اقليم كردستان بين تهديدات الحشد الشعبي ودعوات الحوار والمواقف الدولية

منذ احتلال الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي لمدينة كركوك واستيلائهم على المناطق الغنية بالنفط, ومن ثم هجومهم على معظم المناطق المتنازع عليها بين حكومة بغداد واقليم كردستان, ظهرت تباينات واضحة في مواقف قادة الاقليم على شكل خلافات عميقة.

تمكنت قوات الجيش العراقي, المصحوبة بميليشيات الحشد الشعبي. من قلب موازين القوى في العراق, بعد أن سيطرت على جزء كبير من المناطق المتنازع عليها بين بغداد واقليم كردستان.

وقد أدّى هذا التقدم العراقي الى انسحاب البيشمركة من تلك المناطق, وحصل شرخٌ واضح بين القوّتين الرئيسيتين في جنوب كردستان, الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني وحزب الاتحاد الوطني, الذي كان يتزعّمه رئيس جمهورية العراق السابق, الراحل جلال الطالباني. لا بل شهد حزب الاتحاد نفسه انقساما بين جناح كوسرت رسول وجناح زوجة الطالباني, هيرو ابراهيم.

دخل مقاتلو قوات حماية الشعب (HPG) على خط المواجهة, وشكّلوا خطاً دفاعيا لحماية المدينة من السقوط وانقاذ ارواح المدنيين, لكنّهم اضطروا للانسحاب بعد ترك قوات البيشمركة لكافة نقاط تمركزها, داخل المدينة وفي محيطها. وهذا ما أعلنته HPG في بيان رسمي.

بعد سقوط كركوك بيد القوات العراقية في 16 من تشرين الاول الجاري, بدأ طرفا القيادة في اقليم كردستان بكيل التهم لبعضهما. قيادة الاقليم بزعامة البرزاني اتّهم البيشمركة المنضويين تحت لواء الاتحاد الوطني ب"الخيانة" وأنّهم سلّموا كركوك للقوات "المحتلة", بحسب وصف نائب رئيس الاقليم, كوسرت رسول. ومن جهته, حمّل الاتحاد الوطني قيادة الاقليم مسؤولية سقوط كركوك, وهجوم القوات العراقية, لأنها لم تصغِ للمطالب الاقليمية والدولية الداعية لتأجيل عملية الاستفتاء.

ووصف الكاتب والباحث الكردي, حسين جمو, في حديثه لوكالتنا, هذه الاتهامات المتبادلة ب"الحالة الطبيعية في العمل السياسي", حيث "أن الجناح العسكري التابع لبافل طالباني دخل في صفقة ونفذ الجزء الخاص به مع إيران بشكل منفرد".

لكن في الوقت ذاته, لم يبادر الطرف الآخر الى المقاومة, أي طرف البرزاني, كما قال جمو إنّما "اتّخذ خطوات استسلامية تمثلت في انسحاب عسكري كارثي. بافل طالباني لا يتحكم سوى بجزء صغير من القوات. والانكسار غير المبرر على جبهة شنكال وربيعة وزمار يترك إشارة استفهام مع تعجب".

دخل الحشد الشعبي الى قلب المدن في المناطق المتنازعة عليها. شهدت تلك المدن, وبخاصة كركوك موجة نزوح جماعية بين صفوف المدنيين, خوفا من ممارسات مرتزقة الحشد الشعبي بحق المواطنين. وهذا ما أنذر بوضع كارثي يهدد المنطقة على العموم.

أيدت دولة الاحتلال التركي هذا الهجوم على جنوب كردستان, وابدى رئيسها, رجب اردوغان دعمه الكامل للحكومة العراقية, وحتى ميليشيات الحشد الشعبي, وقال بأن بلاده مستعدّة للتعاون على الارض.

ألتزمت الادارة الامريكية الحياد حيال تطور الاوضاع الميدانية في اقليم كردستان, وهذا ما بدا واضحا على لسان الرئيس دونالد ترمب. ووصف التحالف الدولي العمليات العسكرية العراقية ب"التنسيقية", في موقفٍ بدا كالموافق, بلّ الداعم لتلك العمليات. أما الاتحاد الاوربي, فقد بارك للعبادي خطوته تلك, واصفاً اياها بالضرورية للحفاظ على وحدة الاراضي العراقية, وهذا ماقالته مفوضة الاتحاد الاوربي, فدريكا موغريني في مكالمة هاتفية بينها وبين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.

وتحدّث حسين جمو عن "صدمة كردية" حيال ماجرى لجهة التفهّم الامريكي للعملية العسكرية, لكنّه قال في الوقت نفسه "لا يمكننا الطلب من أميركا ان تدافع عنّا في وقت تركت قوات البيشمركة الجبهات المتقدمة الحاسمة. هل صمد الكرد وتخلت عنهم أميركا؟ لا".

وكخطوة لكسب مشاعر الشعوب في دول العالم, طالب مسعود البرزاني من الجاليات الكردية المتواجدة في اوربا وامريكا بالخروج في تظاهرات, سلمية مدنية, للضغط على الرأي العام العالمي لحماية "شعب كردستان" من هجوم محتمل من قبل قوى, وصفها بالمعادية, وارتكاب مجازر جديدة بحق ابناء الشعب الكردي.

ويرى الباحث الكردي أنّ هذه الخطوة ايجابية, لكن إذا ترافقت مع اجراءات أخرى "على رأسها دعوة القوى الكردستانية الداعمة للاستقلال من أجل عقد مؤتمر قومي كردستاني من أجل وضع استراتيجية كردستانية متكاملة للخروج من هذه المحنة". أمّا إذا كانت تلك الدعوة لتحقيق شعبية جماهيرية لرئيس الاقليم, مسعود البرزاني, "فلن تحقق هذا الهدف أيضاً". 

الآن تحاول اسرائيل أن تدخل على الخط. وبحسب ماذكره مسؤولون في تل ابيب, أن رئيس الوزراء, بنيامين نتنياهو, قد اجرى اتصالات مع روسيا, فرنسا والمانيا, في محاولة منه "لحشد القوى العالمية" لمنع "هزيمة الكرد في العراق", بحسب وصفه.

بهذا الصدد, أعرب حسين جمو عن عدم جدوى التحركات الاسرائيلية قائلاً: "إسرائيل تستخدم الملف الكردي في جنوب كردستان تحديداً أداة لإثارة العرب وتسعير الخلاف، وتضليل القوى الرافضة لإسرائيل بأنها جزء أساسي خفي في تحريك الأحداث" مضيفاً "الواقع إسرائيل لا تتحرك إلا ضمن هذا الإطار. وهي حليف استراتيجي لتركيا حتى اليوم".

جاءت بعدها دعوة المرجع الديني العراقي, علي السيستاني للمسؤولين في اقليم كردستان لتوحيد صفوفهم, والبدء باجراء حوار مع حكومة بغداد, تحت "سقف الدستور". كما طالب بالغاء جميع المظاهر التي تدل على العنصرية والطائفية.

ولايرى حسين جمو اي جانب سلبي, من حيث المبدأ, لدعوة الحوار تلك, لكنّها بوابةٌ لعودة هولير مجدداً الى بغداد "فالحوار المقترح مشروط بالدستور العراقي الذي لا يطبق منه سوى ما يخدم القوى المسيطرة الموالية لإيران", وستشكل نهاية مشروع الاستقلال في هذه المرحلة, بحسب ما أعرب عنه الكاتب والباحث الكردي.

اقليم كردستان يدخل مرحلة جديدة, وأمام قياداتها امتحان جدّي للحفاظ على المكتسبات التي تم تحقيقها خلال الفترة الطويلة الماضية. التحدي يبدأ بترتيب البيت الداخلي الكردستاني وترسيخ فكرة الديمقراطية, التي يجب أن تحكم بها, ولا ينتهي هذا التحدي بتنسيق جديد مع القوى العالمية, التي من المفترض ان تكون قوى حليفة داعمة للاقليم, كما كانت الامور عليها اثناء معارك محاربة تنظيم داعش الارهابي.