في سوريا ما هي القدرات والاحتمالات و النتائج؟

حرب جديدة تلوح في الأفق على الأراضي السورية, وحالة توتر تفوق حالة التوتر أيام الحرب الباردة. تصريحات وتهديدات قوية. من الذي يملك القدرة, وهل من الممكن ان تندلع حرب هوجاء في أي لحظة؟

دول الغرب تعلن احتمالية شن هجمات على سوريا في اي لحظة, هذه التوتر و هذه الأزمة لماذا تظهر فجأة و بهذا الشكل الخطير إلى درجة ان أصوات طبول الحرب باتت تسمع من بعيد؟ منذ بداية الأزمة السورية التوازنات في المنطقة تُدمر و يعاد بناء توازنات جديدة في المنطقة. تختلط الأوراق و المهام ومن ثم يتم إعادة ترتبها. الكثير من الخطوط الحمراء وضعت و تم تجاوزها و يعاد وضع خطوط حمراء أخرى. من الذي قد يحصل في المنطقة؟ الأهداف و التوازنات الجديدة ما هي؟ ما هي احتمالات الحرب النصر و الهزيمة في هذه الحرب المحتملة؟

سبب الأزمة الجديدة هجمات 7 نيسان

المعلن إلى ان الهجمات التي استهدفت مدينة دوما بتاريخ 7 نيسان الجاري هي السبب في هذه الأزمة الجديدة. حيث أدعت منظمة المجتمع المدني المسمات الجمعية الطبية السورية الأمريكية ومجموعة محلية هي الأخيرة متهمة بعلاقتها مع المرتزقة, النظام السوري باستهداف دوما بالغازات السامة و التي أدت إلى مقتل ما يزيد على أربعين مدني. دوما مدينة قربيه جداً للعاصمة السورية دمشق و وكان يوجد فيها الكثير من الجماعات المسلحة التي تعتبر نفسها من المعارضة. المنظمة المذكورة آنفاً أدعت ان الغاز الذي استخدم في دوما أثر على نحو 500 شخص و أن رائحة هذا الغاز تشبه إلى حد كبير رائحة غاز الكلور. ومن الغير ممكن التأكد من صحة ادعاءات هذه المنظمة من قبل مصادر مستقلة.

في هذا السياق منظمة حقوق الإنسان السورية لم تؤكد ان هذه الهجوم على مدينة دوما استخدم فيه الغاز الكيماوي لكنها تحدثت عن إصابة نحو 70 شخص بحالة اختناق.

مع هذه الأنباء وعلى الفور اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية و حكومات دول الغرب النظام السوري باستخدام الغازات الكيماوية في دوما. في حين ان النظام السوري و حلفائه روسيا و ايران كذبت هذه الادعاءات واصفتاً إياها بالمؤامرة و محاولات استفزازية.

8 نيسان: بتاريخ 8 نيسان وفي تعليقة على هذا الهجوم وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئيس السوري بشار الأسد " بالحيوان" مهدداً نظام الأسد بانه سيدفع الثمن باهظاً لأنه تجاوز الخط الأحمر و استخدم الأسلحة الكيماوية , كما حمل كل من روسيا و ايران مسؤولية هذا الهجوم.

من جانبها الإدارة الروسية وحول" التدخل العسكري بهذه الحجج" حذرت واشنطن من ان نتائج اي تدخل عسكري أمريكي في سوريا ستكون مكلفة. كذلك كان لنظام الأسد ردة فعل مشابهة.

9 نيسان: في اليوم التالي 9 نيسان, استهدف غارات جوية مطاراً عسكرياً تابع لنظام السوري ( التيفور/t4) يقع على مقربة من مدينة حمص السورية. هذه الغارات أدت إلى مقتل 14 شخص بينهم 7 جنود إيرانيين. في حين وجهت كل من موسكو, طهران و دمشق أصابع الاتهام نحو إسرائيل.

الرئيس الروسي فلادمير بوتين أدان هذا الهجوم على المطار واصفاً إياه " بالاستفزازية المبنية على التكهنات". كذلك أوضح خبراء روس أنهم لم يعثروا على أي أدلة تثبت استخدام النظام السوري أسلحة كيماوية في دوما.

ومن ثم أعلنت واشنطن أنها من الممكن ان تنفذ هجوما على أهداف للنظام السوري في اي لحظة. و انطلقت المدمرة الأمريكية ( دونالد كوك) والتي تحمل على متنها نحو ستون صاروخ من نوع توماهوك من ميناء لارناكا في قبرص نحو المياه الإقليمية السورية.

10 نيسان: في العاشر من نيسان بدأ الجيش السوري بنقل قواتها و تغير مواقعها تحسباً لأي ضربة أمريكية محتملة , حيث نقلت قواتها و أسلحتها الثقيلة من المطارات و القواعد العسكرية إلى القواعد الروسية.

من جانبها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الدولية وفي نفس اليوم أعلنت عن نيتها إرسال فريق خاص إلى دوما للتحقيق في الحادثة. و طالب الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي انتوني غوتريش بالسماح للفريق بالوصول إلى دوما دون اي مضايقات لتجري تحقيقاتها بشكل مستقل. وفي نفس اليوم الغى الرئيس الأمريكي ترامب زيارة له إلى البيرو للتفرغ و الاجتماع بإدارته حول هذه القضية.

في هذا التاريخ بالذات أعلنت الحكومة الفرنسية موقفها بالقول:" اذا ما ثبت أن النظام السوري تجاوز الخط الأحمر فستلقى الرد المناسب". بالنسبة لفرنسا فمن خلال المعلومات المتبادلة بين الرئيسيين ترامب و إيمانويل ماكرون فأن المعلومات تؤكد استخدام الأسلحة الكيماوية . ماكرون أوضح ان اذا ما اتخذت فرنسا قرار ضرب سوريا فأنها ستستهدف القدرات الكيماوية للنظام.

بدوره السفير الروسي في لبنان الكساندر زاسيبكبن حذر أمريكا بالقول:" اذا ما نفذت أمريكا هجومها فأن روسيا سترد على مصادر الهجمات ". في ظل هذا التصعيد, دعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال جلسة مجلس الأمن إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في دوما, لكن روسيا استخدمت حق الفيتو خلال الجلسة اعتراضاً على المقترح الأمريكي. كذلك روسيا فشلت في حصد الأصوات المناسبة لمشروعين لها حول القضية نفسها.

11 نيسان: في الحادي عشر من نيسان وعبر تغريده للرئيس الأمريكي ترامب على صفحته الخاصة تويتر وجه رسالته تحدي إلى روسيا, وهذا ما جعل الأمور تتعقد أكثر حيث قال ترامب:" روسيا تقسم أنها ستسقط أي صاروخ يتجه نحو سوريا, إذا فلتحضر روسيا نفسها جيداً, لان الصواريخ الحديثة و الذكية قادمة نحو سوريا. كان على روسيا ان لا تقفوا إلى جانب حيوان يستخدم الغازات السامة ضد شعبه و يستمتع بهذا".

من جانبه وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس اعلن استعدادهم لطرح الخيارات العسكرية في سوريا على الرئيس ترامب. وقال: لازلنا نناقش المعلومات الاستخباراتية و التي حصلنا عليها من قبل حلفائنا.

رداً على هذا اعلن الكرملين ان أمريكا تتحج باستخدام الأسلحة الكيماوية في دوما لضرب سوريا. كما أوضح الجيش الروسي انه ومنذ الخميس الماضي ادخل الشرطة العسكرية الروسية إلى دوما. ورد بوتين بالقول:" الوضع في العالم مثير للقلق و نأمل ان يقوم الجميع بواجبه لعودة الاستقرار".

في نفس اليوم صدرت تصريح اخر عن واشنطن, قال المتحدثة باسم البيت الأبيض سارا ساندرس: جميع الخيارات مطروحة على الطاولة. وفي ردها على السؤال حول إمكانية ان تنفذ أمريكا تهديدها و تضرب سوريا ردت بالقول: إلى الأن لم يصدر القرار الأخير حول هذا.

موازين القوى

مع هذه التطورات المتسارعة للأحداث يظهر السؤال " ما هي الأهداف", " ما هي المخاطر" و " ما هي الاحتمالات"؟ أسئلة بانتظار الرد.

المدمر الأمريكية دونالد كوك و المدمرة الفرنسية الحالمة للصواريخ تقترب نحو المياه الإقليمية السورية. و يذكر ان الغواصات الأمريكية القادمة من بريطانيا تتجه نحو المتوسط لدعم المدمرتين الأمريكية و الفرنسية. و بحسب ما نشرته صحيفة ديلي ترلغراف البريطانية فأن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وجهت الأوامر للغواصات البريطانية بالاقتراب من المياه الإقليمية السورية. كذلك أوضحت بعض المصادر لقناة الـ BBC ان ماي مستعدة لتوجيه مثل هذه الأوامر و المشاركة بالضربة العسكرية ضد سوريا دون الرجوع و الحصول على إذن من البرلمان.

أما بالنسبة لفرنسها فهناك عدة سيناريوهات محتملة. بحسب ما نشر على صحيفة لي فيغارو الفرنسية, في حين بدأ الهجوم على سوريا فان الطائرات الفرنسية لن تخرج من القواعد العسكرية في الشرق الأوسط لكنها ستخرج من فرنسا. وهناك أسئلة كثيرة حول قدرات فرنسا العسكرية. كذلك ظهرت ردود أفعال معارضة للمشاركة الفرنسية حيث أعلنت فرنسا موقفها بعد إعلان أمريكا نيتها في ضرب سوريا.

ما هي الأهداف؟

ما هي الأهداف المحتملة استهدافها في هذه الضربة؟. الدول الغربية تدعي أنها ستستهدف القدرات الكيماوية لدى النظام السوري, في حين ان الكثير من القواعد العسكرية و المطارات المنتشرة في سوريا يحتمل انها تحتوي على تلك الأسلحة. كذلك من أكثر الأهداف المحتمل استهدافها هو مطار الشعيرات القريب من مدينة حمص و هذا المطار استهدف من قبل أمريكا العام الماضي بنحو 59 صاروخ من نوع توماهوك. وكان السبب في هذه الضربة هو استخدام غاز السارين في الهجمات انطلاقاً من هذا المطار.

كذلك استهدف الطائرات الإسرائيلية قسم من مركز الدراسات و الأبحاث السورية على مقربة من مدينة مصياف التابعة المحافظة طرطوس. حينا اتهمت كل من أمريكا و إسرائيل النظام السوري بإنتاج غاز السارين في هذا المركز. بدورها المحللة في مركز دراسات الحرب (Institute for the Study of War) جنيفر كافاريل وفي حديثها إلى وكالة فرانس بريس أوضحت ان احدى الأهداف المحتملة للضربة الأمريكية هو مطار دمر العسكري والذي يبعد مسافة تقدر بنحو40كم شمال غرب العاصمة دمشق. ويرجح ان الأسلحة الكيماوية التي استخدمت الأسبوع الماضي في مدينة دوما كان مصدرها هذا المطار. كما أوضحت ان أمريكا قد تستهدف مطار الـ  تي فورT4 الذي تعرض لقصف يوم الاثنين الماضي مرة أخرى.

ما هي المخاطر المحتملة؟

إلى الأن هناك احتمالات تنفيذ ضربات في سوريا في اي لحظة. وعن نتائج هذه الضربات هناك سيناريوهات عديدة محتملة. الأن جميع الأطراف تضع في حساباتها التوجه نحو معركة كبيرة. ترامب و ماكرون يتجهان نحو التحضير لتنفيذ الضربة العسكرية. كذلك هناك معلمات تؤكد الدعم البريطاني لهذه الضربة المحتملة. ضد هذه الضربة المحتملة ما هي الخيارات الروسية؟. بحسب صحيفة لي باريزيان ونقلاً عن الباحث في العلاقات الدولية الاستراتيجية ديدير بيلونغ قال: من الممكن ان تهاجم روسيا أهداف أمريكية في الأراضي السورية. مضيفاً أنهم يملكون بعض المعلومات حول هذا الاحتمال. و تابع بالقول: من الممكن ان تكون احد الأهداف هي مركز القيادة العسكرية في مدينة منبج او مركز المعلومات و الاتصال.

إلى هذا فهناك فرص قوية للطرفين ان يوجها ضربات عسكرية لبعضهم البعض, لكن اغلب الخبراء و المحللين يؤكدون ان الأزمة لن تصل إلى أكثر من التوتر و التصعيد. حول هذا يقول الخبير برونو ترتراس: التصريحات الروسية الأخيرة تشير إلى أنها تشعر بالخوف, روسيا لا يمكنها التكهن بما قد يقدم عليه ترامب. والرئيس الروسي بوتين ليس بحاجة إلى ان يورط نفسه في صراع عسكري مع أمريكا.

و يذكر ان التوتر بين أمريكا و روسيا اليوم وصل إلى مستوى كبير ومن الممكن ان يستمر إلى فترة طويلة. كذلك صرح الرئيس الفرنسي ان الجيش الفرنسي لن سيتهدف النقاط العسكرية الروسية في سوريا. و الخبراء يؤكدون ان هذا التوتر يفوق التوتر أيام الحرب الباردة, لكنهم يستبعدون ان يتحول هذا التوتر إلى حرب حقيقية. ومع هذا هم يشعرون بالقلق من احتمال اندلاع هذه الحرب في أي لحظة.