"واشنطن تايمز": أردوغان "خليفة" تحت الحصار.. ويعكر مياه المتوسط لإنقاذ اقتصاده المتهالك وشعبيته الزائلة

تحت عنوان "أردوغان تركيا.. العثماني الجديد"، تناولت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، دلالات سياسة أردوغان في شرق المتوسط بما في ذلك رمزية تسميته للسفينتين المشاركتين في أعمال التنقيب غير القانوني عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.

وذكرت الصحيفة في مقال كتبه كونستانتينوس بابالوكاس وهو أحد أعضاء في مجموعة خبراء الغاز التابعة للأمم المتحدة (UNECE)، أن أردوغان قام رغم التهديدات الأوروبية وردود الفعل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل والولايات المتحدة، بالتنقيب عن الغاز بسفينة "فاتح" نسبة إلى محمد الفاتح للقسطنطينية، والأخرى بأسم "يافوز" إشارة إلى السلطان يافوز سليم أول من حمل لقب الخليفة من السلاطين العثمانيين، حيث أكدت أن هذه الأسماء قد لا تشغل الخارج ولكنها بمثابة رغبة في تعزيز شعبيته أمام الجمهور المحلي.

تاريخيا، غذى العثمانيون شهيتهم للسلطة والهيبة من خلال النجاح العسكري. ومع ذلك، على عكس الأسر الحاكمة الإسلامية الأخرى، لم يتمكنوا من التذرع بحق دائم في الحكم عبر النسب مع النبي. ولم يتمكن السلاطين من اتباع تقليد الأباطرة الرومان المسيحيين، الذين ادعوا أنهم يمثلون الله على الأرض، ولكنهم طوروا طرقًا أخرى لتعزيز شرعيتهم، بحسب الصحيفة.

وقالت صحيفة "واشنطن تايمز" إن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يحاول لعب دور الخليفة العثماني الجديد، بعد أن أرسلت تركيا قوتها البحرية في أوائل آيار/ مايو الماضي، في منطقة بحرية بين جزيرتي قبرص وكريت لمرافقة سفينة الحفر الخاصة بها "فاتح" بهدف تعكير المياه الغنية بالنفط والغاز بين المناطق الاقتصادية الخالصة اليونانية والقبرصية، في الوقت الذي أدانت الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل ومصر الحادث، فيما بدأت تركيا عمليات البحث والحفر على بعد 30 ميلًا بحريًا قبالة الساحل الغربي لقبرص، ثم أصدرت قبرص مذكرة توقيف دولية لأفراد طاقم السفينة.

وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى إن الاتحاد الأوروبي أعلن تضامنه مع قبرص، وقام بتعليق محادثات الانضمام مع تركيا، التي تعد مرشحا رسميا للانضمام إلى الاتحاد منذ عام 1999، وهدد باتخاذ تدابير "محددة" ضدها، ولكن في استجابة سريعة، أرسلت تركيا أسطولًا بحريًا جديدًا مع سفينة حفر ثانية لتوسيع عمليات الحفر في شرق البحر المتوسط.

وأضافت الصحيفة ان هناك دوائر مصالح في المنطقة منها دائرة إسرائيلية يونانية قبرصية ودائرة يونانية قبرصية مصرية، وأكدت أهمية المبادرة المصرية بتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط التي لم يتوقعها الكثيرون، وخاصة عندما دعا وزير البترول المصري طارق الملا نظراءه من دول شرق المتوسط بمن فيهم نظيريه الإسرائيلي والفلسطيني إلى منتدى شرق المتوسط للغاز ومقره القاهرة، وكذلك أشارت إلى أهمية الاجتماع الثلاثي السادس بين إسرائيل واليونان وقبرص في القدس (المحتلة) في آذار/ مارس الماضي بحضور وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو، الذي أكد خلاله الدعم الامريكي لخطوات تحقيق استقلالية الطاقة وأمنها ومواجهة التحركات الخبيثة، في إشارة للتنقيب التركي غير الشرعي وتهديد الشركات بالقوة العسكرية.

وأكدت الصحيفة أن انقرة تحت الحصار، وهي تحاول إنقاذ اقتصادها المتهالك بينما تحاول شراء منظومة صواريخ "إس 400" من روسيا تحت تهديدات العقوبات الأمريكية وطردها حاليا من برنامج مقاتلات "إف-35"، بينما تحاول فرض سيطرتها على منطقة آمنة في سوريا ضد الكرد، بينما تحاول إيجاد طريقة للتغلب على العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني، ووسط هذه البيئة التي تسودها الفوضى، يبدو أن تركيا مصممة على إثارة المتاعب في البحر المتوسط.

الدبلوماسية الثلاثية لحصار أردوغان

منذ نهاية جماعة الإخوان المدعومة من أردوغان في عام 2013 في مصر، تطورت وتكثفت الجهود الدبلوماسية الثلاثية في شرق البحر المتوسط. وبتعبير أدق، يتفهم المثلثان الإسرائيلي-اليوناني-القبرصي/ واليوناني-القبرصي-المصري قواعد الألعاب المربحة للجانبين ومعرفة كيفية اللعب النظيف والمربح لأطراف رابعة. يعتمد الخيط الناظم لهذه الفسيفساء الجيوسياسية في الشرق الأدنى، والتي تم تغيير اسمها مؤخرًا إلى "EastMed"، على عنصرين: الأمن والهيدروكربونات (موارد النفط والغاز).

التاريخ يعيد نفسه

خلال الحرب العالمية الأولى، شكلت الإمبراطورية العثمانية تحالفًا إمبراطوريًا مع الإمبراطورية الألمانية. ولكن القوى الغربية أنهت الإمبراطورية العثمانية المهزومة من خلال اتفاقية سايكس بيكو. وسيطر الفرنسيون على سوريا في عام 1921 بعد توقيع معاهدة أنقرة. وأكدت المادة 9 من المعاهدة على أن قبر سليمان شاه (جد عثمان الأول، المؤسس للإمبراطورية العثمانية) في سوريا "سيظل، بمشتملاته، ملكاً لتركيا، ويجوز لها تعيين أولياء أمر لها ويجوز لها يرفع العلم التركي هناك."

وتابع التحليل: "في فبراير 2015، دخلت القوات التركية سوريا التي مزقتها الحرب لإجلاء القوات التي تحرس القبر بحجة تهديد داعش بالهجوم. ونتيجة لذلك، تم هدم القبر ونقل الرفات إلى موقع آخر للمرة الثانية منذ 42 عامًا. وكشف تسجيل تم تسريبه لكبار المسؤولين الأتراك عن مؤامرة واضحة على غرار مسلسل "ذيل الكلب" في سوريا لمهاجمة الكرد وتعزيز فرص أردوغان في الانتخابات المقبلة. كانت واحدة من العديد من التسريبات المحرجة التي أدت إلى قيام الحكومة بحظر يوتيوب وتويتر. في النهاية، لم يهاجم داعش ولا الأتراك. وفاز أردوغان بسهولة في الانتخابات بينما كشفت تلك الأمور عن هوسه العثماني بالشرعية وحقيقة الرئيس المولع بالجماجم."

وسط هذه البيئة التي تسودها الفوضى في ملف الغاز، يبدو أن تركيا مصممة على إثارة المتاعب في البحر المتوسط بسبب عمليات الحفر. وتأسست سابقة تاريخية في عام 1976، عندما اكتشفت شركة كندية كميات كبيرة من النفط في مياه شمال اليونان. بعد ذلك، ادعت تركيا حقوقها في نصف بحر إيجة؛ وقامت بإرسال أسطول لمرافقة السفينة في المياه اليونانية وأصبحت البلدان على شفا حرب. وقام طاقم السفينة، في تقليد مستوحى من العرف العثماني، بالتضحية بحمل ورسم جباههم بدمه، وصلوا إلى الله من أجل النصر. وتم تجنب الحرب في النهاية. حدثت نفس النتائج في أزمات عامي 1987 و 1996 بين البلدين.

وأختتم المقال الذي كتبه كونستانتينوس بابالوكاس الخبير في سياسة الطاقة والمتخصص في شؤون شرق المتوسط. بإن "أردوغان الفاتح" الذي يعتبر الآن كمال أتاتورك زنديقًا وخائنًا لتوقيعه على معاهدة لوزان، "يحتاج إلى التمسك بحق دائم في حكم الشرق الأوسط في عيون المؤمنين، تمامًا مثل السلطان "الفاتح" وتوسيعه أراضي تركيا، تمامًا مثل السلطان "يافوز" الذي وسع الإمبراطورية في بلاد الشام، ومصر والمملكة العربية السعودية... وهذا، باختصار، هو السبب في تسمية سفن الحفر: لإضفاء الشرعية على ادعائه الإقليمي حتى تستمر مسيرته العثمانية الجديدة."