تحليل| بريطانيا تتجه للمعسكر الأمريكي في إستهداف إيران بعد حادثتي جبل طارق وهرمز

لطالما كان الموقف البريطاني يتمتع بالاستقالية بين الموقفين الأوروبي "المتسامح" والأمريكي "المتشدد" تجاه إيران، لكن واقعة احتجاز البحرية البريطانية لناقلة النفط الايرانية في جبل طارق لن تترك هذا الموقف كما كان قبلها.

بعد إعلانها رفع مستوى أمن الملاحة إلى أقصى درجاته، أصبح من الوارد دخول بريطانيا في مواجهة مباشرة مع إيران على خلفية تهديد الأخيرة للسفن البريطانية التي تمر بمضيق هرمز الاستراتيجي بالخليج، لتدخل بريطانيا بذلك الى معسكر الولايات المتحدة وحلفاءها في التصعيد ضد إيران على خلفية اتهام طهران باستهداف ناقلات النفط في الخليج، فضلا عن اسقاطها لطائرة أمريكية بدون طيار، وسط تفاقم في الأزمة المترتبة على رفعها معدلات تخصيب اليورانيوم وخروجها على التزاماتها بموجب الاتفاق النووي مع القوى الكبرى الذي انسحب منه الرئيس الامريكي دونالد ترامب العام الماضي.

الاسبوع الماضي، تمكنت مدمرة بريطانية من افشال محاولة زوارق ايرانية لاحتجاز ناقلة نفط بريطانية كانت تمر عبر مضيق هرمز، بعد أن وجهت المدمرة البريطانية مدافعها صوب الزوارق الحربية التابعة للحرس الثوري، وتجبرها على التراجع، وذلك ما اعتبرته بريطانيا تنفيذا لتهديدات طهران بالرد على قيام البحرية الملكية بالتعاون مع سلطات جبل طارق باحتجاز ناقلة نفط ايرانية كانت في طريقها الى سوريا، وذلك تطبيقا للعقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا، وليس كما ظن البعض انه يأتي في اطار العقوبات الأمريكية المفروضة على صادرات النفط الايرانية، حيث تعهدت ادارة ترامب بتصفير الصادرات النفطية الايرانية بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي.

وذكرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها حول الأزمة الايرانية، أن الادارة الأمريكية رحبت بشدة بالخطوة التي قامت بها البحرية البريطانية يوم 4 تموز/ يوليو، حيث أشاد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بالعملية باعتبارها "حضورا حقيقيًا للرابع من يوليو" في إشارة إلى عيد الاستقلال الأمريكي.

ولفت التحليل الى ان الخطوة البريطانية رغم انها تزيد من مخاطر المواجهة بين بريطانيا وايران، الا انها تقربها اكثر من المحور الأمريكي، وتبعدها عن الخط المتبع من فرنسا والمانيا في مفاوضات الملف النووي.

واشار التحليل الى ان ذلك يأتي في الوقت الذي يسعى فيه الدبلوماسيون الاوروبيون لاستئناف الحوار مع طهران، بعد ان تحدث الرئيس الايراني حسن روحاني مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون في 6 تموز/ يوليو ووافق على محاولة إحياء الحوار متعدد الأطراف بحلول 15 تموز/ يوليو. بالنسبة للأوروبيين ، تتحرك التفاعلات في اتجاهين: أولاً، تشجيع طهران على عكس مسارها من خلال عرض الإسراع بالعمل ضمن القنوات المالية التي تتحايل على العقوبات الأمريكية INSTEX ، وثانياً، حث واشنطن على النظر في شكل من أشكال تخفيف العقوبات. وتتمثل إحدى الطرق الممكنة للمضي قدماً في استئناف طهران امتثالها لإلتزامات الاتفاق النووي مع القوى الكبرى JCPOA وإحراز تقدم فيما يتعلق بالإفراج عن مواطنين أميركيين - إيرانيين مزدوجي الجنسية تم احتجازهم في إيران مقابل اسقاط بعض العقوبات الأمريكية، وعلى الأخص فيما يتعلق بصادرات النفط الإيرانية.

وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف أنه سيتم تسليم ناقلة النفط المحتجزة في جبل طارق إذا قدمت طهران ضمانات أنها لا تنتهك العقوبات التي يفرضها الاتحاد الاوروبي بتوجهها الى سوريا. وأبلغ ظريف نظيره البريطاني "حرص إيران على حل أزمة الناقلة التي احتجزت بجبل طارق وعدم التصعيد"، مؤكداً أن طهران لا ترغب بالتصعيد.

مزيد من الحضور البريطاني في الخليج

تنظم المدمّرة الحربية إتش إم اس دنكان HMS Duncan إلى فرقاطة إتش إم اس مونتروز HMS Montrose هذا الاسبوع، لتزيد من الوجود العسكري البريطاني في الخليج في ظل التهديدات الايرانية، وذلك بعد ان ارسلت الولايات المتحدة قاذفات استراتيجية وحاملة طائرات قبل عدة اسابيع.

وقال تحليل بصحيفة إندبندنت البريطانية أن بريطانيا أصبحت على حافة الانخراط في نزاعٍ ليس بوسعها أن تنشر فيه عدد محدود من القوّات وحسب، ولكنها قد تصبح جرّاء ذلك هدفاً للردّ الإيراني على أيّ تصعيدٍ أمريكي للنزاع.

ويشكك المراقبون في ان بريطانيا قامت باحتجاز السفينة الايرانية في جبل طارق إلتزاما بالعقوبات الاوروبية على سوريا، حيث يرى الخبراء أنه جاء استجابة للولايات المتحدة، وتابع تحليل باتريك كوبيرن مراسل الشؤون الدولية في إندبندنت: "في حال كانت الولايات المتحدة وراء قيام البحرية الملكية البريطانية بتوقيف ناقلة النفط الإيرانية قبالة سواحل جبل طارق زُعم انها تتجه إلى سوريا. من الصعب أخذ الادعاء البريطاني بأنهم قاموا بهذا النوع من العمل الاستفزازي إثر طلبٍ من السلطات في جبل طارق وبهدف البدء بتطبيق العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا على محمل الجدّ."

واضاف: "غير أنّ بريطانيا متورّطة فعلاً في هذه اللعبة الخطيرة ومن المحتمل أن يجد الإيرانيون أنّه من الأقلّ خطورة التحرّك ضدّ بريطانيا التي يتهمونها بأنها وكيلة للولايات المتحدة، عوضاً عن التحرّك مباشرةً ضدّ الاخيرة."

"من وجهة النظر البريطانية، حملت الأزمة في جنوبي الخليج أوجه شبه لمشاركة بريطانيا إلى جانب الولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003. فهي تجعل من نفسها هدفاً من دون أن تدرك إلى أين تتجّه الولايات المتحدة وإلى أيّ مدى ترمب - إلى جانب أكثر قادته العسكريين تشدداً- مستعدين للدخول في حربٍ محدودة أو شاملة مع إيران. وليست الضجّة التي أثيرت حول إجبار السفير البريطاني إلى الولايات المتحدة السير كيم داروش على الرحيل من واشنطن سوى مثال على النفوذ البريطاني المحدود في البيت الأبيض"، بحسب تحليل "إندبندنت".