وقد شهد يونيو الماضي تمردًا لمجموعة فاغنر وزعيمها بريغوجين الذي دعا وقتها لما سمي بمسيرة العدالة ضد الجيش الروسي، مدعيًا أن قوات الجيش تعمدت استهداف قواته التي تقاتل في بعض الأماكن داخل أوكرانيا، وهو الأمر الذي وصفه الرئيس الروسي وقتها بالخيانة، وذلك قبل أن تتم تسوية الأزمة التي خلفت واحدة من أكبر التحديات لحكم بوتين ولا شك شكلت جرحًا لكبريائه السياسي والعسكري.
الواقع أن رأس بريغوجين قطعت
في هذا السياق، يقول الدكتور نبيل رشوان الخبير في الشأن الروسي، لوكالة فرات للأنباء، إن تحطم الطائرة ربما يكون مدبرًا، لكنه حتى لو كان كذلك فلا أتصور أن مجموعات فاغنر يمكن أن يكون لديها ردة فعل ما داخل الأراضي الروسية، فبعد تسوية الأزمة الأخيرة هناك مجموعة منهم التحقوا بالجيش الروسي بشكل نظامي، والبعض الآخر في بيلاروسيا المجاورة، وهناك مجموعات أخرى في دول أفريقية متفرقة.
ويرى رشوان أنه في كل الأحوال سواء كان هذا الحادث مدبرًا أو غير ذلك، فإن رأس قائد مجموعة فاغنر التي أرادت التمرد في وقت ما ضد بوتين قد قطعت، وهذا هو أهم شيء أنه قتل، كما استبعد بعد الاحتمالات التي قد توجه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية في تدبير هذا الحادث، بهدف إشعال فتنة وأزمة داخل روسيا.
وقال الخبير في الشأن الروسي إنه لا يتصور أن واشنطن تقوم بذلك، ولو كانت تريد إحداث حرب أهلية في روسيا فإن لديها وسائل أخرى غير تدبير حادث لمقتل قائد فاغنر الذي يصب غيابه عن المشهد لصالح بوتين، معربًا عن اعتقاده بأن الحديث عن هكذا سيناريو يعد نوع من المبالغة. وكانت وكالة أنباء رويترز ذكرت أن الرئيس الأمريكي جو بايدن تم إطلاعه على حادث تحطم طائرة قائد مجموعات فاغنر، كما أعرب بايدن في تصريحات عن أنه لم يتفاجيء بمقتل بريغوجين.
طباخ بوتين يرحل
ومجموعة فاغنر هي شركة عسكرية روسية خاصة يقال إن مؤسسها هو دميتري أوتكين الضابط السابق في الجيش الروسي والذي أعطاها اسم "فاغنر" الذي كان اسمه الحركي عندما كان ضابطًا في الجيش، وقد نشطت خلال التسع سنوات الماضية في عدة دول منها أوكرانيا وسوريا إلى جانب عدد من الدول الأفريقية، لدرجة أن قادة الانقلاب العسكري في النيجر طلبوا منهم المساعدة في مواجهة الدعم الدولي للرئيس المخلوع محمد بازوم.
وكان يعتقد أن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية هي الي تمول تلك المجموعة، التي واجهت كثيرًا من الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وكثير من الانتهاكات، حتى إنه قيل أن دورها ارتكاب "الأعمال القذرة" التي تريد تنفيذها الحكومة الروسية بعيدًا عنها، كما أنها خضعت لعقوبات أمريكية لا سيما بعد الحرب في أوكرانيا.
ويطلق على بريغوجين لقب "طباخ بوتين" لأنه كان صاحب أحد المطاعم التي كانت متعهدة بطعام الرئاسة الروسية، كما أن لديه شركة "إيفروبوليس" التي تقدم خدمات الطعام لا سيما للجيش الروسي، وصولًا إلى قيادة مجموعته التي لعبت دورًا رئيسيًا كذلك على جبهات القتال المختلفة في أوكرانيا خصوصًا باخموت.
وحسب معلومات متداولة، فإن عمل مجموعة فاغنر بدأ في حرب القرم عام 2014، ثم عملت في سوريا عام 2015 إلى جانب قوات حكومة بشار الأسد وعملت على حراسة الحقول النفطية، ودخلت أفريقيا الوسطى عام 2017 لحراسة مناجم الماس، وهناك تقارير تشير إلى وجودها في السودان، كما تثار معلومات بأن هناك مجموعة منها تقدم الدعم والمساندة لما يعرف بالجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر منذ عام 2019.
كيف ترى أوكرانيا الحادث؟
بدوره، يرى الدكتور عماد أبوالرب عضو مجلس القوميات التابع لرئاسة الوزراء الأوكرانية أن الحادث بالطبع مدبر، وهو يأتي تعبيرًا عن حجم الخلافات الداخلية في روسيا، كما أن مقتله رسالة واضحة بأنه غير مسموح بمخالفة بوتين، وأن من يفكر في أن يفعل ما فعله بريغوجين فإن مصيره سيكون القتل.
ويضيف "أبوالرب"، في تصريحات خاصة لوكالة فرات للأنباء، أن كييف أعدت مجموعة من الإحصاءات بشأن العسكريين الذين تم قتلهم من قبل السلطات الروسية منذ بدء الحرب في أوكرانيا، والذين يقتلون ثم يتم الادعاء بأنهم انتحروا أو تعرضوا لحادث أو سقطوا من أعلى بناية، وغيرها من الأمور التي ستتكشف مستقبلًا.
وبشأن تاُثير مقتل قائد مجموعة فاغنر على الحرب في أوكرانيا، يقول السياسي الأوكراني إنه لا يتصور أن يكون لها تأثير يذكر، لأنه بالأساس الأمر كله بيد وزارة الدفاع والجيش الروسي، لكن غياب مجموعات فاغنر ربما يظهر على المدى البعيد مع طول أمد الحرب، إذ أن وجودها كان يمنح الجيش فرصة لالتقاط الأنفاس واستقبال الاحتياط وتدريبهم.
وقد زعمت وسائل إعلام روسية أنه ربما يكون هناك هجومًا أوكرانيًا مضادًا هو السبب في تحطم طائرة بريجوغين، لكن "أبوالرب" يؤكد أن هذه الرواية لم يتم الحديث عنها في أوكرانيا، وربما تكون هذه محاولة لإلصاق التهمة بكييف ومسلسل جديد لتبادل الاتهامات سبق وأن فعلته موسكو، ولو كان ذلك صحيحًا فإن هذا ليس في صالح بوتين لأنه فشل في توفير الحماية لقائد فاغنر الذي سبق وأمنه وفق اتفاق الوساطة البيلاروسي.
وكانت بيلاروسيا تدخلت في يونيو الماضي لإنهاء أزمة بوتين وبريغوجين والذي كان وجه بزحف قواته نحو العاصمة، في واحدة من أخطر الأزمات الأمنية التي واجهت روسيا، حيث قضت الوساطة بانتقال قائد فاغنر إلى بيلاروسيا، في حين ينضم مقاتليه الذين لم يشاركوا في التمرد إلى الجيش الروسي. وأصدرت مجموعة فاغنر قبل قليل بيانًا أكدت فيها أنه ليس لديها معلومات مؤكدة بشأن مقتل بريغوجين أو غيره من القادة.