السعودية: لا استيراد ولا استثمار ولا سياحة في تركيا

رداً على السياسات التركية العدائية والازدرائية بحق السعودية والدول الخليجية، أطلق رجال أعمال حملة شعبية واسعة لمقاطعة وحظر البضائع والمنتجات التركية، وسط خشية خبراء اقتصاد وشركات تركية من انتشار المقاطعة لتشمل معظم الدول الخليجية والعربية.

دعا رئيس مجلس الغرف السعودية، عجلان العجلان، لمقاطعة تركيا بشكل كامل على أصعدة الاستثمار والسياحة والتجارة، كرد عما اعتبره "إساءة" من الجانب التركي للقيادة السعودية.

وقال عجلان العجلان عبر تغريدة من حسابه الرسمي على التويتر: "أقولها بكل تأكيد ووضوح: لا استثمار لا استيراد لا سياحة.. نحن كمواطنين ورجال أعمال لن يكون لنا أي تعامل مع كل ما هو تركي؛ حتى الشركات التركية العاملة بالمملكة، أدعو الى عدم التعامل معها، وهذا أقل رد لنا ضد استمرار العداء والإساءة التركية بحق قيادتنا وبلدنا".

و بالرغم من أن الحديث لم يأخذ بعد صفة الرسمية إلى الحديث تسارع في السعودية، خلال الفترة الأخيرة عن خيار مقاطعة البضائع التركية، وحتى الامتناع عن زيارتها للسياحة أو الاستثمار فيها.

ويرد المؤيدين لهذا الموضوع، دعواتهم إلى السياسة التي تنتهجها تركيا إزاء المملكة، و لا سيما دعم قطر.

و تحدث حساب واسع الانتشار على موقع "تويتر" في السعودية، عن حملة شعبية وشيكة لمقاطعة البضائع التركية، حيث يقود هذا الحساب حملة إعلامية لدعم مقاطعة البضائع التركية، وغير صورة الحساب إلى صورة مكتوب عليها "الحملة الشعبية لمقاطعة تركيا".

السعودية تراقب حركة رؤوس الأموال الخارجة إلى تركيا

بعد قرار المملكة العربية السعودية، مقاطعة المنتجات والبضائع التركية، بدأت المملكة بالضغط على مواطنيها القاطنين في تركيا، من أجل بيع منازلهم وأماكن سكنهم في تركيا.

ويشار إلى أن المملكة العربية السعودية، بدأت بالفعل بمتابعة أمور مواطنيها السعوديين المقيمين في تركيا، وتتصل بهم هاتفياً بشكل مباشر، وتطلب منهم بيع ممتلكاتهم في تركيا.

وبحسب خبر نشرته جريدة الصباح التركية؛ أن المديرية العامة للمباحث السعودية تتابع بكثب حركة رؤوس الأموال الخارجة من السعودية، وأن السلطات السعودية فرضت غرامات مالية على المواطنين السعوديين الذين أرسلوا أموالاً تزيد عن 100 ألف دولار إلى تركيا.

كما أن المباحث السعودية ضغطت بشكل كبير على رجال الأعمال السعوديين الذين تربطهم علاقات وثيقة مع تركيا.

الدعوة إلى بيع المنازل في تركيا

كما أن تعليمات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بدعوة المواطنين السعوديين إلى بيع منازلهم في تركيا، أثار الذعر في سوق العقارات التركية؛ وبحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الثانية بعد العراق، من حيث أعداد المقيمين في تركيا، كما أن الأجانب المقيمين في تركيا اشتروا خلال السنوات الخمس الماضية 122 ألف منزل، كان للمواطنين السعوديين نسبة 10,3% منها، أي ما يعادل 10,653 منزل.

ويرجح خبراء أن الأسباب التي دفعت المملكة العربية السعودية، لاتخاذ مثل هذا الموقف ومقاطعات كل ما كتب عليه "صنع في تركيا"، هي سياسات الدولة التركية تجاه المملكة العربية السعودية، سواء البحث عن الطاقة في شرقي المتوسط، إضافة إلى قضية مقتل الصحفي السعودي ذو الأصول التركية، جمال خاشقجي؛ وكذلك الاتفاقيات العسكرية والتجارية التي أبرمتها تركيا مع دولة قطر مؤخراً.

شركات تركية تخشى من عواقب المقاطعة السعودية

من جهتها قالت مجموعات أعمال تركية "إن السلطات السعودية صعّدت إجراءاتها ضد الصادرات التركية إلى المملكة السعودية، وحذرت من أن هذا التصعيد الاقتصادي يضر بسلاسل التوريد العالمية".

وفي بيان نشر يوم السبت الماضي، قال رؤساء أكبر 8 مجموعات أعمال تركية: "إنهم تلقوا شكاوى من شركات سعودية، تفيد أن السلطات السعودية أجبرتها على توقيع خطابات، تلزمها بعدم استيراد بضائع من تركيا" وتخشى مجموعات الأعمال التركية من استبعاد المتعهدين الأتراك من الصفقات الرئيسية السعودية.

ووفقاً لأحدث أرقام موقع وزارة التجارة التركية، فإن الصادرات التركية إلى السعودية بين كانون الثاني وآب من العام الجاري بلغت 1,9 مليار دولار، بانخفاض 400 مليون دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي.

ونقل تقرير أعده موقع "ميدل إيست أي" عن مسؤول تركي، قوله: "أن السعودية تحتجز شاحنات وحاويات تحمل بضائع تركية وتمنعها من الدخول إلى السعودية".

وأضاف المسؤول التركي في تفصيل قوله: " تحتجز السعودية 80 شاحنة في ميناء ضبا، محملة بالأقمشة والمواد الكيماوية، فيما تحتجز أيضاً 300 حاوية محملة بالخضار والفواكه في ميناء جدة، ونسعى جاهدين لتجاوز هذه المشكلة مع السعوديين".

ويشير التقرير إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يعرقل فيها المسؤولون السعوديون الصادرات التركية، ففي الأسبوع الماضي تم بطريقة مشابهة وقف 70 شاحنة تنقل الفواكه والخضراوات في ميناء جدة.

المعارضة تتهم الحكومة التركية بالغفلة

وقال النائب عن حزب الشعب الجمهوري محمد غوزل منصور: "منذ شهر حزيران، تفرض السعودية مقاطعة سرية على الصادرات التركية.. إنهم يحتجزون الفواكه والخضراوات لمدة شهر، مع أن عملية التخليص كانت تتم خلال ايام، هذا ما يعني تعفنها".

وأضاف في حديثه: "حذرت الحكومة من خطورة المقاطعة السعودية واحتمال انتشار هذه المقاطعة لتشمل دولاً حليفة للسعودية؛ واليوم تفيد بعض التقارير أن الإمارات، تونس، المغرب، الجزائر ستقاطع منتجاتنا وبضائعنا، رغم ذلك لا تزال الحكومة نائمة".

و تمتنع السفارة السعودية في أنقرة عن التعليق على الموضوع بشكل رسمي، إلا أن مراقبين من تركيا قالوا إن المشكلة حول الصادرات التركية، التي تصل قيمتها 2.6 مليار دولار في السنة، نابعة من التوتر السياسي المستمر.

إلا أن التقرير نفسه، أشار إلى بيان أصدرته السفارة السعودية في تركيا بداية هذا الشهر، حذرت فيه السياح السعوديين من زيادة حوادث سرقة الجوازات والنشل في تركيا، لافتاً إلى أن نسبة السياح في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2019 انخفضت بنسبة 30%.

رد فعل شعبي تجاه سياسات أردوغان العدائية للمملكة

وقال الأمير السعودي عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود، إن دعوته لمقاطعة المنتجات التركية، هي "جزء من رد شعبي على سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه الرياض، ولا تستهدف الشعب التركي".

وأوضح في تغريدة أخرى: "أقل رد على سياسات أردوغان وتصريحاته المسيئة لبلادنا هو تفعيل المقاطعة للمنتجات التركية إلى أن يكف عن أفعاله.. هذه حملة شعبية تصرف فيها السعوديون بفطرة وحب مشهود ومعهود لوطنهم أثبتته المواقف، وتثبّته"

واستجاب الآلاف من السعوديين والعرب عموماً لدعوة رئيس مجلس الغرف السعودية، مطلع الشهر الجاري إلى مقاطعة المنتجات التركية، خاصة بعد تطاول الرئيس التركي أردوغان على دول مجلس التعاون الخليجي ومحاولة ازدراء تاريخهم.

وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا تصريحات للرئيس التركي يهدد فيها دول الخليج قائلًا: "بعض دول منطقتنا لم تكن موجودة بالأمس، وربما لن تكون موجودة مستقبلاً، ولكننا سنظل نرفع رايتنا في هذه المنطقة إلى الأبد".

حملة مقاطعة عربية من شأنها نسف الاقتصاد التركي

وبحسب وزارة الثقافة والسياحة التركية أن حملة مقاطعة المنتجات التركية التي بدأت عام 2019، أثرت بشكل كبير على الاقتصاد التركي، حيث أسفرت عن انخفاض أعداد السياح السعوديين الوافدين إلى تركيا بنسبة 40% خلال عام 2019 مقارنة بالعام السابق له 2018، حيث تراجع ترتيب السياحة من السعودية إلى تركيا إلى المرتبة 11 بعد أن كانت في المرتبة الرابعة في 2018.

ويشير خبراء اقتصاديين إلى أنه في حالة اتخاذ قرار عربي موحد ضد تركيا، بمقاطعة البضائع والمنتجات التركية ومنع السياحة والاستثمار فيها، ذلك يعني خسارة الاقتصاد التركي لما يقرب من 100 مليار دولار؛ مما يعني ضربة قاصمة للاقتصاد التركي المنهار بالفعل.

كما أولت المملكة السعودية أهمية لمواجهة الغزو الثقافي التركي للعقول العربية، حيث قررت مجموعة "MBC" أكبر المحطات الفضائية العربية وأكثرها مشاهدة، منذ آذار 2018 وقف بث مسلسلات الدراما التركية وهو ما أثر على عائدات اقتصاد تركيا لفترة ما، حيث تم استئناف البث مؤخراً.

و بقرار حظر دخول المنتجات التركية هذا، توجه السعودية ضربة جديدة للاقتصاد التركي المتهاوي، حيث يكفي معرفتنا بأن السعودية تحتل المرتبة الـ(15) ضمن قائمة الدول التي تصدر إليها تركيا، لمعرفة حجم الضرر الناتج عن المقاطعة.

وتأتي منتجات الأثاث المنزلي والفواكه الطازجة والخضروات والمواد الغذائية والمنسوجات على رأس قائمة الصادرات التركية إلى السعودية، فعلى سبيل المثال، تحصل المملكة على كافة تجهيزات الفنادق تقريباً من تركيا.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية هي رابع أكبر وجهة تصدر إليها مدينة عنتاب منتجاتها من السجاد والأغذية، حيث بلغ حجم صادرات المدينة إلى السعودية 255 مليون و 743 ألف دولار في الفترة من كانون الثاني حتى آب 2019، فيما انخفض إلى 209 ملايين و623 ألف دولار، في الفترة ذاتها من العام الجاري.

تراجع احتياطي النقد الأجنبي

وفق بيانات وتقديرات معهد التمويل الدولي، فقد شهد الاقتصاد التركي أكبر خسارة في احتياطي النقد الأجنبي منذ نهاية شهر شباط. ويأتي هذا القرار يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية المزرية في تركيا، إذ يترتب عليه إغلاق أحد مصادر العملة الأجنبية (الريال السعودي).

وتسجيل تقلص حجم الاحتياطات النقدية الأجنبية التي تراجعت إلى ما دون حد الكفاية، بحسب صندوق النقد الدولي، مسجلة 86,53 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري انخفاضاً من 102,5مليار دولار في أول العام.

زيادة البطالة تنذر بزيادة معدلات الانتحار بين العمال

ينعكس الوضع الاقتصادي المتدهور على انخفاض معدل النمو ومستويات مرتفعة من عجز الموازنة، وارتفاع معدل البطالة وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، وقد تسببت هذا الوضع الاقتصادي المتدهور في زيادة معدلات الانتحار بين صفوف العمال الأتراك، إذ كشفت بيانات صادرة عن مجلس صحة العمال والسلامة المهنية، أن 433 عاملاً تركياً انتحروا خلال السنوات السبع الأخيرة بسبب ظروف العمل السيئة.

مستثمري الدول الخليجية في المرتبة الثالثة بعد بريطانيا وهولندا

تأتي في المرتبة ودعا عجلان العجلان، كافة المستثمرين الخليجيين في تركيا إلى ضرورة اتخاذ موقف موحد تجاه السياسات التركية العدائية؛ خاصة أن استثماراتهم تقدر بنحو 19 مليار دولار، وتشكل ما نسبته 9,4 % من مجمل الاستثمارات الأجنبية في السوق التركية، حيث تحتل دول الخليج المرتبة الثالثة كأكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في تركيا بعد بريطانيا وهولندا.

ويلعب المستثمرين الخليجيين دوراً كبيراً في إنعاش الاقتصاد التركي؛ فقد بلغ عدد الشركات الخليجية المستثمرة في تركيا 1973 شركة، منها 1040 شركة لمستثمرين سعوديين، يعمل منها 250 شركة في مجال الاستثمار العقاري فيما تعمل باقي الشركات في قطاعات أخرى أهمها صناعة الغزل والنسيج والملابس، والسيارات، والصناعات المعدنية والصناعات الغذائية والاستهلاكية.