شرارة واحدة يمكن أن تشعل النار في مجتمع بأكمله

عندما بدأت الحركة التحررية تفاجأ بها النظام الإيراني وتأثر بها الكثيرون حول العالم، وخلال عام فقط من هذا النضال، لم يبقى أحد ولم يتأثر بمعنى وشعار "المرأة، الحياة، الحرية".

قال ماو تسي تونغ، أحد الثوار البارزين في القرن العشرين: "شرارة واحدة تستطيع حرق المرحلة بأكملها"، لقد أثار ماو تسي تونغ الانتفاضة في المجتمع الصيني الأكبر عالمياً من حيث عدد السكان، بشرارة الكريلا، آنذاك، وأفسح حدث استشهاد جينا أميني التي استُشهدت على يد ما يسمى "شرطة الأخلاق الإيرانية" في 16 أيلول 2022، الطريق أمام الشرارة نفسها.

وبعد الحادثة، انطلقت ثورة الحرية التاريخية المكونة من النساء والشباب، وخاصة طلاب الجامعات تحت شعار "المرأة، الحياة، الحرية"، وسرعان ما انتشرت هذه الانتفاضة في جميع أنحاء شرق كردستان وإيران وكما صدمت السلطة المستبدة الحالية في إيران، وبلا شك، لم تُفاجأ السلطة الإيرانية وحده؛ وإنما صدمت السلطة الذكورية القامعة والإنسانية بأكمله، وانتشرت ثورة "المرأة، الحياة، الحرية" على الفور في جميع أنحاء العالم وأثرت على البشرية جمعاء.

ومن اللافت للانتباه هو أنه على الرغم من وجود وعي في الثورة المذكورة، إلا أنه لم يكن هناك أي تنظيم رسمي تقريباً، وبقيادة النساء والشباب ثار المجتمع بوعي جزئي وأكثر المرات برادات الافعال، إن النهج الرجعي للنظام الإيراني الحالي المتمثل في "عدم إظهار شعر المرأة" وبالإضافة إلى فرض الضغوطات الشديدة أدى إلى تطورت ردود الأفعال لدى الشعب، وبذلك توجه الشعب إلى الميدان حاملين ردود الأفعال هذه ونظموا أنفسهم في جميع أنواع الأنشطة الذي سينفذونهم، ولقد استطاعوا بزحفهم إلى الميدان أن يسيطروا على الشوارع وأن يشلوا وجود وحركة النظام الإيراني.

لقد تمكن النظام الإيراني من التخلص من صدمته بعد فترة، ولأنه تخوف من ازدياد ردود الافعال، أتبع نهج التسوية مع الجماهير المنتفضة في الساحات، لقد دعا الجماهير للاجتماعات والمناقشات وأظهر أنه يريد حقاً التوصل إلى حل وسط، وكان هدفه من ذلك كسب الوقت من جهة، والمحاولة التعرف على الأشخاص الذين كانوا يقودون الانتفاضة الشعبي من جهة أخرى، وفي الواقع، بعد أن حقق توقعاته لجأ إلى الضغط والعنف على الجمهور، في البداية، هاجم النساء والشباب وبدأ في اعتقال وقتل الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع، وفي العام الماضي، ألقي القبض على آلاف الأشخاص وأُعدم المئات، وكما زاد النظام الإيراني من حدة ضغطه ووحشيته على الشعب لدرجة أنه سمم الطلاب في المدارس.

وكان الموقف الأكثر إثارة للاهتمام هو انتشار حركة الحرية في جميع أنحاء العالم، ولم يكن هناك أي موقف جدي وصريح من الدول التي كانت تدعي بأنها تقاتل ضد إيران وتقول بأنها ضد إدارة الخميني، وكأن التصريحات التي كانت تأتي من الدول الأوروبية، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، أشبه بأصوات الأجداد، ومن الواضح أن المرأة التي خرجت إلى الشوارع وطالبت بحريتها أخافت هيمنة الرجل وفي كيان وحدة الدول ظهرت الوحدة الداخلية لهيمنة الرجل.

ورغم أنه كان واضحاً أن الاستجابة الاجتماعية خاصة بين النساء والشباب والتضامن مع المرأة الإيرانية قد وصلت إلى مستوى معين، إلا أن نواقصها كان واضحاً في بعض الأحيان، وفي جوهرها تم الكشف عن حقيقة مدى تماسك وتنظيم المجتمع، علاوة على ذلك، فإن مثل هذا النشاط لم يكن متوقعاً من "مجتمع يقبع تحت سلطة الملالي والمرأة المحجبة"، وبعد التغلب على هذه النظرة الوهمية والمهيمنة، بدأت أنشطة الدعم في العديد من مناطق العالم، وبلا شك، فإن الأشخاص الذين أظهروا أكبر قدر من الدعم كانوا من النساء.

نشأ تساؤلات هامة منذ بداية الانتفاضة حول معنى شعار "المرأة، الحياة، الحرية" ومن أطلقه، وقد شهدنا أن بعض الأطراف دخلت في مسعى لإظهار هذا الشعار الكردي شعاراً لها، وقال الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي كان يخشى من حرية المرأة، إن هذا الشعار يخصهم، وعلى هذا الأساس، استمرت المناقشات والجهود المبذولة لفهم شعار "المرأة، الحياة، الحرية" لمدة عام.

إلا أن صانع هذا الشعار هو قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان وحركة حرية المرأة الكردية بقيادة حزب حرية المرأة الكردستانية (PAJK) التي تقوم بتدريب وتنظيم النساء على أساس هذا الشعار، وفي تقييماته، لفت القائد "آبو" الانتباه إلى أن كلمة "المرأة والحياة" بأنهما من نفس الجذر وأشار إلى أن العلاقة غير القابلة للانفصال بين المرأة والحياة، ولهذا السبب عرّف "المرأة، الحياة، الحرية" على النحو التالي: "المرأة حياة، والحياة حرة"، وكما بيّن تأثير هذا التعريف، الذي له قيمة فلسفية وأيديولوجية عميقة جداً، والأشبه "بالصيغة السحرية"، وقال إن "الصيغة السحرية، المرأة والحياة والحرية، لديها القدرة على حل أي مشكلة". وجعل كل هذا أساس علم المرأة (جينولوجيا) الذي طوره.

الآن، تصادف الذكرى السنوية الأولى لثورة "المرأة، الحياة، الحرية"، فدعت منظومة المرأة الحرة في شرق كردستان كافة أبناء الشعب الإيراني وخاصة الشعب الكردي إلى التوجه إلى الميدان في الذكرى السنوية الأولى للانتفاضة، وعلى هذا الأساس يدعو إلى مواصلة درب الشهداء والتضامن مع الأسرى وبالإضافة إلى فهم النشاط التحرري بشكل أعمق وأدق، وفي بداية اليوم، يبدو أن الدعوة المذكورة قد تم تنفيذها إلى حد ما، والجميع يحاول فهم ماذا ستكون النتيجة، بالطبع لا يمكننا التنبؤ أو كتابة هذا الموقف، لكن عندما تقرأ هذا المقال ستعرف وتقدر كل ما سيحدث.

منذ اليوم السابق، بدأت فعاليات الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة "المرأة، الحياة، الحرية" في أنحاء العالم، ومنذ اليوم، تقام أنشطة حماسية في العديد من الأماكن، يمكن للمرء أن يقول بسهولة أن الذكرى السنوية الأولى تتوافق وتعيش مع "روح ثورة الحرية"، نحن نؤمن بأن النساء، وخاصة في الأجزاء الأربعة من كردستان، سوف يأتين إلى الميدان بشكل جماعي ويطورن ثورتهن، وبطبيعة الحال، فإن المجتمع كله يحتضن الثورة المذكور ويقدم دعماً كبيراً له، وتجري مظاهرات في كل أنحاء العالم مرددين شعار "المرأة، الحياة، الحرية".

ولا شك أن الاحتفال بالذكرى الأولى لهذه الانتفاضة العظيمة بالأنشطة أمر مهم وضروري للغاية، ولكن في الوقت نفسه، من المهم أن نأخذ في عين الاعتبار تطورات العام الماضي وفهمها بشكل جيد، وفي هذا الموضوع لا بد أن نذكر ما يلي: عندما بدأت الحركة التحررية تفاجأ وتأثر الكثيرون بها، وخلال عام فقط من هذا النضال، لم يبقى أحد ولم يتأثر بمعنى وشعار "المرأة، الحياة، الحرية" وهناك أمثلة تقول إن النظام الإيراني الحالي قمع الانتفاضة ونجح بذلك، لكن حتى أولئك الذين ظنوا أن تلك الأحداث تم قمعها من حيث النظام الإيراني، قد تأثروا كثيراً بمعاني الانتفاضة المذكور وشهدوا تغيراً جدياً في شخصياتهم، ولم يعد هناك النظام الإيراني القديم ولا نظام الحداثة الرأسمالي القديم الذي يهيمن عليه الذكور، والحقيقة الواضحة أن هذا النظام وأتباعه، وقعوا تحت التأثير العميق لثورة حرية المرأة وهم الأن لا يعرفون ماذا يفعلون.

وطبعاً، إن أهم تقدم تم إحرازه في العام الماضي كان في كافة شرائح المجتمع وخاصة في شخصية المرأة المضطهدة من قبل النظام الحالي، لقد تطورت الثقة بالنفس والوعي والتنظيم والتضامن والنضال للنساء وجميع المضطهدين أكثر من أي وقت مضى، وهذا يعني أنه لم يضيع أي شيء، بل على العكس من ذلك، خلقت الأنشطة الحرية إنجازات عظيمة، والآن وبناء على هذه الإنجازات وبروح الحرية، ندخل العام الثاني وفيه ستكون أنشطة الحرية أقوى وسيتم تحقيق إنجازات أكبر، وعلى هذا الأساس، نحيي ثورة "المرأة، الحياة، الحرية" التي أكملت عامها الأول، ونستذكر جميع شهدائها بكل إجلال احترام.

المصدر: يني أوزغور السياسية