مشاهد صادمة لنهر الفرات.. تركيا مرة اخرى تتسبب بـ"كارثة" في سوريا

مشاهد صادمة لنهر الفرات، تخرج من مناطق شمال وشرق سوريا، بعد انخفاض منسوبه في الأيام الماضية إلى أدنى مستوياته، بسبب إغلاق بوابات المياه من الأراضي التركية.

وفي تقرير لموقع الحرة نقلت عن "الإدارة الذاتية"في شمال وشرق سوريا قولها  :إن تركيا خفضت حصة سوريا من مياهه، منذ مطلع العام الحالي، ما أدى إلى انخفاض منسوب المجرى بشكل كبير، وذلك انعكس على سقاية الأراضي المزروعة من جهة وعلى توليد الطاقة الكهربائية من جهة أخرى.

بينما يضيف مسؤولون في حكومة نظام الأسد أن الانخفاض الكبير والمتسارع في منسوب مياه النهر أثّر على عمل "المعبر الطوفي العائم" لتسهيل انتقال المواطنين المقيمين في قرى وبلدات ريف دير الزور الشمالي، إضافة إلى تهديده عمل محطات مياه الشرب، التي تستمد مياهها من مجرى النهر.

وتقدر نسبة الانخفاض وفق كلا الجانبين بأكثر من خمسة أمتار من منسوب النهر، وتزيد على أربعة أمتار في بحيرة "سد تشرين"، أما في بحيرة "سد الفرات" (الأسد) تزيد نسبة الانخفاض على ثلاثة أمتار.

ما سبق وثقته صور وتسجيلات مصورة نشرها ناشطون من أبناء مناطق شرق سوريا، وأظهرت تحول أجزاء كبيرة من مجرى النهر إلى أراض قاحلة. هو مشهد وصف وكأن النهر تحول إلى "جدول ماء صغير" لا يكفي سوى لعيش الأسماك والكائنات النهرية الصغيرة.

"مجرى طويل واتفاقيات"

ينبع "الفرات" من تركيا ويعبر الأراضي السورية ليجري في الأراضي العراقية حيث يلتقي في جنوبها مع نهر دجلة، ليشكلا شط العرب.

وبعد دخوله سوريا عند مدينة جرابلس بريف حلب يمر النهر في الرقة وبعدها بدير الزور ثم يخرج من الأراضي السورية عند مدينة البوكمال ليدخل العراق عند مدينة القائم في الأنبار.

بعد ذلك يدخل النهر بابل إلى كربلاء ثم إلى النجف والديوانية فالمثنى ثم ذي قار ليشكل بعدها منطقة الأهوار جنوب العراق، وفي الجنوب يتحد معه نهر دجلة فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة 120 كيلومترا جنوبا لتصب في اعالي الخليج.

وقد يوضح التفصيل السابق المشهد الكامل لمجرى النهر، لكن آلية توزيع مياهه كانت قد أحكمتها اتفاقية بين تركيا وسوريا في عام 1987، والتي نصت آنذاك على تعهد الجانب التركي بأن يوفر معدلا سنويا يزيد عن 500 متر مكعب في الثانية للجانب السوري.

وعقب عامين من تلك الاتفاقية اتجه الجانب السوري لتوقيع اتفاقية مماثلة مع العراق (دولة المصب)، ونصت بأن تكون حصة الأخيرة الممررة لها عند الحدود السورية العراقية 58 بالمئة من مياه الفرات مقابل 42 بالمئة لسوريا.

"خرق وتعطيش"

منذ شهر يناير 2021 اتجه الجانب التركي لتخفيض حصة سوريا من مياه الفرات إلى مستويات متدنية بشكل كبير، بحسب "الإدارة الذاتية"، لتبلغ ما يقارب 200 متر مكعب من المياه في الثانية فقط، وهو الأمر الذي يعتبر "خرقا لاتفاقية 1987"، والتي نصت على أن تكون الحصة 500 متر مكعب في الثانية الواحدة.

المهندس جهاد بيرم، رئيس دائرة العمليات في سدّ تشرين (الذي يقع على نهر الفرات قرب كوباني) يقول في تصريحات لموقع "الحرة": "منذ 27 من يناير الماضي انخفض منسوب مياه الفرات المتدفقة من الجانب التركي بشكل كبير، وبلغ بشكل وسطي 200 إلى 225 متر مكعب في الثانية".

ويضيف بيرم: "ما سبق أدى إلى انخفاض منسوب البحيرات، ليصل قريبا من الحد الميت (320 م.م). هذا الرقم لا يمكن عنده تشغيل سد تشرين للحصول على الطاقة الكهربائية اللازمة ولو بالحد الأدنى".

ويوضح بيرم أنهم اتجهوا في الأيام الماضية لتخفيض ساعات تشغيل الكهرباء من 16 ساعة إلى 8 ساعات، مشيرا إلى أن بحيرة نهر الفرات انخفض منسوبها أيضا بالنسبة لمستوى سطح البحر، ووصلت إلى حد 292 متر مكعب في اليوم، وهو رقم يهدد بتوقف سد الفرات عن الخدمة في حال تغيير الأرقام إلى حدود متدنية أخرى في الأيام المقبلة.

وكانت "هيئة الطاقة في إقليم الفرات والجزيرة" (التابعة للإدارة الذاتية الكردية) قد أعلنت أواخر أبريل الماضي عن تخفيض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، بسبب الانخفاض "الهائل" في منسوب مياه نهر الفرات.

في المقابل نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصادر في حكومة النظام السوري، أن التيار الكهربائي انقطع عن محافظة الحسكة بشكل شبه تام منذ فجر الخميس الماضي بسبب توقف العمل في عنفات توليد الطاقة الكهربائية في سدي تشرين بريف حلب والفرات بريف الرقة.

وأوضحت المصادر أن عمل عنفات توليد الكهرباء يقتصر حاليا على عنفة واحدة، من أجل تغذية مطاحن الحبوب ومحطات ضخ مياه الشرب فقط.

"أضرار كارثية"

ويتخوف مراقبون ومزارعون في سوريا أن يؤدي نقص المياه إلى زعزعة استقرار مناطقهم، في وقت يستمر انخفاض مستوى المياه، وظهور مناطق جافة كانت في السابق جزءا من النهر.

الصحفي عكيد جولي يقيم في شرق سوريا ويقول في تصريحات لموقع "الحرة": "نتيجة حبس المياه من الجانب التركي تحولت مساحات كبيرة من النهر المار في الأراضي السورية إلى جفاف بالتمام".

يضيف جولي: "منذ بداية يناير الماضي وحتى الآن انخفض منسوب مياه النهر 4 أمتار، الأمر الذي نتج عن أضرار كارثية. أكثر من 50 بالمئة من أراضي كوباني تضررت بسبب جفاف مساحات كبيرة من النهر. هذه الأراضي كانت تعتمد بالسقاية على نهر الفرات".

ويشير الصحفي السوري إلى أن الأضرار لا تقتصر على السقاية فقط، بل انسحبت إلى معدلات وصول الطاقة الكهربائية إلى منازل المدنيين.

ويتابع: "الكهرباء في مناطق شرق سوريا باتت تصل ساعة واحدة فقط، لأن عنفات السدود لم تعد تعمل بشكل كامل بسبب انخفاض منسوب المياه".

"الضرر سيطال العراق"

في غضون ذلك أطلق ناشطون من شمال شرق سوريا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي عبر وسم "أطلقوا حصة سوريا من مياه الفرات" و"الفرات ينحسر"، وتداولوا عبرها صورا وتسجيلات مصور لانخفاض مستوى المياه، ليس فقط في الرقة بل في محافظة دير الزور أيضا.

وقد يسبب نقص المياه في حال استمرارية الحال المفروض إلى كارثة للزراعة المحلية السورية، خاصة أن مناطق شرق سوريا تعتمد بدرجة كبيرة على مياه نهر الفرات لري الأراضي المزروعة بالقمح والشعير والقطن.

من جانبه حذر المهندس جهاد بيرم من استمرارية انخفاض حصة سوريا من المياه، مشيرا إلى أن بحيرة الطبقة التي تزود المنطقة بمياه الري والشرب باتت مهددة بالخروج عن الخدمة، إذا ما انخفض منسوب المياه فيها إلى ما دون 298 متر مكعب من المياه.

ويضيف بيرم: "لغاية يوم الخميس الفائت كنا نمرر إلى العراق حوالي 400 متر مكعب من المياه في الثانية، لكننا سنتجه إلى تخفيضها في الأيام المقبلة في حال استمر الواقع كما هو".

ويوضح المهندس: "العراق وصل له خبر تخفيف الحصة إلى ما دون 200 متر مكعب في الثانية. نحن اضطررنا إلى هذه الخطوة بسبب وصول مياه إلى مستويات متدنية".

وفي 30 أبريل الماضي اتهم الرئيس المشترك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" ، رياض درار، تركيا باستخدام المياه كسلاح لتصبح المنطقة تحت طوعها، وحذر من تداعيات مخيفة في حال استمر حبس مياه نهر الفرات.

كما كشف درار عن أنهم سيطالبون فرنسا والدول الأوروبية بالضغط على تركيا.

وتحدث رئيس "مسد" في تصريحات له لوسائل إعلامية عن ردود "خجولة" على الرسائل والخطابات إلى الأمم المتحدة والمطالبات.

وقال: "منذ فترة تكرر تركيا مسألة حجز مياه نهر الفرات، وهذا الأمر مقصود به الإساءة لكل المنطقة لتصبح تحت طوعها وليدرك السوريون في مرحلة الضعف هذه أنه ليس لهم إلا أن يستعيدوا قرارهم، ليستطيعوا مواجهة هذا الضغط التركي عليهم".