مجرد الحديث عنهم يحبس الأنفاس.. فتاة من الرقة تروي بصمتها فظائع داعش في المدنية

غالبا ما كنا نسمع عنها ونراها ونقرأ ما كتب عنها، قد يراها البعض فيلما تلفزيونيا ومن يقرأها يجدها قصة، لكن حتى الآن قد يكون هناك بعض الأشخاص الذين لم يسمعوا حتى اسمها.

أنا أتحدث عن مدينة الرقة تلك المدينة التي كان يصفها أهلها بالجنة قبل دخول مسلحي داعش إليها، حتى أن معنى اسمها هو العزوبة والجمال، غالبية سكانها هم من العرب كما يقطنها الكرد والأرمن، هذه المدينة تحولت إلى مركز لمسلحي داعش في وقت سابق.

عندما توجهت إلى هذه المدينة همست في قلبي "يا إلهي" لا أعلم لماذا باتت هذه الكلمة تتغلغل في داخلي، لم أفهم السر في ذلك لكني فقط بقيت أرددها مليا، فتحت نافذة السيارة لكي استمتع بجمال النظر، كل الأماكن تكتسي باللون الأخضر، حقول الذرة والقطن تضفي جمالا خاصا على طبيعة المنطقة، فمدينة الرقة تقع شمال سوريا على ضفاف نهر الفرات، ومن النهر تحصل على المياه التي تروي مزارعها.

وعند دخولي إلى المدينة اقشعر جسدي لهول المنظر، كل شيء تم تدميره وكل شيء تحول إلى خراب، شاهدت بعيني الأماكن التي تم ذبح النساء فيها وقتل وتعليق جثث الأهالي فيها، والكثير من القصص قيلت فيما يتعلق بالأشخاص الذين وقفوا في وجه مسلحي داعش ولم يستسلموا لهم، وفي كل بيت وكل شارع قصة مختلفة.

"أفينار" هي إحدى سكان الرقة والتي تعود في اصولها إلى مدينة كوباني تسير معنا وتعرفنا على المنطقة، إذ عاشت "أفينار" سنتين في الرقة بعد دخول داعش إليها، مثلها كمثل عموم أهالي الرقة ذاقت المر في ظل وجود داعش.

حين سألناها عن وضعهم سابقا أطلقت زفيرا حادا وتنهدت لتقول: "كيف أبدأ حديثي وعن ماذا أتحدث، حقيقة الأمر أننا عشنا في الرقة سنتين بعد دخول داعش إليها لكننا كنا نموت يوميا، كان كل شيء ممنوعا، والمرأة يجب أن ترتدي النقاب وأن ترتدي لباسا لا يظهر أي شيء من جسدها ولا حتى وجهها ويديها، فيما يتم قتل كل النساء اللاتي كن يرفضن الخضوع لأوامر جلادي داعش".

بعد هذا الحديث سألتها " كيف استطعتم الخروج من الظلام الذي كنتم تعيشون فيه، فقالت "أفينار": "سمعنا ذات يوم على منابر الجوامع أنه يجب على الكرد القاطنين في الرقة الخروج منها في مدة أقصاها 3 أيام، وهدد المسلحون بأن من سيبقى في الرقة سنقوم بقتله، حينها قررنا الخروج إلى كوباني انا وعائلتي بمجملها، وهناك أصبحنا نشعر بالأمان".

"أفينار" انتقلت إلى حديث آخر قائلة: "اليوم هو يوم الدورة التدريبية، سأقوم باصطحابكم إلى هناك لتشاهدوا ذلك، والدورة تشرف عليها قوات سورية الديمقراطية، بشكل خاص يتم تدريب الشباب العرب هنا، والدروة تتألف من 300 مقاتل، والكثير كانوا مستعدين لذلك وغالبيتهم كانوا من العوائل العربية".

من بين كل تلك الجموع لفتت نظري فتاة تبلغ من العمر 12عاما جالسة لوحدها على كرسي.. فتاة جميلة عيناها تشعان بالأمل.. حينها لم أتمالك نفسي وسألت "أفينار" عن تلك الفتاة وطلبت الذهاب إليها، وكانت تنظر إلينا ونحن نتوجه نحوها، أعتقد أننا لفتنا نظرها كما لفتت هي نظري، وعندما جلست إلى جانبها أول ما قمت به هو السؤال عن اسمها، فقالت لي أن اسمها هو "سعاد" وأنها تعيش في مدينة الرقة، وأنها حضرت إلى هذا المكان لتبارك لأخويها انضمامهم إلى الدورة التدريبية. فطلبت من أفينار أن تسألها فيما إذا كانت تعيش هنا حين دخل مسلحو داعش مدينة الرقة، وعندما سألتها "أفينار" عن ذلك شعرت بأن وجهها تغير وأن البريق في عينيها اختفى، شعرت بغصة توقفت في حنجرتها، وأن الكلام اختنق على لسانها على الرغم من أنني لم افهم حديثها لكني شعرت به، سألت "أفينار" عما قالته الفتاة فجاوبتني: "الفتاة تقول لا تسألوني عنهم، مجرد الحديث عنهم يحبس أنفاسي، كانت أيام عصيبة وانقضت، والآن هناك قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة تقوم بحمايتنا، وأنا هنا اليوم لأبارك لأخوتي انضمامهم إلى الدورة التدريبية التي تشرف عليها قوات سوريا الديمقراطية، وأنا عندما أكبر سأحارب من أجل حماية نفسي وحماية والدي".

هذا ما قالته لنا سعاد، ابنة الـ12 ربيعا، كلماتها كانت معبرة وذكية، وفرحتها وقوتها كانت تظهر من بريق عينيها.