سلام وادي النيل.. تحسن العلاقات بين مصر والسودان ينعش آفاق السلام في "جوبا"

بالرغم من اتفاق السلام الموقع للأطراف المتصلرعة في جنوب السودان تظل العديد من التساؤلات حول مستقبل الوضع في جنوب السودان ودور كل من مصر والسودان في دعم العملية السياسية.

يتزايد اهتمام المجتمع الدولي بتطبيق اتفاق السلام بين فرقاء جنوب السودان، حيث أطلقت مختلف الاطراف المعنية نداءها لتطبيق اتفاق السلام الموقع بداية هذا الأسبوع بالخرطوم للاتفاق حول المسائل العالقة في الحكم والترتيبات الأمنية، إلا أن التساؤل يبقى حول مستقبل التطبيق الفعلي للاتفاق ودعم دول الجوار لبناء السلام في جنوب وادي النيل، وخاصة مساندة السودان ومصر لعملية السلام، في ظل تحسن العلاقات حاليا بين القاهرة والخرطوم.

الاتفاق الذي جاء تحت رعاية الرئيس السوداني عمر البشير وتم توقيعه بحضور رؤساء كل من كينيا واوغندا وجيبوتي ورئيس وزراء الصومال ونائب رئيس الوزراء الإثيوبي بجانب ممثلين للمنظمات الإقليمية والدولية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين بالخرطوم، دعت الأمم المتحدة الأطراف المتحاربة إلى تطبيقه بالكامل سريعا من أجل إنهاء نحو خمس سنوات من الحرب الأهلية.

الموقف المصري داعم للسلام في الجنوب.. ثمار "اتفاق الخرطوم" حصيلة "إعلان القاهرة

ويُعتقد أن مساندة مصر والسودان بالإضافة إلى بقية دول الجوار في شرق إفريقيا مثل إثيوبيا وأوغندا لاتفاق السلام الأخير بين المتحاربين الجنوبيين، سيكون مفتاح تطبيق الاتفاق على أرض الواقع.
وقال المحلل السياسي وزير مايكل رئيس تحرير "الرأي" بجنوب السودان سابقا، لوكالة فرات للأنباء ANF، إن مصر يظل لها الدور الأبرز في تحقيق السلام في جنوب السودان، مشيراً إلى أن مصر ترى ضرورة توحيد الجبهات السياسية في جنوب السودان من أجل تحقيق السلم المجتمعي للدولة الناشئة.

ولفت إلى أهمية "إعلان القاهرة" الذي استهدف توحيد الحركة الشعبية في خريف 2017، فضلا عن أهمية الجسر الجوي الذي دشنته مصر خلال العام الماضي للمساهمة في إنقاذ البلاد من شبح المجاعة.

وأوضح "وزير" أن الاتفاق الأخير الذي جاء برعاية القاهرة في نوفمبر الماضي، كان يتحدث عن وحدة الحركة الشعبية نفسها وكان امتداد لاتفاق سابق تحدث بشكل صريح عن اتحاد الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان كمدخل لتحقيق السلام، لكنه أشار إلى أن الاتفاق الحالي حول الحكم والمسائل العالقة، جاء بمعزل عن اتفاق القاهرة، وكان يرى أن وحدة الحركة الشعبية وفصائلها سيجلب السلام لجنوب السودان.

وفيما يتعلق بالدور المصري في الاتفاق الاخير، قال إن "المعارضات بمختلف فصائلها والحكومة وجهوا خطاب للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بضرورة دعم المحادثات الجارية في الخرطوم والقيادة المصرية لبت هذه الدعوة، ومصر واحدة من الدول المؤثرة في المنطقة، والتي تدعم السلام في جنوب السودان، ومصر ليست بعيدة عما يجري".

وكان السفير المصري في الخرطوم أسامة شلتوت قد حضر التوقيع على الاتفاق الذي رعته الخرطوم.

ولفت "وزير" إلى أهمية مرحلة تطبيق الاتفاق فعليا ودور مصر في ذلك، مشيراً إلى أنه "بمجرد الالتزام باتفاق السلام وتوقيع الجميع عليه سيبدأ تحقيق هذا السلام على الارض، ومن ثم سيأتي دور مصر في دعم جنوب السودان لتعزيز مؤسسات الدولة، والالتزامات الإنسانية لدعم الأوضاع المعيشية في جنوب السودان، ودعم الخدمات الاساسية، والحكومة التي ستشكل بعد تنفيذ الاتفاق أي الحكومة الانتقالية سيكون على عاتقها ملف الخدمات والأمن كأولوية".

ولفت المحلل السياسي الجنوب سوداني إلى أنه حتى الآن هناك ثغرات في الإتفاقية يمكن أن تكون حجر عثرة، مثل مشكلة الحدود ومشكلة الولايات، إلى جانب افتقاد الاتفاق لآلية المحاكمة، والتي طالب بها الشارع السياسي في جنوب السودان، وهنالك مجموعات لم توقع على الاتفاق مثل جبهة الخلاص الوطني وهي مجموعة مؤثرة ولها نفوذ في المناطق الإستوائية وولاية أعالي النيل.

وأضاف "فالاتفاق حتى هذه اللحظة عليه عدم رضا من الناس، لأن معظم الأمور التي تهم الشعب في جنوب السودان غير مضمنة فيها، فضلا عن استمرار وجود مباحثات لوضع الجداول الزمنية للترتيبات الأمنية، والقضايا العالقة في ملف الحكم حاليا مثل محاكمة من ارتكب جرائم حرب في جنوب السودان، وتوضيح مهام لجنة ترسيم الحدود في الاتفاق".

تحسن العلاقات المصرية-السودانية بارقة أمل للجنوب

تحسنت العلاقات المصرية-السودانية، وخاصة بعد تبادل الزيارات الرئاسية هذا العام، حيث زار الرئيس عبدالفتاح السيسي الخرطوم منتصف الشهر الماضي، وأعقب ذلك اجتماعات عسكرية ودبلوماسية ووزارية لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، فقد تزامن موعد توقيع اتفاق السلام في جنوب السودان مع زيارة الفريق محمد فريد حجازي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الذي يزور السودان للمشاركة بالجولة الخامسة للمباحثات العسكرية السودانية المصرية المشتركة والتي اختتمت أعمالها بالخرطوم أمس بحضور رئيسي أركان البلدين.

وتشهد في القاهرة خلال هذا الاسبوع تواصل اجتماعات كبار المسؤولين التحضيرية للجنة الرئاسية العليا بين السودان مصر والتي ستنعقد بالخرطوم خلال شهر أكتوبر القادم، بمشاركة الرئيس المصري، حيث سيكون دعم السلام في جنوب السودان أبرز القضايا الاقليمية التي ستناقشها اللجنة العليا المشتركة بين البلدين التي باتت تعقد على المستوى الرئاسي.

 فيما اتفق نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان مع سفير مصر لدى الخرطوم، أسامة شلتوت، الاثنين، على توقيع ميثاق شرف إعلامي بين البلدين، لتجنب التصعيد والحرب الكلامية التي تندلع بين إعلاميي البلدين بشكل موسمي.

واعتبر المحلل السياسي الجنوب سوداني دينقيت ايوك أن دور مصر والسودان أساسي في دعم الاستقرار في جنوب السودان، وخاصة إذا اتفقت الدولتين على تنسيق تحركاتهما الداعمة لاتفاق السلام الأخير بما يضمن استدامته ومنع الأطراف المتصارعة من العودة مجدداً للاقتتال الداخلي.

آفاق السلام وشكوك حول تطبيق الاتفاق

وقال الدكتور أيمن شبانة نائب مدير مركز حوض النيل للدراسات، لـ"وكالة فرات للأنباء ANF" إن الوساطة الأفريقية تمكنت من دفع أطراف الصراع بجنوب السودان إلى التوقيع على اتفاق جديد لتقاسم السلطة، بغية الوصول لتسوية نهائية للصراع الدائر في البلاد، لكن الشكوك لا تزال تحوم حول إمكانية صمود هذا الاتفاق كأساس للتسوية الشاملة. خاصة أنه جاء تحت ضغوط خارجية مكثفة، أكثر منه تعبيراً عن قناعات ذاتية لدى أطراف الصراع.

وأوضح "شبانة" أن الجولة الحالية للمفاوضات، برعاية كل من الاتحاد الأفريقي وإيجاد، والاتحاد الأوروبي، والترويكا الدولية، حيث انطلقت في يونيو 2018 بأديس أبابا، مروراً بالخرطوم، وصولاً لمدينة عنتيبي الأوغندية، بعدما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً في مايو 2018 بفرض عقوبات على قادة الصراع تشمل تجميد الأرصدة، وحظر السفر، وإحالة ملف انتهاكات حقوق الإنسان بالجنوب للمحكمة الجنائية الدولية، ما لم يتم الوصول لتسوية شاملة بنهاية يوليو 2018. كما هددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعقوبات مماثلة، مع وقف المعونات الاقتصادية، واستنفار دول الجوار الجوار لإحكام تلك العقوبات.

وأشار إلى أن الآراء انقسمت بشأن مدى قدرة الاتفاق الجديد على تحقيق التسوية الشاملة بجنوب السودان، إذ أبدى البعض تفاؤلاً برعاية السودان وأوغندا للاتفاق، وهما أكثر دول الجوار تشابكاً مع الصراع، وتفهماً لأبعاده، وتأثراً بتداعياته، كما يعالج الاتفاق إشكالية استئناف تصدير النفط، وغير ذلك من المسائل الاقتصادية، التي لطالما وقفت كعقبة أمام تحسين الأوضاع الاقتصادية بالجنوب، وتدشين عمليات إعادة الإعمار، فضلاً عن كونه يحظى برعاية دولية وإقليمية تضمن إنفاذه.