يُعد موراي بوكتشين من أشهر الأشخاص في مجال علم البيئة الاجتماعي، ولا يزال لأفكاره دور كبير في السياسة والفلسفة الاجتماعية في يومنا الراهن.
وقبل وفاته، تبادل المنظّر الأمريكي موراي بوكتشين رسائلاً مع القائد عبدالله أوجلان، كما ويعد بوكتشين من المثقفين الذين أثروا على القائد عبدالله أوجلان في المجال التنظيري.
وتحدث الناشط البيئي والمؤرخ السويسري فينسنت غيربر لوكالة فرات للأنباء (ANF) عن قضايا مثل البلدية التحررية التي تم تطبيقها لأول مرة في روج آفا، ونظرية علم البيئة الاجتماعي، والعلاقة بين بوكتشين وعبدالله أوجلان من حيث السياسة والفلسفة الاجتماعية، وتأثير نظرية البلدية التحررية لبوكتشين على نموذج الكونفدرالية الديمقراطية لعبدالله أوجلان وثورة روج آفا.
وفي مستهل حديثه، لفت فينسنت غيربر الانتباه إلى تعريف نظرية علم البيئة الاجتماعي لبوكتشين، وقال: "علم البيئة الاجتماعي هي حركة طورها بوكتشين في ستينيات القرن الماضي، حيث يعتمد بوكتشين على المشكلات الاجتماعية كأساس لمشكلة البيئة، كما أن حل المشكلة البيئية لا يتعلق فقط بحماية الطبيعة، بل إن العلاقات الاجتماعية أيضاً لها دور كبير في هذا الصدد، وبعبارة أخرى، فإن المشكلة الاجتماعية والمشكلة البيئية مرتبطتان ببعضهما البعض ويجب حلهما معاً".
وفي إشارة إلى أن القائد عبدالله أوجلان تأثر بأفكار موراي بوكتشين، قال الناشط البيئي والمؤرخ السويسري: "كان عبدالله أوجلان وموراي بوكتشين يتبادلان الرسائل في عام 2004، وكانت هناك علاقة سياسية بينهما، أيّ يمكننا القول إنه كان هناك تواصل سياسي بين أوجلان وبوكتشين في مجال الكونفدرالية الديمقراطية والأساليب البيئية".
وتحدث "غيربر" عن البلدية التحررية قائلاً: "رئاسة البلدية التحررية هي جانب سياسي لفكر موراي بوكتشين، ووفقاً له، من الضروري تحقيق اللامركزية ضمن المجتمع في المجال السياسي ومن ثم بناء الهياكل السياسية التي تتكون من الكومينات المستقلة، وهذا يمكن أن يبني الدستور ويمكن تطويره في مجال الدفاع، وبعبارة أخرى، هذا تأسيس كونفدرالية ما بدلاً من إعادة تأسيس دولة مركزية، ووفقاً لما أعرفه، فإن أوجلان تأثر بالبلدية التحررية لبوكتشين، وارتكز أوجلان في ذلك على تطوير بديل ثورة الشعب، أيّ أنه بدلاً من الدولة القومية الكردية، اتجه نحو بعض البدائل الأخرى، وبطبيعة الحال، هناك اختلافات بين فكرهما في هذا الصدد، وعلى وجه الخصوص، يعد النظام في روج آفا مثالاً على ذلك، ولأن واقع الحرب والصعوبات السياسية تواجهنا في روج آفا، فيبدو أن النظام الذي تم التفكير فيه لم يتم تأسيسه بالكامل بعد".
وذكر فنسنت غيربر أن أفكار بوكتشين أظهرت نفسها في ثورة روج آفا، وعبّر عن ذلك قائلاً: "إن ذلك مرتبط بفكر الكونفدرالية الديمقراطية، وأعلم أن هناك الآن في روج آفا جهوداً كبيرة مثل العقد الاجتماعي والعمل على بناء نظام فيما يتعلق بالانتخابات، والهدف هو تطبيق الكونفدرالية الديمقراطية التي هي أساس الديمقراطية نفسها، والنظام في روج آفا لا يشبه نظام بوكتشين تماماً، لكنه قريب من أفكاره".
وفي سياق حديثه، تطرق فنسنت غيربر بالحديث عن نموذج عبدالله أوجلان للكونفدرالية الديمقراطية، وقال: "يعد نموذج الكونفدرالية الديمقراطية لعبد الله أوجلان مناسباً جداً ويمثل قوة كبيرة، حيث أن بناء فكر آخر مقابل الأنظمة السابقة خطوة مهمة جداً، ويتطلب الأمر مهارة كبيرة وقد تمكن أوجلان من القيام بذلك، هذا مهم جداً، لقد مهد أوجلان الطريق لجميع الشعوب للتعبير بحرية عن ثقافتهم ولغتهم ومعتقداتهم والعيش بها مع الشعب الكردي، ووفقا لبوكشين، فإن هذا هو هدف الديمقراطية؛ اندماج الشعوب، لقد فعل أوجلان ذلك بنموذجه، كما كان لأفكاره تأثير كبير على اليساريين في أوروبا".
وذكر فنسنت أن ثورة روج آفا تطورت كبديل قوي لفكر الدولة القومية، وقال: "روج آفا هي المكان الذي تم تطبيق النظريات فيها، لهذا السبب، تحظى بأهمية كبيرة، ولقد أظهر فكر رئاسة البلدية التحررية نفسها لأول مرة في روج آفا، وقد أثبت أنه نظرية ناجحة، وقد حقق شعب روج آفا ذلك بفضل أوجلان، كما أنه علينا دعم ثورة روج آفا، والأمر المهم الآخر هو أن ثورة روج آفا أثبتت أن الرأسمالية ليست شيئاً لا يمكن هزيمته أبداً".
ولفت فنسنت غيربر الانتباه إلى هجمات الدولة التركية على روج آفا، وتابع حديثه قائلاً: "يجب علينا دعم روج آفا ضد ممارسات الدولة التركية، لأنه وفقاً للقواعد الدولية؛ لا يحق للدولة التركية مهاجمة روج آفا، ويجب ألا ننسى أيضاً أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤوليات معينة تجاه شركائها، ويجب أن نذكّر أوروبا بأنه من غير المقبول أن يظل حزب العمال الكردستاني مصنفاً على أنه جماعة إرهابية، ولا ينبغي لنا توصيف المنظمة التي طلبنا مساعدتها في خوض النضال ضد داعش بهذه الطريقة، نحن حقاً بحاجة إلى تغيير نظرة العالم إلى حزب العمال الكردستاني في الغرب، ومن الضروري أن ننظر إلى حزب العمال الكردستاني على أنه حركة تحررية، ويجب أن يُنظر إلى حزب العمال الكردستاني وروج آفا على أنهما بناة مشروع ديمقراطي، كما أنه من الضروري ألا يكون النظام في روج آفا لسوريا فقط، كما قال أوجلان، بل يجب تطبيقه من أجل الديمقراطية في الشرق الأوسط بأكمله".
وأدان فنسنت غيربر في سياق حديثه العزلة التي يتعرض لها عبدالله أوجلان، وذكر فيما يتعلق بالعزلة: "إن العزلة التي يتعرض لها أوجلان هي وصمة عار كبيرة، حيث أن أوجلان معتقل سياسي، إذاً فمن غير المقبول أن تُقطع علاقته بالعالم الخارجي لمدة 25 عاماً، ويمكننا أن نعرض حالة مانديلا كمثال، حيث كان مانديلا رهينة لدى أشخاص مشابهين، وقضى سنوات عديدة في السجن، وعندما خرج من السجن تم الترحيب به كمنقذ وبطل، وعلينا أن نستخلص درساً من هذه الأمور، وهناك نفاق واضح في العالم الغربي فيما يتعلق بهذه القضية، ولا ينبغي أن نكون منافقين بشأن وضع أوجلان، وأريد أن أوجه هذه الرسالة؛ لا ينبغي أن تنسوا أوجلان، ويجب أن تعرفوا من وماذا يمثل أوجلان".
ولفت فنسنت غيربر في نهاية حديثه الانتباه إلى أمل روج آفا وأنهى حديثه بهذه الكلمات: "أودُ أن أقول بعض الأشياء عن روج آفا، فليحدث ما سيحدث، فقد تم إنجاز أشياء ناجحة مهمة من أجل مستقبل روج آفا، لقد تم إنجاز شيء دائم وواعد للغاية، وحدثت ثورة اجتماعية وسيظل مستقبل البلاد يعكس دائماً حقيقة ذلك، ومن أجل استمرارها ومستقبلها، أرسل تحياتي للشعب الكردي وروج آفا وأتمنى لهم النجاح".