الشهيدة الأم.. رمز في العطاء وعشق الحياة الحرة
قد لا تكفي الكلمات أن تعبر عن عطاء هذه الأم وعشقها للحياة، 25 عاماً من النضال في صفوف الشعب مليئة بالمواقف الجريئة والنبيلة، ختمتها بموقفها الشجاع على حدود قرية شاديا بناحية راجو.
قد لا تكفي الكلمات أن تعبر عن عطاء هذه الأم وعشقها للحياة، 25 عاماً من النضال في صفوف الشعب مليئة بالمواقف الجريئة والنبيلة، ختمتها بموقفها الشجاع على حدود قرية شاديا بناحية راجو.
قد لا تكفي الكلمات أن تعبر عن عطاء هذه الأم وعشقها للحياة، 25 عاماً من النضال في صفوف الشعب مليئة بالمواقف الجريئة والنبيلة، ختمتها بموقفها الشجاع على حدود قرية شاديا بناحية راجو، حاملة غصن الزيتون في وجه الاحتلال التركي، ومتقدمة إلى الأمام بين صفوف المقاومة، لتصبح الشهيدة الأم الشهيدة الرابعة بعد ثلاثة من شقيقاتها.
سيرة الأم الشهيدة
ولدت الأم فاطمة سليمان المعروفة بـ “فاطمة حجي” بين رفيقاتها، في الـ 15 من تشرين الثاني/نوفمبر 1960. اشتهرت عائلتها، عائلة ابوحجي موباتا بوطنيتها حيث قدمت هذه العائلة 3 شهداء لتصبح فاطمة الشهيدة الرابعة.
توفت سولية إبراهيم والدة فاطمة، حينما كان عمر فاطمة 4 سنوات، وكانت هي أصغر من شقيقها محمد بسنة وأكبر من شقيقتها خديجة (الحركي: رومت) التي انضمت لقافلة الشهداء فيما بعد. اضطر بعدها والدها مصطفى سليمان “ابوحجي” للتزوج من امرأة أخرى تدعى موليدة. وأنجبت هي الأخرى تسعة أولاد. انضمت اثنتان منهن “زينب/فيدان وأمينة/جاهدة” لقافلة الشهداء ولا يزال الابن خوشناف ضمن صفوف حركة التحرر الكردستانية.
تكفلت فاطمة بتربية شقيقاتها وأشقائها إلى جانب زوجة أبيها منذ نعومة أظافرها. وكانت تربطها علاقة قوية بشقيقاتها “فيدان وجاهدة ورمت” اللواتي استشهدن فيما بعد، وحرمت على نفسها الذهاب إلى المدرسة من أجل رعايتهن وهنّ صغار.
بعد وصولها لعمر 20 سنة، تزوجت الأم فاطمة حجي في آذار 1980 من حسن شيخو، وسكنت معه في قريته جقللى جومه بناحية جندريسه.
خلال ثمانينات القرن الماضي أنجبت فاطمة خمسة أولاد هم “روخاش، عمر، مصطفى، جيان، روكان”، وفي التسعينيات أنجبت كل من كندال وعبدالرحمن الذي انضم إلى صفوف وحدات حماية الشعب فيما بعد بناء على طلبها.
تعرفت الأم فاطمة على حركة التحرر الكردستانية عن طريق عائلة والدها آواخر ثمانينيات القرن الماضي. وتأثرت بشقيقاتها “رومت وفيدان وجاهدة” كثيراً، اللواتي انضممن خلال أواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات إلى صفوف حركة التحرر الكردستانية.
شاركت فاطمة بعشق كبير في مراسم الإعلان عن استشهاد شقيقتيها فيدان وجاهدة خلال أعوام 1990 و1992. ومن ثم في مراسم الإعلان عن شقيقتها رومت سنة 1998. وعاهدت حينها بأنها ستسير على درب الشهداء، وستتابع المسيرة النضالية لحركة التحرر الكردستانية.
وعلى إثرها تواصلت مع كوادر حركة التحرر الكردستانية خلال التسعينيات وبدأت عملها النضالي كجبهوية في القرية، وشاركت في العديد من الاجتماعات والنشاطات التي اقامتها الحركة.
انتقلت الأم فاطمة مع عائلتها سنة 1999 إلى مدينة حلب واستمرت في عملها كجبهوية هناك، مكثت العائلة لمدة سنة في حي الشيخ فارس ومدة 9 سنوات في حي بستان الباشا، قبل الانتقال إلى حي الأشرفية أواخر سنة 2009.
العمل الجبهوي
عملت فاطمة طيلة سنواتها في حلب، في العمل الجبهوي، وكانت السباقة في المشاركة بالفعاليات الطوعية أو كما كان معروفا حينها بين ناشطي حركة التحرر الكردستانية بـ “العمل الطوعي”.
كما شاركت في العديد من فعاليات جمع التبرعات، توزيع بيانات ومنشورات حركة التحرر الكردستانية، بشغف وحبّ كبير، خصوصاً في فترة الضغط الكبير الذي كان يمارسه النظام البعثي على مناضلي حركة التحرر الكردستاني، دون خوف ودون أي اكتراث للعواقب.
تذكر ابنتها جيان في إحدى زياراتها مع أمها فاطمة لأحد الأطباء من المكون الأرمني في مدينة حلب، أنها أصبحت تعرّف الطبيب الأرمني والذي كان يدعى فانيك على حركة التحرر الكردستانية، وسلمته العديد من بيانات ومنشورات حركة التحرر الكردستاني، رغم أنها لم تكن تعرف الطبيب في السابق.
رعاية عوائل الشهداء
إلى جانب عملها كجبهوية، تكفلت الأم فاطمة برعايا عوائل الشهداء وزيارتهم بشكل دوري في مدينة حلب، وخصوصاً أحياء بستان الباشا والشيخ فارس والشيخ خضر والهلك والحيدرية، وعدد آخر من الأحياء الشرقية لمدينة حلب.
يقول ابنائها أنها غالباً كانت تخرج من الصباح حتى المساء لتزور عوائل الشهداء وتطمئن على أوضاعهم. وكانت تعلم أبناءها كيف يتحملون المسؤوليات أثناء غيابها.
لم تتوان يوماً الأم فاطمة عن رعاية عوائل الشهداء وابنائهم، وانتخبتها عوائل الشهداء في حلب، كممثلة وإدارية لمؤسسة عوائل الشهداء خلال عامي 2010 و2012.
في حلب أثناء الحرب
في أواخر سنة 2012 اضطرت الأم فاطمة للتوجه مع ولدها كندال والذي تعرض لإصابة بليغة أثناء تغطيته للهجمات على حي الأشرفية بمدينة حلب، إلى مقاطعة عفرين من أجل استكمال العلاج. بعد تأزم الأوضاع في مدينة حلب.
وبعد نحو شهور وشفاء ولدها من إصابته والذي عاد مرة أخرى إلى عمله في الإعلام، توجهت الأم فاطمة مرة أخرى إلى مدينة حلب، وسكنت هذه المرة في حي الشيخ مقصود غربي مع ولديها عمر ومصطفى.
وهناك استكملت الأم فاطمة عملها النضالي، وانخرطت للعمل في حركة المجتمع الديمقراطي ودار الشعب بالحي، كما ساهمت في تأسيس الكومينات، وذلك حتى سنة 2015.
تقوم بكل الأعمال
تقول صديقتها المقربة والعضوة في مؤتمر ستار بمدينة حلب فاطمة حسن أن الأم فاطمة كانت تفعل كل ما يطلب منها ولا تتردد في القيام بأي عمل ثوري.
وتذكر فاطمة حسن أنها تعرف الشهيدة الأم فاطمة منذ أكثر من عشرين عاماً، وتقول أنها كانت أم حنونة وصديقة مخلصة. وذكرت فاطمة حسن أن الشهيدة الأم كانت خياطة ماهرة أيضاً، وتقول أنها قامت خلال عيد نوروز 2015 بخياطة اللباس الفلكلوري لأعضاء الفرق الفنية في مركز الثقافة والفن الديمقراطي بمدينة حلب.
وحتى في منزلها، اشتهرت الأم فاطمة بإعدادها للكثير من المأكولات والأطعمة، وخاصةً إعداد الزيتون والمربى. كما اشتهرت بمحبتها للزراعة وخاصة زراعة الورود والأزهار، حيث أنها ملئت منزلها في القرية بالعديد من أنواعها.
مؤتمر ستار.. مسك الختام
عادت الشهيدة الأم مرة أخرى إلى مدينة عفرين، وأصبحت عضوة في المنسقية العامة لمؤتمر ستار “اتحاد ستار” سابقاً، وكلفت للإشراف على أعمال المؤتمر في ناحية جندريسه.
أظهرت كتابات الأم الشهيدة مدى تأثرها بالعنف الممارس ضد المرأة، كما أظهرت نيتها الشديدة لتخليص المرأة من العنف الممارس ضدها بكافة الأشكال، خصوصاً بعد تلقيها لدورة تدريبية في أكاديمية ستار “مؤتمر ستار حالياً” بمدينة عفرين.
شاركت الأم فاطمة أثناء فترة تواجدها في عفرين، بجميع الفعاليات والنشاطات الثورية، وخصوصاً المشاركة في التنديد بممارسات الاحتلال التركي ومحاولته اقتطاع أجزاء من أراضي روج آفا.
وتعرضت مؤخراً في الـ 11 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر إلى إصابة بليغة بعد إطلاق جيش الاحتلال التركي الرصاص الحي على المتظاهرين في قرية شاديا. ونقلت على إثرها إلى مشفى آفرين بمدينة عفرين لتلقي العلاج. وبعد نحو اسبوع استشهدت الأم فاطمة متأثرةً بجراحها.
وري جثمان الأم فاطمة الثرى في مقبرة الشهيد سيدو بناحية جندريسه برفقة 6 من مقاتلي وحدات حماية الشعب وجبهة الأكراد ومقاتلة من وحدات حماية المرأة، لتطوي بذلك الصفحة الأخيرة من حياة مليئة بالنضال والمقاومة.
تحب التعلم
لم تتمكن الأم فاطمة من التعلم في صغرها، ولكنها وبعد انخراطها في صفوف النضال التحرري، تعلمت الأحرف الكردية وعلمتها بدورها لأبنائها. ويقول أبناءها أنها أحبت الأطفال وأحبت أن يتعلموا لغتهم الأم، وأحبت أن يتعلم الجميع اللغة الكردية.
كرست الفترة الأخيرة من حياتها لتطوير نفسها من الناحيتين الفكرية واللغوية، فقد جمعت الأم الشهيدة العديد من المنشورات الكردية، واقتنت لنفسها عدد من الدفاتر لتعلم نفسها الكتابة باللغة الكردية.
وأثناء البحث بين دفاترها وكتبها وجدنا أنها كانت تحاول أن تحسن من لغتها الكردية، وأن تتعمق في التاريخ الكردي، حيث أنها كانت تحمل بين أغراضها كتاب “هينكر” لتعلم اللغة الكردية، وكتاب “تاريخ كردستان”.
وقد وجدنا خلال البحث أنها كانت تحاول أن تكتب ما هو موجود في الكتاب على دفترها، وأنها كانت تحاول أن تحسن المستوى الإملائي لديها.
حتى إنها كانت تحاول أن تكتب على إحدى الصفحات عن عائلتها وعدد أفرادها وماذا يعمل كل واحد منهم، وفي صفحة أخرى أظهرت مدى عشقها لقائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان، وأظهرت كتابات أخرى أنها كانت تقوم بكتابة الأخبار من التلفزيون.
الأم الشهيدة، التي لم تدخل المدرسة أبداً، أضحت بنفسها مدرسة في العطاء وعشق الحياة الحرة بعدما أتمت عمر 56 عاماً، وأثبتت في أواخر لحظات حياتها أنه ما دام القلب ينبض بالحياة فلا يزال هناك وقت لتعلم شيء جديد.