المخرج علي بدرخان: حلمي أن أقدم مشروعًا فنيًا عن قوميتي الأم (١-٢)

يحمل المخرج المصري من أصول كردية "علي بدرخان" داخله كرديته التي لا ينساها رغم أنه يأسف لعدم إتقان حروفها، ويوجه رسالة وحدة إلى الكرد لتجنيب الخلافات للوصول إلى حل لقضيتهم، كما أنه يحلم بأن يقدم مشروعًا فنيًا يتناول فيه القضية الكردية.

يظل المخرج علي بدرخان أحد العلامات الفنية الفارقة في تاريخ السينما المصرية بما قدمه من أعمال عُدّت وحتى الآن من أهم الأعمال السينمائية، ومن بينها، فيلم الكرنك، الجوع، شفيقة ومتولي، أهل القمة والراعي والنساء.

 لم يكتف بدوره في الإخراج، بل مارس أدوارًا متعددة فظهر في فيلم اسكندرية كمان وكمان ممثلًا، كما كتب سيناريو وحوار فلمي الجوع والراعي والنساء.

ويبدو أن علي بدرخان نهل كثيرًا من والده ومُعلمه المخرج الكبير أحمد بدرخان، الذي كان فيما يبدو يريد لابنه أن يسير على خطاه ويكمل مسيرته ورسالته.

الآن يمارس بدرخان دور آخر توجيهي، فهو إضافة لتدريسه الإخراج في معهد السينما، عكف على مشرعه الخاص وأخرج أكاديمية كاليبر وبدرخان ليتخرج على يده جيل جديد من الفنانين والمخرجين والمتخصصين في صناعة الأفلام.

وكالة أنباء فرات ANF التقت المخرج علي بدرخان في لقاء امتد طويلًا كان فيه متحدثًا عن أدق ذكريات حياته الفنية والمهنية والإنسانية.. ولم تقتصر القصد على حياته بل بدأها من ما قبل ذلك بقرابة قرين من الزمان، متغنيًا بأمجاد أسرته من البدرخانيين، وهي أعرق العائلات الكردية التي سطرت في التاريخ مسيرة نضال لا تنسى.

يقول بدرخان إنه بالأساس كردي من بوطان ضمن كردستان تركيا، جده الأكبر هو الأمير بدرخان الذي كان كرديًا أصيلًا يرفض السيطرة التي تمارسها الدولة العثمانية، فناضل وقاتل مرارًا ضدها وأعلن استقلال إمارة بوطان.

وبسياق حكاء يمتلك تلابيب المفردة والصورة، يشير إلى ثمة علاقة كانت تجمع جده بمحمد علي، باني النهضة المصرية الحديثة، قائلاً: كان الأمير بدرخان خلال حربه يحتاج إلى السلاح وكان يمده به محمد علي، وهو كردي أيضًا، لكن يُحاصر الأمير بدرخان في قلعته، ويستسلم للجبروت العثماني ويسلم نفسه هو وأبناءه ومن هناك ينقلوه إلى آستانة، ثم تكون مسيرة الانتشار لأسرة بدرخان التي انتشر أبناءها في مناطق ودول عدة، وليكون لعدد منهم نصيب في المجيء إلى مصر لتبدأ رحلة البدرخانيين في مصر.

كان من بين من جاء إلى مصر من عائلة بدرخان، جد علي بدرخان، والذي عمل مديرًا لمديرية بني سويف والفيوم، ويستقر هناك، ويرزق بابنه أحمد، والد ضيفنا، لكن القدر لا يمهله للبقاء فيتوفى وابنه في الثامنة أو التاسعة من عمره.. ويترك خلفه ابنه الذي يعرف جيدًا أصوله الكردية، لكنه لا يعلم لغتها التي يتركها الآباء أمانة عند أبنائهم.

ويبدو أن حالة اللغة الكردية التي لا يعرفها علي بدرخان تشكل له أزمة، فهو يسرد الأسباب التي قطعته عن تعلم الكردية بموت جده ووالده في طفولته المبكرة.. لكن بالمقابل يحكي كيف أن ابنته الصغيرة جودي (١٤ عامًا) تطالبه بصورة مستمرة بأن تتعلم لغة أجدادها وأن تزور كردستان.

وفي ظل حديثه عن ابنته وعشقها لكردستان التي لم ترها تتصل به فيوقف الحوار، ليحدثها ويخبرها بأنه يجري حوارًا مع وكالة كردية.. فتسأله: هل يأخذوني معهم؟ فيرد لها إيجابًا على سبيل المزاح، فتقول له: سأجهز شنطة سفري.

ويعود بدرخان للحديث عن مسيرة البدرخانيين في مصر التي عايشها، وقد سبق ذلك تجارب لا زالت محفورة في التاريخ منها إصدار جريدة كردستان، وحتى الإذاعة الكردية لاحقًا في عهد عبدالناصر.. مشيرًا إلى ابن عم والده المستشار إسماعيل والي، والذي كان أكثر المهتمين بتاريخ الأسرة، وكان على اتصال دائم بالسيدة روشن بدرخان، زوجة جلادات بدرخان.

ويقول بدرخان عن السيدة روشن: كانت تزورنا في مصر باستمرار، وكان إسماعيل على صلات واسعة بالأسرة في الخارج، وحتى أن الرئيس جمال عبدالناصر اتصل بإسماعيل والي من أجل القضية الكردية.

ويُذكر بدرجة اهتمام عبدالناصر بالقضية الكردية ما جعله يذهب إلى بورسعيد ليلتقي مصطفى برزاني ويحتفي به لدى عودته من المنفى حيث مر ببورسعيد.

وحول ما إذا كان قد ساقه التفكير لتقديم عمل عن الحالة الكردية بما فيها من ثراء يستلب تفكير مخرج بقدر علي بدرخان، قال: بالتأكيد لا بد أن أقدم شيء لقوميتي الأصلية، لكن الأمر بحاجة لدعم والواضح أن الظروف غير مواتية في ظل الأوضاع الراهنة.

وأضاف، كنت سأقدم فيلمًا عن ملا مصطفى برزاني ورحلة نفيه ومسيرة نضاله، وهو صاحب تاريخ نضالي كبير امتد ٤٠ سنة من المواجة، كان الفيلم اسمه "رجال الجبل"، لكن الظروف حالت دون ذلك أيضًا.

وحول فترة زواجه بالفنانة سعاد حسني، وكيف كانت حياة زوجين من أصول كردية داخل منزل واحد لمدة امتدت لـ١١ عام يقول: لم يكن لدى سعاد أي خلفية غير أن والدها من كرد سوريا، لكن بالمقابل فإن حالة الجينات الكردية بالتأكيد كانت تظهر في تعاملاتنا.

ويوجه بدرخان رسالة لأهل روج آفا قائلًا: "كل التحية لأهل روج آفا ونضالهم، سينتصروا بالتأكيد ويعيدوا الأرض المسلوبة التي اغتصبها الأتراك، وبشكل عام أنا مع حل المشاكل الداخلية بين الكرد والكرد، ولنحقق الحلم الكردي بالوحدة والتوحد بعيدًا عن اعتماد أي طرف على أي طرف خارجي فالجميع يتحرك بطمع ولكل طرف أطماعه، ولن يحل مشاكل الكرد إلا الكرد، فلنؤجل الخلافات حتى نحقق حل لقضيتنا العادلة".