تتم مناقشة سياسة إقليم كردستان والعراق داخلياً وإقليمياً وعالمياً في منتدى معهد أبحاث الشرق الأوسط (MERI)، الذي يرعاه الحزب الديمقراطي الكردستاني ويعقد سنوياً في هولير، وفي هذه المنتديات، إلى جانب مناقشة الصراعات بين القوى السياسية في إقليم كردستان، يحاولون إبراز العداء لحركة حرية كردستان وبشكل خاص، تحاول سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني إشراك القوى السياسية الأخرى في إقليم كردستان في هذه المنتديات في السياسات المناهضة للكرد وممارسة الضغط السياسي عليها.
في منتدى MERI الثاني الذي عقد في الفترة من 10 إلى 11 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى جانب سياسات القوى العالمية والإقليمية في العراق، تمت مناقشة العلاقات بين بغداد وهولير والمشاكل في الإقليم والخطط ضد شنكال في جلسة خاصة.
وكان المتحدثون في هذا القسم، مهندس ومؤسس اتفاق 9 تشرين الأول، ريبر أحمد ومستشار “الأمن القومي العراقي” قاسم الأعرجي، ونائب رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق UNAMI، كلاوديو كوردون، من أبرز المشاركين في للجلسة التي كانت عنوانها “اتفاق شنكال التنمية والمعوقات”.
لماذا يتحدث ريبر أحمد في إقليم كردستان عن قضية شنكال أكثر من غيره؟ كما هو معروف فإن ريبر أحمد كان مساعداً لمسرور بارزاني في مؤسسة الاستخبارات التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني ” الباراستن” قبل أن يصبح وزيراً للداخلية في إقليم كردستان، وكان مسرور مسؤولاً عن قوات الدفاع هذه قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، وبشكل خاص تم تسليم ملف الإيزيديين وشنكال إلى ريبر أحمد وهو المسؤول عن قضية شنكال في المخابرات، ويُعرف أيضاً بأنه مهندس ومؤسس اتفاق 9 تشرين الأول/ أكتوبر، ويؤثر تشكيل الاتفاق أو عدم تشكيله بشكل مباشر على سلطته.
ما الذي تمت مناقشته في الجلسة الخاصة حول شنكال؟
في بداية حديثه تحدث ريبر أحمد عن الصفقة التجارية بين العراق وتركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني والأمم المتحدة حول المجتمع الإيزيدي، ووضح أن الكثير من الوعود قدمت للحزب الديمقراطي الكردستاني لتسييس المجتمع الإيزيدي، ولم تتم الاستجابة للشكاوى المستمرة، ولم يتم الوفاء بكل الوعود الذي أعطاه العراق لهم! لكنه لم يذكر ما هي الوعود التي تم تقديمها للحزب الديمقراطي الكردستاني والبرزانيين خلف الكواليس على حساب الإيزيديين، لكن يمكن ملاحظة أنه خلف الكواليس جرت حسابات كثيرة بين هذه القوى بشأن الإيزيديين وشنكال، لكن موقف الإدارة وأهالي شنكال يشكل عائقاً أمام مخططاتهم.
وبسبب فشل العراق في تنفيذ اتفاق 9 تشرين الأول/ أكتوبر، انتقد ريبر أحمد السلطات العراقية وقاسم الأعرجي، وقال: “ليس لديكم القدرة على تطبيق القوانين!”، بمعنى آخر اشتكى من عدم تطبيق الاتفاق الذي استهدف إدارة شنكال الذاتية والتي تدير نفسها للمرة الأولى في تاريخ الإيزيديين، وانتقد عدم مهاجمة شنكال والقضاء على قوات الحماية الإيزيدية بشكل كامل.
إن الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يحاول التحدث باسم الإيزيديين أكثر من غيره ويتظاهر بأنه “يريد مصلحتهم”، أبدى اعتراضه للعراق، ولماذا تم تسمية الاتفاق بـ “القرار الأبيض” على الرغم من احتجاجات المجتمع الإيزيدي، ولماذا أغلق العراق عينيه عن إدارة شنكال لنفسها بنفسها وسمح للشباب الإيزيدي بحماية منطقتهم بنفسهم!
وفي جزء آخر من حديثه، اعترف أحمد بأنه لم ينجح في تنفيذ هذا الاتفاق، وقال بأن الاتفاق اتخذ الآن شكلاً معقداً، وهناك مثل في المجتمع الكردي يقول: “لم يتطابق حسابات البيت مع حسابات السوق”، ومن الواضح أن الوعود التي قدمت للحزب الديمقراطي الكردستاني ومشاريع احتلال الدولة التركية لشنكال قد أعمت عيون ريبر أحمد، ونسي أنه نتيجة تواطؤهم مع داعش والدولة التركية تم ذبح الآلاف من الإيزيديين في شنكال، وأسرت مرتزقة داعش النساء والأطفال الإيزيديين وتعرضوا للتعذيب وارتكبت بحقهم جميع أنواع الفظائع؛ أي أنهم تسببوا في مواجهة المجتمع الإيزيدي لأكبر إبادة جماعية في القرن الأخير.
وللأسف هناك قسم صغير من الإيزيديين الأثرياء، يوفرون المال على حساب هذه الهوية ويكسبون عيشهم منها، وليس لديهم أي صلة بالأرض وشنكال ويقفون مع PDK على حساب الإيزيديين والوطنيين والفقراء والمتمسكين بأرضهم وعقيدتهم، ولكن كما يقول العم كاك من جبل سردشت في شنكال: “الإيزيديون الوطنيون والحقيقيون لم يغادروا جبالهم أبداً”، فقد ضحوا بأنفسهم لحمايتها وإذا عدنا إلى موضوعنا الأساسي، فإنه ينبغي على المسؤول عن قضية شنكال، عند إبرام الاتفاق، أن يأخذ في الاعتبار هذه التغييرات والتحولات التي حدثت في المجال الفكري والذهني والاجتماعي والإداري والدفاعي والتنظيم في كل مجال حتى لا يتفوه بكلام فارغ في كل مناسبة.
وقد اعترف القيادي أحمد والسلطات العراقية عشرات المرات بعدم نجاحهم في تنفيذ اتفاق 9 تشرين الأول/ أكتوبر، ومنذ عام 2020 وحتى الآن تم وضع العديد من الخطط لتنفيذها، وبذلت جهود كثيرة، ولكن في كل مرة واجه المجتمع الإيزيدي والمجتمع العربي في شنكال معارضة ومقاومة كبيرة، وبسبب القراءة الخاطئة للواقع الجديد في شنكال والاعتراف بالهزيمة، لجأ كعادته مرة أخرى إلى حجج لا قيمة لها.
لكن في الواقع، لم يكن الانسحاب المادي لحزب العمال الكردستاني PKK سراً، وحتى رئيس وزراء العراق في ذلك الوقت شكر الكريلا على حربهم ضد داعش، ورغم أن هذه الحقيقة معروفة إلا أنه من أجل تنفيذ خطته على الإيزيديين، فإن القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد، الذي ربط مصير سلطته الشخصية بتنفيذ الاتفاق، يضع حجج واهية على جدول الأعمال في كل فرصة لمنع النضال المشروع للمجتمع الإيزيدي وتبرير مجازر الدولة التركية على شنكال.
ومن أجل ترك المجتمع الإيزيدي أعزل، يستهدف ريبر أحمد دائماً قوات الدفاع الإيزيدية YBŞ-YJŞ وقوات الأمن الإيزيدية، ويطلق على المقاتلين الإيزيديين اسم “القوات المسلحة الأجنبية”، ويطلب من المخابرات العراقية تصفية قوات الدفاع الإيزيدية!، وقد عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني اتفاقاً مع داعش وسيد داعش وراعيها الدولة التركية، وترك الإيزيديين يواجهون مذبحة كبيرة.
والآن مرة أخرى، يحاول تركهم بدون دروع ودفاعات، ونتيجة لهجوم الدولة التركية وحزب PDK في شهر أيلول/ سبتمبر، تعرض ثلاثة من قادة وحدات مقاومة شنكال للهجوم واستشهد على إثره ديندار أفستا وجيا فقير وبيران بير، والآن يدعو ريبر أحمد إلى القضاء على المقاتلين والقادة الإيزيديين في العراق وتركيا في نفس الجلسة ويقول: “إذا لم يتم تطهير جبل شنكال من حزب العمال الكردستاني والجماعات المسلحة الغير شرعية، فإن العراق وإقليم كردستان والعراق سيدفعون الثمن”.
وفي الجلسة، ورغم عدم إعلان أي نتائج في التحقيق في حريق قاعة الحمدانية إلا أن القيادي ريبر أحمد أشار إلى نقطة واحدة، وقال: “أحداث مثل حادثة الحمدانية تجعل جماعات مثل المسيحيين غير قادرة على العيش في العراق ونفس الخطر موجود بالنسبة للإيزيديين”، وبحسب ريبر أحمد فإنه “يشير إلى نقطة مخفية، فمن الواضح أنه على علم بالمخططات والتنظيمات المناهضة للدين في الموصل، بل وربما يكون شريكاً لها!”.
وانتقدت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية حكومة إقليم كردستان بشدة منذ عام، وقالت إن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يسمح للمهاجرين بالعودة إلى أماكنهم ودعت لعودة المهاجرين الإيزيديين والمجموعات الأخرى للموصل، إلا أن ريبر أحمد في هذا اللقاء عارض هذا القرار بشكل واضح، وبشل غير مباشر، عارض إخلاء المخيمات وعودة المهاجرين.
إن المهاجرين الذين عادوا مؤخراً إلى شنكال عرض عليهم المال حتى لا يعودوا إلى أماكنهم، أو تم إجبارهم على عدم مغادرة المخيمات بحجج واهية! وفي ذكرى المجزرة، كانت هناك موجة عودة للمهاجرين إلى شنكال، وقد تم الترحيب بالمهاجرين العائدين من قبل المجالس الشعبية وبلديات شنكال، كما قدمت بعض المنظمات المدنية في المنطقة فرصاً مختلفة ومساعدات للعائدين.
وقال العديد من المهاجرين العائدين بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يخيف المهاجرين حتى لا يعودوا إلى شنكال ويخلق العديد من العقبات، لكن بعد مجيئهم إلى شنكال، لم يكن الوضع كما هو متوقع، وانضموا إلى مجالس الشعب وشاركوا في عملية إعادة الإعمار، وعندما فشلت خطة الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذا الأمر واقتربت انتخابات المحافظات، اتفق مع العراق أن يصوت المهاجرون في المخيمات وبعد ذلك، منع مرة أخرى عودة المهاجرين، وإن لب خطاب ريبر أحمد هو وثيقة واضحة تظهر إعاقة عودة المهاجرين وتؤكد عليها بيان وزارة الهجرة والمهاجرين العراقية.
وفي الوضع الحالي، كما يقول ريبر أحمد، يحتجز حزب الديمقراطي الكردستاني 300 ألف إيزيدي كرهائن في تلك المخيمات ويستخدمهم لتنفيذ اتفاق 9 تشرين الأول/ أكتوبر ضد العراق ويريد الاستفادة منهم في الانتخابات المحلية.
ويفهم من هذا اللقاء أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يمارس الضغوط مرة أخرى على العراق لتطبيق اتفاق 9 تشرين الأول/ أكتوبر وتفعيل النقطة الرابعة من الاتفاق والتي تدعو إلى تشكيل لجنة مشتركة.
واعتماداً على الهجمات على غرب كردستان ومخمور، قد تتطور في المستقبل القريب بعض التهديدات الجديدة ضد شنكال وقد بدأوا في إقامة سياج بين القرى العربية والإيزيدية وتم بناء جدار عازل بين شنكال وغرب كردستان وشوهدت محاولات لتطويق المنطقة.
وهدد ريبر أحمد الإيزيديين وقال بأنه إذا لم يتم تنفيذ اتفاقهم فلن تستقر شنكال ومن لا يجعلها مستقرة هي الدولة التركية، والجميع يعرف من هو صديق الدولة التركية، صديقه هو الحزب الديمقراطي الكردستاني وبارزاني. وبهذا التصريح يقول بأنه إذا لم يتم تنفيذ خططنا، فسوف نزعزع وضع المنطقة معاً ونواصل مجازرنا المشتركة ولن نسمح بإعادة بناء شنكال، لتقرر وتدير نفسها بنفسها وتدافع عن نفسها، لكن شنكال ورغم كل هذه الجهود والهجمات، في طور إعادة البناء في كل مكان ويتم بناء آلاف المنازل الجديدة في كل مكان في شنكال، عدا عن بناء المجالس والبلديات الشعبية ومجالات الحياة الجديدة والمحميات والمجالات الاقتصادية.
وأفضل رسالة للإيزيديين في عيد “جما” هذا كانت موجهة إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني والدولة التركية، وقد قام آلاف الإيزيديين بتجديد قباب مزاراتهم منذ ما يقرب من شهرين، واحتفلوا بإجازتهم في شنكال بسلام كبير ولذلك فإنهم يكثفون هجماتهم، ولكن الآن بعد أن نظم المجتمع الإيزيدي نفسه وفقاً لفكر وفلسفة القائد آبو، فمن المستحيل التخلي عن الحرية التي حصلوا عليها، بمجرد أن جربوا مذاق الحرية، فإنهم لن يستسلموا حتى الموت وعلى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن يعيد قراءة هذا الواقع بشكل صحيح.
المصدر: روج نيوز