

وتستمد الآلهة الأنثى جوهرها من خاصية الولادة لدى المرأة. ظاهرة الولادة كانت من الظواهر التي أذهلت الإنسان البدائي ولم يجدوا لها تفسيراً، لذلك كانت المرأة تعتبر كائناً يتمتع بقوة لا متناهية. باختصار فإن منبع الألوهة الأنثوية التاريخية هو ظاهرة الخلق.

قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان يسمي هذه المرحلة بمرحلة “المجتمع الطبيعي” ويقول في ذلك “كانت تلك أطول مراحل التاريخ وأكثرها أمناً واستقراراً”.

منشأ ظاهرة العنف ضد المرأة

مرحلة المجتمع الطبيعي وحالة الوئام والاستقرار بدأت بالتراجع شيئاً فشيئاً مع بداية ظهور السلطة، وبشكل خاص مع بداية ظهور سلطة الدولة السومرية قبل خمسة آلاف عام وتحديداً في دولة أور وفي أولى المدن أور وأوروك، في تلك المرحلة تغيرت الأوضاع وبدأت مرحلة النظام الأبوي ومرحلة العنف.

وشهدت تلك المرحلة حرباً ضروساً بين الذهنية الذكورية والآلهة الأنثى استمرت فترة طويلة من الزمن، نضال المرأة ضد سلطة الرجل كان باسم الآلهة، أي آلهة الخلق ابتداءً من عشتار وصولاً إلى اللات، العزة ومناة. هذا الكفاح استمر باسم الآلهة حتى مرحلة ظهور الإسلام.

في تلك المرحلة ظهرت أسماء العديد من الآلهة الأم مثل إنانا لدى السومريين، أفروديت لدى الإغريق وفينوس لدى الرومان. بالإضافة إلى العديد من الآلهة مثل مايا، إناد، عشتروت، إعزيز، اللات، المنى، العزة وغيرها.

ويذكر التورات اسم آلهة اليهود عشتروت، حيث جاء في الكتاب المقدس “ذهب النبي سليمان وراء عشتروت آلهة الصيدونيين”.

مع بداية سلطة الأديان استمر صراع المرأة والرجل، ولكن هذه المرأة باسم المجتمع وليس باسم الآلهة.

في الديانة المسيحية تمثل مريم والدة النبي عيسى (الأم الخالقة التي أنجبت ابنها دون علم الرجل) تمثل شخصية الآلهة عشتار.

الخالقة أصبحت جزءاً من سلطة الرجل

في كل واحدة من هذه المراحل تسلب المرأة بعضاً من نتاجها الخلاق ليدعي الرجل إنه صاحب هذه النتاجات. وبحسب الميثولوجيا فإن الرجل حاول في البداية أن يبدو كخالق ويُظهِر نفسه بأنه رب الطبيعة والمرأة. كما تم إظهار المرأة كمكمل لعظمة الرجل.

تقول الميثولوجيا اليونانية إن الإله زيوس أخرج جنيناً من بطن أمه، ومن ثم شق بطنه ووضع الطفل فيه حتى كبر. وهكذا يقال إن بروميثوس خلق من صلب أبيه. وفي نفس الأسطورة يقال إن آلهة الحرب والمعرفة أثينا خلقت من صلب زيوس (وكان زيوس قد ابتلع أمها الحامل).

’لم يتوقف نضال المرأة‘

عضو منسقية تنظيم اتحاد ستار ديلان أنكيزك التي أجرت أبحاثاً عن الجينولوجيا تحدثت عن نضال المرأة في هذه المراحل، وقالت أنكيزك “بعد مرحلة ثقافة المرأة أو المرحلة التي نسميها بمرحلة الأمومة، نشأت مرحلة ثقافة الرجل، هذه المرحلة التي استندت إلى سلطة الرجل التي تعتمد على العنف وقمع المرأة. تاريخ هذه المرحلة يعود إلى 5 آلاف عام.  ولكن الجدير بالذكر إن المرأة لم تتخل عن سلطتها بسهولة، بل ناضلت ولا زال نضالها مستمراً حتى يومنا هذا. هذا النضال استمر على مدى التاريخ بمختلف التسميات وتحت قيادة العديد من النساء. ويمكن القول إن صراع الذهنيتين مستمر إلى يومنا هذا”.

في مصر وفي زمن الفراعنة أنجبت الآلهة الأم إيسيس ابنها بهوروس، الإله بهوروس يسلب أمه الألوهية ويهينها. وحادثة مشابهة وردت في الأنجيل المقدس وهي قصة عيسى أمه مريم. فبعد أن أعلن عن عيسى إلهاً يتم إنكار وإهمال إلوهية مريم.

أما التورات فيذكر إن المرأة أكلت فاكهة المعرفة، ويصفها بالكائن الملعون.

وفي العديد من آيات القرآن يتم مخاطبة الإنسان بـ “ابن آدم” كتعبير عن سلطة الرجل. أما الآيات التي تذكر المرأة فهي غالباً تدعو النساء إلى التحجب والتزام المنازل. كما شبهت المرأة بالأنعام وحللت ضربها.

’الرجل عزز النظام السلطوي‘

يقول الكاتب والباحث العربي محمود شاهين في بحث بعنوان تحولات الألوهة من الأنوثة للذكورة “وقد مرت مرحلة غير قليلة من عمر البشرية كانت الألوهة تعزى للأنثى لأنها هي التي كانت تهب الحياة بحملها وولادتها، وكانت قيادة المجتمعات المشاعية لها… فظهرت في تاريخ البشرية مئات النساء الآلهات إلى أن تغيّر الزمن بفعل هيمنة الرجل التدريجية على مقاليد الحكم وقيادة القبائل والمجتمعات، فأخذت الألوهة تعزى للرجل خاصة بعد أن تأكد من دوره الرئيس في مسألة التكاثر (الحمل).

مرحلة الرأسمالية والـ 25 من تشرين الثاني

من أكثر المراحل التي شهدت تطوراً دؤوباً هي المرحلة الرأسمالية. فمع نهاية عصر الأديان وبداية سلطة التجار وصلت ظاهرة العنف ضد المرأة إلى أعلى مستوياتها. وبالتزامن مع ذلك تصاعدت وتيرة نضال المرأة ضد الذهنية التي تعتبر المرأة سلعة استهلاكية تباع وتشترى والذهنية التي تهمش المرأة.

كفاح الشقيقات الثلاثة

من أمثلة نضال المرأة والتي أصبحت رمزاً لكفاح المرأة في العام أجمع، حدثت في جمهورية الدومينيك عام 1960. فخلال إحدى المناسبات حاول دكتاتور الدومينيك.

رفائيل تروجيلو الاعتداء على إحدى النساء. إلا أن المرأة رفضت ذلك (ويقال إن المرأة صفعت تروجيلو على وجهه) وثم غادرت ذلك المكان برفقة عائلتها. وبعد تلك الحادثة بفترة من الزمن بدأت مينيرفا ميرابل بالنضال والكفاح ضد دكتاتورية تروجيلو وأسست حركة 14 حزيران. وفيما بعد انضمت شقيقتيها باتريا وماريا إلى النضال إلى جانبها.

بتاريخ 25 تشرين الثاني قتلت الشقيقات الثلاثة اللواتي عرفن كناشطات سياسيات في جمهورية الدومينيك، بشكل وحشي بأمر من الدكتاتور تروجيلو. إلا أن صدى نضال الأخوات الثلاثة انتشر في جميع أنحاء العالم.

في 25 تشرين الثاني عام 1981 نظمت منظمات وجمعيات نسائية فعاليات في مختلف أنحاء العالم. ومع مرور الزمن تصاعد نضال النساء وانتشر في أنحاء العالم. وفي 17 كانون الثاني عام 1999 أعلن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 تشرين الثاني “اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة”. وناشدت الأمم المتحدة جميع حكومات العالم والمنظمات الدولية بالترويج لثقافة القضاء على العنف تجاه المرأة.

العنف ضد المرأة في القرن الحادي والعشرين

تم تعريف العنف ضد النّساء من قبل جمعيّة للأمم المتحدة  عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة “العنف ضد النساء” بأنه “أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة”. ويشمل هذا التعريف العنف الصادر عن المجتمع أو داخل المنزل.

وفي وقتنا يعزو المختصون أسباب العنف ضد المرأة على الشكل التالي “دساتير الدول تميز بين الرجل والمرأة من الناحية الاجتماعية والعائلية والخدمية والسياسية، مما يؤدي إلى استمرار عنف الرجل والعائلة والمجتمع ضد المرأة”.

المستوى الذي وصلت إليه ظاهرة العنف في العالم تنذر بخطر كبير، فبحسب الأبحاث والإحصائيات فإن 70% من النساء في العالم يتعرضن بشكل يومي لمختلف أشكال العنف في حياتهن. وفيما يلي بعض من إحصائيات منظمة الصحة العالمية اليونسيف التابعة للأمم المتحدة.

– 35% من نساء العالم يتعرضن لأحد أشكال العنف، وفي بعض الدول تتعرض 7 نساء من أصل 10 للعنف. وواحدة من كل ثلاثة نساء تتعرضن للعنف من أقاربهن.

– نصف النساء اللواتي تعرضن للقتل في العام قتلن من قبل أزواجهن أو أحد أقاربهن، فيما قتل واحد من كل 20 رجلاً لنفس السبب.

– 55 % من النساء في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتعرضن للاغتصاب بعد تجاوزهن سن الـ 15.

– حوالي 30 ميلون امرأة ممن دون سن الـ 15 معرضات لخطر إتلاف أعضائهن الجنسية، بينما تعرضت أكثر من 130 مليون امرأة ممن تجاوزن الـ 15 لذلك.

– أكثر من 133 مليون امرأة تعرضن للختان أو للإضرار بأعضائهن التناسلية، وخاصة في أفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط.

– وصل عدد النساء القاصرات اللواتي تم تزويجهن إلى 700 مليون امرأة في العام، 250 مليون منهن دون سن الـ 15.

– تم استعباد أكثر من 4.5 مليون إنسان في العالم لأغراض جنسية 98 % منهم من النساء.

– بتاريخ 21 تشرين الأول 2014 ذكرت مجلة THE LANCET الطبية في بحث لها إن واحدة من كل 3 نساء تعرضن للعنف العائلي.

غداً: العنف في الشرق الأوسط

...