سدا "أليسو والنهضة" جريمة تركية جديدة بحق شعوب المنطقة

"أليسو"، هو سد اصطناعي ضخم، افتتح في فبراير 2018، وتم البدء في ملء خزانه المائي في 1 يونيو 2018 الجاري، أقيم على نهر دجلة، الذي ينبع من مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول، وتحديدًا من بحيرة "وان" الواقعة في قرية أليسو الواقعة في شمال كردستان المحتلة.

يرى خبراء ومتخصصون أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينفذ ويمول مخططاً هدفه تعطيش شعوب المنطقة خاصة في كل من العراق ومصر؛ بدأه بتمويل سد النهضة الإثيوبي مستغلا خلافات مصر وإثيوبيا، والآن يستكمله بسد أليسو التركي، بهدف تشتيت العراقيين وتعطيشهم، معتبرين أن تأجيل ملء الخزان حتى الشهر المقبل ليس سوى مسكن حتى تستقر الأوضاع السياسية في العراق.

ما أشبه الليلة بالبارحة .. بالأمس سد النهضة الإثيوبي يهدد بتعطيش المصريين وتجويعهم، واليوم يهدد سد أليسو التركي العراقيين بنفس الأمر، ولا أحد يعلم على من سيكون الدور مستقبلاً، ما يؤكد أن المخطط واحد ضد شعوب المنطقة، فكلاهما يتم بدعم من النظام التركي الأردوغاني.

وعلى الرغم من تأجيل تركيا بدء ملء خزان أليسو حتى الشهر المقبل، إلا أن الخبراء يرون أنه مجرد مسكن؛ وأن المخطط يسير وفق خطوات ممنهجة.

ضلوع تركيا في سد النهضة

لم يكن سد أليسو البداية بالنسبة لنظام العدالة والتنمية، فالبداية جاءت من أفريقيا التي شهدت توغلاً واضحاً لنظام أردوغان على أكثر من محور، كان البارز فيها دعم إثيوبيا لاستكمال بناء سد النهضة من بين داعمين رئيسيين مختلفين؛ وذلك نكاية في مصر التي خرج شعبها في ثورة 30 يونيو، التي عُزل فيها محمد مرسي، وبالتبعية تنظيم الإخوان المسلمين الذي يدين له أردوغان بالولاء .

حقيقة نظرية المؤامرة التركية - الإثيوبية

وأكد الدكتور نادر نور الدين خبير المياه والسدود الدولي، في تصريح لوكالة فرات للأنباء(ANF) أن التقارب السياسى "التركى - الإثيوبى" يؤكد صدق نظرية التآمر على مصر، ويكذب ادعاءات «أنقرة» بأن هدفها هو التقارب السُّنى الإسلامى فى العالم، مشيراً إلى أن إثيوبيا دولة مسيحية، ودعمها فى أهدافها التنموية على حساب مصر وشعبها يؤكد مدى كذب نظام أردوغان، ويثبت أن هدفه خنق مصر وإسقاط الدولة.

وأشار إلى أن ما ذكره أحمد داود أوغلو، وزير خارجية تركيا السابق، لنظيره الإثيوبي وقت لقائهما خلال 2014 عن تطبيق تجربة أديس أبابا في التعامل مع الأنهار الدولية هو بمثابة الكارثة على الإقليم، فبعد بناء سد "أتاتورك" توقفت مياه نهر الفرات تماماً من الوصول إلى مناطق تواجد الأكراد في سوريا، وكادت تحدث حرباً ضروساً بين البلدين لولا تدخل عدد من الدول من بينها مصر.

وأشار إلى أن تركيا تعيد الكرة الآن عبر سد "أليسو" الذي يتوقع أنه سيتسبب في جفاف نهر دجلة بالعراق أشهراً عديدة في العام الواحد فضلا عن عدم دخول العراق في اتفاقيات مع تركيا للحصول على حصة مجانية من الكهرباء الناتجة عن السد نظير انخفاض منسوب المياه وتعرض الزراعات للخطر.

إثيوبيا تستغل الخلاف المصر التركي لتمويل للسد

وأضاف نور الدين أن التقرير الدولي للجنة الخبراء أكد أن الدراسات التي أعدتها إثيوبيا عن سد النهضة غير مكتملة ولا ترقى لحجم السد، بينما تؤكد تقارير مصرية أن للسد آثاراً كارثية على مصر، مشيرًا إلى أن تصعيد تركيا لحربها مع مصر بمساعدة أديس أبابا في بناء سد النهضة، تعتبر محاولات "خبيثة" من إثيوبيا للاستفادة من حالة الشقاق السياسي بين البلدين.

وبدوره قال اللواء ممدوح قطب، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق المسئول عن ملف "حوض النيل"، إن إثيوبيا هي الأخرى استثمرت توتر العلاقات بين مصر تركيا، لإيجاد تمويل للسد الذي يحتاج 8 مليارات دولار وأن إهمال ملف شديد الخطورة مثل "مياه النيل" له تأثير كارثي، مشيراً إلى أن استكمال التحرك في خارطة الطريق ضرورة لكي يتم التفرغ لملف سد النهضة.

سد أليسو يهدد بتعطيش وتجويع العراقيين

وأصرت تركيا على إنهاء سد أليسو وملء خزانه، بالتزامن مع تصريحات نارية من أردوغان ضد العراق وحكومته بأنه على استعداد للتدخل عسكرياً داخل حدود بلاد الرافدين لضرب مواقع حزب العمال الكردستاني في المنطقة في انتهاك سافر لسيادة دولة العراق، معتقدًا أن الدول ليست لها سيادة وحدود يجب أن تحترم، وأنه لولا ضعف سوريا في الوقت الحالي لما تمكن من احتلال عفرين السورية، في ظل صمت تام من المجتمع الدولي وتوافق كامل بين القوى اللاعبة على الأرض السورية بما فيها روسيا وسوريا وإيران.

وتهدف الحكومة التركية من بناء هذا السد، كما تقول، بشكل أساسي، إلى توليد الطاقة الكهربائية عن طريق محطات الطاقة الكهرومائية، إذ من شأنه أن يساعد على توليد طاقة تصل إلى 1200 ميجاوات، ستغطي احتياجات نحو مليوني أسرة تركية من الطاقة، فضلا عن سعيها أيضاً إلى تحقيق تنمية اقتصادية في المناطق التركية الواقعة جنوب شرق الأناضول، والمتميزة بارتفاع عالٍ في نسبة البطالة والفقر، فمن شأن هذا المشروع، أن يساعد على إيجاد فرص عمل لسكان هذه المنطقة، والمساهمة أيضًا في تحسين نوعية الحياة ومستوى التعليم.

العراقيون يفندون الحجج التركية الواهية

ولقيت فكرة إنشاء السد من البداية اعتراضات عراقية، فندت الحجة التركية، قائلين، إن "تركيا لا تعاني من أي أزمة في الطاقة، فرغم أن استهلاك الطاقة يزداد سنويًّا بنسبة 5 إلى 6%، إلا أن هناك إهمالاً كبيرًا في استغلال كل الإمكانيات، وتركيا لا تحتاج إلى مزيد من مصادر الطاقة منذ عشر سنوات".

تأثيره على العراق

ونظراً لاعتماد سكان العراق بشكلٍ أساسي على مياه نهر دجلة، فإن مشروع السد من شأنه تقليل واردات مياه النهر بنسبة 60%، حيث ستنخفض كميات المياه من 20 مليار م3 إلى 9 مليارات م3، الأمر الذي سينعكس بدوره على جميع السكان المقيمين على حوض دجلة، كما سيتردى الوضع الاقتصادي للمزارعين الذين يعتمدون بصورة أساسية على مياه النهر في ري حقولهم ومزارعهم التي ستعاني من قلة إمدادات المياه، إلى جانب ظهور الحاجة إلى الاستيراد بدلاً من الاكتفاء الذاتي أو شبه الذاتي لبعض المحاصيل الزراعية، كما ستحدث زيادة كبيرة في معدلات البطالة بالبلاد.

وعلى الرغم من صدور قرار من حكومة تركيا بتأجيل ملء السد حتى الشهر القادم، إلا أن المتابعين اعتبروا ذلك مماطلة وتسويف بهدف تسكين الشارع العراقي الغاضب بشكل مؤقت، حتى ينتهي العراقيون من تشكيل الحكومة واختيار كتلة الأغلبية في البرلمان وتستقر الأمور ثم بعدها يتم البدء في ملء الخزان مرة أخرى.

واجتاحت حالة من الغضب العراق، خلال الأيام الماضية، ونظّم النشطاء مظاهرات، ووقفات احتجاجية غاضبة ضد القرار الذي يهدد بتدمير الثروة الزراعية والحيوانية، أبرزها وقفة احتجاجية نظمها العشرات من المتظاهرين أمام السفارة التركية في منطقة الوزيرية وسط بغداد، احتجاجاً على ملء تركيا سد إليسو، وتسببه بانخفاض مناسيب المياه في نهر دجلة، ورفعوا شعارات بينها "قطعكم لمياه نهر دجلة جريمة إبادة للشعب العراقي"، و"لن تقتلوا دجلة والفرات بلاد النهرين الخالدة"، و"أردوغان إلزم حدودك أردوغان.. افتح سدودك"، فضلا عن تعطيش الإنسان، فيما انبرت الكتل السياسية والنواب والمسئولون في الهجوم على تركيا.

حقائق وأرقام

و"أليسو"، هو سد اصطناعي تركي ضخم، افتتح في فبراير 2018، وتم البدء في ملء خزانه المائي في 1 يونيو 2018 الجاري، أقيم على نهر دجلة، الذي ينبع من مرتفعات جنوب شرق هضبة الأناضول، وتحديدًا من بحيرة "وان" الواقعة في قرية أليسو، ويصب في الخليج العربي بعد لقائه بنهر الفرات، ويتمركز في منطقة دراجيجيتين الواقعة على بعد 45 كليو متر من الحدود السورية، وبدأت الحكومة التركية في إنشائه عام 2006، وكان من المفترض أن يكتمل في 2014، وسعته 10.4 مليارات م3.

وصُمِّم السد بارتفاع 135 متراً، وعرض 1820 متراً، ويبلغ حجمه 34 ملياراً، و900 مليون م³، بعرض 15 م عند القمة وعرض 610 م عند القاعدة، ويتم التحكم به عن طريق ثماني بوابات شعاعية، ثم أربع مزالق تصب فيها المياه قبل أن تصل إلى بركة الخزان، كما يحتوي على مولدات-توربين فرانسيس بقدرة 6×200 م.و.

تحذيرات ناسا

ويأتي ذلك، بعد تحذير وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، في دراسة جديدة، من تناقص المياه العذبة بشكل ملحوظ في 19 منطقة حارة حول العالم، ولا سيما في العراق وسوريا، مضيفًة في تقرير لها صدر أخيرًا، أن تزايد اعتماد البلدين على المياه الجوفية خلال السنوات الأخيرة، جاء نتيجة اثنين وعشرين سدًا أقامتها تركيا على نهري دجلة والفرات خلال العقود الثلاثة الماضية، الأمر الذي جعل الإقليم من بين أكبر المناطق سخونة في العالم.

ضياع مهنة الأجداد

في الوقت نفسه؛ وصف باحثون وأكاديميون عراقيون المشروعات التركية على نهري دجلة والفرات، بأن لها أبعاد سياسية واقتصادية مدمرة لدول الجوار، خصوصا العراق، الذي سيتأثر اقتصاده سلباً، خصوصاً قطاع الزراعة، مؤكدين أن امتلاء خزانات سدي أليسو على دجلة وأتاتورك على الفرات، سيؤديان لحرمان العراق من 50% من وارداته، ويحرم عشرات الآلاف من المزارعين من مهنة الآباء والأجداد، إذ ستنخفض مساحة الأراضي القابلة للزراعة إلى نحو ثلاثة ملايين دونم، وسيؤدي إلى زيادة التصحر والتلوث وانخفاض كبير في إنتاج الطاقة الكهربائية، خصوصًا وأن العراق يعتمد بشكل أساسي على واردات المياه بنهري دجلة والفرات في تأمين احتياجاته المائية بجميع المحافظات.

 

 

صور:

 

1- نموذج سد إليسا

 

2- سد النهضة في إثيوبيا

 

3- سد النهضة بعد اكتمال بنائه

 

4- نهر دجلة بعد جفافه

 

5- وقفة احتجاجية في العراق ضد أردوغان وتركيا

 

 

6- جسر مطل على نهر دجلة