في ظل غياب القانون وضعف مواده المنظمة لحقوق الرياضيين على أنديتهم، أصبح لاعبو كرة القدم لا يدركون حقيقة من هم؟ أو أين سيصل بهم المشوار الرياضي؟ وأصبح واقعهم الذي يعيشونه مجسداً بمقولة “لا ندرك هل نحن معلقون أم مطلقون؟!”.

معد التحقيق حاول الأطلاع على القوانين المنظمة لعلاقات اللاعبين بالأندية وبالأتحادات والجهات الرياضية الرسمية، ليجد ضعفاً واضحاً في النص القانوني الخاص بحقوق اللاعبين  وعدم وجود جهة رسمية يمكن اللجوء إليها عندما يقع الخلاف بين اللاعب وناديه لتنصفهم وتعيد إليهم حقوقهم وترفع الظلم أو تحول دون وقوعه عليهم أصلاً.

تشهد الساحة الرياضية في قطاع غزة سجالاً لا ينتهي حول “ورقة الأستغناء” التي تتحكم بها الأندية ولا يملك اللاعب أدنى مصادر القوة التي تمكنه من الحصول على تلك الورقة حين تعارض الرغبات بينه وبين ناديه.

نماذج مؤلمة

اللاعب “ع. ح” الذي مر بلحظات اليأس لكونه طلب الحصول على ورقة  الأستغناء التي تجعله “لأعبا حراً” يستطيع أن يقرر مصيره الرياضي بقرار مستقل وأن يختار النادي الذي يراه الأنسب له.

عن مسيرته الرياضية يقول “بداياتي كانت وأنا في سن 13 عاماً في نادي خدمات النصيرات الذي أمضيت فترة طويلة به وأثناء التحاقي بالجامعة انضممت لمنتخب الجامعة وهنا كانت النقلة النوعية في مسيرتي الرياضية”.

وأضاف “هنا بدأت في التفكير بالأنتقال من نادي خدمات النصيرات إلى نادي آخر وظننت أن الأمر سهلاً وبدأت الإشكاليات حيث رفض النادي منحي الأستغناء وبدأت أبحث بكل مكان  وبالفعل تم الأتفاق بين النادي ونادي خدمات البريج على التحاقي بخدمات البريج على نظام الإعارة وكان ذلك عام 2011 “.

واستطرد قائلاً “لاحقاً تم التواصل بين نادي المشتل ونادي خدمات النصيرات وتم الأتفاق فيما بينهم على 1000$ ولم أكن أعلم شيئا عن الأتفاق وكان ذلك عام 2013 ولم أتقاضى أي شيء من المبلغ ولا أعلم كيف تم الاتفاق”.

“وحين تولدت لدي رغبة في الأنتقال إلى نادي الجمعية الإسلامية وتم الاتفاق معي على 2000$ خلال موسم 2014 لم ألعب فعليا ً إلا سبع مباريات ولم أستلم من المبلغ إلا 500$ فقط والآن أنا معلق على ذمة النادي ويرفض أن يعطيني الأستغناء”.

وأكد اللاعب بأنه خاطب العديد من الشخصيات صاحبة القرار (يقصد في الاتحاد) في الأمر ولكن للأسف لم يجد تجاوباً من قبلهم وكانت أكثر الكلمات التي سمعها وحفظها من قبلهم “هذه شؤون أندية ولا نتدخل بها”.

أما اللاعب “ي ا” الذي كانت انطلاقته من نادي خدمات رفح وأمضى فيه ثلاث سنوات ومن ثم انطلق إلى نادي شباب رفح بالفريق الثاني ولأربع سنوات وفي لحظة طلبه الأستغناء ووجه بالرفض وتمت إعارته لنادي جماعي رفح نصف موسم .

وقال اللاعب “قد طالبت بالأستغناء بشكل رسمي في عام 2013 وتم الرفض من قبل النادي الذي يمتلك زمام الأمور نادي شباب رفح وتم الأتفاق على نمط الإعارة مرة أخرى مع نادي القدس درجة رابعة وأمضيت فيه ثلاثة شهور”.

وأضاف “بعد ذلك تم التعاقد فيما بين نادي شباب رفح والشجاعية على نمط الإعارة بعد الإلحاح الكبير بطلب الأستغناء من قبل نادي الشجاعية وكان الرفض هو الجواب، وتم الأتفاق على نمط الإعارة لعامين ونصف، ولكن وفقا للأصول في نظام الإعارة أنها تكون لموسم رياضي لكي لا يضيع حق أي لاعب بالمشاركة في الموسم كاملا.

ونوه “فعليا ينتهي عقد الإعارة  في شهر 2 وفي هذه الحالة لا توجد لدي فرصة باستكمال اللعب بالدوري وقد طلبت من نادي الشجاعية التحرر منذ أربعة شهور ولكن اعتدنا على الحصول على الإجابة المحتمة وهي الرفض”.

ولفت بأن النادي هو من قام بالتوقيع نيابة عنه في بداية مسيرته الرياضية لكونه قاصراً في حينها ولم يكن يعرف أو يدرك عواقب الأمر ولم تكن لديه أي فكرة عن صورة العقد الذي تلزمه به الأندية متسائلاً: “أين المؤسسات والجهات الحكومية صاحبة الأختصاص من كل ما يحصل؟”.

وأما اللاعب “ح .ب” الذي لخص رحلته الرياضية التي مر بها خلال 16 عاماً  وقد انطلق من نادي شباب خان يونس وقام بجولة طويلة بين الأندية حيث لعب بستة أندية رياضية وذلك بغرض الحصول على الأستغناء و لكن دون جدوى.

وقال اللاعب “إن واقع كرة القدم في الوقت الراهن ليس كالماضي حيث نشاهد حالة طغت فيها  الأطماع المادية على الهدف الرياضي النبيل للاعبين من أجل الأرتقاء بالنفس كذلك أصبحت الأندية تعمل لأجل كسب المال واللاعب كذلك فأصبحت الرياضة لعبة للكسب المالي”.

كلمات جريئة تشرح الواقع

المشرف الأجتماعي للاعبين بنادي الزيتون الرياضي عامر أبو سرية قال “إن واقع كرة القدم في قطاع غزة يشهد حاله تطور ملحوظة ومع ذلك ينقصنا الكثير من المستلزمات الأساسية لإنشاء الأندية وكذلك انعدام القوانين الواضحة التي تحدد العلاقات بين النادي واللاعب وكذلك بين اللاعب والجهات الرسمية”.

وشدد “تكمن الإشكالية في عدم وجود قانون ينظم عمل الأندية ويحدد المسارات الصحيحة، وذلك في ظل أن جميع الأندية أصبحت تعمل لأطماع مادية بحته وكل نادي أصبح يتنافس مع الآخر على من يجمع أكبر قدر ممكن من الأموال ولا يوجد أهداف لأجل الأرتقاء بالرياضة”.

فأصبحت كرة القدم في غزة مصدر أطماع ربحية فقط وأصبح اللاعب يفكر فقط بالراتب البسيط الذي يأخذه في آخر الشهر ولا يكفيه مصاريف لأسبوع واحد، فهذا يجعل من لعبة كرة القدم ليست لعبة عشاق وانتماء بل لعبة لأجل لقمة عيش من قبل اللاعب ومن قبل إدارة الأندية مكسب أموال لهم والعيش بثراء من خلف الأندية واللاعبين.

وقال مدير دائرة الأندية بوزارة الشباب والرياضة نبيل عواجة “إن القطاع الرياضي في غزة لا يقوم على أسس محددة تهدف إلى الرقي بالرياضة بل تقوم على أسس مادية بحته ولا توجد إدارة نادي تهدف إلى الأحتراف أكثر من التفكير من التحصيل المادي”.

ونوه عضو مجلس إداري بنادي غزة الرياضي عطا الله أبو عاصي أن جميع الأندية المتواجدة في قطاع غزة تواجه مشكلات كبيرة تقف بوجه مسيرة رياضة كرة القدم وذلك لعدم وجود قوانين تحدد طبيعة العلاقة فيما بين النادي واللاعب، حيث كان سابقا تقوم لعبة كرة القدم على مبادئ نزيهة تقوم عليها مجالس الإدارة للأندية بأنها تعمل لأجل الرقي وليس الكسب المالي.

مصائر اللاعبين معلقة بورقة

أمين سر دائرة شئون اللاعبين بالأتحاد الفلسطيني لكرة القدم فائق البسوس قال “إن جميع اللاعبين يواجهون مشاكل مع الأندية وتكمن المشكلة الأكبر التي يواجهونها بأنه الدوري في القطاع دوري هواة و ليس احترافياً فلذلك لا توجد عقود قانونية رسمية تلزم الطرفين خلافا لما يحدث بالضفة الغربية”.

أما في قطاع غزة فتكون حياة اللاعب الرياضية معلقة بشكل كلي على الأستغناء الذي يتحفظ عليه النادي بهدف منع اللاعب من الخروج من النادي وهيهات أن يستغني نادي عن لاعب أو يعطيه ورقة الأستغناء التي تجعله لاعباً حراً.

واستطرد البسوس قائلاً “إن قامت الأندية بإبرام أي اتفاق مع أحد اللاعبين فإن جميع بنود الاتفاق تصب بمصلحة النادي وليس في مصلحة اللاعب ومعظم الأندية تستغل اللاعب ولا تضع البند الخاص بآليات إخلاء طرف اللاعب من النادي”.

وأكد أبو عاصي أن أهم أسباب فساد الرياضة بغزة، عدم وجود قاعدة مركزية للأندية وعدم وجود مفهوم الأرتقاء باللاعب ما أدى إلى ظهور أشكال من الفساد في الأندية “قضية الأستغناء” التي أصبحت حديث الساعة بين الأندية واللاعبين وأصبحت الساحة أشبه بحلبة صراع بين من يدفع أكثر وأصبحنا نشبه السوق.

وأضاف “إن قطاع غزة يشهد نظاماً جديداً إن يتم إعطاء لاعب ما لنادي أخر عن طريق الإعارة فإن اللاعب لا يتقاضى أي مكافآت أو خلاف ذلك وما يقدم له فقط الخدمات البسيطة وذلك بهدف حصوله على ورقة الأستغناء لكي يتحرر من النادي وهذا واقع تعيشه كافة أندية غزة”.

و اتفق أبو سرية مع نظيره أبو عاصي فقال “إن قضية الأستغناء أصبحت من أكثر الأمور جدلا بالأندية الرياضية وإن الأندية تتلاعب باللاعبين بتمسكهم بقولهم اللاعب ملك للنادي، فيمنع أي لاعب الخروج من النادي بدون حصوله على استغناء يفيد انتهاء عقده مع النادي الذي كان يلعب فيه”.

وأوضح أن معظم الأندية تتلاعب باللاعبين وتتحكم بهم من خلال الأستغناء ولا يمتلك اللاعب أية صلاحيات بيده لكون النادي يملك كل شي بين يديه ويتحكم باللاعب ويكون اللاعب “مثل العبد بالنادي ينفذ ما يؤمر به فقط”.

واعتبر أبو سرية هذه القضية بمثابة مفسدة في الأندية ويستغل من خلالها اللاعب بادعاء بأن النادي يريد حقه من اللاعب وللأسف فإنه في جميع الأحوال يخرج النادي الرابح واللاعب الخاسر “وأقول بشدة إن إدارة الأندية ليست معنية بتاتا أن تتواجد آليات وقوانين تنظم عمل الأندية وتتضمن نصوص ملزمة لكلا الطرفين ومنظمة للعمل الرياضي”.

بالحديث عن العقود قال نبيل عواجة “إن العقود التي تبرم فيما بين اللاعب والنادي فهي غير واضحة ومبهمة ومما يخلق الإشكاليات ويكون النادي من يملك الورقة الأقوى بين يديه ويكون اللاعب محكوم بشكل كبير، ولا توجد أي جهة قادرة على التدخل لإنقاذه لعدم وجود قوانين تحمي حقوق اللاعبين”.

انعدام الخدمات

عامر أبو سرية أشار إلى أن الأندية تقدم خدمات للاعبين أثناء التدريب عبارة عن زجاجة مياه وأحيانا زجاجة عصير وهل تعتبر هذه خدمات تقدم للاعبين يقدمون كل ما لديهم من طاقة أثناء التدريب ولكن تعلم إدارة الأندية جيداً بأن اللاعب يرى زجاجة العصير كنز ثمين يتناوله بنهاية التدريب وخاصة مع صعوبة الأوضاع الأقتصادية للاعبين .

ونوه أنه لا توجد أيضا خدمات طبية علاجية للاعبين سواء بالملاعب أو أثناء التدريب، أي لا يوجد أي إجراءات سليمة لمتابعة سلامة اللاعبين ولا توجد مستلزمات طبية بتاتا في أثناء التدريب أو المباريات وهذا فساد بحد ذاته.

وأما أمين سر نادي الشجاعية رياض البيطار قال “إن الرياضة تحتاج إلى الكثير لكي ترتقي وإن جميع الأندية في قطاع غزة لا تقدم خدمات وأن ما تقدمه لا تعتبر خدمات لكونها تعتبر أمور إلزامية على الأندية ولا تعتبر خدمات كما يسمونها” .

وأضاف “للأسف إننا نضحك على اللاعبين بما نقدمه لهم من زجاجة مياه وأحيانا زجاجة عصير لأنها أمور ضرورية أن تتواجد أثناء التدريب أو المباريات، ولكن استطاعت الأندية أن تلعب على الأوتار الحساسة لكون اللاعب أثناء التمارين يبذل كل ما يملك من مجهود وطاقة ويرى عند انتهاء التمرين زجاجة العصير أو المياه عبارة عن كنز يقدم له”.

وقال “من المؤسف أن أقول أن الأندية لا تعمل لأجل أن ترتقي بمهارات احترافية للكرة على الرغم من تواجد هذه المهارات لدى العديد من اللاعبين و بذلك لا نعطيهم الحرية باختيار المكان الذي يناسبهم فيكون الأداء ليس المطلوب”.

تغييرات غير مجدية

قال فائق البسوس “إن الأتحاد قام بالأعوام الأخيرة بإجراء بعض التغييرات بعمل الأندية حيث فرض أن يقوم اللاعب في لحظة التحاقه بالنادي بتعبئة استبانه توضح من خلالها بيانات اللاعب وبالإضافة يتم إعطاؤه بطاقة تحمل بياناته وكذلك اسم النادي الملتحق به”.

و لكنني أؤكد بأنه على الرغم من تلك التغييرات والقرارات التي قمنا بها ولكن بقي الحال كما هو دون أدنى تغيير ملحوظ وذلك لكون البنية الأساسية للأندية الرياضية قائمة بشكل خطأ، ولا يوجد شيء واضح بعمل الأندية وتعمل بشكل غير قانوني.

وقال إنه يجوز للاعب الذي يكون عمره أقل من 20 عاماً أن يلعب بالدرجات العليا ولا يجوز أن يلعب اللاعب طوال العمر في الدرجات الأدنى وفقا للقوانين واللوائح التي يقوم عليها الاتحاد ولكن وبعد البحث تبين بأنه يوجد العديد من اللاعبين يقومون باللعب في درجات دنيا وعمرهم تجاوز 20 عاما.

وشدد “إن لم تستطيع الأندية الرياضية في غزة خلال العامين المقبلين رفع مستواهم وتحويل اللعبة الرياضية لكرة القدم من هواة إلى احتراف فإنني أقولها سوف تندثر كرة القدم في قطاع غزة وستصبح لعبة عادية وستنتهي مسيرتها الطويلة”.

وخاصة بتواجد 75 نادي رياضي في قطاع غزة وتصنف 18 نادي درجة ثالثة و18 نادي درجة ثانية و12 نادي درجة أولى و12 نادي درجة ممتازة ويوجد 15 نادي تعمل ومتواجدة ولكن ليست متعارف عليها أين هي من التصنيفات وهذا يعتبر أكبر الفضائح بالاتحاد وتضم كافة الأندية ما يزيد عن 4000 لاعب”.

أين الجهات الرسمية من الواقع الأليم

قال نبيل عواجة “إن اختصاص الوزارة يقع في قضية الرقابة على الأندية من حيث الجوانب المالية والفنية فقط ونقوم على تنظيم عمل النوادي، ولكن أقولها بأنه يوجد عبء وخلل كبير بإدارة الأندية بشكل ملحوظ وأننا قمنا بالتدخل ببعض الأحيان ولكن لا نملك السلطة القوية بالتدخل بكل شيء”.

وأضاف “بالنسبة للقوانين الداخلية للأندية فإنها لوائح خاصة بها ولا نتدخل بها لأنها تنظم العلاقة بين اللاعب والنادي وأؤكد بأنه يتواجد العديد من اللاعبين قد اشتكوا من الأندية وتظلموا لعدم قدرتهم الحصول على الاستغناء ليصبحوا لاعبين أحراراً”.

واستطرد “إن طبيعة العلاقة بين الوزارة والاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ليست علاقة متجذرة أو بالمصطلح الأوضح سطحية حيث ما نقوم به فقط الرقابة على الأندية بشكل مباشر ويتم ملاحقتهم والرقابة عليهم وفقاً لقانون تنظيم الهيئات الرياضية المقر من المجلس التشريعي رقم (2) لسنه 2010″.

ولكن بجل ما نص من قوانين وبنود أصدرت من المجلس التشريعي مؤخرا هل تطبق على أرض الواقع فعليا وإن طبقت لماذا تتواجد جمله هذه الإشكاليات والخلافات؟ وهل يوجد ما يعيق عمل وتفعيل هذه القوانين؟ وأين هي من ضمان حقوق اللاعبين؟”.

من جانبه أكد البسوس “بأنه لا يوجد أي علاقة رسمية تربط عمل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والاتحادات الأخرى مع وزارة الشباب والرياضة بغزة وخاصة بكونها الجهة الحكومية التي يتوجب عليها أن تراقب عمل الأندية بالتعاون مع الاتحاد فهل يعتبر هذا السبب الأساسي للتغيب عن الرقابة على عمل الأندية؟ وكذلك وجود مثل هذه المظاهر التي تخل بالمنظومة الرياضية”.