شيلان كوباني: قائدي سنكون صديقات لك في مملكة الحرية

تركت المناضلة شيلان كوباني إرثاً لايزال حاضراً إلى اليوم في أفئدة وأرواح كل من عرفها أو سمع عنها أو قرأ لها، حتى أصبح وقع كلماتها عن القائد والثورة يتردد على ألسنة كل من تبنّى دربها من أجل الحرية.

تمر اليوم، الذكرى السنوية الـ 20 لاستشهاد المناضلة شيلان كوباني (ميساء باقي) عضوة اللجنة المركزية في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) ورفاقها الأربعة زكريا إبراهيم، وحكمت توكماك (فؤاد)، ونبو علي (جميل)، وحاجي جمعة علي (جوان)، الذين تعرضوا لمؤامرة في مدينة الموصل العراقية أثناء قيامهم بمهمة في 29 تشرين الثاني 2004.

مسيرة الشهيدة شيلان

وِلدت المناضلة ميساء باقي (شيلان) عام 1971، في قرية كورعلي الواقعة على بعد 25 كم غرب كوباني، ترعرعت في محيط تحكمه التقاليد والأعراف العشائرية، وسط أسرة مكونة من الأب والأم و (5 شابات و4 شبان)، اضطرت إلى الانتقال مع أفراد أسرتها إلى مدينة حلب، بداعي العمل نهاية سبعينيات القرن الماضي.

تعرفت شيلان في عمر الـ 9 سنوات - عام 1980- على حركة حرية كردستان، وارتبطت بشخصية القائد عبد الله أوجلان وفكره، وكبرت على طموحاته متمنية أن تصبح مناضلة تليق بفكره.

اعتقلت شيلان للمرة الأولى على يد النظام السوري عندما بلغت عامها الـ 12، إثر مشاركتها في فعاليات حزبية، وعقب إنهائها المرحلة الإعدادية وبلوغها سن الـ 14، أرادت الالتحاق بصفوف حزب العمال الكردستاني والتعرف على الحركة عن قرب.

الانضمام

أعلنت شيلان العصيان ولأول مرة، ضد مدرستها عندما منعتها ورفيقاتها من المشاركة في احتفالات عيد نوروز (21 آذار) من كل عام، وعلى إثر ذلك نظمت ورفيقاتها مقاومة جديدة سميت بـ "الإضراب عن الدراسة"، وبسبب موقفها السياسي، اعتقلها النظام السوري.

ومع تردد كوادر حركة التحرر الكردستانية على منزل شيلان، ساعدوها لإتقان اللغة الكردية، حتى أصبحت معلمة للغة الكردية في مدينة حلب، وبدأت بتعليم الطلبة سراً لأول مرة آنذاك.

زارت شيلان كوباني معسكرات حزب العمال الكردستاني في سهل البقاع اللبناني عدة مرات، وتلقت التدريب هناك، كما شاركت كعضوة في المجموعة المنظمة لإذاعة "صوت الكريلا".

وفي آب عام 1988 انضمت إلى نضال حركة التحرر الكردستانية في مدينة حلب، وسارت برفقة 4 رفيقات لها متوجهات إلى لبنان، وعند نقطة العبور على الحدود السورية اللبنانية تم توقيفها من قبل السلطات اللبنانية وبقيت في سجن نسائي مدة شهرين، عرفت في السجن الكثير ما كانت تجهله عن طبيعة الحياة الاجتماعية.

ثم التحقت بأكاديمية معصوم قورقماز في لبنان، وتلقت هناك تدريباتها العسكرية والسياسية، وسميت في بداية مسيرتها النضالية باسم "سعادت"، ولاحقاً باسم "شيلان".

وبقيت مدة عام قريبة من القائد عبد الله أوجلان في معسكرات الحركة في لبنان، ورغم صغر سنها أصرت على خوض الكفاح المسلح في جبال كردستان، وهو ما لم يقبل به القائد عبد الله أوجلان، لتعود للعمل ضمن الفعاليات الشعبية في عفرين وحلب حتى عام 1991.

قائدي.. سنكون صديقات لك في مملكة الحرية

ولعل مذكراتها التي عُنونت تحت اسم (لأني امرأة)، تعبّر عن مدى متانة ارتباطها بالقائد عبد الله أوجلان والقضية، حين تقول: "نُهديك نحن النساء كل عشقنا، ونحوله إلى كتلة من النار لتحرق به الأرواح الشريرة الظالمة لتطهر أرواحنا من بقايا حضارة الحكام، لنتطهر من القبح الذي ارتديناه منذ أن غادرت الأم الحبيبة ساحة الحياة، ولنكون أصدقاء في وطن الأم فردوس النساء، وصديقات لك في مملكة الحرية".

"رواية الحقيقة تكتب هنا"

وصلت شيلان إلى جبال كردستان، وأرادت أن تثبت أن المرأة بإمكانها خوض الكفاح المسلح، وأن تلعب دوراً طليعياً في ذلك، وبتلك الروح بدأت مرحلة جديدة من النضال امتدت لـ 15 عاماً.

وانعكست هذه الرغبة على كتاباتها، وتحت هذا العنوان الفرعي (رواية الحقيقة تكتب هنا) من مذكراتها، تقول شيلان: "من أجل المرأة، إن التطور والتغيير والتجديد مرتبط بالبحث الدائم والسير دوماً نحو العظمة اللائقة بها، فأنا لا أرى أي شي آخر لائق بي غير العظمة في بنية الاتحاد والتنوير".

"يجب أن أخلق ثورة في قلبي"

وتضيف تحت هذا العنوان (يجب أن أكبر): "وأنا كامرأة، أشعر بالدور التاريخي الذي يقع على عاتقي، ولا يحق لي العشوائية أمام واجبات التاريخ. كامرأة تملك كرامتها يجب ألا أتقاعس في أعمالي أو أهرب من الصراع مع الحقيقة، حقيقة 5000 سنة، لذا فإن كنت صغيرة يجب أن أكبر، وإن كنت غير واثقة من ذاتي يجب أن أطور ثقتي بنفسي، وإن كنت ذات أفق ضيق يجب أن أفجر دماغي، وإن كنت ذات عواطف ضعيفة ورجعية يجب أن أخلق ثورة في قلبي".

ومع تأسيس حزب المرأة بشكل رسمي في مؤتمر المرأة الوطني الثاني الذي عقد في آذار عام 1999، وتحت اسم حزب المرأة العاملة الكردستانية (PJKK)، أخذت شيلان مكانها في إدارة الحزب في وقت كان تحزب المرأة بمثابة جواب صارم ضد الذهنية الذكورية والمؤامرة الدولية التي حيكت ضد القائد عبد الله أوجلان (9 تشرين الثاني 1998).

وبهدف انفتاح المرأة الكردية والشرق الأوسطية على نساء العالم كافة، وبسبب الطابع الاشتراكي والأممي لحركة حرية المرأة، تم تنظيم الحزب في الفترة ما بين أعوام 1999 - 2000 باسم PJA، أخذت هذه المرة أيضاً شيلان مكانها في إدارة الحزب، لتصبح عضوة مؤثرة في الحزب بنشاطاتها وفعالياتها الحزبية والتنظيمية بين جميع الرفيقات.

وفي عام 1999، مع القرار الذي اتخذ في المؤتمر الثاني للحزب، تأسست (PJKK)، والإعلان الرسمي عن تأسس حركة المرأة تسنمت الشهيدة شيلان كوباني مهام عضوة في إدارة الحركة، وبعيد ذلك تنظم حركة المرأة نفسها تحت اسم PJA وأصبحت أكبر.

وتوجهت إلى روج آفا عام 2004، للمشاركة في النشاطات والفعاليات التنظيمية فيها بناءً على طلب الحركة.

وبقيت فترة في العديد من مناطق روج آفا وسوريا، وحلب ودمشق وخطت خطوات عديدة على الصعيد التنظيمي والعملي بين الشعب ونالت ثقتهم، إلا أنه وخلال فترة قصيرة وصلت المعلومات للسلطات والاستخبارات السورية بوجودها في روج آفا، ووضعوا تحركاتها تحت المراقبة لكي لا تستطيع التحرك بحرية وإعاقة حركتها ونضالها في المنطقة.

وتوجهت بعد ذلك إلى مدينة الموصل العراقية؛ بهدف تنظيم الفعاليات هناك، لكنها تعرضت لمؤامرة مع رفاقها الأربعة (زكريا وجوان وفؤاد وجميل) أثناء قيامها بمهمة في 29 تشرين الثاني عام 2004.

ووري جثمان الشهداء الخمسة في مزار الشهيد هارون بجبال قنديل.

الشهيدة شيلان والفن

كانت الشهيدة شيلان ضليعة في الفن وملمّة بالآلات الموسيقية، لكنها لم تجاهر به، حتى أنها فضلت أن تخوض النضال في مضمار السياسة من أجل أن تتكلل مسيرة شعبها وقضيته بالنصر، ففي جزء من مذكراتها تتحدث عن ارتباط المرأة بالثقافة والفن، حيث تقول: "باستطاعة المرأة من خلال الثقافة والفن الوطني أن تكون المحور والمركز للديمقراطية والحرية والسلام بين الأمم، فهي بطبيعتها تمثل الفن".

وتضيف: "جوهر الفن ممثل في المرأة، مثلما خصوصية السلام الصعبة، هي الأساسية في حياتها، فخصوصيات العدالة والمساواة والحنان والحب غير منقطعة عن الفن".

المصدر: وكالة أنباء هاوار