أخوة في التهجير... كرد وعرب من عفرين مهجرين في الرقة

لم يكن عارف العبو 55 عاماً، وهو مهجر من منطقة عفرين، يعلم أنه سيضطر ذات يوم بالتنقل مهجراً بين مدن ومناطق شمال وشرق سوريا هارباً من الموت الذي سببته الحرب السورية المستعرة منذ عدة سنوات.

بينما يحاول الرجل الخمسيني تذكر مأساته في التهجير المتكرر يجلس بجانبه أحد جيرانه من مقاطعة عفرين والذي شاركه رحلة التهجير ليخفف عنه ويقول له كنا جيران وشركاء في الرزق واختار لنا القدر شراكة النزوح والتشريد أيضاً.

 

فيما أكد المهجرون أنه رغم كل ما حل بهم خلال سنوات التهجير لا زالوا يحافظون على أواصر الأخوة والمحبة التي تربطهم ببعضهم لا سيما بين المكونين الكردي والعربي حيث عاشوا جيران لمئات السنين ولم تستطع الحرب تمزق هذه الرابطة أو أن تحدث شرخاً فيها.

رفض العبو بادئ الأمر ذكر عرقه القومي وهو من المكون العربي خلال لقاء مع وكالتنا ظناُ منه أن هذا الأمر مشين ولا يتطابق مع حق الجوار مع جيرانه الكرد لفترة تجاوزت الأربعة عقود من الزمن ولم يكن يشعر أنه غريب رغم عيشة في قرية عفرينية ذات أغلبية كردية.

وبعد انطلاق العمليات العسكرية التركية في سوريا بمشاركة فصائل مرتزقة الجيش الوطني التابع لتركيا على مناطق في الشمال السوري في العام 2018 واحتلال مقاطعة عفرين، اضطر مئات الآلاف من السكان إلى التوجه إلى مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا خوفاً من وقوعهم ضحية الانتهاكات.

ووثقت مراكز توثيق الانتهاكات في سوريا مئات الانتهاكات التي نفذتها مرتزقة تركيا في مناطق احتلتها في الشمال السوري بينها جرائم قتل واختطاف وسرقة واغتصاب إلى جانب انتهاكات نفذت في الأراضي الزراعية من خلال تجريف الأشجار وقطعها وعمليات نبش طالت المواقع الأثرية.

ووفرت الإدارة الذاتية مراكز إيواء وافتتحت مخيمات للمهجرين من مقاطعة عفرين في مقاطعة الشهباء أكبرها مخيم تل رفعت الذي ضم مئات ألاف المهجرين عاشوا ضمن ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.

تهجير آخر

وبعد سقوط النظام السوري السابق في الثامن من كانون الأول العام الماضي 2024 بدأت فصائل المرتزقة التابعة لتركيا عملية عسكرية جديدة ضد منطقة تل رفعت أدت لنزوح أكثر من 120 ألف شخص نحو مقاطعتي الرقة والطبقة في شمال وشرق سوريا، وفق هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل في الإدارة الذاتية.

وافتتحت الإدارة الذاتية مراكز إيواء ومخيمات جديدة للمهجرين إلى منطقتها، ودعت المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها الإنسانية تجاه المهجرين وردع فصائل المرتزقة من تنفيذ انتهاكات جديدة بحق المدنيين.

وقال مهجرين من مقاطعة عفرين خلال لقاء مع وكالتنا أنهم هجروا مرة أخرى من مناطق كانوا قد توجهوا لها بعد احتلال منطقتهم، مما تسبب بزيادة معاناة الإنسانية لا سيما بوجود الأطفال وكبار السن وجرحى الحرب.

الفتنة من الخارج

ورأى عماد خليل 45 عاماً في مقاطعة عفرين أن محاولات إحداث فتنة بين العرب والكرد دائما تأتي من الخارج ولا يمكن للشعب السوري على اختلاف مكوناته أن يستجيب لها فهي لا تتناسب مع الطبيعة السمحة لأبناء هذا الشعب بمختلف أطيافه.

ويقول خليل إن العرب والكرد كانوا يعيشون أخوة متحابين في عفرين ومناطق سوريا أخرى، ومن بؤس قدرهم أن تجمعهم رحلة التهجير أيضاً بسبب أطماع دول خارجية في أرض سوريا وثرواتها.

وأشار إلى أن فصائل مرتزقة تركيا تدعي أنها تأتي لحماية الشعب السوري لكن سلوكها على الأرض والانتهاكات التي تنفذها تثبت أنها لا تملك أي نوايا طيبة تجاه السوريين، وذلك إرضاءً لتركيا وسياساتها في المنطقة وأطماعها.