حادثة أردم كافلاك وما قبلها

ليس فقط أردم كافلاك، بل العديد من الجنود الأخرين أيضاً، تم الإعلان عن سبب موت كل واحد منهم بطريقة مختلفة، والحقيقة غير واضحة، ترى هل ماتوا أم قتلوا.

في 12 تموز، بثت قناة تلفزيونية تعمل وفقاً لسياسات الحرب الخاصة للدولة التركية، نبأ مقتل جندي يُدعى أردم كافلاك، أصيب بجروح خطيرة في منطقة عمليات "مخلب القفل"، بعد قراءة هذا الخبر قلنا لأنفسنا "هذا أردم، إما قتل نفسه، أو أبدى اعتراضاً على بعض الأمور وقٌتل"، السبب وراء هذا الافتراض هو أنه تم نشر أنباء عن موت بعض الجنود سابقاً مثل "مات في حادث إطلاق نار بسلاحه أو سقط من جرف أو لدغته الدبابير أو غرق في الماء"، كثيراً ما رأينا وسمعنا عن ماهية المتلازمات التي يعاني منها الجنود والتي دفعتهم إلى الانتحار أو تم قتلهم، وفي 13 تموز، تم إطلاق شريط فيديو لضحية من الجيش التركي يُدعى أردم كافلاك يشكو من قادته.

لمحة موجزة عن الأسباب الكامنة وراء حادثة أردم كافلاك

في 23 نيسان 2021، بدأ الجيش التركي أوسع عملياته الاحتلالية ضد مناطق الدفاع المشروع، في الأيام التي بدأت فيها العملية، أعلن أردوغان وعصابة وزرائه عن اليوم الذي ستنتهي فيه العملية، أما بعض الذين تحدثوا بشكل حازم حيال هذا الأمر، فتوقعوا أن تكتمل هذه العملية في غضون شهرين وأن مناطق الدفاع المشروع سيتم احتلالها بالكامل في غضون شهرين، لكن الجيش التركي، من جنوده المرتزقة وحتى كبار قادته،  دخلوا هذه العملية في حيرة من أمرهم، وزير جرائم الحرب في ذلك الوقت كان يعلن بصوت عال عن عملية "مخلب القفل" على القنوات التلفزيونية، لكن وضع الجنود الأتراك في زاب وأفاشين لم يكن كما قيل.

في السابق، تم تنفيذ العديد من العمليات خاصة على الشريط الحدودي لزاغروس، اعتمدوا على قلاعهم وجبهاتهم الحربية المجهزة بأحدث التقنيات وكانوا يقومون بعمليات خارج الحدود، لكن في 23 نيسان 2021، بدأوا عملية أصبحت مثل متلازمة مرضية فيما بعد بالنسبة لهم، كان زعيم الفاشية أردوغان يقول في كل يوم إنه لا يعرف عدد الكيلومترات التي كانوا يتقدمون فيها، فقد قدم نفسه على أنه زعيم العالم الجديد في الشرق الأوسط، لكن الجنود الأتراك، الذين كانوا يتجهون إلى المناطق التي جعلتها قوات الكريلا كالحصون، لم يكونوا واثقين مثلما كان قادتهم.

أدركنا لاحقاً أن الأمر لم يكن "جلب الجنود" فقط، بل كان "انتشال الجنود" أيضاً

شهِّد الجنود الأتراك الذين أتوا إلى زاغروس عام 2021 وهم يرددون أغاني النصر ونشيد مهتر، أول صدمة لهم في مام رشو، لأن مقاتلي الكريلا الذين يعرفون ما تقتضيه الحرب في هذا الوقت، لن يقاتلوا كما في السابق، أصبحت أنفاق الحرب، التي تم بناؤها بسنوات من العمل الشاق، أساس المقاومة المهيبة للكريلا التي صدمت الجيش التركي، ثم كان الشيء المهم في ذلك الوقت أن الجيش التركي كان يجلب المزيد من جنوده كل ليلة دون توقف، اعتدنا أن نرى أنهم يجلبون الجنود أكثر من 50 مرة في الليلة، اعتقدنا أيضاً أنهم كانوا يضعون المعدات والأسلحة وعندما نستيقظ في الصباح وننظر إلى تلة مام رشو، سنرى الكثير من المعدات التقنية والحيوية والأسلحة الثقيلة، لكن في الصباح لم نرى أي شيء سوى الجنود، أدركنا لاحقاً أنهم لا يجلبون الجنود إلى تلة مام رشو فحسب، بل يتم انتشالهم من هناك أيضاً، قضى الجيش التركي جنوده على تلة مام رشو مثل البسكويت، كل ليلة كانوا يأخذون جنودهم القتلى إلى قاعدة روباروك ويحضرون جنوداً جدداً إلى مكانهم، لم يتم نقل الجثث فقط عبر طائرات سكورسكي، ولكن تم أيضاً نقل الجنود الذين لم يقاوموا لأكثر من يومين في ساحة المعركة، كان على الجيش التركي أن يغير جنوده كل ليلة.

ثم يسير جندي سئم من كل شيء، عارياً وبدون سلاح في ساحة المعركة

الواقع على الأرض لم يتطابق مع دعاية "البطل الذي لا يقهر" التي تم بثها على التلفزيون، اقتنع الجنود الأتراك بكذبة "هذه المهمة ستنتهي في غضون شهرين، ستعودون إلى منازلكم في غضون شهرين"، لكن هذه المهمة مستمرة منذ عامين...

أرض زاغروس صلبة وشديدة الانحدار، في الشتاء يكون الجو بارداً جداً وفي الصيف يكون الجو حاراً لا يطاق، فقط الأشخاص الذين ولدوا ونشأوا وظلوا في هذه المنطقة الجغرافية لسنوات يمكنهم العيش هنا، الجنود الذين أتوا بهم عام 2021، بجميع معداتهم، بدأوا بالسير عراة وبدون أسلحة في ساحات المعارك خلال أشهر الصيف، مثل الجندي الذي قُتل في تلة جهنم التابعة لزاب بتاريخ 24 أيار، كان يرتدي ملابسه الداخلية فقط، ماذا يفعل الجندي الذي تم تدريبه لسنوات على الاستماع والتخفي والسرية واليقظة في هذا الموقف؟ الجندي الذي تخلى عن كل شيء، وسئم من حياته، يذهب إلى ساحة المعركة عارياً ودون سلاح، بالطبع، لم يكن الجو الحار فقط هو ما أزعجهم؛ كانت مقاومة الكريلا وهزيمتهم والخسائر التي تكبدوها هي السبب الرئيسي، بلا شك، إذا تعرض جندي للضرب والتوبيخ من قبل قائده نتيجة هجوم فاشل، فإن حالته العقلية ستكون صعبة للغاية.

من ناحية أخرى، هناك جيش فدائي للكريلا يضحون بأرواحهم كل يوم من أجل هدفهم وولائهم وارتباطهم وأيديولوجيتهم، جيش الكريلا هو جيش صادق سار على خطى زيلان وقال:" نتمنى أن يكون لدينا شيء آخر نقدمه بالاضتفة إلى أرواحنا"، التقينا بالعشرات من الشهداء في جبال كردستان الذين استشهد أحد رفاقهم بتلة جنهم، حملوا سلاحه وذهبوا أسرع لمهاجمة العدو وقاتلوا بقوة أكبر، التقينا بالعشرات من المقاتلين الشجعان الذين لم يتوقفوا عند رؤية تقطع أوصال أجساد رفاقهم، من هنا يأتي استقرار الحرب وتطور الكريلا، في هذا الأمر، عندما يتم المقارنة بين جنود الجيش التركي ومقاتلي الكريلا، هذا بالطبع عدم احترام للكريلا، ولكن كان من المثير للاهتمام أن تقوم طائرات سكورسكي بانتشال ما لا يقل عن 20 جندياً إلى جانب الجثث في منطقة مشتعلة ويجلبون جنوداً جدداً مكانهم، في كل ليلة، كانت طائرات سكورسكي تنقل الجنود الأتراك الذين لم يكونوا مستعدين لتحمل أهوال هذه الحرب، وتكاليفها وظروفها، الذين لم يكونوا أقوياء العقل والقلب مثل مقاتلي الكريلا، من مكان إلى آخر.

كانت القوة الأكثر إحباطاً ويأساً للجيش التركي، هي تلك المتواجدة في تلة ورخليه

وشارك جنود أتراك، بنفس الحالة النفسية، في العملية التي بدأت في 17 نيسان 2022 في زاب وأفاشين، لكن الحقائق التي اكتشفناها عن سلوكهم العام الماضي، سمعناها منهم هذا العام، كانت القوة الأكثر إحباطاً ويأساً للجيش التركي، هي تلك المتواجدة في تلة ورخليه، كان صوت الجنود من الخارج وهم يتحدثون مع بعضهم البعض، يصل إلى مسامع مقاتلي الكريلا، ورد حديث بين أحد الجنود وأحد الضباط كالتالي:" قال القائد للجندي، هيا! حان دورك، هيا يا أسدي، أدخل وسيكون كل شيء سهلاً، يقول الجندي؛ حياتي ليست رخيصة، لن أدخل، فليدخل هو، مشيراً إلى واحد من زملائه".

تنتهي النهاية يصطدمون ببعضهم البعض، قال مقاتلو المقاومة في ورخليه إن الجنود يتعاركون بين بعضهم البعض كل يوم، كان هذا اليوم تقريباً هو اليوم المائة لمقاومة ورخليه، حيث كان الضابط الذي بدا وكأنه المسؤول، يقدم اقتراحاً للكريلا، هذه المرة لم يكن اقتراحاً بالاستسلام، بل قال: "نعم، نحن نفهم، لن تستسلموا، على الأقل اتركوا هذا الموقع واذهبوا، لن نلمسكم، ولن نخبر أحداً"، في عملية المقاومة هذه، حدثت أشياء كثيرة لجنود الجيش التركي لدرجة أنهم، دون علم قادتهم بذلك، اقترحوا على مقاتلي الكريلا حل هذه المهمة بطريقة سهلة، أولئك الذين يتوقون لتناول طعام أمهاتهم، سئموا الطعام المعلب، أولئك الذين اشتكوا من عدم الاستحمام، أولئك الذين تذكروا توقيفهم، أولئك الذين ناموا أثناء مناوبة الحراسة وضبطوا، بالطبع، هؤلاء الجنود لا يستطيعون مقاومة الجيش الأكثر فدائية، جيش مقاتلي الكريلا المقاتلون الآبوجيين!

كل جندي قاتل ضد الكريلا، مطلوب منه الذهاب إلى مراكز إعادة التأهيل

يمكن للمرء أن يتكلم عن العديد من الأحداث المختلفة التي حدثت في كل جبهة، كنتيجة؛ ما أريد قوله هو أن وضع الجنود الأتراك في مناطق الدفاع المشروع ليس جيداً على الإطلاق، وهذا الوضع أثبتته نتائج اليوم، قال أردم كافلاك، الذي توفي أو قُتل نتيجة حادث؛" إذا حدث لي شيء هنا، فإن القادة هم المسؤولون"، هو نتيجة المقاومة الكبيرة لـ زاب وأفاشين، ليس فقط أردم كافلاك، بل العديد من الجنود الأخرين أيضاً، تم الإعلان عن سبب موت كل واحد منهم بطريقة مختلفة، والحقيقة غير واضحة، هل ماتوا أم قتلوا، الكثير من الجنود لم يتحملوا أهوال هذه الحرب وانتحروا، أو لأنهم وقفوا في وجه من جرهم إلى هذا الظلام وتم قتلهم، لقد حدثت لهم هذه المتلازمات، لقد انتحروا، ولم يتكيفوا مع المجتمع، لقد أصبحوا مجانين وهكذا، كل جندي قاتل ضد الكريلا في مناطق الدفاع المشروع، مطلوب منه الذهاب إلى مراكز إعادة التأهيل، وإلا فإن مواقف مثل "الحوادث" التي حدثت في قضية أردم كافلاك، قد تحدث كثيراً.