بدأت الانتفاضة بمباراة بين فريق الجهاد من قامشلو وفريق الفتوّة القادم من دير الزور, والذي جاء معه جمهوره وجاب شوارع مدينة قامشلو قبل المباراة وهو يردّد شعارات عنصريّة ضدّ الكرد ويحيّي الرئيس العراقي المخلوع "صدّام حسين", إلى جانب هتافات تشتم رموز وقادة الكرد, وكلّ ذلك تحت نظر الأجهزة الأمنيّة والشرطة التي انتشرت بكثافة لحماية أولئك الذين كانوا قد استعدّوا لإحداث شغب مخطّط له من قبل شيوفينيّين سعوا لبثّ فتنة بين الكرد والعرب.
ويروي مواطنون كرد من مدينة قامشلو شهاداتهم حول استعدادات جمهور الفتوّة لنشر البلبلة والفوضى قبيل المباراة, إذ يقول محمود حسن "شهدت شوارع قامشلو يومها حركة مرورية غير طبيعية, ووجود العديد من العربات والسيارات الغريبة وكان جمهور فريق الفتوة القادم من دير الزور يطلقون صيحات وشعارات محرضة مثلا ’فلوجة.. ليحيا صدام حسين’ وما إلى هناك من شعارات عنصرية استفزازية.
وقبل البدء بالمباراة توجهنا إلى المعلب لنشاهد المباراة التي كان من المقرر أن تقام بين فريقي الجهاد والفتوّة, ولدى دخولنا إلى المعلب كان هناك تشديد في التفتيش علينا من قبل شرطة النظام البعثي, واللافت حينها أنّ اجراءات التفتيش لمشجعي فريق الفتوة من العرب لم تكن مشددة وأغلبهم دخلوا دون تفتيش قط, الأمر الذي أثارَ فينا الفضول والتساؤل, ولكن لم نكن نعرف مايهدفون إليه".
لم تكن الأجواء عاديّة مشابهة لأجواء أيّ مباراة تجمع فريق الجهاد مع فريق آخر ضمن الدوري السوري, هتافات عنصريّة يردّدها جمهور الفتوّة, استنفار لعناصر الشرطة والأجهزة الأمنيّة, احتقان يوحي بوجود "مؤامرة" تمّ التخطيط لها, ناهيك عن الحرب الأمريكيّة على العراق بهدف إسقاط نظام صدّام حسين الدكتاتوري. كلّ تلك الأمور فجّرت الوضع خاصّة بعد أن بادر جمهور الفتوّة برشق مشجّعي الجهاد بالحجارة, الأمر الذس دعا الأخير أن يردّ بالمثل, لتبدأ القوى الأمنيّة بالهجوم على الغاضبين الكرد وتقوم بضربهم بالعصي والهراوات, وما ادّى إلى تفاقم الوضع أكثر هو إطلاق الأمن الرصّاص الحيّ على الجمهور الغاضب.
بعد سماع أهالي مدينة قامشلو لأصوات الرصّاص, وأيضاً قيام مراسل برنامج “ملاعبنا الخضراء” في إذاعة دمشق وهو على الهواء مباشرة بنشر نبأ مقتل ثلاثة أطفال دهساً وتأجيل المباراة إلى إشعار آخر, هرع المئات من الأهالي إلى محيط الملعب وانضمّوا للمتواجدين في حركة احتجاجات عفوية ما لبثت أنّ توسّعت اتجوب في شوارع مدينة قامشلو وتردّد شعارات مناهضة لدكتاتوريّة النظام البعثي.
ويوضح عبد الكريم إسماعيل خالد, أحد المتواجدين في الملعب حين بدء قوى الأمن بالهجوم على الكرد "كان الشارع مكتظاً بالناس ومن هناك بدأت قوات النظام البعثي بإعتقال الشبان الكرد بشكل عشوائي، ولذا سارعنا بالعودة إلى الحي هرباً من بطش النظام وهمجيته".
أربعة شهداء قضوا برصاص قوّات الأمن البعثيّة, إلى جانب العشرات من الجرحى والمصابين, والعديد من المعتقلين, وفي اليوم التالي, خرجت الجماهير الكرديّة في تجمّع حاشد لتشييع الشهداء, لكنّ النظام السوري استقدم المئات من الجنود إلى جانب قوى الشرطة والقوى الأمنيّة لشنّ هجوم على تلك المشيّعين, وفور وصول تلك التعزيزات العسكريّة, بدأ الهجوم بالرصاص الحي, الذي استقبله المدنيّون الكرد بصدورهم العارية, لكنّ هتافات الحرّية لم تهدأ بالرغم من أزيز الرصّاص.
وجّه الجنود فوّهات بنادقهم إلى المتظاهرين وأطلقوا نيرانها عليهم, وفقد 40 كرديّاً حياتهم شهداء في سبيل الحرّية والكرامة, وأصيب المئات منهم, فيما سارعت القوى الأمنيّة إلى محاصرة المشافي وإلقاء القبض على كلّ من تصله يدهم, زُجّ المئات في المعتقلات وتعرّضوا لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل, وبثّ النظام الرعب والهلع في شوارع المدن الكرديّة وأزقتّها, كما عمد إلى فصل المئات من الموظّفين الكرد عن عمليهم, ناهيك عن فصل العشرات من طلاّب الجامعات الكرد ممن خرجوا في تظاهرات نصرة لأهاليهم في المدن الكرديّة.
كانت انتفاضة الكرد في مدينة قامشلو, والتي امتدّت لعامودا, الدرباسيّة, سرى كانيه غرباً, وتربه سبيه, جل آغا, رميلان, كركى لكى شرقاً, ومناطق تواجد الكرد في حلب ودمشق, بمثابة شرارة ثورةٍ ضدّ النظام الطاغية في دمشق ورفضاً, في الوقت ذاته, للمخطّطات الشيوفينيّة التي سعت لبثّ الفتنة بين الكرد والعرب, ولم تكن مجرّد "أحداث" كما أطلق عليها مسؤولو النظام ووسائل إعلامه.
ويعتبر العديد من المراقبين أنّ انتفاضة 12 آذار هي الحجر الأساس لثورة روج آفا, والتي أسّست لمبدأ أخوّة الشعوب وأفشلت كلّ المخطّطات الراميّة لنشر التفرقة والشقاق بين مكوّنات شمال وشرق سوريا, ثورة روج آفا التي تمكّنت من زرع المحبّة والوئام بين الكرد, العرب, السريان, الأرمن, الأشوريّين وغيرها من المكوّنات المتآلفة تحت راية الإدارة الذاتية الديمقراطيّة, والتي شارك في الحرب على إرهاب القوى المتطرّفة في عموم شمال وشرق سوريا, والتي تسعى لبناء سوريا ديمقراطيّة تعدّدية بعيدة عن ذهنيّة العقل البعثي الإجرامي.
صورة أرشيفيّة