بايك: الآبوجيون فهموا القضية وآمنوا بها و ناضلوا في سبيلها

سرد الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، جميل بايك، ظروف مرحلة تأسيس حزب العمال الكردستاني (PKK)، حيث قال: لقد خطا القائد عبد الله أوجلان خطوة لم تخطر على بال أحد، وهي بمثابة حفر بئر بالإبرة".

بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لميلاد حزب العمال الكردستاني (PKK)، تحدث الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) وأحد الكوادر المؤسسة لحزب العمال الكردستاني، جميل بايك، لوكالة فرات للأنباء (ANF).

لحزب العمال الكردستاني ميراث نضالي طويل يمتد لأكثر من 43 عاماً...كيف تأسس حزب العمال الكردستاني في أعوام السبعينات وماذا كانت العوامل التي أثرت في تأسيسه وأهدافه، وما هو الدور الذي يقوم به في الوقت الراهن؟ و ما المتغيرات التي طرأت على الحزب خلال كل هذه المراحل؟ وما هي خصائص الحزب؟

في أعوام السبعينات كان العالم يشهد مرحلة تأسيس الحركات الثورية وحركات التحرر الوطني ، وكانت الشعوب والمجتمعات المضطهدة ترى خلاصها من خلال الاشتراكية، و في ظل تلك الظروف كان الشعب الكردي الذي يتجاوز تعداد سكانه عشرات الملايين يتعرض لإنكار وجوده...كردستان التي كانت مقسمة إلى أربعة أجزاء، كان القسم الشمالي منه (تركيا) وهو الأكبر يعيش الحالة الأشد إنكاراً للوجود...لقد أدرك القائد عبدالله أوجلان هذه الحقيقة في بداية السبعينيات وقال: لا بد لهذا الشعب والوطن أن يتحرر...وبالفعل آمن بفكرة أن يتحرر هذا الشعب والوطن على أساس الإيديولوجية الاشتراكية التي كان نجمها يلمع في تلك المرحلة.

حقيقة العدو والواقع الكردي

كان الشعب الكردي يعيش تحت وطأة الظلم والاضطهاد والإبادة في الأجزاء الأربعة من كردستان، وكان الشعب الكردي في شمال كردستان على وشك الموت والفناء، وكان مجرد أن تكون كردياً تعتبر جريمة بحد ذاتها، وكانت سياسة التتريك قائمة على قدم وساق والتحول التركياتي يعتبر سبيلاً للعيش بالنسبة للإنسان الكردي....نعم كان للكرد وجود ولكن دون أن يكون لهم أي مستقبل إلا أن يتحولوا إلى أتراك..! وفي ظل هذه الظروف أدرك القائد أنه لا بد من خوض النضال التحرري الوطني الكردستاني، انطلاقاً من مقولة "كردستان مستعمرة" ولا بد من تحريرها؛ وعندما عَرَّف القائد عبدالله أوجلان الاستعمار التركي لكردستان، قال: أن الترك يريدون أن يحولوا كردستان إلى مركز لنشر القومية التركية وكانت جميع سياساتهم على الصعيد الاجتماعي والثقافي والفني والاقتصادي والأمني والقضائي تقوم على أساس تتريك المجتمع الكردي، وكان الدستور الأساسي وكذلك الاستراتيجية القومية التركية كلاهما يخدمان هذا الهدف.

كان الشعب الكردي يتعرض لسياسات الإبادة على أيدي الاستعمار التركي في صورة لم يشهد العالم مثيلاً لها، لقد شعر القائد عبدالله أوجلان و رفاقه بوطأة الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له هذا الشعب وعرفوا حقيقة العدو وأصبحت الخطوة التي خطاها القائد ورفاقه بتأسيس الحزب، هي التي جعلت القائد يعتلي مسرح التاريخ.

العدو التركي لم يدخر جهداً لأجل نشر القومية التركية وممارسة الصهر القومي بحق الشعب الكردي وتطبيق سياسة التتريك، وبقي العالم في موقع المتفرج دون أن يحرك ساكناً في مواجهة الكم الهائل من المجازر التي ارتكبها العدو التركي؛ حيث كان العدو التركي يستغل عضويته في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مواجهة "الخطر السوفياتي" لضمان صمت حلفائه تجاه المجازر التي يرتكبها؛ والأصح أن نقول بأن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هم شركاء العدو التركي في المجازر التي تعرض لها الشعب الكردي طيلة القرن الماضي.

خطوة لم يتوقعها أحد

كان الكرد في مواجهة الإبادة في ظل النظام الاستبدادي الفاشي، ولم تكن الحركات والمنظمات الموجودة في تلك المرحلة على دراية بحقيقة العدو التركي والخطر الذي يواجه الوجود الكردي، أو أن يكون لديهم تحليل إيديولوجي سياسي أو خيارات استراتيجية وتنظيمية للنضال التحرري الوطني الكردستاني؛ وحتى القاعدة الجماهيرية الكردستانية وخاصة في شمال كردستان، لم تكن تؤمن بإمكانية الخلاص من خطر الصهر القومي والإبادة أو النضال ضد قوى الإبادة الجماعية....في مثل هذه الظروف خطا القائد عبدالله أوجلان خطوة لم يتوقعها أحد، حيث قال بأنه مهما كانت الظروف بالغة التعقيد، هناك إمكانية لتأسيس تنظيم والنضال من أجل حرية كردستان أرضاً وشعباً وهزيمة هذه القوى الاستعمارية وكسر أسطورتها، وبدأت المجموعة الإيديولوجية (الآبوجية) بهذه الخطوة كمَنْ يحفر بئراً بالإبرة.

معايير الرفض والقبول

لقد ركز القائد عبدالله أوجلان منذ البداية على تحقيق التغيير والتحول في الذهنية القائمة، وقال بأن الوضع الراهن مرفوض تماماً، ولا يمكننا القبول إطلاقاً بالواقع الكردي ويتوجب علينا تغييره، لأن الواقع الكردي حينها كان يلحق ضرراً كبيراً بالحقيقة الكردستانية، وأن العدو التركي لم يترك كردياً واحداً لم يَخُن نفسه وينكر انتماءه، وبهذا الشكل أراد القائد أن يوضح ويضع لنا معايير الرفض والقبول، وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت معايير التنظيم والنضال التحرري في المجموعة الإيديولوجية (الآبوجية) لحزب العمال الكردستاني في مستوى عالي، فقد كانت هذه المجموعة الآبوجية تؤمن بما تقول وتنظيم حياتها على هذا الأساس وتناضل وفق ذلك.

منذ البداية كان الاعتماد على القوى الذاتية

لقد ظهرنا على مسرح التاريخ في مرحلة اشتدت فيها الحرب الباردة، حيث كان وجود القوى الاشتراكية وحركات التحرر الوطني تمدنا بالقوة، غير ذلك كانت كل الظروف والشروط المحيطة بنا ليست لمصلحتنا، ولم تكن لنا أية علاقات تذكر مع منظومة الدول الاشتراكية سواء مع الاتحاد السوفيتي أو الصين أو ألبانيا، كما أن معظم القوى اليسارية التي كانت على علاقة مع تلك الدول المذكورة في وضع معادٍ لحركتنا...وفي الواقع نحن لم نستفد من وجود تلك القوى الاشتراكية عندما كان النظام الاشتراكي قائماً، ولم نتأثر كثيراً وقت انهياره؛ فمنذ البداية كان اعتمادنا على قوانا الذاتية، عندما بدأنا بالنضال التحرري كان هناك حوالي (6-7) تنظيمات كردية وكانت تعتبر نفسها مُلّاك كردستان ولم تكن تتيح المجال لأية حركة مثلنا كي تتطور وتكبر...نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي أن أعضاء تلك التنظيمات الكردستانية كانوا ينحدرون من عائلات إقطاعية ذات نفوذ أو عائلات غنية في حال أننا نحن في حركتنا كنا جميعاً من عائلات فقيرة من الطبقة العمالية (بروليتاريا) وكذلك من عائلات قروية فلاحية.

الانقلاب العسكرية وتشتت التنظيمات الأخرى

في سبعينيات القرن الماضي كانت القوى اليسارية قد نظمت نفسها إلى حدٍ ما في تركيا، والحركات الكردية أيضاً انتظمت في كردستان وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني، وهذا الحال كان من شأنه أن يضعف الدولة التركية الحليف في الناتو، وكذلك تولد الخوف لدى الطبقة الكردية الحاكمة في كردستان، وعلى هذا الأساس جرى التحضير للانقلاب العسكري الفاشي الذي حدث في الـ 12 من أيلول عام 1980، حيث كان الهدف منه هو القضاء على كل الحركات اليسارية والثورية والتحررية، هذا الانقلاب بالرغم من كل المآسي التي تسبب بهان فقد أوجد وضعاً أكثر وضوحاً بالنسبة لحركتنا، حيث لم تستطيع كل تلك الحركات الكردية واليسارية الصمود في وجه التحديات التي واجهتهم جراء الانقلاب العسكري الفاشي، وتشتتت جميعها.

لم تكن حركة دوغمائية منذ التأسيس

بعد أعوام الثمانينات حيث انهارت المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي في أوروبا الشرقية والصين الشعبية وألبانيا، واتجهت الصين نحو رأسمالية الدولة؛ لذلك ولبعض الأسباب الأخرى لم نتوجه صوب الصين، كما أن العديد من الدول التي كانت تقود النضال التحرري الوطني بعد فترة قصيرة تأثرت بنظام الحداثة الرأسمالية وخضعت له، واتجهت العديد من القوى اليسارية صوب اليمين من الناحية الايديولوجية وتحولوا إلى أحزاب ضمن النظام الحاكم، وفي مرحلة ضعفت فيها الحركات الاشتراكية وحركات التحرر الوطني، صعد حزب العمال الكردستاني ونما من الناحية العسكرية والتنظيمية والسياسية كقوة تحرر وطني لا يستهان بها....إن قائد حزب العمال الكردستاني الذي يعتمد على الدوام على قواه الذاتية، أعلن موقفه تماماً حينما قال جملته الشهيرة: "الإصرار في الاشتراكية هو إصرار في الانسانية"، ولم يكن قطعاً ذات طابع دوغمائي صلب من ناحية أسلوب التفكير، وقد انتقد القائد كثيراً أخطاء ونواقص الاشتراكية المشيدة حتى قبل أن تنهار، لأنه وجد بأن انهيار الاشتراكية المشيدة سيكون نتيجة عوامل وعناصر داخلية... انتقاداته الأيديولوجية والسياسية تلك لمنظومة الاشتراكية المشيدة لم تبق حزب العمال الكردستاني على قيد الحياة في مواجهة الرياح المعادية للاشتراكية في تلك السنوات فحسب، بل مكنته أيضًا من التطور.

الخصائص الأساسية التي مكنت حزب العمال الكردستاني من الصمود والبقاء

لا شك أنه إلى جانب تغير عوامل كثيرة خارج حركتنا منذ مرحلة المجموعة الإيديولوجية التي بدأت عام 1973 وحتى يومنا هذا، أجرى حزب العمال الكردستاني أيضاً تغيرات مهمة، تلك التغيرات كشف مدى تطور الحزب وتمكنه من إبراز مواقف جديدة للحزب ومواجهة مشاكل جديدة أيضاً... رغم ذلك، فإن العوامل التي أبقت حزب العمال الكردستاني على قيد الحياة ولم تتغير مهمة للغاية.

إن الهوية الأساسية لحزب العمال الكردستاني منذ البداية هي قطع جميع علاقاته مع القوى الرجعية ومع النظام الذي مارس كل أشكال الترهيب والتعذيب والإنكار والإبادة بحق الشعب الكردي؛ وقطع كل الروابط مع أسلوب الحياة القديمة في كنف النظام الحاكم وإحراق كل الجسور خلف ظهرك والإقفال على هدف الحياة الحرة والديمقراطية للشعب الكردستاني.

لم يعتمد حزب العمال الكردستاني على أي قوة أخرى غير قوته، إنه يقوم على أساس الثقة بالنفس، ولم يشتكي قطعاً من قلة الإمكانيات والصعوبات التي تواجهه، ورأى بأن الثورة الكردستانية ستواجه الصعوبات على الدوام، لهذا السبب، فقد اعتبر كل صعوبة تواجهه سبباً للنضال والكفاح بشكل أقوى.

و قد رأى في علاقات التنظيم والرفاقية أهم مصادر القوة، وطالما كان كلتاهما موجودتان، سوف يتمكن من التغلب على جميع الصعوبات بقوة التنظيم والرفاقية.

أصبح مقاتلو حزب العمال الكردستاني يتمتعون بروح حرة؛ ولأن هذه الروح الحرة لن تركع أو تتراجع في وجه أي ظالم أو مستبد، نجد كيف تنهار كل الهجمات الفاشية على صخرة المقاومة... إن هذه الجوانب الثابتة وغير المتغيرة من حزب العمال الكردستاني إلى جانب جوانبها المتغيرة، حافظت على قوة حزب العمال الكردستاني إلى يومنا هذا، لذلك نرى بأن حزب العمال الكردستاني لم يبقى حكراً على الكرد وحدهم، بل قد أصبح أمل جميع شعوب الشرق الأوسط والبشرية.

كان لا بد من تحقيق التحول الحزبي للحركة

كانت هناك عمليات تغيير وتحول مهمة خلال الأعوام الـ 43 من النضال المستمر، بدءاً من فترة المجموعة الأولى، الانفتاح على كردستان ، والحزب ، ومقاومات السجون، وانطلاقة 15 آب وإعلان (Kongra Gel) و منظومة المجتمع الكردستاني ((KCK وعملية إعادة بناء حزب العمال الكردستاني، والتطور إلى استراتيجية حرب الشعب الثورية، ونموذج الأمة الديمقراطية ، ونموذج العصرانية الديمقراطية ... هذه أمور مهمة حدثت مع عمليات التغيير والتحول، وبعد كل ما سبق ما هو الشكل الذي اتخذه حزب العمال الكردستاني؟

في الاجتماع الذي تم عقده في أنقرة في كانون الثاني 1976، تقرر نقل المجموعة بالكامل إلى كردستان. قبل هذا التاريخ كانت الدراسات تجرى في العديد من مدن كردستان. بينما كان بعضها دراسات دورية وبعضها دراسات مستمرة. ومع ذلك ، لم تكن المجموعة موجهة بالكامل نحو كردستان. على الرغم من أن أنقرة كانت لا تزال تخضع للتقييم بعد  كانون الثاني 1976 ، إلا أنها كانت بشكل أساسي مجموعة تعمل في كردستان. جميع الكوادر المهمة والأصدقاء المعينين حديثًا يعملون الآن في كردستان. مع استشهاد حقي قرر في عام 1977، وتزايد الجماهير وعدد الكوادر، أصبح لا بد للمجموعة الآبوجية أن تتحول إلى حركة سياسية جادة. لهذا السبب، كان من الضروري لحركة سياسية وصلت إلى قاعدة مجتمعية وعدد كبير من الكوادر أن تتحول إلى حزب سياسي، ليصبح أكثر تنظيماً وذو برنامج وتخطيط، وعلى هذا الأساس تم عقد المؤتمر الأول للحزب في 27 تشرين الثاني 1978، في وقت كانت العزيمة والإصرار على النضال في وجه الظلم والاستعمار والفاشي التركي في أوجه.

الرد على انقلاب 12 ايلول الفاشي على قمم الجبال وفي الزنزانات

ردت الدولة التركية على تطور الصراع الذي قاده الحزب، بانقلاب 12 أيلول الفاشي؛ وبينما كانت فاشية 12 أيلول تمارس ضغوطًا شديدة على الشعب الكردي ، كانت تهدف إلى دفن حزب العمال الكردستاني في السجون وكسر أمل الشعب في الحرية؛ لكن مقاومة السجون عكست هذا الهدف الشرير للعدو.

إن مقاومات السجون التي هزمت فاشية الـ 12 من أيلول، لاقت صداها مع الانطلاقة التاريخية في بدء الكفاح المسلح يوم الـ 15 من آب عام 1984، وقد تحولت قفزة آب إلى ملحمة انبعاث مع الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في بداية التسعينيات.

إن قوى التآمر هدفت إلى القضاء على الشعب الكردي برمته من خلال المؤامرة الدولية التي استهدفت القائد عبدالله أوجلان، رغم ذلك وكما قال القائد بأن المؤامرات التاريخية لا يمكن لها أن توقف التطورات، على العكس تسرع من وتيرتها... وعلى هذا الأساس بدأ عهد جديد من تاريخ حزب العمال الكردستاني، حيث تم تأسيس مؤتمر الشعب (Kongra Gel) وإنشاء منظومة المجتمع الكردستاني (KCK)، هذا العهد الذي أطلق عليه القائد اسم "الميلاد الثالث" لحزب العمال الكردستاني (PKK)، حيث يقدم القائد نموذجاً جديداً بديلاً عن الحداثة الرأسمالية، وهو نموذج العصرانية الديمقراطية الذي يدعو إلى مجتمع ديمقراطي إيكولوجي تحرري نسائي مناهض لنموذج الدولة الذي يبلغ من العمر 5000 سنة.

يتبع......