أطماع تركية في لبنان وخطط احتلالية قائمة على قدم وساق

في ظل الأزمة السياسية التي تشهدها لبنان، خاصة بعد الانفجار الكارثي في بيروت العاصمة، يسعى النظام التركي إلى التدخل في لبنان، مستفيداً من تطلع السنة اللبنانيين إلى راعٍ إقليمي.

 أعلن وزير الداخلية اللبناني، محمد فهمي، يوم 4 تموز الماضي، اعتقال أربعة أشخاص، سوريان وتركيان، فيما كانوا يحاولون تهريب 4 ملايين دولار إلى لبنان على متن رحلة جوية آتية من تركيا؛ وأشار الوزير اللبناني إلى أن هدف هذه المبالغ، هو " تمويل التحركات العنفية في الشارع اللبناني"، وأن أوامر وتعليمات تركية وصلت إلى محتجين مناوئين للحكومة اللبنانية بهذا الخصوص.

في سياق متصل عن محاولات الدولة التركية في بسط نفوذها على لبنان، نشر موقع إلكتروني مرتبط بوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق لائحة كاملة، أكدت من خلالها على وجود منظمات غير حكومية ومساجد موالية لتركيا في لبنان؛ كما نوهت إلى وجود خطة تركية تهدف إلى "احتلال طرابلس" المدينة التي تعتبر معقل المسلمين السنة في لبنان.

تُواصل الحكومة التركية العمل على كسب موالين وتعزيز الروابط الثقافية و الاثنية مع لبنان، من خلال تقديم المنح الدراسية، والانخراط في النشاطات الثقافية، ومنح الجنسية التركية لآلاف اللبنانيين.

منذ زيارة رأس النظام التركي أردوغان إلى بيروت في تشرين الثاني 2010، بدأت تركيا بإعادة تأهيل رموز الحقبة العثمانية، من بينها محطة قطار طرابلس في خط سكك الحجاز التاريخي؛ كما افتتحت مراكز ثقافية يتعلّم فيها آلاف اللبنانيين اللغة التركية.

 ولاتزال استثمارات تركيا في لبنان تتواصل على قدم وساق وتتمدّد في أوساط الطائفة السنية. إذ سيتم افتتاح مستشفى تركي في مدينة صيدا، ناهيك عن زيادة المنح الجامعية للطلاب اللبنانيين، ما يجعل تركيا من الدول الأساسية التي تمنح مساعدات في مجال التعليم العالي للبنانيين.

وتأتي هذه الجهود التركية في إطار بناء الشبكات ونسج العلاقات مع المجتمعات المحلية السنّية في طول لبنان وعرضه، وعلى مستويات مختلفة. وتكمن أولوية تركيا أيضاً في إحياء الهوية التركمانية.! حيث أن سكان البلدات التركمانية المهمّشة يقولون الآن؛ إنهم يشعرون بوجود الدولة التركية أكثر من الدولة اللبنانية، والسبب يعود إلى تنظيم الحكومة التركية لزيارات دبلوماسية دورية، وتمويل مشاريع من خلال الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، ومن المعلوم أن التركمان كانوا مجرد أقلية متناثرة بين شمال لبنان وشرقه وفقدوا الكثير من روابطهم مع تركيا، قبل أن تُبدي أنقرة اهتمامها بالتركمان في لبنان منذ أكثر من عقد.

وإضافةً إلى المشاريع التنموية التي تقوم بها تركيا في لبنان، أصبح منح الجنسية مُهمة تركية كبرى، فقد حصل آلاف اللبنانيين من التركمان أو الذين يدّعون التحدّر من أصول تركية، على الجنسية التركية. وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، مؤخراً، أنه تلقى تعليمات من رئاسة الجمهورية التركية بـ "منح الجنسية لأي تركماني أو لبناني من أصول تركية".

وأِشارت بعض المصادر إلى  تقديم أكثر من 20 ألف لبناني، طلبات للحصول على الجنسية التركية، وحصول 10 آلاف من هؤلاء عليها.

كما يبدو أن القوة الناعمة والحرب الخاصة التي استخدمتها الدولة التركية، تركت بصمات واضحة على قسم من المجتمع اللبناني من خلال المسلسلات التلفزيونية التركية الشعبية وسياسات أردوغان الشعبوية، من بينهم اللبنانيون السنّة الذين يتوقون إلى مصدر جديد للفخر، في ظل نفوذ إيران المباشر على لبنان.

مع ذلك، فإن تنامي النفوذ التركي في أوساط الطائفة السنّية في لبنان، له مضاعفات سلبية على العلاقات بين الطوائف في لبنان. أنقرة سعت إلى تبييض صفحة التاريخ العثماني وتمجيده، من خلال المحاضرات المموّلة، على الرغم من أن ذلك مثار نزاع في لبنان. فعلى سبيل المثال، سعت شبكة داعمي تركيا إلى تخويف الأرمن الساعين إلى إحياء الذكرى السنوية للإبادة الجماعية في العام 1915.

وأثناء زيارة أردوغان إلى بيروت، خرج آلاف المتظاهرين الموالين لتركيا في حشود، يلوّحون بالأعلام التركية ويطلقون الشعارات التهديدية التي غالباً ما تتضمن الدعوة إلى إبادة جماعية أخرى، ومنذ تلك الزيارة يتعرض الأرمن في لبنان لضغوط متزايدة.

 كما كانت الحملات التي تلت ذلك ملحوظة، من الفيديوهات والتهديدات إلى الشتائم الموجّهة إلى المجتمع المحلي الأرمني، هذا فيما تتقلّص أعداد الأرمن في لبنان لأن العديد منهم اختاروا مغادرة البلاد بسبب تغيّر المناخات في بلادٍ كانت تتعاطف مع قضيتهم.

 وهذا المثال الأرمني يسلط الضوء على مجال مثير للقلق في مسألة تنامي النفوذ التركي، وهو أن العديد من الأقليات اللبنانية تتشاطر رؤية مؤلمة وسلبية حيال الحقبة العثمانية.

وتتحفظ الدولة التركية على تقديم الدعم المباشر والعلني لأحزاب سياسي أو جماعات، مثل الجماعة الإسلامية التي تُعتبر النسخة اللبنانية من الإخوان المسلمين؛ ويُعزى ذلك إلى أنها تهدف ربما إلى الابتعاد عن السياسات الحزبية والاحتفاظ بالدعم الشعبي الذي تحظى به في أوساط شريحة واسعة من المجتمع السنّي؛ لأنها تدرك تماماً أنها على عكس إيران والسعودية، ليس لديها حلفاء سياسيين في مجلس النواب أو الحكومة.

حيث أن لدى إيران حزب الله، بنفوذه السياسي وميليشياته، فيما أن للسعودية سطوة على بعض أكبر الكتل في البرلمان، من تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إلى حزب القوات اللبنانية المسيحي.

في حين أن بعض السياسيين اللبنانيين لهم علاقات مع تركيا، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، الذي حضر حفل زواج ابنة أردوغان. مع ذلك، سيؤدي العداء المتزايد بين تركيا وبين دول عربية، كالسعودية والإمارات ومصر، إلى جعل حفاظ بعض السياسيين، من بينهم الحريري، على مثل هذه العلاقات أمراً صعباً.

 وكذلك عمد رئيس جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان إلى بناء علاقة متينة مع المدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، وهو شخصية مؤثرة بشكل متزايد في لبنان.

و تسعى تركيا من خلال التدخل في لبنان تعزيز محاولاتها في شرق المتوسط وإيجاد موطئ قدم لها على سواحل البحر المتوسط، إلى جانب محاولة استعادة النفوذ الذي كانت تتمتّع به خلال حقبة الاحتلال العثماني.

وفي الوقت الذي بات فيه الاحتلال التركي في سوريا ولبنان، أمراً واقعاً، يبدو أن ثمة خطة تركية لاحتلال لبنان من خلال زيادة النفوذ التركي والسني فيها، وفي حال استمر الوضع على هذا المنوال، واتخذت أنقرة قراراً بلعب دور فاعل، لن تبدأ من الصفر، بل ستحظى بدعم محلي يمكن البناء عليه في أوساط السنّة الباحثين عن راعٍ لهم.