من آلهة إلى مقاتلات

ظهرت من بين براثن العصور العبودية والاقطاعية الاجتماعية، مرت بمراحل طويلة من النضال المادي والمعنوي لتصل إلى يومنا الراهن متجسدة بآرين ميركان وآيفانا هوفمان، لتبعث الحياة في ستار من جديد.

 ظهرت من بين براثن العصور العبودية والاقطاعية الاجتماعية، مرت بمراحل طويلة من النضال المادي والمعنوي لتصل إلى يومنا الراهن متجسدة آرين ميركان وآيفانا هوفمان، لتبعث الحياة في ستار من جديد.

وتعود مرة إلى أرض الهلال الخصيب لتبدأ من جديد. من هذه الأرض التي كانت مهد ظهور المجتمعات تبدأ قصة نضال آرين وهوفمان، كاستمرار لكفاح جان دارك، روزا، خالدة بنت الأزور، زنوبيا و11 عاماً من نضال تنظيم اتحاد ستار.

الإدارة الطبيعية

بحسب الأبحاث التاريخية فإن أول تجمع إنساني ظهر على هذه الأرض على شكل تجمعات الكلان، ومن تأسيس القرى خلال ثورة الكلان. في تلك التجمعات لم يكن هناك أي شكل للعائلة، بل كانت على شكل تجمعات حول الأم. لذلك فإن المرأة هي التي كانت تقود هذه المجتمعات بشكل طبيعي. وبسبب الطبيعة الخلاقة للمرأة في تلك المرحلة فإنها اعتبرت بمثابة الإله. 

في تلك الفترة ظهرت حضارة تل حلف التي كانت مدينة سريه كانيه في روج آفا مركزاً لها. كما شهدت العديد من المناطق الأخرى ظهور ثقافة العصر النيوليتي مثل منطقة كولكه تبه في أورفا، مغارة شانيدار وزرزار في برادوست، مغارة شريفان في روجهلات، تلة آري في قامشلو، وتل براك في المنطقة الواقعة بين قامشلو وحسكة.

ظهور خالدة، جاندارك، روزا وزنوبيا

في مواجهة مكتسبات العصر النيوليتي ظهرت في التاريخ ثقافة سومر، نهج الإدارة الذي ظهر في سومر شكل أساس نظام الدولة الحالية، في تلك الفترة ظهرت أسس صراعات الآلهة، الأديان التوحيدية، وصراعات عصور العبودية، الاقطاعية، الرأسمالية، وكل الصراعات التي نشهدها في وقتنا الراهن، أي بمعنى أن الوضع تغير رأساً على عقب. وبدأ عصر سقوط المرأة، ومنذ ذلك الوقت بدأ تاريخ نضال تحرير المرأة.

ويمكن إيراد العديد من أسماء النساء اللواتي ظهرن في تلك الحقب التاريخية. مثل الملكة بوديكيا البريطانية، القديسة أولغا الرومانية، هيباتا اليونانيةـ أم عمر وخالدة بنت الأزور (في العصر الإسلامي)، روزا شامينا (في الحرب العالمية الثانية)، إيميلينا بونابرت (في الحركة الفامينية)، الكاهنيا (في أفريقيا)، كيلوباترا في مصر، زنوبيا في تدمر السورية، جاندارك في فرنسا، روزا لوكسبمورغ والمئات من النساء الأخريات. اللواتي ظهرن وأبدين مقاومة من أجل النساء بأشكال مختلفة وفي فترات تاريخية مختلفة.

نساء تغرب الشمس عندهن

في جميع أنحاء العالم كان دائماً هناك صوت رقيق لامرأة ما. أما في كردستان وأرض ميزوبوتاميا وروج آفا، حيث مهد ثقافة تل حلف. فإن النساء استمدن العزم والقوة من ميراث ثقافة تل حلف. أحياناً تحولن إلى رموز وعرفت العوائل بأسمائهن. وفي روج آفا أمثلة كثيرة على ذلك مثل عائلة أيتو، عائلة فاطمي، عائلة عيشي وغيرها من العوائل. وكانت في أحيان أخرى تترأس العشائر والقبائل مثل رئيسة عشيرة الخاتونية في منطقة حسكة. وفي أحيان كثيرة تحولن إلى بطلات في الملاحم الشعبية مثل ملحمة عدولة وعيشا إيبي.

النظام، الإقطاع والمرأة الكردية

بالنظر إلى حياة هؤلاء النسوة وتحليل الظروف والأجواء التي عشن فيها في المنطقة، يمكن إدراك السبب الذي جعل منهن مشاهير في المنطقة التي عشن فيها.

الإدارية في تنظيم اتحاد ستار جنار صالح: “لقد تم ربط مفهوم الشرف بالمرأة. هناك العديد من القيم عند الشعب الكردي كان يجب أن تربط بالمرأة أيضاً. مثل الأرض، الوجود، اللغة وغيرها، هي أيضاً بمثابة الشرف. إلا أن سياسة التهميش والصهر التي مارستها الدولة من خلال مدارسها وكذلك من خلال التواصل المباشر أدى إلى سقوط العديد من هذه القيم، التي كانت تعتبر بمثابة الشرف خلال التاريخ، ولم يبقى سوى مفهوم إن المرأة هي الشرف. وفي روج آفا تعمقت هذه الظاهرة بشكل كبير”.

إلا المرأة رفضت هذا المفهوم وتصدت له. عدولة حولت الوطن إلى شرف ودرويش هب لنجدتها. عيشي رفضت إقطاعية العائلة وتصدت لها. وفي كوباني عاشت نساء محيط تلة مشته نور في مغارة قيزكان (مغارة البنات) وفي تلك المغارة كن تناقشن مسائل الحياة والمشاكل التي تواجه النساء. كما كن تمارسن الأعمال اليدوية في تلك المغارة. 

يعود للمرأة فضل الحفاظ على القيم الكردية

إذا نظرنا إلى واقع المرأة في روج آفا من جانب آخر سنكتشف سبب بقاء واستمرارية العديد من القيم الكردية في ظل الاستعباد الممارس على المجتمع. ما هي الأجواء التي عاشت فيها المرأة في كوباني، عفرين والجزيرة؟

الحاكمة المشتركة لمقاطعة الجزيرة هدية يوسف: “في ظل القمع العنصري الذي مورس ضد الكرد، فإن الفضل في بقاء واستمرار العديد من القيم الوطنية في المجتمع الكردي يعود للنضال والصراع بين المرأة الكردية والنظام السلطوي. بقاء اللغة الكردية على لسان الشعب الكردي إلى وقتنا الراهن، بقاء القصص الشعبية الكردية الشفاهية، استمرار النقوش والعادات والتقاليد الكردية، وكذلك بقاء الزي الكردي، كلها كانت بفضل نضال المرأة الكردية”.

الكوجر والسلطة 

الحاكمة المشتركة لمقاطعة الجزيرة هدية يوسف: “بالنظر إلى حياة المجتمع الكوجري، نرى أمثلة عن خصائص المرأة الكردية الأصيلة والمحافظة. المرأة الكوجرية لا تزال تحافظ على سلطتها. وتكافح إلى جانب الرجل. وحتى الآن تدير المرأة أمور الحياة وتنظمها في القرى الكوجرية”.

هذا الكفاح والنضال كان حتى الآن يجري بشكل عفوي وغير مدروس، لذلك فقد اقتصر دائماً على الجانب الروحي والمعنوي.

PKK وتنظيم المرأة

الحاكمة المشتركة لمقاطعة الجزيرة هدية يوسف تحدثت حول بداية ظهور حزب العمال الكردستاني: “لا يمكن الحديث عن أي نضال منظم للمرأة في روج آفا قبل أعوام الثمانينات. رغم وجو العديد من الأحزاب والتنظيمات الكردية والاشتراكية واليسارية. وحجم الحضور النسائي في هذه الأحزاب في الوقت الحالي هو دليل على هذه الحقيقة. حتى إنهم لم يشكلوا أي تنظيم خاص بالنساء، وإذا وجد فلم يكن ذا تأثير”. 

مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات تحول كفاح المرأة المعنوي إلى نضال مادي منظم وملموس بعد ظهور قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان.

في هذه الأثناء شهدت روج آفا نضالاً دؤوباً على مدى 26 عاماً تمثل بمواصلة تأهيل وتدريب النساء بهدف بناء تنظيم مستقبل. وفي هذا الإطار تناول أوجلان مواضيع العائلة ومشاكلها، ووضع المرأة بشكل معمق. مما مهد السبيل تباعاً إلى تأسيس تنظيم خاص بالنساء. فبعد تأسيس جيش خاص بالنساء، كان لا بد من امتداد التنظيم إلى داخل المجتمع. الكفاح والنضال الذي انتشر بين العوائل على شكل النضال الوطني تحول إلى نضال تنظيمي من خلال تأسيس تنظيم اتحاد ستار.

غداً: ستار تنبعث من جديد

 

...