لماذا تُعتبر الشهباء وتل رفعت قضايا للمتاجرة والابتزاز؟

تعتبر مناطق الشهباء، التي يقطنها أكثر من 100 ألف من مهجّري، ذات أهمية استراتيجية لكل من الإدارة الذاتية، الدولة التركية، دمشق وروسيا.

في 13 نيسان الجاري، بدأت القوّات الروسيّة بإخلاء مواقعها في قرية "منغ" التابعة لناحية شيرا وقرية "كشتعار" بناحية شيراوا، إلى جانب 3 مواقع في بلدة تل رفعت، في تمهيد للانسحاب من كامل مناطق الشهباء والتوجّه نحو محافظة حلب، وفقاً لمصادر روسيّة. وكانت تلك القوّات هي ضمان عدم شنّ قوى الاحتلال التركي أيّ هجوم واسع النطاق على المنطقة.

ونشر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنباء حول دخول قوّات إيرانيّة إلى المواقع التي أخلتها وحدات روسيّة، لكن في اليوم التالي عادت القوّات الروسيّة إلى النقاط التي انسحبت منها. قرار الانسحاب الروسي من الشهباء ولّد شكوكاُ حول وجود صفقة بين موسكو وأنقرة حول ما يجري في أوكرانيا وأيضاً تل رفعت، بيد أنّ عودة القوّات الروسيّة، بعد يوم واحد من الانسحاب، تفتح الأبواب لفكرة "سياسة ابتزاز" شهدناها في ناحية عين عيسى قد تتكرّر في الشهباء أيضاً.

ما هي الاحتمالات المتوقّعة حول مستقبل مناطق الشهباء ولم كلّ هذه الصفقات حول منطقة تضمّ نحو 56 قرية وتُعتبر استراتيجيّة بالنسبة لقوى الصراع في سوريا؟ في هذا المقال نحاول أن نجيب على هذه التساؤلات بشكل موضوعي.

بدران جيا كورد يركز على احتمالين

في تصريح لوكالة أنباء هاوار ANHA، قال نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد إنّ ثمّة احتمالين لقرار الانسحاب الروسي من مناطق الشهباء. الاحتمال الأوّل هو اتّفاق بين روسيا وتركيا يقضي بالسماح للأخيرة بدخول نقاط في ناحية تل رفعت ومحيطها، أمّا الاحتمال الثاني فيتلخّص برغبة روسيا في الضغط على الإدارة الذاتية والقوى الكرديّة لتقديم بعض التنازلات، وهذا ما حاولت موسكو القيام به في ناحية عين عيسى وأيضاً في تل تمر. فروسيا تسعى لزيادة تواجدها العسكري شرقي الفرات بهدف السيطرة التامّة على المنطقة.

ولفت جيا كرد إلى مصالح اقتصاديّة لروسيا قائلاً: "اتّفقنا مع روسيا على عدّة أمور، واختلفنا معها على مواضيع أخرى. ولأجل الوصول لاتّفاق عام، ثمّة حاجة إلى التحالفات السياسيّة. نحن نعمل على حماية مصالح شعوب المنطقة، الأمر الذي يضمن تحقيق تنمية اقتصاديّة للمنطقة بالعموم".

ما الذي تطالب به روسيا؟

عودة القوّات الروسيّة إلى النقاط التي انسحبت منها في المناطق المذكورة أعلاه تزيد من احتماليّة رغبة موسكو في تقديم الإدارة الذاتية الكثير من التنازلات. لأنّ روسيا ترغب منذ فترة طويلة أن تدخل قوّاتها إلى جانب قوّات حكومة دمشق إلى كلّ من الرقة والطبقة، لكنّ أهالي هاتين المنطقتين لن يسمحوا باستخدام ورقة الهجوم التركي عليهم كأداة للابتزاز والتنازل عن المشروع الديمقراطي. ولا ننسى بأنّ القوّات الروسيّة وقوّات حكومة دمشق حاولت، في 9 تشرين الثاني من العام 2019، اقتحام المنطقتين، إبّان الهجوم التركي على سرى كانيه (رأس العين) وتل أبيض (كرى سبي)، لكنّ أهالي المنطقة بالعموم وقفوا إلى جانب الإدارة الذاتية في مواجهة تلك المحاولة.

يمكننا القول بسهولة بأنّ روسيا تسعى لأن تخلق لقوّاتها وضعاً مريحاً في مقاطعة الجزيرة، التي تتواجد فيها القوّات الأمريكيّة ضمن التحالف الدولي، وكانت تحدث مواجهات بين الطرفين خلال دوريات على خطّ تل تمر-الحسكة وتربسبيه-ديرك.

على الرغم من الغموض الذي يكتنف مصالح روسيا الاقتصاديّة في المنطقة، لكن يتّضح في بعض الجوانب رغبة موسكو بالوصول إلى حقول النفط التي تمّ تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي من قبل قوّات سوريا الديمقراطيّة وبدعم من التحالف الدولي. كما يجب أن ننوّه إلى البروبوغاندا التي تنشرها كلّ من روسيا ودمشق ضدّ الإدارة الذاتية حول "سرقة النفط السوري" والتي تردّ عليها الإدارة بالقول بأنّ مواد سوريا هي ملك للشعب السوري وتشدّد على الحاجة لاتّفاق سياسيّ أوّلاً لحماية هذه الموارد.

حماية حلب أولويّة استراتيجيّة لروسيا ودمشق

لم يتّضح بعد إن كان قرار الاتسحاب من المواقع الاستراتيجيّة الثلاثة في الشهباء هو قرار صادر من موسكو أم من قائد القوّات الروسيّة في قاعدة حميميم بسوريا. وبسبب فشلها في الضغط على الإدارة الذاتية لتقديم تنازلات، عادت القوّات الروسيّة إلى تلك المواقع. فمناطق الشهباء هامّة جدّاً بالنسبة لروسيا ودمشق، وأيضاً تل رفعت المجاورة لحلب وتضمّ نحو 80 قرية ومزرعة وتمتدّ 65 كم طولاً ومن 10 إلى 15 كم عرضاً، تحمل الأهمّية ذاتها وتعتبر خاصرة لحماية حلب من أيّ هجوم. 

في العام 2012، سقطت تل رفعت ونواح أخرى من المنطقة بيد ميليشيات "الجيش الحر" وجبهة النصرة وبإشراف ودعم تركي. وفي العام 2015 احتلّ تنظيم داعش الإرهابي المنطقة ذاتها وحرّرها "جيش الثوّار" المنضوي تحت لواء قوّات سوريا الديمقراطيّة وكذلك تمّ تحرير بعض من القرى في ريف عفرين وإعزاز والباب من داعش والعصابات المدعومة من تركيا في العام 2016. وحتّى قبل احتلال عفرين، كانت هناك قوى ثوريّة تابعة لقوّات سوريا الديمقراطيّة وللإدارة الذاتية لمناطق الشهباء. لكنّ روسيا عقدت صفقة مع تركيا تخلّت بموجبها عن حماية المنطقة من الهجوم التركي مقابل انسحاب ميليشيات مسلّحة تابعة لأنقرة من الغوطة بريف دمشق، وكذلك استغلّت روسيا الهجوم التركي لترسيخ تواجد قوّاتها في مناطق الشهباء. وبعد أن حاصرت قوى الاحتلال التركي في 15 و16 آذار من العام 2018، عُقد اجتماع بين قوّات سوريا الديمقراطيّة وقيادة القوّات الروسيّة في المنطقة لأجل فتح ممرّ آمن عبر الشهباء وانسحاب مقاتلي قوّات سوريا الديمقراطيّة من كامل المنطقة لتحلّ محلّها قوّات روسيّة وأخرى تابعة لإيران وحكومة دمشق.

مرّ عام على سحب إيران قوّاتها من مناطق الشهباء، وتنتشر فيها قوّات روسيّة وأيضاً قوّات حكومة دمشق، إلى جانب قوّات الحماية الذانيّة المكوّنة من مهجّري عفرين. ولولا تواجد الأخيرة، لما تمكّنت قوّات حكومة دمشق من حماية المنطقة في مواجهة هجمات قوى الاحتلال التركي، وإذا سقطت المنطقة بيد الفصائل المدعومة من تركيا، ستكون حلب في مواجهة خطر كبير، إذ ثمّة قرى في الشهباء متاخمة لنبّل والزهراء تخضع لسيطرة القوّات الإيرانيّة، وإذا سقطت الشهباء بيد عصابات تركيا، فإنّ حلب المحاصرة من الغرب ستسيطر عليها تلك العضابات القادمة من الشمال.

مع ازدياد هجمات قوى الاحتلال التركي على المنطقة، ووفقاً لاحصائيّات الإدارة الذاتيّة، يقطن في الشهباء نحو 100 ألف من مهجّري عفرين، إلى جانب 150 ألفاً ممّن أجبر على النزوح من جرابلس وإعزاز والباب. ومع الظروف المعيشيّة الصعبة التي يواجهونها في مخيّمات الشهباء، لدى مهجّري عفرين رغبة عارمة في تحرير مناطقهم من قوى الاحتلال التركي، لذا تراهم يقفون إلى جانب الإدارة الذانية لمقاومة هجمات الاحتلال.

يقطن أهالي عفرين والشهباء في 12 قرية بناحية شيراوا التابعة لعفرين، و6 قرى في ناحية شيرا بالشهباء. ويعملون في إطار مؤسّسات تابعة لمجلسي الإدارة الذاتية لكلّ من الشهباء وعفرين. وتواجد هؤلاء في الشهباء يشكّل تحدّ للدولة التركيّة التي تسعى للبقاء في عفرين. لذا بذل قصارى جهدها لإنهاء تواجدهم في المنطقة لتحافظ على وجودها في عفرين وبالتالي التمهيد لشنّ هجوم واسع على حلب وتحقيق حلمها في السيطرة عليها.

لم يرق للدولة التركيّة تحرير ناحية تل رفعت وبعض القرى في مناطق الشهباء من عصابات الجيش الحر من قبل القوى الثوريّة التابعة لقوّات سوريا الديمقراطيّة. حيث سيطرت جبهة النصرة وتلك العصابات على المنطقة في العام 2012 بدعم من تركيا. لكنّ القوى الثوريّة حرّرتها في 14 شباط من العام 2016 بدءاً من تل رفعت ونواحي كفرنايا وقرى شيخ هلال ومالكية وعين دقنة وبيلونية وتل حجر والمطار العسكري في منغ. لذا شنّ الجيش التركي هجومه على عفرين.

ثمّة احتمال لهجوم تركيّ على المنطقة

حاولت الدولة التركيّة أن تعقد صفقات مع روسيا حول كامل ناحية تل رفعت ومحيطها، لكنّ إيران عارضت احتلال تركيا لهذه المنطقة. وروسيا التي كانت تسعى لتقوية نفوذها وتواجدها في المنطقة، لم تنتبه لمخاطر احتلال تركيا للمنطقة وتشكيل ذلك تهديداً على حلب، فتحت الطريق أمام قوى الاحتلال التركي للهجوم على كامل المنطقة.

لكنّ الدولة التركيّة، التي تسعى لإعادة تمتين علاقاتها مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلف الناتو، بعد أن ساءت تلك العلاقات على خلفيّة شراء أنقرة صواريخ أس-400 الروسيّة، ةأيضاً دورها في تغذية الصراع في أوكرانيا، باتت مجبرة على تقديم بعض التنازلات من أجل تحقيق التوازن في العلاقات مع موسكو من جهة، ومع الناتو من جهة أخرى. في المقابل، وعلى الرغم من ضئالة احتمال تنازل روسيا عن الشهباء، إلّا أنّه من الممكن أن تفتح روسيا الطريق أمام تركيا لاحتلال مناطق الشهباء بهدف الحصول على المزيد من التنازلات التركيّة.