كاتب وإعلامي سوداني لـ ANF: «سواكن» دليل رغبة السودان بالانفكاك من السيطرة التركية القطرية عليه.. ولهذا نرفض وجود عسكري في حكم البلاد

أكد الإعلامي السوداني صلاح الدين أحمد أن تصريحات المجلس العسكري الانتقالي بشأن إخلاء تركيا لجزيرة سواكن، يعبر عن رغبة ملحة للانفكاك من سيطرة تركيا وقطر على السودان لارتباطهما القوي بتظيم الإخوان المسلمين ودعم نظام حكومة البشير السابقة مادياً ومعنوياً.

قال الكاتب والإعلامي السوداني صلاح الدين أحمد الربيع محمد، عضو اتحاد الاعلاميين الافارقة بمصر، إن هناك أصوات بارزة داخل الثوار والمعتصمين تندد بالارتباط الوثيق بين نظام البشير الزائل والحركة الإسلامية في السودان مع قطر، الأمر الذي يرجح القول بتراجع الارتباط خلال المرحلة الانتقالية والحكومة المدنية القادمة بالسودان مع محور قطر تركيا.

وأوضح صلاح الدين أنه وبحسب تصريحات المجلس العسكري الانتقالي فإن على دولة تركيا أن تخلي جزيرة سواكن من قاعدتها خلال الفترة القليلة المقبلة، الأمر الذي يؤكد الرغبة الملحة لانفكاك السيطرة التركية -القطرية على السودان لارتباطهما القوي بتظيم الإخوان المسلمين ودعم نظام حكومة البشير السابقة مادياً ومعنوياً.

ولفت صلاح الدين في حوار مع وكالة فرات للأنباء ANF، إلى أن قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين ترفض قيادة المجلس الانتقالي للفترة الانتقالية لأنها ترى أن ثلاثة من أعضاء المجلس هم من منسوبي الحركة الإسلامية داخل الجيش وسيسعون لاختطاف الثورة بنسخ حكومة الإنقاذ الثانية عبر إعادة استيعاب شخصيات النظام السابق في تسيير مهام الدولة، فإلى نص الحوار: 

** بداية إلى أين برأيك ستؤول الأوضاع في السودان وسط حالة الرفض الشعبي المتصاعد لوجود المجلس العسكري وسعي قادة المحتجين لإطلاق مجلس سيادي؟
 

تباينت وجهات النظر بين قوى إعلان الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والمجلس العسكري الانتقالي حول كيفية تشكيل الحكومة المدنية، حيث تُصر قوى التغيير على أن يكون المجلس الرئاسي والسلطة التنفيذية والتشريعية قصراً عليها باعتبارها المحرك الأساسي للثورة السودانية، التي اقتلعت حكومة البشير ونظام الإخوان فيما ذهب المجلس الانتقالي إلى أنه تسلم تصورات ورؤى سياسية لأكثر من مئة حزب وتنظيم سياسي، وتعهد باستعداده لنقل السلطة إلى حكومة مدنية بعد توافق جميع الأحزاب، الأمر الذي وسع دائرة الخلافات بين الطرفين وأعلنت قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين عن تعليق مفاوضاتها مع المجلس العسكري الانتقالي.
وأرى هنا أنه لابد من مراعاة المصلحة الوطنية وحق المعتصمين المرابطين أمام القيادة العامة في حسم الخلاف بتشكيل مجلس سيادي من العسكريين والمدنيين واختيار الشخصيات القومية التنكوقراط لفترة حكومة انتقالية يتركز همها في ايجاد الحل للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعقدة، التي خلفها نظام حكم البشير المخلوع، وإلا فإنه إذا استمر الأمر على شاكلة المقاطعات بين الجيش وقوى الحرية والتغيير، لربما تقود البلاد إلى ما لا يحمد عقباه من المواجهات المسلحة وضياع جهود الثورة والعودة إلى مربع الانقلابات العسكرية.


**الجيش السوداني تحدث منذ اللحظة الأولى عن فترة انتقالية يقودها المجلس العسكري وتؤول بعدها السلطات لقيادة مدنية منتخبة برأيك لم يرفض المهنيين هذه الخطوة؟ خاصة أن السودان يعد البلد الوحيد في دول المنطقة الذي مر بمثل هذه التجربة، عندما سلم سوار الذهب البلاد بعد فترة انتقالية بلغت العام.. وهو ما يعتبر اختلافاً سودانياً أصيلاً ورغم ذلك يتواصل الرفض لأي سلطة عسكرية الآن فما السبب؟

ترفض قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين قيادة المجلس الانتقالي للفترة الانتقالية لجهة أنها ترى أن ثلاثة من أعضاء المجلس هم من منسوبي الحركة الإسلامية داخل الجيش وسيسعون لاختطاف الثورة بنسخ حكومة الإنقاذ الثانية عبر اعادة استيعاب شخصيات النظام السابق في تسيير مهام الدولة.

ويبدو أن قوى الثورة والتغيير وتجمع المهنيين قد فقدت الثقة تماماً في كل من هو إخواني إسلامي أو مؤتمر وطني ولا ترغب مشاركتهم في أي من هياكل السلطات بالدولة.

أما تجربة الفترة الانتقالية بعد ثورة أبريل ١٩٨٥ضد حكم العسكر بقيادة جعفر النميري، والتي سلم خلالها الفريق محمد عبدالرحمن سوار الذهب السلطة لحكومة الأحزاب بعد عام فقط حسب وعده للشعب.

في رأيي أنها تختلف تماماً عن تجربة أبريل ٢٠١٩ من حيث الشكل والمضمون لوضع المؤسسة العسكرية إذ كانت قبل حكم الانقاذ محتفظة إلى حد كبير ببريقها وقوتها المهنية العسكرية فلم يحدث للجيش إبان حكم النميري ما حدث له خلال الثلاثين عاماً من حكم نظام الانقاذ والحركة الإسلامية إذ عمد الرئيس المخلوع البشير وأتباعه على تصفية قادة الجيش غير المنتمين لتنظيمه وأبدلهم بآخرين يتبعون للحركة الإسلامية فتمت أدلجة القوات المسلحة تماماً بل وتم انشاء قوات مسلحة أخرى موازية للجيش احتلت مكانة أهم وأقوى من الجيش النظامي في الدولة.

ولكل هذا وذاك ترفض القوى الثورية رفضاً باتاً بقاء السلطة العسكرية في حكم البلاد.


** طوال الأيام الماضية برزت أحاديث عن جزيرة سواكن وأن ثمة إنذارا لتركيا بإخلاء الجزيرة التي كانت ستتخذها قاعدة لها وقف اتفاق مع نظام البشير فما مدى صحة هذه الأنباء؟ وهل تعني ثورة السودان التخلص من حالة السيطرة التركية القطرية على السودان والتي كانت واضحة سابقاً بفعل الارتباط العقدي الذي يجمع الأطراف الثلاث الحاكمة؟


من أهم البنود التي نادت بها الثورة السودانية أبريل ٢٠١٩  كما جاء في إعلان قوى الحرية والتغييرهو إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية المبرمة بين نظام البشير وغيره من الدول وخاصة، التي تتعارض مع مصالح البلاد مثل بيع العقارات الأراضي الاستثمارية الزراعية وميناء سواكن والشركات والمؤسسات خارج النظام المصرفي.

ويلاحظ أن هناك أصوات بارزة داخل الثوار والمعتصمين تندد بالارتباط الوثيق بين نظام البشير الزائل والحركة الإسلامية في السودان مع دولة قطر، الأمر الذي يرجح القول بتراجع الارتباط خلال المرحلة الانتقالية والحكومة المدنية القادمة بالسودان مع محور قطر تركيا.

والأمر، الذي يرجح القول بتراجع الارتباط خلال مرحلة الحكومة الانتقالية والحكومة المدنية القادمة بالسودان مع محور قطر وتركيا لاسيما وأن الاعتقاد السائد لدى القوى السياسية المعارضة  بدعم دولة قطر للإخوان المسلمين في المنطقة كافة بما ذلك نظام البشير الزائل، وبمصالح قطر الاستثمارية بالسودان. 
وبحسب تصريحات المجلس العسكري الانتقالي فإن على دولة تركيا أن تخلي جزيرة سواكن من قاعدتها خلال الفترة القليلة المقبلة، الأمر الذي يؤكد على الرغبة الملحة من انفكاك السيطرة التركية القطرية على السودان لارتباطهما القوي بتظيم الإخوان المسلمين ودعم نظام حكومة البشير السابقة مادياً ومعنوياً.

 

** ما أوجه الاختلاف بين السودان والجزائر في حراكهما الأخير خاصة أن العالم يعتبر أنهما يمثلون الموجة الثانية لما اصطلح عليه بالربيع العربي؟
رغم أن حراك الشعب الجزائري جاء متزامناً إلى حد ما مع حراك الثورة السودانية، إلا أن الشعب الجزائري تمكن في فترة وجيزة ودون إراقة دماء من إجبار اارئيس بوتفليقة على التنحي من السلطة.
بالمقابل وفي الوقت، الذي استمرت الثورة السودانية في حراكها ونضالها ضد نظام البشير المخلوع لأكثر من أربعة اشهر وقدمت فيها تضحيات كبيرة بسفك الدماء ومجابهة أقسى صنوف التعذيب والقهر.

ولعل ذلك يعود إلى اختلاف المنظومة االدستورية والعسكرية في كل من الجزائر والسودان حيث تتمتع دولة الجزائر بدستور دائم يكفُل للشعب حرية التعبير بشكل سلمي وعدم ممارسة الانتهاك من قبل القوات العسكرية ضد المدنييين الأمر الذي ظل  يفتقده السودان تماماً في ظل النظام القابض بقوة السلاح في عهد المخلوع البشير.


**لماذا نجحت هذه الموجة الثورية في السودان الآن وفشلت ما سبقتها من موجات وحراك متعدد على مدار السنوات الماضية؟
 

نجاح موجة الثورة الشعبية السودانية، التي برزت على السطح منذ ١٩ ديسمبر ٢٠١٨، لم يأت بين عشية وضحاها وإنما تحقق اقتلاع نظام البشير بفعل تراكمات الغُبن والمرارات على مدى سنوات حكم نظام المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية خلال الثلاثة عقود الماضية، والتى عانى فيها الشعب السوداني من سياسات التشرد والنزوح واللجوء جراء الحروب والنزاعات بمناطق دارفور وجبال النوبة والانقسنا، بجانب انهيار اقتصاد البلاد نتيجة الفساد المفرط من قادة النظام وتخزين الأموال بالعملات الأجنيية داخل منازلهم وإفراغ البنوك والمصارف من النقود، وتدمير البنيات التحتية، والتضييق في الرزق وكسب العيش وغيرها من العوامل، التي ولدت الشعور بالاستبداد والقهر والازدراء في نفوس عامة الشعب السوداني.

ورغم  محاولات الخروج على النظام بتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات في المدن السودانية لمرات عديدة وفشلها في اقتلاع النظام جراء المواجهات العنيفة من مليشيات النظام وكتائب الظل التابعة للحركة الإسلامية، إلا أن الثورة داخل النفوس لم تخمد بل أخذت تنمو من حين لآخر خاصة وسط الشباب والشابات بعد استفحال البطالة وعدم فتح فرص التوظيف والتشغيل لغير المنتمين للنظام وأجهزته. 
وكان اكتمال وليد الثورة السودانية في ديسمبر ٢٠١٩ وبداية تفجرها في مدينة عطبرة بشمال السودان ومنها امتدت إلى بقية المدن في أنحاء السودان كافة وكانت قاصمة الظهر لنظام البشير البائد عندما قرر المتظاهرون في الخرطوم  الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة، والذي مثل الامتحان الأكبر للجيش، ليختار بين حماية نظام البشير، الذي تضرر منه الجيش نفسه  أو حماية الشعب السوداني المنتفض من أجل الحرية والسلام والعدالة فكان انحيازمن سموا بالضباط الشرفاء للمعتصمين وحمايتهم من قناصة وكتائب ظل نظام البشير مثل بداية الانهيار والنهاية لنظام حكم البشير والحركة الإسلامية في السودان.

 **ماذا عن الأحاديث المتواترة عن بروز دعوات انفصالية شرقي السودان ولماذا تبرز هذه المسألة في هذا التوقيت المفصلي من عمر السودان؟

خلال الثلاثين عام من حكم نظام البشير الزائل، برزت العديد من الأصوات المتفرقة المنادية بانفصال دارفور عن السودان تارة، وانفصال شرق السودان تارة اخرى  إلا أن هذه الاصوات لم تجد لها من آذان كثيرة صاغية.
وهذه الدعاوى المنادية بانفصال أجزاء من السودان تعود أسبابها إلى عوامل الاحباط واليأس، التي زرعت في نفوس حامليها لأسباب الإقصاء والتهميش والاستهداف الممنهج من قبل نظام البشير البائد لسكان مناطق شرق وغرب السودان، ولكن اعتقد أن هذه الأصوات المُنادية بالانفصال لبعض مناطق السودان سوف تصمت وربما تختفي إلى ما بعد إزالة نظام البشير، الذي كرس طيلة فترات حكمه للجهوية والتفرقة العنصرية والمحسوبية والفساد وإعطاء الأفضلية لأشخاص ومناطق بالسودان على حساب مناطق أخرى وفقاً لمعايير الانتماء والولاء والعرقية والقبلية.

**ماذا عن مستقبل البشير وكيف سيتم التعامل معه خاصة في ظل الأحاديث المتواترة عن إمكانية لجوءه لدولة إفريقية أو غير ذلك؟ ماذا أيضا عن الأموال، التي وجدت في قصره ٦ ملايين يورو أم ١٠٠ مليون؟ وكيف بيفكر السودان في استرداد أمواله التي نهبها نظام البشير طوال ٣٠ عاماً؟
 

بحسب تصريحات رئس المجلس العسكري الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان فإن الرئيس المخلوع البشير قد تم إيداعه الآن في سجن كوبر مع  أكبر السجون بالسودان الأمر الذي يقطع الطريق أمام إمكانية لجوءه لأي دولة.

وبعد أيام قلائل من اعتقاله أكدت السلطات عثورها على أموال نقدية كبيرة بعملات الدولار واليورو بما يفوق المائة مليون دولار وستمائة مليون يورو داخل مقر إقامته وقالت السلطات إنها وجهت له ابتداء تهمتين هما غسيل الأموال ووحيازة أموال الدولة.  
وبالطبع لن تكون هذه هي الأموال الوحيدة التي حازها البشير فهناك أحاديث عن أموال طائلة أخرى له ولأتباعه في النظام سواء داخل السودان أو خارجه وهناك تأكيدات من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي للبحث والتقصي حول مكان أية أموال تتتبع للدولة، وكذلك هناك مساعي جارية من قبل قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنييين، والتي كشفت الكثير عن الأموال والشركات الخاصة بالدولة في الخارج.
 

 ** السؤال المهم والمفصلي رغم أنه يأتي مبكراً .. من يخلف البشير وهل سيشهد السودان بالفعل بروز قيادة مدنية من غير العسكريين أو العسكريين السابقين؟
 

بالنسبة لنظام البشير البائد يكاد يجمع الغالبية من الشعب السوداني على رفضهم لأي شخصية تتبع لتنظيم البشير سواء المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية.
وإن مضت الفترة الانتقالية بتوافق بين تشكيل مجلس رئاسي عسكري ومدني لترتيب أوضاع البلاد إلى حين عقد انتخابات للمرحلة المدنية القادمة. 
ففي رأيي استبعد تماماً أن يرضى الناس في السودان بحكم عسكري بعد التجارب الشمولية الثلاثة، التي مرت بالسوادن، ويمكن أن يتفق الجميع على شخصية وطنية قومية تتوافر فيها صفات النزاهة والشجاعة والأخلاق الفاضلة للخروج بالسودان من نفق المشكلات المظلم إلى بر السلام والتنمية والاستقرار.

 ** برأيك هل رفع الولايات المتحدة للعقوبات المفروضة على السودان بسبب البشير وزمرته سيشكل انتعاشة سريعة للسودان يُستفاد منها على المستوى الشعبي؟
 

خلال اليومين الماضيين أعربت الإدارة الامريكية عن ترحيبها بتحولات الأوضاع في السودان وإمكانية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بشرطين؛ الأول: تقديم مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الانتهاكات ضد الإنسانية بالسودان إلى محكمة الجنايات الدولية. 
والشرط الثاني: تسليم السلطة لحكومة مدنية. 
وأرى أنه في حال رفع السودان من قائمة دول الإرهاب ورفع العقوبات الاقتصادية عن كاهله سيفتح الباب واسعا أمام فرص الاستثمارات الواسعة والقروض الإقليمية والدولية، التي من شأنها انعاش ومعافاة الاقتصاد السوداني، خاصة إذا رسمت الخطوات المنهجية للانتاج والاستثمار في مجالات القطاع الزراعي والحيواني.

** ماذا أيضا عن سياسات إقصاء رموز النظام السابق وكيف سيتم التعامل في سياقها؟
 

يُصر الثوار المعتصمون وقوى الحرية والتغييير وتجمع المهنييين على عدم إشراك عناصر نظام البشير البائد في أي من مستويات الحكم والسلطة، ولعل هذا هو ما جعلها تعلق اجتماعاتها مع المجلس العسكري الانتقالي، والذي يميل إلى إشراك الجميع. 
وفي رأيي أن مرحلة الفترة الانتقالية تستدعي بروز شخصيات وطنية مستقلة بكفاءات عالية ووجوه جديدة، على أن تتاح في مرحلة الانتخابات الفرص لكل الأحزاب للمشاركة بقوائمها حتى وإن كانت من عناصر ورموز النظام السابق، وعندها صناديق الاقتراع ستحدد من الذين اختارهم الشعب وارتضاهم لتسيير حكم البلاد.