زيلان تانيا: انتفاضة إيران نتيجة حتمية لسياسات النظام

أكدت الرئيسة المشتركة لجمعية الديمقراطية والحرية لشرق كردستان “KODAR” زيلان تانيا، أن ما يجري في إيران من انتفاضة هي “ثورة الديمقراطية للشعوب الإيرانية”، وأوضحت أن هذه الانتفاضة هي نتيجة حتمية للسياسات التي اتبعها النظام طيلة 38 عام بحق الشعوب الإيرانية،

وحيّت زيلان تانيا الشعوب الإيرانية المنتفضة ولفتت إلى أن الانتفاضة الإيرانية مرتبطة بالعوامل الداخلية وذهنية النظام الحاكم وسياساته، وأوضحت أن انطلاق الانتفاضة من مدن يتم منها تسيير سياسات إيران مثل مشهد وقم هي دليل على إفلاس سياسات النظام والذهنية التي حاول زرعها، ودعت النظام لاتخاذ مطالب الشعب على محمل الجد.

وتشهد إيران منذ أسبوع تظاهرات واحتجاجات ضد سياسات النظام الحاكم، وجابهتها السلطات بالقمع لتتحول إلى عنف قتل فيها العشرات من المدنيين وعدد من أفراد الأمن، وللحديث عن أسباب هذه الانتفاضة وأوجه الشبه بينها وبين ما يسمى بثورات الربيع العربي وأسباب رفع المحتجين شعارات “اتركوا سوريا ولبنان والتفتوا إلينا”، حاورت وكالة أنباء هاوار الرئيسة المشتركة لجمعية الديمقراطية والحرية لشرق كردستان “KODAR” زيلان تانيا.

ونص الحوار هو كالتالي:

*بدأت انتفاضة شرق كردستان (روجهلات) وإيران في 29 كانون الأول عام 2017 وانتشرت في العديد من المدن، ما هي أسباب هذه الانتفاضة؟

في البداية نحيّ انتفاضة شعوب إيران وروجهلات التي انطلقت من أجل الحرية ونيل الحقوق المشروعة. بدون شك إن الأوضاع الجارية في روجهلات كردستان وإيران هي امتداد لانتفاضة شعوب المنطقة، وهي نتيجة حتمية للسياسات التي اتبعها النظام الإيراني على مدار 38 عاماً على الشعب. فالنظام الإيراني طيلة هذه الأعوام كوّن نفسه على أساس الذهنية الدكتاتورية الفاشية والمركزية، وأحكم قبضته على السلطة، وكي يطبق هذه الذهنية على المجتمع وتصبح كثقافة مجتمعية، عمل النظام على كافة المستويات. لذا فإن الانتفاضة الجارية هي بوجه هذه الذهنية الفاشية والمتعصبة جنسياً التي تضع الحواجز أمام المجتمع وطريقة تفكيره وعيشه، ومطالبه وهي بوجه الذهنية التي تتخذ القرارات بدلاً من المجتمع وتجعله تابعاً لها ومجبراً على تنفيذ قراراتها.

ونرى اليوم أن سياسات النظام الحاكم أوصلت المجتمع إلى أفق مسدود تنعدم فيه الإمكانات والتفكير وبات هذا المجتمع غير قادر على العيش بإرادته الحرة. وعلى الرغم من أن المجتمع منح العديد من الفرص لهذا النظام، وشهدت الدولة انتفاضات في مراحل مختلفة، ونبهت الشعوب الدولة لسياساتها وانتقدتها، إلا أن النظام الحاكم لم يخط أية خطوات عملية سواء في الانتخابات الرئاسية أو مجالس الشورى في المدن، فالدولة وعدت الشعب كثيراً، ولكنها لم تف بوعودها وأفرغت ردود فعل الشعب الإيراني دائماً من فحواها وعملت مجدداً عبر سياساتها على فرض وجودها كظل على الشعب، وأهملت مطالب الشعب ونستطيع القول أنها ضحكت على المجتمع.

النظام الإيراني اتبع سياسات الإنكار وعمليات الإعدام والتهجير وخلق المشاكل المجتمعية التي يعاني منها المجتمع الآن، من أجل إخافة الشعب. ولم يمنح الفرصة للشعب الإيراني كي يعيش حياة حرة بلونه وثقافته.

والمجتمع الإيراني بطبيعته هو مجتمع واع منح العديد من الفرص للنظام كي يخطو خطوات لحل المشاكل الموجودة، وأراد عبر مواقفه التي عبر عنها بكل وضوح في كثير من الأحيان حول سياسات النظام ومطالبته له بعدم اختبار صبره وتأكيده على أنه سيحاسبه يوماً ما، أن يسير بإيران نحو الديمقراطية، ولكن مع انتفاضة الشعوب الآن نرى أن تلك المرحلة انتهت.

في الحقيقة الشعب الإيراني كان جاهزاً لأداء ما يقع على عاتقه في أي وقت كان وقدم التضحيات وكان صاحب موقف، ولكن النظام لم يخط أية خطوات، لذا فإن المواقف التي يعبر عنها الشعب الآن هي مواقف مشروعة ومحقة والمطلوب هو تبني هذه المواقف. والانتفاضة التي هي انتفاضة لإسقاط الدكتاتورية والفاشية والبدء بمرحلة الديمقراطية.

*هل تشبه الانتفاضة التي بدأت في إيران، الربيع العربي؟ ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الانتفاضة الإيرانية والربيع العربي؟

في السنوات الأخيرة كنا شهوداً على تغييرات جذرية في الشرق الأوسط، ففي العديد من الدول وخصوصاً العربية اندلعت انتفاضات شعبية بوجه أنظمة الحكم الدكتاتورية والفاشية. هذه الانتفاضات كانت على مستوى الثورات وحققت العديد من التغييرات، وهذه الانتفاضات مستمرة كسلسلة مرتبطة ببعضها البعض. وإيران كانت محرومة من هذه الثورات، ولم تستطع تغيير نفسها، لذا فإن الشعب يقوم الآن بواجبه من أجل الدمقرطة، وبالتالي يمكن القول أن ما يجري في إيران هو استكمال لمرحلة دمقرطة الشرق الأوسط وثوراته، والمرحلة المعاشة في إيران هي مرحلة ثورة الديمقراطية للشعوب الإيرانية.

*عندما تندلع الثورة في أي دولة، يتهم نظامها الحاكم الدول الخارجية بالضلوع فيها، والنظام الإيراني أيضاً يتهم أطرافاً خارجية، هل التصريحات الإيرانية تعبر عن الوضع؟

الوضع الموجود الآن مرتبط بالذهنية والسياسة التي اتبعها النظام الإيراني للإبقاء على ذاته، وهو مرتبط بالأوضاع والعوامل الداخلية بالدرجة الأولى، فالنظام اعتمد على المذهبية، وفرض هذا المذهب على بقية الشعوب، وفرض اللغة والثقافة والعلم الواحد على الشعوب الإيرانية، وانكر التعددية في المجتمع، واتبع سياسة الإبادة البيضاء بحق الشعوب، كما اتبع مختلف أنواع سياسات التجويع لإخضاع المجتمع وتربيته، وسعى للقضاء على ثقافة المجتمع وقيم الشعوب وإنكار هويتها وإرادتها، واتبع سياسة الإبادة بحق الشخصيات الثقافية والسياسية والديمقراطية ونفذ عمليات الإعدام بحقهم.

وأراد النظام الإيراني عبر سياساته هذه إخافة الشعوب وإخضاعها، وأراد أن يجعل من الشعوب تابعة له وكجيش ينفذ أوامره. ولكن الشعب الإيراني منذ القدم كان شعباً واعياً من الناحية التاريخية والفلسفية وصاحب معرفة كبيرة، لذا فإن هذه السياسات دفعت الشعوب للمطالبة بحريتها، ولكي تتبنى هذه الشعوب وجودها، هويتها وثقافتها الديمقراطية الممتدة لآلاف السنوات والعيش المشترك، أظهرت ردة الفعل التي نجدها في الوقت الحالي.

وهناك أيضاً جوانب خارجية لهذه الانتفاضة، فما يجري في الشرق الأوسط هو حرب عالمية ثالثة لإسقاط الأنظمة المتسلطة ومن بينها إيران، لذلك نجد أن هناك تدخلات خارجية، فالجميع يعلم أن هناك حصار اقتصادي وقضايا فتحت ضد إيران، وتم عبرها التسريع للوصول إلى هذه المرحلة.

وعادة ما تسعى الأنظمة لامتصاص ثورة الشعب عبر ربط ما يجري في البلاد بجهات خارجية، كي تستمر بديمومتها وقطع الطريق أمام الثورات، وكذلك كي تمنح المشروعية لممارساتها ضد الشعب والشخصيات السياسية والثقافية، ولكن ما يقوله النظام الإيراني بربط ما يجري بجهات خارجية لن تمكنه من تجاوز ما فعله عبر سياساته. وهنا يجب أن يتساءل القادة الإيرانيون عن الأسباب التي دفعت المجتمع الإيراني للوصول إلى هذه المرحلة؟ وأن ينقلوا هذه الأجوبة إلى الشعب.

ولكن تبقى العوامل الداخلية وأوضاع المجتمع الإيراني التي يعيشها في الوقت الحالي من الناحية الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، الجانب الأهم. لذا نجد أن الشعب خرج إلى الساحات ضد الدكتاتورية ورفع شعار “تحيا الحرية”.

*الشعب رفع خلال الانتفاضة شعارات “اتركوا سوريا ولبنان والتفتوا إلينا”. ماهي رسالة الشعب من هذه الشعارات؟

السنوات الـ9 الماضية في إيران شهدت العديد من الانتفاضات والمحاولات والمشاريع التي قدمتها الشعوب كي تتوجه بإيران نحو تغيرات ديمقراطية، قادتها حركات ديمقراطية مثل PJAK، KODAR، وقدمت هذه الحركات مشاريع مناسبة للمجتمع والتنوع الإيراني ومناسبة للوضع الذي تمر به الشعوب مثل الكرد، ومناسبة لقطع الطريق أمام التناقضات وفتح المجال أمام التغيير، لكن كافة مواقف النظام كانت بالرد والتشويه، لذلك لم يخط النظام أية خطوات.

وفي التغيرات التي حصلت في الشرق الأوسط منذ عام 2010، أرادت إيران أن تحقق مشروعها بالهلال الشيعي في المنطقة وأن تصبح قوة إقليمية ذات نفوذ وتعيد أمجاد الإمبراطورية الصفوية، لذلك وجهت سياساتها نحو الخارج، ونقلت الصورة إلى الداخل بأن الإيرانيين موجودون في الخنادق خارج البلاد ومعرضون للهلاك وعلى الشعب أن يترك مشاكله الداخلية وأن يستنفر من أجل تطبيق مشاريع إيران، لذلك لم تستمع السلطات لمشاكل الشعب ولم تعرها الاهتمام ولم تقدم مشاريع حل لها، بل على العكس أصبح الشعب الإيراني ضحية لمشاريع إيران خارج الحدود، إذ أن كافة السياسات والمشاريع الاحتلالية للنظام الإيراني في المنطقة كانت تتم باسم الشعب الإيراني.

وبالطبع فإن من حق الشعب أن يحاسب النظام على كافة المحاولات والمشاريع التي قدمها من أجل فتح الباب أمام التغيير والديمقراطية، وأن يتساءل عن كافة السياسات التي تم تطبيقها في الخارج باسمه وكذلك الضحايا التي قدمها خارج البلاد، والخلافات التي أوجدها النظام الحاكم بين شعوب المنطقة وبين المذاهب الموجودة في إيران.

لذلك نرى أن الشعارات تنادي النظام بإيقاف سياساته خارج البلاد، وأن يتوجه إلى المشاكل الإيرانية وإيجاد الحلول لها، كما أن محاولات النظام بربط ما يجري بجهات خارجية لن تجدي نفعاً، وأضاع النظام الإيراني الفرصة، والرسالة التي يجب أن يفهمها المسؤولون الإيرانيون هي “محاسبة الشعب” للنظام في الداخل على سياساته التي اتبعها في الخارج، وهذه الشعارات هي شعارات أساسية يجب أن يخطو النظام من أجلها الخطوات حتى وإن كان متأخراً.

*بعض المدن الإيرانية الكبيرة هي مراكز مذهبية للسلطة الإيرانية مثل قم ومشهد، لماذا انطلقت انتفاضة شعوب إيران من هذه المدن؟

إن هذه المراكز يتم منها تسيير سياسة إيران، وهي مدن هامة تعلب دوراً استراتيجياً كون النظام الإيراني كان يستند عليها ويرى المشاكل في المدن الأخرى، ولكن انطلاق انتفاضة الشعوب من هذه المدن تأكيد على إفلاس الذهنية وسياسة النظام الإيراني، وبالتالي فإن ردة فعل الشعب في مشهد وقم وطهران وغيرها من المدن ذات تأثير كبير على إيران، وهي رسالة إلى النظام الإيراني بأن الذهنية التي سعى النظام لزرعها في هذه المدن وعلى طول إيران، أفلست. وما إحراق الشعب لصور الخميني وخامنئي والمطالبة برحيل روحاني، إلا رسالة مفادها بأن الشعب الإيراني ذو موقف موحد ويطالب بالتغيير.

*إذا استمرت الانتفاضة في إيران، ما هي الخطوات الواجب اتخاذها للوصول إلى الديمقراطية في إيران؟

المرحلة التي بدأت هي مرحلة هامة جداً من مختلف النواحي الداخلية المرتبطة بإيران والخارجية في المنطقة، لذلك من الضروري متابعة الوضع عن كثب، ويجب على الدولة أن تتخذ مطالب الشعب المحقة على محمل الجد وأن تبدأ بالتغيير والتوجه نحو الديمقراطية انطلاقاً من الدستور ووصولاً إلى كافة الساحات من الناحية العملية، كما يجب عليها أن تتحاور مع قادات الكرد والإيرانيين وأن تشكل الأرضية السياسية من أجل تحقيق التغيير.

وبدون شك فإننا نقف إلى جانب شعب روجهلات كردستان والشعوب الإيرانية، ولكي تتطور مطالب الشعب السياسية وأن يصل الشعب لحقوقه فإننا كقوة إيديولوجية، سياسية ومجتمعية مستعدون لأداء ما يقع على عاتقنا وتطوير مشاريع الحل لدمقرطة إيران ونملك مشاريع هادفة وسنقدمها بالشكل المطلوب، فأحد أهدافنا الرئيسية هي بناء إيران ديمقراطية وكردستان ديمقراطية حرة، ونحن نتابع الوضع عن كثب وعلى ضوء المستجدات سنحدد موقفنا خطوة بخطوة.